القرضاوي : الدين عندنا علم ..والعلم عندنا دين !!!

القرضاوي : الدين عندنا علم ..والعلم عندنا دين !!!Abdulrazakeid

عبد الرزاق عيد: الحوار المتمدن

هذه العبارة هي عنوان أحد فصول كتب الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي، بل غدت مقولة من مقولاته التي تتكرر في كتاباته وأحاديثه ..
لو قلنا نحن هذا القول لانقض علينا الكثيرون يشككون بنوايانا، وعلى اننا نريد بالإسلام شرا وإساءة وتشويها وتهديما كما علق المرحوم الشيخ البوطي على كتابنا (سدنة هياكل الوهم :” نقد العقل الفقهي ” )، عند رفض نشر أحد فصوله بمجلة (المعرفة) التي يفترض أنها علمانية ،لأنها مجلة وزارة الثقافة السورية …حيث قال الشيخ البوطي حينها ( إن الباحثين العلمانيين يريدون باسم العقل والعقلانية أن يهدموا أركان الإسلام ..) كما فهموا من أحاديثنا الأخيرة

والشيخ القرضاوي يستند في تلك المقولة، للإمام الغزالي القائل :
” أن علوم الطبيعيات فلا حاجة لها ” ويستثني الطب بسبب الحاجة اليه ..في ص26 من (إحياء علوم الدين )، وبالتالي، فهو يفتي في أنها من (علوم المباح )، لكن الشيخ القرضاوي يعتذر لخلافه مع شيخه الغزالي في الرأي، إذ يرى في ظروف تحدي علماء اليهود الشياطين لنا في مجال العلوم الطبيعية، أنه لا بد من رفع درجة (المباح إلى درجة الكفاية دون الفرض العيني)، إي اعتبارها ( ليست مباحة فحسب، بل تبلغ حد (فرض كفاية ) ….
وعلى اعتبار الشيخ القرضاوي هو المرجعية الإسلامية الأولى في العالم العربي والإسلامي (اعتداليا -أخوانيا )، فعندما سمعنا بتشكيل حكومة سورية، يحتل فيها ( إسلامي :أخواني أو صديق للأخوان ..) موقع وزارة التعليم شعرنا بأن ثمة مشكلة حقيقة، فهو يعتمد على مقولة ( الدين عندنا علم، والعلم عندنا دين )،حيث العلوم الحقيقة هي العلوم الدينية حسب الغزالي والقرضاوي ، وأن العلوم الطبيعية ( هي في حكم المباح أو فرض الكفاية) ..وليست هي مجال التحدي الحضاري ( الضروري العيني) الإنساني منذ بداية هزائمنا في عصر الغزالي حتى هزائمنا اليوم التي عايشها الشيخ القرضاوي أطول مما عشناها بسبب فارق العمر على الأقل…ونحن نعرف أن التجربة الإسلامية الماليزية التي تعزو تطورها وسبقها الحضاري والتموي إلى إيمانها بأولوية العلوم الطبيعية الحديثة …وذلك لأنا نعرف جيدا أن الإسلاميين العرب هم الأشد ابتعادا (فكريا) عن التجربة الإسلامية (الماليزية والتركية ) والأقرب منهجبا : إلى ولاية القيه …(الحاكمية ) .. ولذا قلنا فليأخذوا ما شاؤوا من الوزارات التي تدخل في إطار شرع (فرض العين ) ..وليتركوا لغيرهم مجالات ( فرض المباح والكفاية ) …
ولذا فضلنا أن ننشر مقالة قديمة عن هذا الموضوع،اجلناها رغبة منا في عدم الإختلاف مع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي تقديرا واحتراما لمواقفه المشرفة نحو ثورتنا السورية المباركة …

ها هو المقال …لكل أولئك المتسائلين والمشككين بحقيقة عرضنا لأراء الشيخ القرضاوي بالعلم …

الشريعة والحياة ( 1)
تطبيب المسلمين بصيدلية اسلامية
د.عبد الرزاق عيد
لقد مرّ على هذا البرنامج الاسبوعي سنوات على قناة الجزيرة يتغير فيها المتحاورون بعد أن يستنزفوا كل ما لديهم من علوم السؤال، بينما ظل المحاور واحدا وهو الدكتور يوسف القرضاوي لاتستنفذ علومه الزاخرة التي هي كالبحر الذي لاتعكره الدلاء !
فالرجل حسب تعبيره في برنامجه الأحد 14 / 5 / 2006 ينتمي الى ذلك الجيل الموسوعي الذي تلقى كل علوم الأصول والفروع التي تتيح له الافتاء والاجتهاد، أي تتيح له أن يكون عالما ومفكرا وداعية وواعظا، بعد أن وضح لنا فروق الفطرة والموهبة بين هذه الوظائف، فقد يكون المرء عالما دون أن يكون واعظا وبالعكس، فابن الجوزي قد لايكون في علم ابن تيمية، لكنه يفوقه في قدرته على ابكاء الآلاف، طبعا ولا ينسى أن يذكرنا أنه- ابن جماعته- من الحنابلة، ونحن علينا فورا أن نتوقع كيف يكون ( الوعظ الحنبلي ) الذي لابد أنه يهز الركب ارتجافا من جهنم وأهوال يوم القيامة يوم انتقام الجبارالقهار، وهذا القهار ليس كقهار المتصوفة الذي يقهر ظلام العدم بالنور الذي ينبثق فيضا من عمق لجة الظلمة، حيث يقهر ما دونه من الأنوار لشدة اشراقه ( حركة التصوف الاسلامي – ص 244 ) ، وقوة لألائه ، وحيث قهر نورانيته مرادف لقيوميته : ( قيام الجميع به ) وقدسيته : لتنزهه عن جميع صفات النقص، والعظمة والعلية : اذ لا أعظم ولا أعلى منه بين الأنوار، أي ذاك القهار الذي يناجيه ابن سينا بأنه ” خالق ظلمة العدم بنور الوجود ” . (ص 10 من كتاب الإمام محمد عبده،جمع وتحقيق د. عاطف العراقي) ، حيث ارتباط الوجود بالنور ارتباط الحياة بالضياء وارتباط الظلام بالعدم والفناء، فلابد من السعي الى النور والضياء اذا أردنا السعي السالك نحو الله نور الأنوار وقاهرها بنوره .
وعلى هذا فشيخنا يسرب لنا رغم كل مظاهر التواضع أنه من تلك الفئة التي فتح الله على قلبها كل خزائن العلوم : الفقه – وعلم الأصول – الشريعة – علم التوحيد ، ومنحه كل المواهب ، العالم المفكر، الداعية، الواعظ، الفقيه، والمجتهد، بل وينبغي أن لاننسى ( لقب الدكتور ) الذي لا ندري الأساس الفقهي الذي يستندون اليه في زهوهم بهذا اللقب ( الفرنجي ) ، الذي لا يتلاءم مع ( القفاطين والعباعب ) التي يرتدونها، بالاضافة الى أنه لاصلة له بالطب الاسلامي الذي دعانا اليه الشيخ في هذه الحلقة من البرنامج .
فالشيخ لم ينس أن يحدثنا عن الأصالة ، والهوية ، وقد استخدم مفردات جديدة على الحقل التداولي لخطابه التقليدي ، اذ يقترح : ” تطبيب المسلمين من الصيدلة الاسلامية ” ، فاذا كان هذا التعبير اكتشافا مجازيا للدكتور ، فالأولى بالشيخ –لكي نتأثر تخييليا بدلالة المجاز ، ان تكون المرجعية الواقعية للمجاز ذات صلابة وكثافة واقعية ومصداقية ، أي أن يكون هناك طب اسلامي ومن ثم صيدلة اسلامية ، حتى نقبل منه استعارته المجازية لهذه الدلالة من الواقع الى الخيال، ومن الحيز الوضعي الى فضاء المجازات ، ونظن أن الشيخ – رغم دفاعه عن الطب النبوي – وسيأتي حديث ذلك – فهو آخر من يثق أنه لدينا طب اسلامي وصيدلة اسلامية بالأصل، وبرهان ذلك أن شيخنا لا يتعالج الا بمشافي طب ( الفرنجة ) وبصيدلياتهم ، وان ابناءه وبناته لايدرسون الا علوم الفرنجة وبجامعاتهم … بل ولا يحرجه موقفه أمام جمهور المؤمنين أن يحض أبناءهم على قتال الأمريكيين والموت بالجملة، بينما يتابع ابنه دراسته في أمريكا في جامعة (فلوريدا)، وأخته تتابع دراستها بجامعة (تكساس)، والإبن الأصغر يتابع دراسته في القاهرة، لكن أيضا في الجامعة الأمريكية طلبا لـ”الشهادة” الأمريكية، وليس “الشهادة ” جهادا ضد الأمريكان، كما أن لفقيهنا ثلاث بنات (يجاهدن) في بريطانيا الحليف الاستراتيجي لأمريكا بحثا عن ” الشهادة ” في سبيل العلم “لأن العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة “، بينما على أبناء الآخرين المؤمنين بالله واليوم الآخر أن يبحثا عن “الشهادة “، جهادا في سبيل الله واليوم الآخر… ما داموا ليس لهم أباء كالقرضاوي، يشفع لهم يوم القيامة عند الحوض… !

والشيخ عندما يتحدث عن التمايزات الوظيفية في أداء الدور المعرفي، فهو يساوي ببداهة شديدة بين العالم والمفكر من جهة، والداعية والفقيه والواعظ من جهة أخرى، حيث يذكر هذه التسميات مترادفة للإشارة الى مسمى واحد !

وعلى كل حال فإن فكرة المعارف والعلوم الحقيقية، بوصفها هي المعارف والعلوم الدينية ليست فكرة عارضة في فكر القرضاوي، بل هي فكرة تأسيسية في منظومة العقل الفقهي منذ أسسه الثلاثي ( الأشعري – الغزالي – ابن تيمية ) ، وهي التي يختصرها الشيخ القرضاوي بتعبير ينصص عليه بوصفه عنوانا لمحور مفصلي في تخطيطته الفقهية، إذ يعنون به أحد فصول كتبه ” الدين عندنا علم ، والعلم عندنا دين ” حيث سيغدو هذا العنوان : مقولة مفصلية ، اطروحة تأسيسية ، بل اهزوجة تدعو للترنم بها بغنة مع هز الأكتاف !
لاشك أن اطروحة الشيخ ( الظفروية ) هذه، توصّف واقع الانحطاط العربي منذ تحول الفكر العربي الذي انتجته المدنية الحضارية العربية بعد القرن الرابع الهجري الى دين ، ومن ثم تحول الدين الى المنتج الحضاري الوحيد لهذه الأمة ، وذلك مع ابادة تيار الاعتزال لصالح الأشعرية كلاميا : ( ثيولوجيا -ايديولوجيا )، التي ستقود الى (ايولوجيا خلاص) مؤسسة على اطروحة (تميز الهوية )، من “خلال سلوك الصراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم” حسب مدرسة ابن تيمية : أي هوية الفرقة الناجية الوحيدة من بين أكثر من سبعين فرقة ضالة (مكفرّة )، أي مع طرد الاعتزال من فضاءات العقل الإسلامي سيتم طرد مبدأ وحدة العقل الانساني هذا من جهة، ومن جهة أخرى ، طرد التصوف الفلسفي الروحاني الرفيع ومطاردته فقهيا وطرده من ساحة الدين، ومع هذا الطرد سيتم طرد الوحدة الانسانية روحيا ، أي التعطش إلى وحدة الديانات سلوكيا وعباديا ومنظوميا من خلال مبدأ وحدة الوجود الذي يفيض على الوجود نورا فيملأه نورا على نور، ومن ثم الدعوة الى فصل النسقين الايماني ( الدين ) والبرهاني ( العقل والعلم ) .
وذلك مع انتقال الغزالي من الفقه الى التصوف، حيث حسب ابن الجوزي في تلبيس ابليس : ( باع الغزالي الفقه بالتصوف بثمن بخس)، هذا الانتقال سيكون تعبيرا مجازيا تاريخيا عن استنفاذ الحضارة الاسلامية الفذة قدرتها على العطاء في عالم الأعيان، ولهذا فقد قرر الغزالي أن يهاجر بعالمه الروحي نحو الأعلى، متقززا من علاقات العالم السفلي الذي كان يشرع له ويشرعنه الفقهاء، ممن كان يسميهم بـ ” علماء السوء ” .

حتى بلغ به الأمر – وهو العقل الكبير – أن يقرر ” أن علوم الطبيعيات فلا حاجة لها ” ويستثني الطب بسبب الحاجة اليه ، مغفلا أو غافلا أن الطب ليس الا فرعا من أصول علوم الطبيعيات ، لكن الغزالي المنهمك بتكفين زمانه ، الذي بدأ فيه الآخر الأوربي (الفرنجة) يلحق الهزائم بالأمة الاسلامية ويخترق حصونها مع ما سمي بالحروب الصليبية، فراح يعتبر أن العلوم الحقيقية هي (علوم المكاشفة والقلب )، لأن ” علوم القلب خارج ولاية الفقيه ” الذي راح الغزالي يزدريه -وكأنه يحمله مسؤولية هزائم الأمة بالتحاقه بالبطانة السلطانية – أشد الأزدراء لفدامته وشراهته والتصاقه بدناءات الأرض، ولذا فهو يعلن متحسرا ” وهيهات هيهات، قد اندرس علم الدين بتلبيس علماء السوء ” : (إحياء علوم الدين- ص 26) ، ولذا كان القسم الثاني من العلوم لدى الغزالي هي (علوم المكاشفة) ، وهي علوم المعاملة ، أي “علم أحوال القلب … صفاء السريرة القلبية : حيث التقوى والاحسان والصدق والاخلاص …أي حسن الخلق …الخ ” .

هذه القيم هي التي ستشكل صيغة ( الدين = التصوف = حسن الخلق = صفاء السريرة ) هي التي ستشكل المنظومة القيمية للامام محمد عبده وحزبه : ذي الشق الاصلاحي الاسلامي والشق الاصلاحي الليبرالي في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، والتي ستنتكس –بعد هزيمة حزيران – تحت راية الصحوة ( الفقهية السياسية ) التي ساهم فيها القرضاوي، لكنها ( الغفوة الروحية والوجدانية ) على المستوى المعرفي والعرفاني للدين كعلم للمكاشفة والمعاملة : ( خارج عن ولاية الفقيه والسياسي ) .
فالشيخ القرضاوي يقارب موقف الغزالي من العلوم الطبيعية ، ليس بوصفه تعبيرا عن تجربة ذاتية مشاعرية وجدانية تعكس زهدالغزالي بعالم الأعيان وتسفِّله الحسي من جهة ، وتطلع أشواق روحه الى عالم المثل العليا، بل حولها الى فقه : (نظام تشريعي )، واتخذ من ازدراء الغزالي لعلوم الدنيا مرجعا تشريعيا : اي بوصفها ( قاعدة فقهية ) ، فراح يعتذر – بطفولية ساذجة – من الغزالي لكونه مضطرا لمخالفته، أي : لكونه مرغما تحت ضغط الضرورات الراهنية إلى القول بـ”الحاجة إلى علوم الطبيعيات” ، وأنه مضطر للافتاء بأنها من فروض الكفاية، اي أنه مكره على الانتقال من موقف الامام الغزالي القائل بأنها من (علوم المباح) ، ليعتبرها من (فروض كفاية ) !

وحجة الشيخ في تلك المخالفة (الخطيرة) التي تستدعي التبرير والتفسير والاعتذار من الامام الغزالي، هي أن العلوم الطبيعية في عصرنا الراهن يستغلها اليهود ليضللوا بها عقول الشباب ، فلابد للشيخ أن يتصدى لهم، ويفوت عليهم –بذكائه- تلك المؤامرة البغيضة التي نجحوا في التسلل بها إلى جامعات العالم لتضليله بالعلوم الطبيعية بل والعلوم الانسانية أيضا، وعلينا –في هذا السياق- أن ندرك مقاصد الشيخ بمن يعنيه بهؤلاء اليهود الأشرار، إنهم الثلاثي الصانع لعقل الحداثة العالمية ( دارون – ماركس- فرويد) ،الذين يجمع فقهاء العصر على النظر إليهم كشياطين، ولذا لايبدؤون بحثا أو كتابا إلا بالبسملة ضد هؤلاء الأبالسة، ومن ثم اطلاق التعاويذ ضد (نفاثات عقدهم )، والدكتور محمد رمضان البوطي مثلا، لكي يبني عمارته (كبرى اليقينيات الكونية ) ، فإنه يبدأ باطلاق شهبه الحارقة عليهم فيحولهم – وببساطة شديدة – إلى رماد، ثم يلقي بهم باليم ، لكي لا يبقى لهم أثر من آثار رجسهم، لعنهم الله أنىّ يؤفكون …!

وعلى هذا الأساس من الخطر الذي يمثله هؤلاء الأبالسة اليهود على عقول شباب العالم، فإن القرضاوي يأخذ على عاتقه انقاذ شباب البشرية من شرورهم، ولكي يقدم على خطوته الشجاعة هذه لابد من مشاورة السلف واستئذانهم وتفسير الأمور اعتذارا منهم، بأنه لو كان في عصرهم مثل هؤلاء اليهود الخطرون الأشرار!! لاضطروا أن يفعلوا ما يفعل مكرهين، وهو أن يفتوا بأن العلوم الطبيعية من (فروض الكفاية )، وليست فقط في (حكم المباح) كما كان رأي الغزالي رحمه الله! وهذا ما سنحاوره في حلقة قادمة …

 

About عبد الرزاق عيد

كاتب ومفكر وباحث سوري، وعضو مؤسس في لجان إحياء المجتمع المدني وإعلان دمشق. رئيس المجلس الوطني لاعلان دمشق في المهجر.
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.