عندما تقرأ في تاريخ الاستعمار والديكتاتوريات، تذهلك القواسم المشتركة. لم يخف هتلر في «كفاحي» أنه سوف يقيم إمبراطورية جرمانية للجنس الآري في أوروبا الشرقية، على غرار الإمبراطورية البريطانية في الهند. لقد أثار إعجابه أن البريطانيين استطاعوا استعمار 350 مليونا بشريا بعدد محدود من الإداريين والجنود، وقرر تقليد النموذج في أوروبا الشرقية «وسوف تكون روسيا هي هند ألمانيا».
السر الذي اكتشفه هو أن بريطانيا أبقت الشعوب المستعمرة دون تطوير. كذلك فعلت الديكتاتوريات في الغرب والشرق. أغلق فرانكو نوافذ إسبانيا كما أغلق ستالين نوافذ الكتلة الشرقية. الممنوع الأول في الديكتاتوريات وفي المستعمرات كان الكتب والصحف وسائر أدوات المعرفة. الاحتلال الياباني الهائل الفظاعة أحكم إغلاق ما احتل من الصين، وماو أغلق الصين برمتها. كوريا الشمالية لا تزال مثل زجاجة مسدودة. تميزت الدول العربية الخاضعة للديكتاتوريات باقتصادات مغلقة ومتخلفة وقيود نقدية مثل أوروبا الشرقية وعملات لها سعران دائما: واحد رسمي لا يتقيد به أحد وواحد ينتعش فيما سمي «بالسوق السوداء».
طالما رددنا أن البريطانيين طبقوا سياسة «فرق تسد». لكنها سياسة طبقتها الإمبراطورية العثمانية أكثر من سواها. وخلال الوجود السوري في لبنان كانت هناك مسألة خلافية كل ستة أشهر، مع أن اللبنانيين ليسوا في حاجة إلى مساعدة أحد في هذا الباب أو في سواه.
ويجب القول إن هتلر حلم بألمانيا متفوقة على الجميع. كان يريد أن يبني في برلين مدينة من المباني العظيمة «بحيث لا تبدو روما شيئا أمامها». وزين البريطانيون والفرنسيون عواصمهم بالروائع التي حملوها من مصر والهند والصين وغيرها. وكرمت فرنسا «المسلة» التي ترفعها في ساحة الكونكورد أكثر مما كرمت مصر أي أثر من آثارها الملوكية.
نحن في بيروت قمنا بإزالة معالم التاريخ الروماني (بقرار من وزير الثقافة) والعثماني والفرنسي وجميع البيوت القديمة، من أجل إقامة مبان تجارية حديثة. والشجر الذي كنا نفاخر به حلق من جذوره وبيعت أغصانه الجميلة حطبا وفحما ورمادا. وأسس غسان تويني، ذلك الرؤيوي الكبير، صفحة يومية في «النهار» للدفاع عن جماليات التراث، لكن أحدا لم يقرأ، ولا أحد قبل أن يسمع، فدفن التراث في الصفحة وغارا معا في ماض لا يستعاد إلا في التحسر والحنين.
نقلا عن الشرق الاوسط