لا مجال للإنكار أن أشهر “رالي” بشري في منطقة الشرق الأوسط، منذ أن جاء الخميني إلى السلطة، هو ذاك الذي بين السنّة والشيعة ـ لسحب الناس إلى الهاوية. ورغم كل الظروف الموضوعيّة المعيقة لرالي الحائط المسدود هذا، فمن الواضح أنه كالسيل الهادر الذي لا سبيل إلى وقفه أو السيطرة عليه. ورغم الاختلافات والفروقات الواضحة بين السنّة والشيعة، فالسمة المشتركة بين التيارين، هو أن كليهما، على حدّ سواء، يقدّم لأتباعه المنّ والسلوى وأنهار اللبن والخمر والبراندي في العالم الآخر، ويجرّهم في هذا العالم إلى الجحيم: كما أن كليهما يواجه مشكلة التناقض القاتل بين المأمول والواقع؛ بين النظريّة والتطبيق؛ وبين المتخيّل والحقيقي!
في إيران الشيعيّة أراد المشايخ احتكار الجنّة وعدم مقاسمة الناس على خيرات الأرض! وهكذا، صار السفير شيخاً والوزير ملاّ والاقتصادي ميرزا وراقص الباليه.. آية لله. وهرب الإيرانيون المثقفون من وطن الملالي الكريه هذا، وانتشروا في كافّة أصقاع الأرض. صار الإيرانيّون، كدقيق الشحاذين، مشرورين من طوكيو إلى لوس أنجلوس ومن ركيافيك إلى فوكلاند. ـ راح وطن زرادشت العظيم ينضح تدريجيّاً علماءه ومفكّريه لصالح دعاة الغيبة الكبرى.. عن الحضارة.
كان الاقتصاد الإيراني الأكثر تضرّراً بأصابع زينب الملالي: فرغم أسلمة الاقتصاد ـ ربما بسببها ـ ما تزال أعلام الفقر ترتفع على نحو متزايد في شوارع فارس وبلوشستان وأذربيجان وعربستان. لأنه بعكس ما يزعم العلاّمة الشهيد الصدر ـ قرأت له كتاباً مقيتاً يصلح لطلبة الصف الثاني الإعدادي في المدارس الشرعيّة في الريف، اسمه اقتصادنا: أي، الاقتصاد الإسلامي؛ وكأن الإسلام جاء بشيء له علاقة بأبسط مفاهيم الاقتصاد وأكثرها بدائيّة!! ـ فقد أثبت الملالي الأجلاء أروع فشل اقتصادي إداري سياسي في واحد من أكثر بلدان الشرق غنى وحضارة.
الوضع في إيران: مداخلة توثيقيّة.
مما لا شكّ فيه أن مشايخ السنّة يتميّزون على أخوانهم الشيعة بصفة هامّة للغاية: افتقادهم، عموماً، النفاق! لقد كان السنّة الحكّام في طول التاريخ الإسلامي وعرضه: وإرهابهم، الواضح حتى للعميان، كان يطال الجميع ـ وعلى رأسهم الطوائف الإسلاميّة غير السنيّة. من هنا، اتقاء للإرهاب السنّي، اختار المسلمون غير السنّة، التقيّة [أو النفاق] حجاباً للحماية من سيف البطش السنّي. كان النفاق في البداية سياسيّاً ـ اجتماعيّاً ـ طقسيّاً؛ ثم حظي بنوع من التكريس الديني عبر مذهب التقيّة. من هنا، يبدو مستحيلاً أخذ كلمة مما يقوله تجّار المتعة في إيران على محمل الجد. لكن الواقع يقول، إن الغالبيّة العظمى من الشعب الإيراني تنتمي إلى المذهب الشيعي، لهذا فهم الأكثر فهماً لأبجدية نفاق السيّاد والأقدر على معرفة “أين دفنوه”! لذلك، فشل تيّار عمنا الخميني وولاية فقيهه في الانتخابات البرلمانيّة الماضية بروعة لا يحسد عليها؛ واختار بالتالي هذا العام أن ينقّي مرشحيه على الطبليّة حتى لا يكنّس الشعب الإيراني، ذو الحضارة الأعمق، هذا الركام المقرف من دعارة المتعة ونفاق التقيّة. فما هي الأحوال في إيران، إحدى أغنى دول العالم بالنفط وسواه، بعد أن اجتاحتها الكارثة الخمينيّة؟
لا ننكر أن سويّة الوعي الديموغرافي عند الشعب الإيراني، مقارنة بالشعوب الناطقة بالعربيّة، جيّدة؛ حيث أن التزايد السكاني في إيران لا تتجاوز 8،%، ومعدّل الإنجاب للمرأة الإيرانيّة هو 2،2 مع ذلك، فلأن المشايخ أضحوا يضعون أصابعهم في كلّ شاردة وواردة، فقد عادوا بالبلد سنوات إلى الوراء؛ ونعتقد أن محاولتهم الأخيرة للمسك بعنق إيران وإخراج الإصلاحيين من المولد بلا حمّص ستكون المسمار الأخير في نعش الجسد الإيراني المتعب. من ناحية أخرى، فقد كشف تدخّل خامنئي الدكتاتوري السافر في الترشيحات للإنتخابات الإيرانيّة أن لا جمهورية في إيران ولا من يحزنون: وأن الديمقراطيّة الإسلاميّة بدعة، “وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار”.
دون نفاق أو تقيّة؛ يقول أحد التقارير المحترمة: “مع أن البلد يمتلك احتياطات كبيرة من النفط والغاز الطبيعي، يخمّن بعض الاقتصاديين الإيرانيين أن ما يقرب من 40 بالمئة من السكّان يعيشون تحت خط الفقر..
بحسب تقديرات الحكومة، فإن ما يقارب من 900000 وظيفة جديدة لا بدّ من تأمينها سنويّاً لتلبية قوة العمل الشابّة ومنع الزيادة في البطالة ـ [التي تقدّر] حوالي 16 بالمئة رسميّاً، وفوق 20 بالمئة غير رسميّاً. مع ذلك، يقرّ المسؤولون الحكوميّون أنه من الصعب خلق أكثر من 500000 فرصة عمل جديدة كلّ عام..
التطوّر الاقتصادي في إيران ما قبل الثورة [الخمينيّة] كان سريعاً. فقد بدأت إيران [الملكيّة]، التي هي مجتمع زراعي تقليديّاً، سلسلة من الإصلاحات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والإداريّة والتي أضحت تعرف بثورة الشاه البيضاء. جوهر هذا البرنامج كان إصلاح الأراضي. في السبعينيّات أحرزت إيران تصنيعاً هامّاً وتحديثاً اقتصاديّاً رغم أن حجم النمو بدأ بالتباطؤ في أواخر السبعينيّات. ومنذ الثورة [الخمينيّة] عام 1979 ازدادت السيطرة المركزيّة، وكان للفوضى التي سببتها الحرب العراقيّة الإيرانيّة وانهيار أسعار النفط في نهاية عام 1985 أثراً كارثيّاً على الاقتصاد..
في أيلول 2002 قالت الصحافة الإيرانيّة أيضاً إن نحواً من 12 مليون من السكان البالغين 66 مليوناً يعيشون تحت خط الفقر.
البطالة تقدّر بين 25 و 30%، والتضخم هو حوالي 20 إلى 25%. البطالة بين الفئة العمريّة 25 ـ 30 تصل إلى 25%، ومعدّل الدخل السنوي يقلّ عن 4000 دولار أميركي، الذي يعتبر متدنيّاً تماماً بسبب السويّات التعليميّة المتعاليّة بين الشباب.
وحول الوضع الأخلاقي في دولة القديسين السود، نقتطف العبارات التالية من أحد التقارير الشهيرة: “أكد وكيل مدير قسم الشؤونالاجتماعية في جهاز الشرطة الإيرانية (ناجا) انخفاض مستوى الأعمار في حقل الجريمة بسائر أشكالها.
وقال الشيخ حسيني في حديثه لوكالة الأخبار الجامعية / إيسنا/: إن ما يبعث على القلق أيضاً ارتفاع نصيب النساء في كثير من الجرائم، حتى تلك الجرائم التي تتطلب خشونة وعنفاً، وكانت محصورة في العنصر الرجالي، من قبيل السطو المسلح، قطع الطريق على الناس، المتاجرة بالمخدرات.. وما شابه ذلك..
وأضاف: أن ظاهرة الأطفال المشردين والمتسكعين في الشوارع وكثير من الظواهر الاجتماعية الخطرة، لا تزال موضوع جدل بين المعنيين، ولم يتوصل بعد إلى تعريف موحد وشامل بشأنها، كما لم يتوصل بعد إلى تحديد ما إذا كان الأطفال الذين يشتغلون في أعمال من نحو صباغة الأحذية وبيع الورد.. إلخ هم من صنف أطفال الشوارع أم لا.
ومضى حسيني للقول: من الطبيعي أن أحد أسباب تزايد المشاكل الاجتماعية، هو ازدياد تعداد السكان الذي يشكل الشباب معدل النصف منه. وهذه السن تشكل في الغالب سن الاستعداد للجريمة، هذا في حين لم نشهد مثل هذا التصاعد في معدل الجرائم المختلفة في أي وقت مضى.
وفي معرض إشارة هذا الخبير في الشؤون الاجتماعية إلى زيادة وسائل الاتصال الخارجي وإشاعة الفاحشة والأمور المخلة بالآداب عن طريق هذه الوسائل، قال: تعاني بلادنا أيضاً من أزمات في الاقتصاد والثقافة بالإضافة إلى الصراعات السياسية، التمييز والتفرقة، والتعامل غير العادل في المسائل السياسية، والنواقص الكثيرة على صعيد الإصلاح الاجتماعي، كل ذلك جعل مجتمعنا تربة خصبة لنشوء الجريمة.
وقال أيضاً: إن بروز ظواهر مثل الخروج على القواعد العامة، الآثار السلبية للتعاملات الاجتماعية السائدة، ضعف مؤسسات التربية والتعليم، والمراكز المعنية بشؤون الأسرة، ارتفاع مستوى المنكرات وأنواع وأقسام الجرائم، وسوء الاستفادة من الكمبيوتر و.. إلخ، جميع ذلك سبب أضراراً جسيمة للبنية العامة لمجتمعنا.
كما اعتبر وكيل مدير القسم الاجتماعي في جهاز الشرطة الإيرانية / ناجا/ أن تصاعد نسبة العاطلين عن العمل؛ والتوزيع غير العادل للأموال العامة، أزمة الأخلاق، اتساع نطاق تعاطي المخدرات.. من أهم الأضرار التي لحقت بالمجتمع الإيراني مضيفاً بهذا الصدد: إن تصاعد وتيرة الإدمان على المخدرات في أوساط المجتمع، أمر يبعث على القلق، وهو ناشئ في جانب منه عن موقع إيران على الطريق الرئيسي لترانزيت المخدرات، فضلاً عن الوضع الاقتصادي الخانق الذي جعل سكان المناطق الحدودية لإيران يعتمدون على تهريب المخدرات، كموئل رئيسي لحياتهم المعيشية.
وأعرب حسيني عن اعتقاده بأنه “إذا لم تبذل محاولات مناسبة باتجاه معالجة ظاهرة تجاسر جيل الشباب على القيم الأخلاقية والمعنوية، التي تزيد من الهوة بين هذا الجيل والجيل القديم، فإن ذلك سيؤدي إلى تفكك المجتمع واضطراب جميع مفاصله”.
وإذا كان المواطن العادي في الشرق الأوسط والعالم لا يعرف عن إيران سوى التسويق الإعلامي لوجهي خامنئي وخاتمي الكريمين وقبلهما عمّنا الخميني (قده)، فالواقع الفعلي مختلف بالكامل عن ذلك الإعلامي؛ يقول التقرير التالي: “يجمع النظام السياسي الإيراني سمات وخصائص خاصة به إذ يتأرجح بين النظام المفتوح، متمثلاً ذلك في الانتخابات والآخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ومبدأ الرقابة والتوازن بين السلطات الثلاث، والنظام المغلق، المتمثل في سيطرة تيار سياسي واحد ووضع قيود على المرشحين إذ يقوم مجلس الخبراء وزعيم الدولة (ولاية الفقيه) باستبعاد العناصر التي تتعارض آرائها وأفكارها مع فلسفة الدولة ولا يسمح بالتعددية الحزبية. ونتيجة لذلك لا توجد معارضة سياسية منظمة بعد نجاح الحكومة في القضاء على الأحزاب السياسية المعارضة كحزب توده الشيوعي ومنظمة فدائي خلق.. وتجدر الإشارة هنا إلي أن المعارضة في الخارج، عموما، منقسمة وضعيفة. في حين أن المعارضة الداخلية محدودة وتتمثل في الكتلة الوطنية (حركة حرية إيران) بقيادة الدكتور إبراهيم يزدي الذي شغل منصب وزير الخارجية في حكومة مهدي بازركان وتظم عناصر تكنوقراط هدفهم إصلاح الوضع السياسي القائم وليس تغييره ومعارضة والتي تم استبعاد مرشحيها للرئاسة إضافة إلى مجموعة من العلماء يقودها آية الله منتظري، الذي لا يزال تحت الإقامة الجبرية بعد أن كان المرشح الرئيسي لخلافة الخميني، وتهدف كذلك إلى إصلاح النظام وليس استبداله.
ويعاني المجتمع الإيراني إضافة إلى الانقسامات السياسية من المعضلة الأثنية والانقسامات المذهبية. فالمجتمع الإيراني يشتمل على أعراق متعددة إضافة إلى الفرس 51 % على العرب 1% والأزاريين 20% والأكراد 9% والتركمان 8% والبلوش 1% وهو ما يساوي تقريبا نصف المجتمع. ونتيجة لذلك يتحدث فقط 58% اللغة الفارسية في حين يتحدث الآخرون التركية 25% والكردية 9% إضافة إلى 5 لغات أخرى بواقع 7%. ويوجد عدد من الديانات تتمثل في المسيحية واليهودية والزرادشت والبهائية. وتتضاعف معضلة الاندماج الاجتماعي في حقيقة الانقسامات المذهبية إذ تشكل نسبة السنة حوالي 10% من السكان تحتوي على أكراد وعرب وبلوش وتركمان. وعلى الرغم من ذلك فإن إيران كدولة لا تواجه خطر التفكك أو الانهيار الداخلي”.
تناكحوا:
بالانتقال إلى سوريّا التي تعاني أزمة اقتصاديّة طاحنة حيث لا يتجاوز دخل الفرد بأحسن حال 3000 دولار أميركي [نلاحظ هنا أن الأرقام التي توردها الإحصائيّات لا تعبّر عن الواقع الفعلي؛ فالدخل العام للدولة يقسّم على عدد الأفراد لينتج ما يسمّى بالدخل الفردي: وهكذا، فإن دخل حوت رأسمالي سوري، مثل صائب نحّاس، يجمع مع دخل صديقي راعي الغنم عويّد الراضي، ويقسم الناتج على إثنين]، نجد أنه من الضروري حصراً ـ فالموضوع في غاية التشعّب ـ مناقشة مسألة التزايد السكّاني الأرانبي المستند إلى ركام من أحاديث انتهت صلاحيتها، كالحكومات العربيّة، قبل ولادة التاريخ. فهذا الانفجار البني ـ آدمي [إن صحّت التسمية]، الذي يشعل فتيله المشايخ ـ في سوريّا بشكل خاص: الشيخات المهتاجات ـ هو الأعمى الذي يقود عميان المسلمين في الطريق القصيرة للغاية إلى الجحيم.
لقد تغيّرت الأوضاع تماماً عمّا كانت عليه في النصف الأخير من القرن الماضي، حين كان ثمّة مصارف يمكن أن تستوعب الفائض السكّاني لمجتمع حيث الجنس وسيلة التعبير الوحيدة عن التعلّق بالحياة: فطاقة الهجرة إلى الولايات المتحدة وأستراليا وكندا، التي كانت أصلاً أضيق من أن يمر فيها الإبهام، سدّت مرّة وإلى الأبد بقفل الحادي عشر من أيلول؛ أوروبا الغربيّة، التي تدفع غالياً اليوم ثمن غباء ديمقراطيتها وسخافة حقوق إنسانها ـ هل تكفي الإشارة إلى جو التلوّث الخانق الذي تشيعه حجابات ونقابات زنجيّات شمال إفريقيا، اللواتي جئن أصلاً لنهب الغرب الأوروبي، في جماليات وطن كوليت وسيمون دو بوفوار وإينوك إيميه وفرانسواز ساغان وبونجور ترستس ؟ ـ أضحت كاملة العدد، بل إن الشعوب الأوروبيّة، التي ساندت يوماً قضايانا العادلة”، أدمنت كل أنواع الكورتيزون الذي يقيها التحسّس من رؤية المسلمين؛ والخليج؟ العوض بسلامتكم! هل تتذكّرون الرفيق البعثي صدّام حسين، الذي وضع الخليج على الحديدة وهو يضحك على أهل العقالات بأنه حامي السنّة ضد ملالي المتعة؟ هل تتذكّرون دولة ـ إن صحّت التسمية ـ الكويت التي أوصل غزوه إياها الخليجيين إلى رهن حتى الحديدة عند العم سام؟ في الخليج مسموح الآن فقط باستيراد فنانات [!!!؟؟؟] من لبنان ومصر وسوريّا لتهييج المشايخ ضدّهن ـ يمارسون العادة السريّة في الخفاء على أصواتهن ـ وتهييج الأمراء عليهن: باقي الوظائف، مقفلة على أهل البلد المحليين الذين يتزايدون، هم أيضاً، بسرعة الضوء.
ماذا يمكن “لعلمائنا” الأفاضل أن يفعلوا بأحاديث من نمط: تناكحوا! تكاثروا! فإني مفاخر بكم الأمم؟ أو أن الطفل يلد ورزقه في عنقه؟ ما الذي سيقوله لنا رفيقنا البعثي أحمد ضرغام، الذي يمنع أعمالنا النقديّة ويسمح بكتاب الشيخ التحفة، نور الدين العتر: ماذا عن المرأة؟ والذي يطلب فيه هذا الكائن العقلاني من شعبه العظيم أن لا يستمع لدعاوى مروّجي مؤامرات تحديد النسل، الذين يريدون القضاء على المسلمين كي يسيطر الكفار على المال والبلاد!!!!
سوريّا.. السنيّة بامتياز:
لمن لا يعرف، فسوريّا أبعد عن أن تكون دولة علويّة، كما يريد إعلام الأخوان تصويرها! أغبى شيخ سنّي سوري له من الوطن أضعاف ما له أهم مثقف علماني! بل لقد أثبتت حوادث رمضان الماضي، حيث تمّ سوق أحد الدروز كالنعجة بأوامر من وزير العدل السوري، الذي يعرف القاصي والداني الوضع الفعلي لوزارته، إلى سجن عدره لأنه مفطر في رمضان، أن السنّة مازالوا يقبضون على الوطن من عنقه! والحال نحو الأسوأ باستمرار! المثل الألماني يقول: “لا تعط الشيطان إصبعك لأنه سيلتهم يدك”. والدولة، والحق يقال، علمانيّة عموماً؛ بمعنى أنها حياديّة تجاه الدين: وهذا خطأ. ففي وضع حرج كالذي نعيش في سوريّا، حيث المشايخ يتسلّطون على الناس بإرهابهم الماورائي البشع، لا بدّ للدولة من التدخل: فالسكين تطال الجميع. وهذا الانحدار الذي يدفع إليه المشايخ، ليس مقصوراً على طبقتهم فحسب. فالدولة التي حاولت استرضاء التيارات الإرهابيّة وإزالة الصبغة الطائفيّة عن النظام عبر إعطاء الشيطان يدها، التهمها الشيطان كلّها. وما النشاط منقطع النظير لتيارات التكفير التي يرعاها مشايخ تعتقد السلطة خطأ أنهم في جيبها إلا الدليل الأبرز على هذا الانتشار السرطاني للأصوليّة السنيّة في سوريّا. سوريّا التي كانت قبل أربعين عاماً شعلة حضارة، تمشي الآن مغمضة العينين، وهي تضع إحدى يديها بيد البوطي والأخرى بيد منيرة القبيسي، بخطى سريعة للغاية نحو الهاوية. والهاوية التي لا قعر لها هنا، والتي هي أساس كلّ مآسي البلد، هي التزايد السكاني. وحتى إذا كانت الدولة تأخذ اللاموقف من هذه المسألة الخطيرة حتى لا يقال إنها تتدخل في أمور الناس؛ فاللاموقف هنا هو موقف داعم للتيارات الماورائيّة، التي لا يهمها حرق العالم في سبيل ما تعتقد أنه حقيقة. و11 أيلول الشاهد الأفضل.
سوريّا نور الدين العتر الذي يريد القضاء على الصهيونيّة بالتناسل [نكاح يعني]، قفزت من ما يقرب ثلاثة ملايين عام 1952 إلى ما يقارب العشرين مليوناً عام 2004. ومقابل إنجاب أرانبي يأكل الأخضر واليابس، تميل الموارد الطبيعيّة، خاصّة الماء، إلى التآكل؛ وبردى، على سبيل المثال، الذي كان يروي دون انزعاج دمشق الخمسينيّات التي كان عدد سكانها أقل من نصف مليون، أضحى الآن مكبّ نفايات مع عدد سكان تجاوز الملايين الخمسة. وتزداد الصورة ظلاميّة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار افتقار الدولة إلى مشروع لمعالجة هذه المشكلة المزمنة.
إن عقلنة الأعراف ـ والأمر ليس بالسهل في بلد يعيش على الخرافة منذ ألف وخمسمئة عام ـ هو المدخل الأساسي لمقاربة الكارثة السكانيّة السوريّة؛ ويمكن أن نلاحظ، وهنا أتحدّث طائفيّاً، أنه كلما ارتفعت سويّة الوعي والعقلانيّة بين فئة سكانيّة، كلما قلّ إنجابها للأطفال؛ والعكس صحيح: من هنا، فإن أقل الطوائف السوريّة إنجاباً هي المسيحييّن والدروز؛ وأكثرهم السنّة. ولا مجال على الإطلاق لأي إصلاح في الاقتصاد السوري شبه المنهار، ما لم تتم معالجة حاسمة لمسألة التكاثر السكّاني: فالأفواج المتزاحمة من المواليد الجدد كافية لإجهاض أي مشروع إنمائي وإن كان بحجم “مارشال”.
مقارنة مفزعة:
مما لاشكّ فيه أن السويد واحدة من أغنى وأرقى دول العالم؛ ومما لاشكّ فيه أيضاً أنه لو فتحت سفارة السويد في دمشق أبوابها للسوريين كي يهاجروا إلى هذه الدولة الأقلّ التزاماً دينيّاً لما بقي في سوريّا أكثر من مليون نسمة. الوضع الاقتصادي في السويد معروف، والوضع الاقتصادي في سوريّا معروف أيضاً. ولا أعتقد أن المسألة السكّانية منفصلة في البلدين عن الوضع الاقتصادي. ولا بأس هنا من تقديم مقاربة غير اختصاصيّة للمسألة السكّانية في السويد، نعقبها بأخرى حول المسألة ذاتها في سوريّا.
بين العامين 1940 و 1985، وبسبب فتح باب الهجرة، ازداد عدد سكّان السويد من 6،4 مليون إلى 8،3. لكن الخصوبة استمرّت في الانهيار، حيث انخفض معدّل إنجاب المرأة الواحدة من 2،22 عام 1955، إلى 1،55 عام 1985. ومن المسح القومي الذي جرى عام 1982، تشير النتائج إلى أن النساء يمتلكن عوائل صغيرة للأسباب التالية:
تزايد عدد النساء اللواتي يمضين وقتاً أطول في الدراسة وبالتالي يؤخّرن الحمل.
النساء عاليات مستوى التعليم يمتلكن أطفالاً أقل.
تزايد نسبة النساء في قوّة العمل وتزايد مستوى تعليمهن واحتلالهن للوظائق الحكوميّة العالية.
تزايد عدد من يعيشون معاً خارج إطار الزواج وهم أقل رغبة بامتلاك الأطفال من المتزوّجين.
النساء العاملات يجدن من الصعب عليهن إيجاد مراكز رعاية تفي بالغرض.
وسائل منع الحمل تستعمل على نطاق واسع.
أعباء البيت، رعاية الأطفال، والطبخ والتسوّق تقع أوّلاً على عاتق النساء سواء أكن يعملن أم لا.
نشير أخيراً إلى أن معدّل الأعمار في السويد هو الأعلى في العالم ( 75،8)، ومعدّل الوفيّات هو الأخفض.
بالمقابل، فإن الإحصاءات الرسميّة، كما سبق وأشرنا، تتحدّث دون غموض عن الوضع المأساوي للحالة الديموغرافيّة السوريّة. ففي حين كان عدد سكّان سوريّة عام 1940 ما يوازي 25970000 نسمة تقريباً، من المتوقع أن يصل إلى 199480000 في نهاية عام 2004. مع ملاحظة أن نسبة النمو السكانيّة هي 2،58% ( إحصاء عام 2000). دون أن ننسى هنا كمّ السوريين الذين غادروا الوطن في هجرة مؤقتة أو دائمة، مقابل ما استقبلته السويد من مهاجرين من سوريّا وغيرها.
نقدّم هنا قائمة بالدخول الفرديّة لبعض الأقطار الناطقة بالعربيّة، إضافة إلى تركيا وإسرائيل، مقدّرة بالدولار:
الإمارات: 2085045؛ قطر 2054602؛ الكويت 1463373؛ البحرين 1279713؛ السعوديّة 1024952؛ عمان 792346؛ لبنان 511178؛ الأردن 429583؛ سوريّا 315928؛ العراق 245815؛ الضفّة الغربيّة 97057؛ اليمن 79139؛ قطاع غزّة 61179.
من ناحية أخرى فالمعدّل في إسرائيل هو 2023375؛ وفي تركيّا 695302
في السويد، معدّل الدخل هو 25400000 (إحصاء 2002).
ملاحظة بسيطة:
لابدّ أن نذكر هنا أنّ معدّل الدخل العالي في الأقطار الخليجيّة مسألة لا علاقة لشعوب تلك البلدان به؛ بمعنى أنه في حال انتهى النفط فسوف يعود أصحاب الدشداشات إلى بيع الملح في بلدات البادية السوريّة. ولا بأس أيضاً من أن نذكّر أن الدخل العالي هو فقط في تلك الدول التي لا يزيد تعداد سكّانها عن سكان إحدى بنايات القاهرة العالية.
نبيل فياض
تم النشر في /الناقد/بتاريخ شباط 21, 2004