الحليب مع الدم

اليوم هو اليوم السادس من التوقيت الدموي لحملة ابادة نصف مليون محاصر في غوطة دمشق
عمران….. ربع حياته قضاها مع اهوال قيامة الغوطة المستمرة رغم دجل وكذب هدنة فشل قادة العالم كلهم بانجاحها ووقف تلك المجازر اليومية بحق الابرياء
عمران… رضيع لم يتجاوز عمره الاربعين يوما
في لحظة واحدة وبرميل واحد سقط من نفس السماء التي اظلت رؤساء الارض المجتمعين البارحة لاقرار مجرد هدنة تنقذ ما تبقى من انسانيتهم
فقد عمران اسرته كلها بذلك البرميل وبتلك اللحظة
احضروه لنقطة الجراحة ليس لانه مصاب بجسده بل لانه مصاب بكل حياته
امه وابيه وبيته وحيه ولا مكان يذهبون به بعد اخرجوه من تحت انقاض بيته
تحلقنا حوله جميعا ونحن نستمع الى صرخاته وبكائه والكل لايدري ما العمل
وضعناه على اسرة الجرحى وجرحه اكبر من كل وطنهم
وعدنا الى وطننا المكلوم بالعشرات من ابنائه
وبين العمل والجراحات واستقبال الاسر التي تراجعنا من تحت جدران بيوتها ولكل قصته المرعبة عن تلك البراميل السوداء سواد من القاها من مروحية السماء
نسينا عمران ونسينا انفسنا ولم يوقظنا الا صوته من بعيد يملأ القاعات بالبكاء واخبرتنا الممرضة انه حتما جائع ويحتاج للحليب

واي حليب ومن اين نحضره والسماء تمطر حمما والارض تشتعل نيرانا وقادة العالم ينتظرون وحوش السماء لتستكمل مهمتها في قتل الابرياء
بحثنا عن القليل من الحليب لم نجد
اخبرونا ان نشربه سيروم سكري عله يفيد بهذه الظروف
فعلنا لكنه رفضها
وضعناها برضاعة الحليب الفارغة فلم يرضعها واستمر بالبكاء
اسقط في ايدينا وبين النقاش بان نفتح له وريدا لتغذيته ريثما نؤمن له حليبا او ان نركب له انبوبا انفيا معديا لتغذيته اخبرونا عن اسرة ثانية مصابة حضرت لتوها
ركضنا باتجاههم لاسعافهم
الام فريال فقدت زوجها ورضيعها وابنها وكامل طرفها الايمن
وخلال وقت قصير استطعنا ايقاف نزيف طرفها الايمن المبتور واغلاق جذموره الذي ابقاه لها قادة العالم المجتمعين
وعدنا لطفلنا عمران وبكاؤه يقطع قلوب كل من يسمعه وياليت صوته يصل لاسماع العالم الميت
فخطرت ببال احد زملائنا فكرة لم تسعفنا الدماء التي غطت اجساد المراجعين ان نتذكرها
فريال التي خسرت كل شيئ مازالت قادرة على ان تقدم شيئا لهذا الرضيع
نعم
انه حليب ابنها الشهيد المحتقن في صدرها المدمى!!!
وبلا تفكير دخلت الممرضات الى قاعة الاستشفاء المغلقة وقاموا بمسح الدماء عن صدرها الطاهر ووضعوا عمران بجنبها
وما هي الا لحظات حتى خبا صوته وهو يلتقم حليبها وشعرت حينها ان السكون عم كل الدنيا
لم اعد اسمع صوت البراميل ولا هدير الطائرات ولا عبارات الشجب في اروقة مجلس الامن
لم اعد اسمع صرخات الامهات والجرحى والمصابين
شعرت ان الحليب الطاهر الذي اسكت الطفل اليتيم اقوى من كل قادة العالم وملوكه المجتمعين ليلتها
اخبرتنا الممرضات ان الام التي ما افاقت من غيبوبتها ضمت الطفل بكلتا ذراعيها وسكنت الامها بمجرد ان وضعوه على صدرها
نعم ايها العالم وقادته وملوكه والبشر القاطنون فوقه
نعم ايتها الانسانية التي حدثونا انك موجودة في قلوب ما تبقى من البشر
نعم
ذلك الحليب الذي خرج من بين تلك الجروح والدماء والركام انقذ عمران وفشلتم كلكم في انقاذه
قتلتموه
سمحتم للبراميل المتساقطة من السماء ان تفتك باسرته
وقتلتم فريال عندما اشحتم بوجوهكم عن انسانيتكم وتركتم تلك المجازر تتكرر في كل ساعة في غوطة دمشق
وانا الان اقف امام عمران وقد ارتوى بذلك الحليب واغمض عينه لينام اسالكم واستحلفكم بكل ما هو مقدس في معتقداتكم
لماذا!!!؟
لماذا تسمحون بقتل كل هؤلاء الابرياء امام شاشاتكم
ماذا سوف تقولون لابنائكم عندما يكتب تاريخ الارض عن تلك المجازر!
كيف لكم ان تنظروا في وجه شعوبكم؟؟
الم يكتب تاريخ الارض عن مجازر البوسنة وراوندا وكوسوفو
لماذا تسمحون بنفس المجازر على شاشاتكم!!؟
مالذي فعله عمران وفريال
هل سرقوا من نفطكم
هل نافسوكم على ثرواتكم
كل ما ارادوه حياة كريمة انتم من ادعيتم انها شعار حضارتكم
لذلك لا تنقذوا الغوطة
بل انقذوا حضارتكم وانسانيتكم
Housam Adnan

This entry was posted in فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.