الدولة الدينية والدولة المدنية عند المفكّرفرج فودة

فرج فودة

فرج فودة

الدكتور فرج فودة مفكر مصري علماني ، ثارت كتاباته جدلا واسعا بين المثقفين والمفكرين ورجال الدين، واختلفت حولها الآراء وتضاربت فقد طالب بفصل الدين عن السياسة و الدولة وليس عن المجتمع.
كانت جبهة علماء الأزهر تشن هجوما كبيرا عليه، وطالبت لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت تلك الجبهة في 1992 “بجريدة النور” بياناً بكفره.
اعتقد فرج فودة أن عدم وجود برنامج سياسي محدد للإسلام السياسي المعاصر والمقيد باجتهادات السلف مرجعه غياب مثل هذا البرنامج لدى السلف أصلا. وهو ما عكف على إيضاحه في كتابه الهام “الحقيقة الغائبة” (1984) والذي وضعه للرد على أسئلة محددة هي: “هل هناك … نظام حكم واضح المعالم في الإسلام؟ هل هناك قاعدة في القرآن والسنة تحدد كيف يبايع المسلمون حاكمهم وتضع ميقاتا لتجديد البيعة . (1)
هذه الافكار لم ترضي شيوخ الازهر فكفروه ، و حكم الاخوان المسلمين عليه بالموت فقتل غدرا و هو في الطريق لأسكاته وقتل افكاره .
في مناظرة تاريخية بين المفكر الكبير فرج فودة و مجموعة من الاسلاميين المصريين كان بينهم الشيخ الازهري محمد الغزالي ومرشد الاخوان المسلمين حسن الهضيبي و محمد عمارة و د. محمد خلف الله . و كانت تدور حول مفاهيم الدولة الدينية و الدولة المدنية .
المناظرة التي فند بها المفكر فرج فودة عن مساوئ حكم الدولة الدينية وعدم عدالتها ، استنادا لعدة حجج بدءً من التاريخ الاسلامي لدولة الخلافة منذ تأسيسها في عهد خليفة المسلمين الاول ابو بكر الصديق و حتى انهيارها في عهد دولة الخلافة العثمانية و الغائها على يد كمال اتاتورك . مرورا برأي المسلمين انفسهم في الدولة الدينية ، وسلوك الحكام المسلمين وما جرى بينهم ، و الواقع المعاش اليوم .
وقد دفع فرج فودة حياته ثمنا لأفكاره المتحررة هذه على يد الارهاب الاسلامي .
استند فرج فودة في دفاعه عن الدولة المدنية ، ومبينا مساوئ الدولة الدينية الاسلامية استنادا الى راي كبار شيوخ المسلمين انفسهم قائلا : صرح الشيخ محمد الغزالي نفسه في جريدة الوفد سنة 1989 من ان دولة الخلافة فقدت صفة الرشد بعد موت الخلفاء الراشدين ، و اصبحت خلافة فقط لأن الشورى فيها غائب و مشوه لأن صاحب السلطة فيها يستطيع ان يجتهد على الشعب ويملي ارادته على الشعب.
اما الدلائل من التاريخ الاسلامي فقال فرج فودة : الخلافة الأموية دامت لأكثر من تسعين سنة ، حكم خلالها 14 خليفة . وكان الخليفة طوال عهد الأسرة الأموية ملكًا لا يتقيد في حكم البلاد بدستور . و اصبح المُلكُ وراثيا و الخليفة ملكا مستبدا.
فأين الفترة التي حكم فيها بالدين الصحيح ؟ فقد دام حكم الشورى في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز سنتين ونصف فقط ، حتى قُتل مسموماً .
الدولة العباسية حكمت اكثر من ثلاثمائة سنة ، ولم يدم فيها حكم الشورى سوى تسعة شهور فقط في عهد الخليفة المهتدي العباسي . وهكذا دواليك حيث توالت المؤامرات و الاغتيالات والقتل للخلفاء من اقرب الناس اليهم الواحد تلو الآخر طمعا بالحكم و النفوذ و الثروات . ولم يتحقق العدل و المساواة في الدولة الاسلامية .
قال فرج فودة : شهد التاريخ احداثا كثيرة و اناس كثيرين ، كان بينهم 1% فقط من ناصر الدولة الدينية ، و 99% من الشعب كان يؤيد ان تكون الدولة و الحكم غير ديني و يطالب بالدولة المدنية التي لا يخلط فيها الدين بالسياسة .
و الحجة الثالثة التي قدمها فرج فودة لفشل الدولة الدينية هو حالة الواقع المعاش اليوم . قائلا : ” توجد العديد من الدول الاسلامية التي تحكم بالشريعة الاسلامية ، وتعتبر دستورها يقوم اساسا في احكامه على الشريعة التي هي المصدر الرئيس للتشريع “.
فلدينا حكم السودان الاسلامي منذ زمن النميري ، و لدينا مثالا في دولة طالبان الاسلامية في افغانستان ، وحكم المملكة الوهابية في الحجاز ، و حكومة ولاية الفقيه في ايران ، فهل هذه الدول و الحكومات هي مثالية في حكمها للشعب ؟ و في عدالتها و نجاحها و تقدمها حضاريا وصناعيا و ثقافيا و علميا ؟
هل هي رمز الحضارة و الازدهار و السلام ورفاه الشعوب التي تحكمها ؟
استشهد فرج فودة بقول للشيخ الغزالي : الاسلاميون منشغلون بتغيير الحكم و الوصول الى السلطة دون ان يعدّوا انفسهم لذلك . وهذا لا يكون الا عبر برامج محددة و واضحة . (2)
تعليق للكاتب : نرى اليوم امامنا مثالا حيا لحكم دولة الخلافة الاسلامية بقيادة السفاح ابو بكر البغدادي خليفة المسلمين في ما يسمى بدولة الخلافة الاسلامية في العراق و الشام ، فحكمه الاسلامي المستمد من سيساسة السلف يقوم على غزوات و احتلال مدن و اراض لدول و الغاء الحدود بينها لأنشاء دولة الخلافة الاسلامية المزعومة . ويعتمد على سياسة التوحش في القتل و السبي و اغتصاب النساء و سرقة ثروات البلاد و العباد ، و الاستيلاء على اموال الدول و الشعب المودعة في البنوك الرسمية التي يستولي عليها ، و فرض الاتاوات على الناس و التجار و المقاولين ، و يحكم بشتى انواع التعذيب و القتل و حرق الاحياء و اغراق الاسرى في النهر و تقطيع الرقاب و تمزيق الاشلاء ، و تدمير الاثار و سرقتها وبيعها ، و تدمير المتاحف و شواهد الحضارت القديمة ، وسرقة النفط الخام وبيعه بارخص الاثمان لتمويل دولته ، و اشعال الحروب بين طوائف المسلمين انفسهم سنة و شيعة من الذين يكفرونهم لأنهم لا يوالونهم ولا يبايعون الخليفة البغدادي، ان اغتصاب و بيع النساء اليزيديات في اسواق النخاسة بتسعيرات محددة حسب العمر اصبح مثار اشمئزاز ونقد مجتمعات العالم كافة لدولة الخلافة الاجرامية .
اما حملات الابادة الجماعية للرجال و الاسرى فالمقابر الجماعية تشهد لمدى بشاعة اجرام هذه الحثالات من الذئاب البشرية الذين يدعون انهم اتباع دولة الخلافة الاسلامية . يقتلون و يذبحون ضحاياهم وهم يكبرون مبتهجين الله اكبر .
في الدول الاسلامية التي تحكم بالدين مع السياسة ، تقام البنوك الاسلامية التي تدعي محاربة الربى حسب الشريعة الاسلامية ، لكن اصحاب تلك البنوك يودعون رؤوس الاموال التابعة لموديعهم في البنوك الغربية ، ويتقاضون عنها الربى سرا ، ويشيعون انهم ضد الربى بينما هم من يستفيد من ربى اموال المسلمين .
من يجروء ان يرفع صوته ضد الحاكم المسلم المستبد ؟ من يحتج على سوء تصرف الحاكم او الوزير او رئيس الحزب الاسلامي المتنفذ صاحب العمامة او اللحية و ميليشياته المسلحة تحيط به اينما ذهب و هو يتنقل بمواكب الملوك و الامراء .
الفساد و السرقات لأصحاب الاحزاب الاسلامية من الاموال العامة عن طريق وزرائها اصبحت رائحتها النتنة تعبر الحدود ، و صارت فضائحها قضية دولية .
اما محاربة المفكرين و المصلحين حتى من يريد اصلاح الفكر التراثي الاسلامي المعيب ، فقد اصبح هدفا للشيوخ ، و السجون هو مصيرهم ، كما يحدث حاليا في مصر في حبس المفكر الاسلامي اسلام البحيري ، و اصدار الحكم النهائي لسجن الاديبة المصرية فاطمة ناعوت ثلاث سنوات مع غرامة مالية كبيرة . واصدار الحكم بسجن اطفال صغار استهزأوا بطريقة ذبح داعش لاسراهم ، فحبسوهم خمس سنوات مع عتاة المجرمين ، دون مراعاة لطفولتهم و دمار مستقبلهم .
وقبل ذلك بأكثر من اربعين سنة تقريبا تم اعدام المفكر السوداني محمود محمد طه في محاكم جعفرالنميري الاسلامية بجريمة الردّة عن الإسلام ، عندما انتقد فكرا اسلاميا باليا . وذلك بتحريض و شكوى من شيوخ الازهر . حيث قال ان الجهاد و عدم مساواة النساء مع الرجال و تعدد الزوجات ليست من الاسلام الصحيح ، وطالب بتطبيق القرآن المكي بدلا من القرآن المدني ، فدفع حياته ثمنا لفكره الاصلاحي .
اما المفكر الكبير فرج فودة فقد تم التحريض على قتله من قبل مرشد الاخوان المسلمين في مصر حسن الهضيبي و جماعته ، و اغتيل غدرا في الشارع بسبب افكاره التحررية المخالفة لفكر الاسلاميين البالية ، لكونه كان يفضح مساوئ الدولة الدينية ، ويطالب بفصل الدين عن السياسة . فبأي مذهب سيحكم المسلمون وهم منقسمون بين السنة و الشيعة و العلويين و الاسماعيليين و الدروز و البهائية و الاحمدية و غيرهم في دولتهم الدينية الاسلامية ؟
المراجع
1 – ويكيبيديا
2- مناظرة بين فرج فودة و مجموعة من الاسلاميين

About صباح ابراهيم

صباح ابراهيم كاتب متمرس في مقارنة الاديان ومواضيع متنوعة اخرى ، يكتب في مفكر حر والحوار المتمدن و مواقع اخرى .
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.