الضحك على النساء تحت مسمى شرف الأمومة

أرتفع شخيره عالياً في ظلمة ليلها الذي امتد لسنوات طويلة قضتها معه دون أن تدري كيف انقضت , فوضعت وسادتها فوق brainshitingرأسها لعل شخيره ينقطع عنها , ولكنه بدلاً من ذلك ارتفع وبنغماتٍ مسرعة .
تنحنحت بصوت هادئ لتنبهّه, ولكن هيهات له من أن ينتبه أو يصغي لها وأن كان صاحياً , فكيف به وهو نائم ؟ فهل أذناهُ انغلقت كراهيةً فيها ؟.. أم إن أسلوبه صار طبيعة له وتطبع من جراء المحيطين به الذين شجعوه على الاستهانة بها أثناء صحوته وحتى في منامه ؟.
فكرت بكيفية الخلاص من هذا الشخير الذي أخذ يتصاعد ويتصاعد ليحرمها من أوقات خلودها للراحة , فلا خلاص إلا بكسر أسوار الخوف التي أحاطت نفسها بها بفعل تأثير المحيطين ,وبالانتفاض على كل من تسبب لها بشعور الضيق هذا , فهذا الشخير سوف لن ينقطع عنها ما لم تخرج صوتها بقوة, لكن كيف السبيل لهذا وقد تعودت على أن يكون صوتها منخفضاً وخَجِلاً وبعد أن لُقِنت على إن الخجل يمثّل رمزاً أساسياً لأنوثتها , فأتقنت دور البنت الخجولة بعد أن تعلمت بأن صوتها عورة ومصدراً للفتنة وعليها أن تكتمه, وأن صارت بها حاجة قوية لإخراجه فلا بأس من أن يخرج ولكن بالحدود التي وضعها لها المحيط , حيث مسموحا لها ان تهمس دون ان يرتفع صوتها وأن كان بالحق الذي لا يحق لها الكثير منه, وعليه يجب ان تفقد حواسها , وان لا تستخدمها إلا بحدود تلك الجدران المحيطة بها , لتكون مثالاً للشرف والفضيلة .
بعدها تعلمت أن تكون المرأة الفاضلة المطيعة دوماً, والصبورة على ما اُبتليت به ,تتحمل وتتحمل دون أن أي احتجاج , صوتها عورة وأصوات الرجال فخراً , ترتفع أصواتهم وقت ما أرادوا لها أن ترتفع ,فهي تستمع دوماً ومرغمة لأصوات الرجال المرتفعة التي تأتيها من الشارع ومن كل مكان, لتخترق جدران بيتها وتصل إلى آذانها دون انقطاع ولا خجلٍ منهم , ففُرضت عليها أصواتهم كما فَرضت عليها الحياة للانسلاخ من ذاتها ,وللذوبان في أحداثها الغير مجدية غالباً, فكانت تلهو مع تلك الحياة لتأخذ منها الشيء البسيط ,وتأخذ الحياة منها الشيء الكثير, وليس هذا فحسب , لكنها مجبرة للانصياع لها ,وبالتالي ضياع تلك السنين بعد أن انغرست وذابت مع تلك الشخوص المزدوجة والمتعفنة من الداخل .
أن يكون صوتها منخفضا يضيف لجمالها جمالاً ويجعل الرجال يلهثون ورائها ويفتتنون بها , وفي الوقت ذاته عليها أن تهرب من ملاحقاتهم لها , دون أن تدري بالسبب في ما تسلكه من تناقضات صارت تفعلها دون إرادة منها .
فكرت فيما لو تبادل هو الموقف معها ,فما الذي يمكن أن يفعله ؟ فمن المؤكد أنه سيتمكن من الكثير ,كأن يوقظها دون أي تردد منه ودون أن يشعر بأي ذنبٍ نحوها .
وهي ..هي تشعر بالذنب دوما , فأبواب الذنوب مفتوحة أمامها وعلى مصراعيها ومن ثم أبواب السماء تبحث وتترصد لذنوبها , بعض من ذنوبها التي لا تُعد حين ما تنسى ارتداء حجابها فتثير غرائز الرجل الذي ينظر لشعرها خلسة , كون الشيطان يتجسد في رأسها وجسدها اللعين والقادر على ان يتلاعب بغرائز الرجال المساكين , ذنبها حين يرتفع صوتها ليُدغدغ آذان الرجال لتصل دغدغاته لتلك الغرائز المثارة دوما والتي ابتليت بها بعد ان تربصت لها ,فصارت تنظر إلى جسدها كنوع من أنواع النجاسة ,متوجسة دوما منه , تخاف من كلام الناس أكثر من خوفها من الموت , فبموتها سوف لن تشعر بشيء , خصوصاً وأنه سيغسل ذنوبها الكثيرة الملصقة بها ظلماً ,وكأن بالموت فقط يكمن غسل الذنوب, وكأنه صار سبيلها الوحيد للخلاص من الذل والإحساس بالمهانة المرافق لها والذي جعلها في حالة من تمني الموت على الفضيحة , كذلك سيدفع الأحياء إلى شعورهم بالذنب نحوها ,وسيدفعهم إلى استذكارها بقوة في الأيام القليلة فيما بعد موتها , هي نعمة فضيلة أن يذكرها المحيط لثلاثة أيام بعد موتها , أما حياتها , فهي منسية دوما , هناك الألم الذي لا يمكن تداركه , وهناك الذنوب الكثيرة التي لُصِقت بها عنوة , لتتداخل الفضيحة مع أنفاسها, والفضيحة بالنسبة لها تكمن في الكثير من تصرفاتها .
أذن عليها أن تتحمل شخير زوجها وحبيبها , وأن تعالى وحرمها من سكينتها , فهو لا شيء أمام ما تعانيه بقية النساء , ألتحمل كلمة مفروضة عليها دونه ,طالما هو قوّام عليها من ناحية لقمتها ,وطالما هي مخلوقٌ أدنى منه ومجرد مكمّل له ,فعليها أن تتحمل بقية أفعاله التي هي غير ضرورية قياساً باستقرارها وتوفير لقمتها .
كانت تستمع دوما لوجوب ان تتحمل المرأة سلبيات أولياء نعمتها ومن آواها طالما هناك من هنّ أكثر منها تعاسة ومعاناة منها , هؤلاء اللواتي يفتقدنّ للقمتهنّ ولسكينتهنّ المتأتية من زوج أسمته محب .
ففكرت بهؤلاء الذين ينظرون للعلاقات العائلية بسطحية ولا ينظرون لعمق البناء وأساسه الهش والقابل للتهاوي بأقل هفوة ممكنة , ومن ثم نظروا إلى شكله الخارجي الذي لا تشوبه أية شائبة بعد أن أتقنوا الطريقة ليختبئوا خلف جدرانهم ويخبئوا عيوبهم وما يحملوه من زيف ,فلا يهم الجوهر وما موجود بالداخل , هكذا ألفوا الحياة , وهكذا تعلموا كيف يحافظون على أشكالهم الخارجية, ليقنعوا أنفسهم بأنهم على ما يرام ,ويرضخون للهدوء ومن ثم سوف لن يجرؤ احدهم ليتصدى لهذا المألوف.
آه … تؤلمها الحقيقة وتصدمها , ولابد لها في أن تطرد هذه الأفكار التي لا تملك لها ظهراً لحملها , ولا قدرة للتصدي لها , قارنت نفسها مع من هم أتعس منها حالاً , فهي تمتلك للبيت وأن كان ملكا لزوجها , وعموما هو مسئول عنها ولابد من ان يكون محبا لها وللأبناء, هذا يكفي ,خصوصا بأنه جعلها تكتسب شرف الأمومة , فحمدت الله على نعمتها وسكينتها أثر حقنة المخدر التي حقنت نفسها بها كما تعودت ,وراحت مستغرقة في غيبوبة قصيرة ,لكن عقلها بقيّ متيقظاٌ وأفكارها تطوف هنا وهناك , هنا .. في صوت الشخير وهناك في طيف صاحبه .
قبل أن تكمل تأملاتها تلك ,أستعاد الزوج قوته وعاودها شخيره ليفزعها ويقطع عنها غيبوبتها القصيرة ,وكأنه استخسر بها لحظات الهدوء تلك , وكأنه يُحاسبها على نومها وسكينتها .
أخذت تتقلب ذات اليمين وذات الشمال بلا فائدة ترجى من تقلباتها تلك لتجعل من شخيره في أن ينقطع عنها , يعود في الانخفاض حيناً ليبث في داخلها الأمل في انه سينقطع ويعم الهدوء في أرجاء الغرفة ومن ثم تنال قسطها من النوم حيث ينتظرها يوم آخر متعب لها دونه ,بمرارته وشقائه المتكرر وبما يحمله لها من واجبات غير منظورة له , لكنها شكّلت حياتها من ألفها لغاية يائها , فعليها أن تكون يقظة دوما دون ان تغفل عن أعمالها تلك, وتدعو فكرها للحذر والدقة والمتابعة ,متابعة تفاصيل لا غاية منها سوى العناية بأفراد هذه الأسرة فقط ,وهي ,أي هذه الواجبات تُحتّم عليها وتُرغمها على استرداد نشاطها رغم إدراكها بعدم جدواها .
حاولت ان تستذكر يومها الماضي في محاولة منها لإشغال نفسها عن تصاعد الشخير وانخفاضه , فلم تجد سوى كم من المنغصات والمتاعب امتلئ يومها به , فالحياة صارت لا تصفو إلا بابتعادها عن مؤثرات ذلك الحلم القديم , حلم الأمومة المقدس , ليصفو فكرها وليستعيد حقيقة وجودها من ما يسببه لها من تشويش عليها أن تتحمله مرغمة , هكذا تدور بها الدوامة وتأخذها بغيبوبة لا خلاص منها بعد أن اكتسبت شرف الأمومة السماوي متباهية بشكل علاقتها الزوجية أمام محيطها , والزوج بدوره شبيه بحالها في أحيان كثيرة , حيث لابد وان يكون له زوجة وأبناء يحملون اسمه المقدس وحاله يجب ان يكون كحال هؤلاء وان لا يشذ عنهم , فصارت سعيدة بتعاستها الغير مرئية في أول أيامها معه , وصار هو كذلك ,لكن تعاسته يتخللها الشيء الكثير من السعادة التي توهمها ..
لعنت في داخلها صوته الذي أيقضها ,ولعنت حياتها , وفكرت كعادتها في نوعية الطعام الذي ستحضّره غداً في وجبة الصباح والظهيرة والعشاء ,وكذلك بقية الأعمال التي ستقوم بها من تنظيف وغسيل وكوي وما يتبعه من ترتيب , ورجعت إلى تلك الاحتياجات اليومية ويضاف عليها التسوق ومن بعدها ملئ النواقص الكثيرة ومتابعة الأطفال الذين لا يعلم هو عنهم شيء والكثير من الأعمال …..

About فؤاده العراقيه

كاتبة عراقية ليبرالية
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.