السيد حسن النوراني والعلاج بالقرآن

كامل النجار

كتب السيد حسن النوراني من غزة مقالاً بالحوار المتمدن تحت العنوان “الدكتور النوراني يقدم برنامجا مجربا للشفاء من مرض ارتفاع ضغط الدم والوزن الزائد وضعف وظائف الكلى والأداء الجنسي”. وقد أذهلني هذا الادعاء لكوني طبيباً يعرف أنه لا شيء يجمع بين كل هذه الأمراض حتى يمكن علاجها جميعاً بآيات قرآنية. فكتبت تعقيباً على المقال (إلى متى نستمر في قراءة مثل هذه الترهات. كل شيوخ الإسلام منذ زمن الخلافة العثمانية وحتى الآن يشدون الرحال إلى فرنسا وأمريكا للعلاج رغم أنهم يحفظون القرأن. ومحمد نفسه كان مصاباً بداء الشقيقة ولم يشفه القرآن. ومات مسموماً ولم يشفه القرآن. وهناك ملايين من المسلمين الذين يشربون بول البعير للعلاج ويموتون بمرضهم. عيب أن يسمي هذا الشخص نفسه -دكتوراً-. خسئتم أيها الجهلاء النصابين.) وأعترف الآن أن تعقيبي لم يكن مهذباً، وأقدم اعتذاري للسيد النوراني.
أنا لا أعلم في أي مجال من العلوم نال السيد حسن النوراني إجازة الدكتوراة، ولا أحسبه نالها في الطب. وفي مقدمة مقاله الذي عقّب به على تعقيبي، يقول (أنا، باعتباري إمام الدعوة النورانية ومؤسسها، أزعم، أن دعوتي، تقدم مشروع خلاص للإنسانية.. في تقديري، لن يكون خلاص للإنسانية، إلا بفتح الصندوق المغلق.. بإيجاز، تطمح نورانيتي، إلى أن تساهم بأصالة، في حركة فتح الصندوق المغلق، على مستوى الفرد والأمم والعالم كله، حياة ومادة!) انتهى.
ولا أعلم كذلك أي صندوق يتحدث عنه السيد النوراني عندما يقول إن فتح ذلك الصندوق سوف يكون خلاصاً للعالم وللبشرية جمعاء. ولكن يبدو أن السيد النوراني قد تأثر بأفكار سيجموند فرويد كثيراً، فنجد أنه يُرجع كل شيء منذ أيام آدم وحواء إلى يومنا هذا، إلى العامل الجنسي، فهو يقول (منذ البدء، وكما يكشف استقراء مدونات النبوات، كانت النبوة، روحا تفتح الصندوق المغلق: آدم، فتح الصندوق المغلق، بتمرده على أمر الله، وخروجه من عبوديته، بفتح الطريق أمام الحياة، لدى اكتشافه المعرفي المتجسد، لفرج حواء، و”فتحه”! هل من باب الصدفة، أننا لا نزال نتحدث عن “فتح” الفتاة، لدى أول تجربة جنسية كاملة لها؟! وهل من باب الصدفة، أن المسلمين، يسمون استيلاءهم على بلاد الغير “فتحا”، وأن القرآن، ربط “فتح” مكة، بالنصر مطلقا؟! النبي موسى، فتح البحر لقومه، فتحرروا من استعباد فرعون لهم! عصا موسى تشبه المفتاح، ورمز له، هي التي هزمت سحرة فرعون، وفتحت لقبيلة موسى، صندوق مصر الفرعونية المغلق، وفتحت صندوق مذلة اليهود أيضا، وأهم من ذلك فتحت لليهود وللبشرية تاريخا امتد عبر نبوتيِّ عيسى ومحمد، وعبر تطور فكرة الإله، بتلاقح مفاهيم الألوهة لدى اليهود والبابليين والمصريين القدماء غيرهم! عصا موسى، وكل عصا، كتلك التي اعتاد خطباء المساجد المسلمين على حملها، ومئذنة المسجد، تشبه وترمز إلى قضيب الذكر المنتصب الذي يفتح صندوق المرأة المغلق! وكما افتتح آدم، وفقا للدين، تاريخ البشرية، بفتح حواء، يقوم كل رجل من سلالة آدم، بفتح حواء أخرى، ليبدأ فتح حياة جديدة.) انتهى.
وقد احترت كثيراً في فهم كل هذه الفتوحات وقضيب الرجل وعلاقتهما بالعلاج بآيات القرآن الذي يزعم السيد النوراني أنه سوف يبدأ به خلاص البشرية من الأمراض. ولكن للأسف فإن كل الفتوحات التي ذكرها السيد النوراني هي فتوحات وهمية كالتي قادها دونكيشوت في هولندا إذ لا يوجد أي دليل علمي على وجود موسى أو عصاه السحرية أو انشقاق البحر الأحمر الذي أصلاً لما احتاج موسى لشقه في ذلك الوقت لأن قناة السويس لم تكن موجودة، وكان طريقه إلى فلسطين ممهداً ولا بحر يفصله عنها. وآدم نفسه شخصية اسطورية مع حواه التي ربما لم يفتحها في الجنة، التي هي الأخرى مكان خرافي لا وجود له إلا في أذهان المؤمنين المخدرين.
واستمراراً لهذه الفتوحات الوهمية يقول السيد النوراني (وفتح النبي محمد، صندوق ممكناته المعرفية والحركية المغلقة، بتخيل رحلة حملته إلى سدرة المنتهى، آخر ما يحق لإنسان أن يبلغه، وأول أفق العالم الإلهي النوراني غير المحدود، بتصوره المتخيل.) انتهى
ولا شك أن محمداً قد تخيل أنه قام برحلة مكوكية على براق نبوي فوصل سدرة المنتهى في السماء السابعة بعد أن توقف مرات عديدة في السماء الخامسة ليستشير موسى في عدد الصلوات التي يجب عليه أن يقبل بها للمسلمين. ولا شك أن الرحلة كانت في الخيال لأنها لو كانت حقيقة قصد الله بها إظهار معجزة لمحمد، فليس من الحكمة أن يُظهر الله المعجزة ليلاً والناس نيام، وبالتالي تفوت عليهم فرصة رؤية المعجزة لتزيدهم إيماناً. فإذا كانت رحلة محمد قصة أسطورية وشق البحر الأحمر بعصا موسى، وفتح آدم لحواه في الجنة الأسطورية، هي الصناديق التي ينوي السيد النوراني فتحها لخلاص البشرية، فإني لا أرى خلاصاً وشيكاً لهذه البشرية المعذبة.
هل العلاج بالقرآن بدعة جديدة أم ممارسة قديمة ابتكرها محمد وأصحابه؟ أعتقد أنها بدعة اخترعها أصحاب محمد بعد موته لأن كتب التراث تخبرنا أن عائشة كانت إذا مرضت دعت أحدى نساء اليهود لترقيها بما في كتبهم. ومحمد نفسه كان مصاباً بالصرع ولم يشفه القرآن من ذلك رغم أن الله يقول في القرآن – كما يزعم محمد- (وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا) (الإسراء 82). ونلاحظ هنا أن القرآن لا يذكر في أي سورة أو في أي آيات يكمن هذا الشفاء. وهذا يعني أن الذي يريد أن يشفي المريض بالقرآن عليه أن يقرأ كل المصحف لأنه لا أحد يعرف الآيات التي تحتوي على الشفاء
ثم أن القرآن يذكر كذلك أن عسل النحل به شفاء للناس (ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سُبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس) (النحل 69). ونلاحظ هنا كذلك أن القرآن لا يحدد نوع الأمراض التي يمكن شفاؤها بالعسل. والشيوخ الذين يستعملون العسل في علاج المرضى يستعملونه لكل الأمراض، وليس هناك أي إثبات علمي أنه يشفي من أي مرض. ويقول القرآن كذلك على لسان المؤمن (والذي هو يطعمني ويسقين. وإذا مرضت فهو يشفين. والذي يميتني ثم يحيين) (الشعراء 78-81). ويمكن بالطبع لأي شخص محايد أن يرى أن هذه الإدعات القرآنية لا أساس لها من الصحة. فهاهم المؤمنون في الصومال يموتون جوعاً وعطشاً ومرضاً ولا يقدم لهم رب القرآن أي شفاء أو طعام أو ماء. فإذا كان رب القرآن يدّعي ادعاءات لا يقدر على تنفيذها، كيف نعرف أن ادعاءه بأنه ينزل من القرآن ما هو شفاء للناس حقيقة يمكن الاعتماد عليها؟
لجوء المؤمنين إلى الكتب المقدسة للشفاء من الأمراض لا يقتصر على الإسلام فقط. فكل الأديان “السماوية” والأرضية، وحتى الديانات القديمة مثل عبادة الأسلاف، اعتمدت في فترة من تاريخها على الشفاء المقدس بواسطة الترانيم الدينية أو شرب أو أكل شيء قرأ عليه الكاهن أو القسيس بعض الآيات المقدسة. وما زال الكاثوليك في أوربا يحجون كل عام إلى “لورد” في فرنساً والغوص في مياه وطين ذلك المكان المقدس طلباً للشفاء من الأمراض المزمنة. وفي الهند يحج ملايين الهندوس كل عام إلى نهر “جنكيز” للغوص في المياه المقدسة طلباً للشفاء من الأمراض وغسلاً للذنوب.
الكتب المقدسة قد تشفى بعض ضعاف العقول من الأوهام النفسية التي تعكر عهليهم صفو الحياة، وخاصةً النساء المؤمنات. لم نسمع يوماً أن شخصاً دهسته سيارة وهشمت عظامه عالجه أحد الشيوخ بآيات من القرآن. ولم نسمع أن مريضاً أصابته سكتة قلبية وحاول أحد الشيوخ علاجه بآيات من القرآن. كل علاج شيوخ الإسلام القرآنيين يكون مسلطاً على الأمراض النفسية التي يزعمون أنها بسبب أن الشيطان تلبّس المريض. ومن المعروف في الطب أن هناك جماعة من الناس أكثر قبولاً للإيحاء ويمكن لأي شخص لديه نوع من الذكاء في مجال معين أن يؤثر فيهم. وهذا هو ما يُعرف ب
Placebo effect.
هل الآيات القرآنية أو الصلوات وطلب الشفاء من إله السماء تجلب الشفاء للمرضى؟ في دراسة علمية في عام 2003، توصل الطبيب النفسي باول
Powell et al
إلى أن هناك علاقة بين الإيمان والشعور بالصحة، لكن تلك العلاقة أكثر تعقيداً مما كانوا يعتقدونه وأصعب فهماً.
Ralph Hood, The psychology of religion, p 437
وخلصت بعض الدراسات العلمية إلى أن التهجد وال
meditation
والصلاة تؤدي إلى انخفاض في كمية الكورتزول في الدم. وبما أن الكورتزول يؤدي إلى زيادة انكماش العضلات وزيادة في ضغط الدم، فربما يؤدي هذا الانخفاض إلى الشعور بالطمأنينة الوقتية. ولكن هذه الطمأنينة لا تدوم وتنتهي بنهاية فترة التأمل أو الصلاة. وهذا بالطبع ليس علاجاً كما يزعم شيوخ الإسلام وغيرهم من الدجالين.
في دراسة للطبيب الأمريكي بينسون على 1802 مريض موزعين على 3 مستشفيات، قسّم الطبيب المرضى على ثلاث مجموعات: المجموعة الأولى صلى من أجلهم المؤمنون في ثلاث كنائس قريبة ولكن المرضى لم يعرفوا أن المصلين كانوا يدعون من أجلهم. المجموعة الثانية لم تُقدم من أجلهم أي صلوات ولم يعرفوا هم ذلك. والمجموعة الثالثة قُدمت من أجلهم صلوات وكانوا على علم بذلك. ونشر الطبيب وزملاؤه نتيجة بحثهم في عام 2006 في مجلة
American Heart Journal
. ووجدوا أن المجموعة الثالثة شعروا بارتياح نفسي لأنهم كانوا يعرفون أن المؤمنين يصلون من أجلهم، ولكن النتائج النهائية للشفاء والمضاعفات لم تبين أي فرق بين المجموعات الثلاث (ريتشارد دوكنز، وهم الإله، ص 63). فيبدو أن تأثير الصلوات تأثير نفسي فقط وأن رب السماء لا يستجيب لتلك الصلوات والدعوات حتى إن أتته من ثلاث كنائس أو مساجد في آن واحد. لعل سمعه أصابه بعض العطب من كثرة الدعاء على مر العصور.
يقول الدالاي لاما (عندما كنت مريضاً قبل عدة سنوات، شعرت براحة نفسية عندما علمت أن الناس يصلون من أجل شفائي، ولكن يجب أن اعترف أني شعرت براحة أكثر لعلمي أن المستشفى الذي أنام به يمتلك أحدث المعدات ةخيرة الأطباء المتخصصين في علاج حالتي)
(Beyond Religion, p 4).
أهم ما جاء في مقال السيد النوراني هو قوله (الطب القرآني الأصلي، هو تحقيق وظيفي نبوي لفكرة فتح الصندوق المغلق.. هكذا كانت نبوة محمد القرآنية.. وأنا في بيئة دينية إسلامية، ترتبط بعاطفة عميقة مع القرآن. والارتباط العاطفي مدخل علاجي روحي لا ينكره المنهج النفسي العلمي.. ومن هذا المدخل، أقوم ببدء رحلة العلاج النفسي للمرضى، بعد تطهير عقولهم ووجدانهم، من تهيؤات تربط بين مرضهم النفسي، وعوالم الجن.) انتهى
ولا شك أن هناك رابط نفسي بين القرآن ومغسولي الدماغ منذ الصغر، وهذا الرابط يستغله شيوخ الإسلام لسلب هؤلاء المساكين نقودهم وتقديم السراب لهم في المقابل. كل استراتيجة علاجهم تعتمد على إخراج الشيطان من المريض. وبما أن الشيطان لا وجود له في عالم الحقيقة وهو رمز استعمله محمد ليرمز به إلى التفكير المستقل الذي يقود إلى الشك في دعواه، يصبح علاجهم كذلك وهماً.

كامل النجار (مفكر حر)؟

About كامل النجار

طبيب عربي يعملل استشاري جراحة بإنكلترا. من هواة البحث في الأديان ومقارنتها بعضها البعض وعرضها على العقل لمعرفة مدى فائدتها أو ضررها على البشرية كان في صباه من جماعة الإخوان المسلمين حتى نهاية المرحلة الجامعية ثم هاجر إلى إنكلترا وعاشر "أهل الكتاب" وزالت الغشاوة عن عينيه وتبين له الخيط الأبيض من الخيط الأسود من حقيقة الميثالوجيا الدينية الهدف الوحيد من كتاباتي هو تبيان الحقيقة لغيري من مغسولي الدماغ الذين ما زالوا في المرحلة التي مررت بها وتخطيتها عندما كنت شاباً يافعاً
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.