ستيفاني كلاين آلبرانت
على الرغم من تعيين شي جين بينغ رئيسا للصين، لا ينبغي أن نتفاءل أن ذلك سيخفف من تشدد السياسة الخارجية الصينية التي هزت الجوار مؤخرا.
أرسلت مساعدة وزير الخارجية، فو ينغ، «إشارة مهمة» إلى المنطقة تؤكد ردها بحسم على الاستفزازات المتعلقة بالنزاعات على الحدود. ويعني هذا أننا من الممكن أن نتوقع من بكين الاستمرار في سياستها الخارجية القائمة على «الرد الهجومي». لقد أجادت الصين هذا النهج تماما في النزاعات على الحدود المائية في بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي. ويتيح هذا النهج لبكين استغلال حالات الاستفزاز كفرصة لتغيير الوضع الراهن لصالحها، مع تأكيدها على أن الطرف الآخر هو الذي بدأ المشكلات.
ويعد هذا في نظر بكين وسيلة للتعامل مع الضغط الشعبي تجاه تبني سياسة خارجية أكثر تشددا بحيث تتوافق مع قوتها الاقتصادية، مع محاولة التشبث بالسعي إلى التنمية السلمية. مع ذلك لا يجدي هذا التأرجح نفعا في كل الأوقات وتتجه عدد من الدول في المنطقة إلى التخلي عن فكرة صعود الصين سلميا. يمثل الجمود الطويل مع اليابان حول السيادة على بعض الجزر الصغيرة نموذجا حيا لهذا التوجه.
في سبتمبر (أيلول) اشترت الحكومة اليابانية من مالك خاص ثلاث جزر متنازع عليها في بحر الصين الشرقي، تطلق عليها اليابان سينكاكو، بينما تطلق الصين عليها دياويو. وتقول اليابان إنها اشترت الجزر لمنع عمدة طوكيو المتشدد من الاستحواذ عليها وتنفيذ خطة بناء هناك. ورأت بكين أن هذه الخطوة خيانة للاتفاق بين الدولتين على تنحية النزاع جانبا، وشهدت الأشهر التالية سلسلة من الردود الانتقامية من جانب الصين مما زاد من حدة التوترات في بحر الصين الشرقي. وأطلقت وسائل الإعلام الرسمية على الإجراءات الانتقامية التي اتخذتها الصين اسم «لكمات مجمعة» حيث تراوحت بين اللفظية، حيث وصف قادة شراء اليابان للجزر بـ«المهزلة» وتعهدوا بـ«عدم التنازل عن شبر من الأرض»، وبين الضغط الاقتصادي، والاحتجاجات واسعة النطاق ضد اليابان والمناورات البحرية في بحر الصين الشرقي.
مع ذلك حدث تغير في اللعبة عندما أعلنت بكين وضع حدود حول الجزر، وهي خطوة تضعها رسميا تحت الإدارة الصينية. وبمجرد الإعلان عن هذا الأمر، بدأت الصين في إرسال دوريات من السفن لتطبيق القانون من أجل حماية المياه المحيطة بالجزر المتنازع عليها وهو ما يمثل تحديا لسيطرة اليابان على المنطقة خلال الأربعين عام الماضية. وهذا هو الوضع الطبيعي الجديد كما يزعم المسؤولون الصينيون.
مع ذلك لم تتوقف بكين عند هذا الحد، حيث أرسلت طائرات استطلاع تحلق مباشرة فوق الجزر المتنازع عليها، وردت اليابان بالطائرات المقاتلة. وكثف السلاح البحري والجوي الصيني المهمات الاستطلاعية والمناورات في بحر الصين الشرقي، وصوبت الصين الرادار المرشد للأسلحة نحو أهداف عسكرية يابانية بحسب ما تزعم اليابان. وعلى الرغم من هذه الخطوات، كرر المسؤولون في بكين التأكيد على أن طوكيو هي من بدأت المشكلات ولا بد أن تتقبل تحميلها المسؤولية كاملة عما حدث.
ويرى محللون في بكين حاليا أن «صندوق باندورا» قد انفتح ولا يوجد مجال للعودة إلى الاتفاق المرحلي الذي حافظ على السلام في بحر الصين الشرقي لعقود من الزمن. وتم اتخاذ موقف عدواني مشابه ضد الفلبينيين خلال نزاع حول سكرابورو شول في بحر الصين الجنوبي خلال شهر أبريل (نيسان) عام 2012. عندما ردت مانيلا على دخول قارب صيد في مياهها الإقليمية بإرسال سفينة حربية، استغلت الصين الفرصة في دعم مطالبتها بمنطقة شول المتنازع عليها من خلال نشر سفن بها ومدت الحظر السنوي على الصيد من جانب واحد بحيث يغطي المياه المحيطة بتلك المنطقة ومنعت واردات الفاكهة الاستوائية من الفلبين وعلقت النشاط السياحي. كذلك فرضت سياجا حول فم البحيرة لمنع أي صيادين آخرين من الدخول.
وتمكنت الصين، بإرسالها دوريات منتظمة ومنع الصيادين الفلبينيين من دخول تلك المياه، من فرض أمر واقع جديد لصالحها. وحققت إنجازا آخر مشابها ردا على إقرار فيتنام قانون بحري خلال شهر يونيو (حزيران) عام 2012 متعلق بجزر سبريتلي وباراسيل المتنازع عليهم. وقبل أن يجف الحبر الذي كتب به القانون، أدخلت الصين تعديلا على الوضع الإداري لمدينة سانشا، بحيث أصبحت تضم الجزر المتنازع عليها في بحر الصين الجنوبي وأقامت ثكنة عسكرية. واستمرت تنمية مدينة سانشا بخطى سريعة. وبعد تخصيص الحكومة المركزية 10 مليارات يوان (1.6 مليار دولار) لبناء المدينة، قيل إن مسؤولي المدينة يفكرون في تشييد المزيد من الموانئ والكازينوهات وإقامة ملاذ ضريبي آمن.
بكل المقاييس لعب القائد الجديد للصين، شي جينبينغ، دورا رئيسيا في تحديد رد الفعل الصيني تجاه النزاعات البحري وكان دوره محوريا في اتخاذ بكين موقفها تجاه إعلان اليابان شراءها للجزر. والجدير بالذكر أنه تولى مسؤولية مجموعة قيادة بحرية أمنية في منتصف عام 2012، ثم اتخاذ خطوة للرد على أزمة دياويو في سبتمبر (أيلول). وبعد السيطرة على الحزب الشيوعي والجيش خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني)، شكّل خطابه بالأساس النهج المتشدد من خلال التأكيد على أهمية «التنمية السلمية»، في الوقت الذي تعهد فيه بعدم التسامح مطلقا مع أي طرف يضر بـ«سيادة» أو أمن الصين أو مصالحها التنموية.
ولا يعني هذا أن بكين تبحث بالضرورة عن المشكلات خارج حدودها، حيث لا تزال منشغلة بالحفاظ على زخم التنمية الاقتصادية والتصدي للمشكلات الداخلية ومنعها من التحول إلى اضطرابات تهدد استقرار البلاد. مع ذلك للأسف لا توجد رغبة قوية لدى الصين في التخفيف من عنف السياسة الخارجية القائمة على «الرد الهجومي»، بل تذهب الآراء في الاتجاه الآخر. وكما تقول مساعدة وزير الخارجية الصيني، فو ينغ: «عندما نجد أعمالا استفزازية، يتوقع الشعب الصيني منا اتخاذ موقفا أكثر صرامة وقوة منها». لذا إذا وقع أي حادث بسيط مهما بلغت درجة ضآلته، فتوقعوا من الصين الهجوم.
* مديرة مشروع شمال شرقي آسيا في مجموعة الأزمات الدولية