بعد نهاية ثورة الإستقلال الأمريكيه دخلت الولايات المتحده الى ساحة الصراع الدولي كقوه كاسره لم ترحم أحداً في طريقها . في العام 1845 وصلت سفينتان أمريكيتان محملتان بدرنات بطاطا مريضه الى سواحل آيرلندا فأنتجت هذه الدرنات محصولاً ميتاً فعمت المجاعه في آيرلندا ومنها الى جميع أنحاء أوربا وأثرت بشده في الطبقات الفقيره فزاد التذمر والمطالبات , بوصولنا الى عام 1848 إشتعل ربيع الثورات الأوربيه واستمر حتى عام 1864 , مات الآلاف , وتهدمت مدن , وتخربت ممالك , وبينما كان الحال كذلك فتحت الولايات المتحده باب الهجره لسكان بحر الشمال دون قيد أو شرط فهاجر إليها من ألمانيا وحدها مليون مهاجر في العام 1848 تمت تسميتهم ( ألمان 48 ) وتم تأهيلهم كأصحاب بنوك ومصالح كبرى ورؤساء تحرير صحف وعمداء كليات وإعادتهم الى أوربا لينشروا المصالح الأمريكيه فيها
بوصولنا الى عام 1907 كانت أوربا تغلي تحت مختلف التيارات والإتجاهات الثقافيه والسياسيه والحركات الفنيه والأدبيه , كانت أوربا قد تحولت الى فوضى , نتيجة لذلك وقع تحالف بين بريطانيا وروسيا القيصريه لتطويق أوربا من الشرق والغرب والحيلوله دون إنتشار النفوذ الأمريكي القادم إليها من دول بحر الشمال
الرد الأمريكي على ذلك كان إشعال الحرب العالميه الأولى عام 1914 وفي وسط معمعة الحرب وقع إنقلاب فبراير1917 في روسيا فأطاح بالحكم القيصري . بدلاً عن القيصر حلت حكومه مؤقته تحت حكم الأمير ( جورجي لڤوڤ ) ورأس وزرائها ( كيرنسكي ) , وكانت هذه الحكومه المؤقته في تحالف مع الليبراليين والإشتراكيين ويهدف الجميع الى الإصلاح السياسي والإجتماعي للوصول الى حكومه دستوريه منتخبه ديمقراطياً , وفي نفس الوقت قام الإشتراكيون بتشكيل قيادة ( سوفييت بتروغراد ) التي كانت تحكم الى جانب الحكومه المؤقته بما يعرف بالسلطه المزدوجه
دخلت الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب بعد 27 يوما فقط من وقوع ثورة فبراير وكان ذلك يوم 3 نيسان 1917 بإعلان ويلسون الحرب على ألمانيا . الهدف من ذلك هو نشر الجيش الأمريكي في أوربا الغربيه لحماية المكتسب الجديد الذي يقع في اوربا الشرقيه والتأثير في سير الحرب والتأثير في مجريات الثورة الروسية نفسها من أجل منع أي احتمال لتنسيق روسي بريطاني في المستقبل _ ومن أجل هذا كانت البلشفية هي الحل
بتاريخ 26 حزيران 1907 وقعت سرقة ( بنك تفليس ) وهي عملية سطو مسلحه قام بها البلاشفه في المدينة الجورجيه ( تفليس ) التي تعرف اليوم بإسم ( تبليسي ) . بينما كانت الأموال تنقل في عربه من خزينة البريد الى خزينة البنك محاطه بعناصر الأمن تمت مهاجمتها بالقنابل والبنادق مما أدى الى قتل أربعين شخصاً وجرح حوالي خمسين آخرين وسرقة مبلغ 341 ألف روبل أي ما يعادل حوالي 4 مليون دولار أمريكي في يومنا هذا , قام بالتخطيط وشارك في التنفيذ بلاشفه من كبار الحزبيين بضمنهم : فلاديمير لينين وجوزيف ستالين ومكسيم ليتفينوف وألكسندر بوغدانوف , بعد هذه الحادثه هرب الجميع الى الخارج حتى لا يتعرضوا للعقاب , ومنذ عام 1907 وحتى عام 1917 كان لينين خارج روسيا
بعد اسبوعين من دخول الولايات المتحده الأمريكيه الى الحرب العالمية الأولى عاد لينين الى روسيا وكان ذلك يوم 16 نيسان 1917 وفي خدعة حرب تمكن الأمريكان من إيصال البلاشفه الى سدة الحكم , الآن أصبح الوضع مختلفاً .. المليشيات البلشفيه مسلحه ومصرح لها بالحركه , وهكذا في مدة عشرين يوماً تمكنت من احتلال المقرات الحكوميه وطردت حكومة فبراير منها , وتشكلت حكومه جديده بقيادة لينين فيما يعرف بإسم ثورة اكتوبر . كتبت بتفصيل كل هذا في موضوعي المنشور على الموقع بعنوان : الحرب العالميه الأولى والبلشفيه
بريطانيا لم تستسلم وواصلت القتال منذ عام 1917 وحتى عام 1923 تحت قناع ما يسمى بالحرب الأهلية الروسيه , التي هي في الحقيقه ليست أكثر من امتداد للحرب العالمية الأولى , ففي يوم 3 آذار 1918 انسحبت روسيا من الحرب العالمية الأولى ووقعت معاهدة صلح مع ألمانيا . الولايات المتحده الأمريكيه وجيشها كان موجوداً على الأراضي الأوربيه وبواسطتهم تم توقيع الهدنه مع دول المحور يوم 11 تشرن الثاني 1918
تفرغ الحلفاء الى قتال بعضهم من وراء قناع ما يدعى بالحرب الأهلية الروسيه لمدة ست سنوات , شاركت في هذه الحرب جيوش من 14 دوله على رأسها الولايات المتحده داعمه للبلاشفه بالمال والسلاح والخبرات _ وعلى الجانب الآخر تقف ( بريطانيا وفرنسا , استراليا , كندا , الهند , تشيكوسلوفاكيا , فنلندا , اليونان , ايطاليا , اليابان , بولندا , رومانيا , صربيا ) داعمين لكل ماهو معادي للبلشفيه
عند نهاية هذه الحرب نجحت الولايات المتحده الأمريكيه في تأسيس دولة بلشفيه لا تتعايش مع برجوازية أوربا ولا تتحالف معها وأسدل الستار الحديدي بين أوربا الشرقيه والغربيه ليتمكن الأمريكان من فرض نفوذهم وإدارة مصالحهم
خلال فترة ما يعرف بالحرب الأهليه الروسيه دعم الأمريكان البلشفيه دعماً كبيراً عن طريق السياسه والصحافه والإعلام . الحكومة الأمريكيه التي كانت تدعم التنظيمات الشيوعيه خارج أراضيها بشكل أو بآخر .. كانت تناهض التنظيمات الشيوعيه والإشتراكية والأناركية فوق أراضيها , ولهذا فلم تتمكن التجمعات الشيوعيه من تأسيس حزب إلا بعد 47 عام من نقل الأممية الى نيويورك حيث تمكن الشيوعيون الماركسيون واللينينيون والإشتراكيون والأناركيون ( مجتمعين ) من تأسيس الحزب الشيوعي الأمريكي عام 1919 إنضوت تحت لوائه جميع التيارات التي ذكرناها وكان هذا الحزب ماركسياً لينينياً وكان تأسيسه رد فعل على نجاح ثورة اكتوبر الإشتراكيه في روسيا وضم في عضويته نصف مليون منتمي , غير أن هذا العدد وبسبب ضغط الحكومه أخذ في التناقص , وبوصولنا الى عام 1957 كان العدد قد تضاءل الى 10 آلاف منتمي محذوف منهم 2000 شرطي فيدرالي مندسين في الحزب بملابس مدنيه يبقى صافي العدد 8 آلاف شيوعي أمريكي
على غرار ما حصل في الولايات المتحده تشكلت أحزاب بلشفيه ( ماركسيه لينينيه ) في أغلب دول العالم وكأن الأمر ( موضه ) وبغض النظر عن حاجة البلد الفعليه الى حزب بلشفي من عدمها , فعلى سبيل المثال لا الحصر في نيوزيلندا لم تكن توجد حاجه فعليه أو حقيقيه الى الحزب , فموارد البلاد ثرية جداً وعدد نفوسه وقت تأسيس الحزب عام 1921 لم يكن يتجاوز نصف مليون نسمه , ولدينا قوانين صارمه تصون حق العمل وحق الأجر بعدالة متناهيه . أضف الى هذا بسبب حرية الرأي الواسعه في هذا البلد كانت توجد الكثير من التنظيمات الإشتراكيه مثل ( حزب ويلنغتون الإشتراكي المستقل ) و ( أنصار عمال الصناعه في اوكلاند ) إضافه الى ( رابطة عمال المناجم على الساحل الغربي للجزيره الجنوبيه ) . وحتى المنظمه الشيوعيه الدوليه ( كومنترن ) لم تنظر الى الحزب في نيوزيلندا ( عدد المنتمين له لا يزيدون 100 شخص ) إلا على أنه ( فرع , تابع ) الى الحزب اللينيني الماركسي الأسترالي
حقيقة تأسيس الحزب البلشفي في نيوزيلندا أنه كان ( نكاية ) في بريطانيا . نيوزيلندا خاضعه الى التاج البريطاني منذ إكتشفها الكابتن كوك قبل حوالي 200 سنه وهي بلد متطور وحديث وثري جداً . أثناء الحرب العالميه الأولى وحين عرفت بريطانيا أن هدف الحرب هو قطع علاقتها مع روسيا تشبثت بآخر أمل للإحتفاظ بهذه العلاقه فجيشت جيشاً من نيوزيلندا وأستراليا وأخذتهم في رحله طويله عبر قناة السويس لإحتلال شبه جزيرة غاليبولي في تركيا , شبه الجزيره واقعه على بحر إيجه وبحر الدردنيل وتشكل عائقاً طبيعياً يحمي الطريق البحري الواصل من الدردنيل الى البحر الأسود حيث توجد السواحل الروسيه . تم قتل 2779 نيوزيلندي بدم بارد هناك دون أن يتمكنوا من إطلاق طلقة واحده
https://www.youtube.com/watch?v=ojFxlULdEQo
أعتبرت نيوزيلندا الجريمه كارثة قوميه ما زلنا لحد اليوم نحتفل بذكراها كل عام , ونتيجة لها تشكلت حاله من السخط السياسي والكراهيه والضيق العام ببريطانيا , وبما انها كانت معنيه بمكافحة البلشفيه , في إيطاليا أسست الحزب الفاشي لهذا الغرض وكانت تدفع لموسوليني مبلغ 100 استرليني ليصرفها على أمور الحزب , في العراق قادت حلف بغداد لنفس الهدف , ولها نشاط في هذا المجال في جميع مستعمراتها . هكذا رأى النيوزيلندين قبل 100 عام وسيلتهم في إقلاق راحة بريطانيا
لم يضر الحزب البلشفي شيء مثلما أضره الإنشقاق الصيني السوفييتي وأدى الى تسمية القياده السوفييتيه من قبل ماو تسي تونغ ب : جماعة الرجعيين الخونه في القيادة السوفييتيه
تعود جذور الإنشقاق الصيني السوفييتي الى أربعينات القرن الماضي حين كان الحزب الشيوعي الصيني بزعامة ماو تسي تونغ يخوض الحرب الصينيه اليابانيه تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكيه ( 39 – 1945 ) وفي نفس الوقت يخوض حربه الأهليه مع حزب القومندان الصيني بزعامة شان كاي شيك . حين نصح ستالين ماو بعدم القتال مع شان كاي شك , تجاهل ماو جميع الإرشادات معللاً ذلك بأن تطبيق الماركسية اللينينيه بحذافيرها في الصين غير ممكن , ثم بدأ ماو ورفاقه يتداولون فكرة أن العالم الشيوعي يجب أن يتبنى النموذج الصيني للشيوعيه وليس السوفييتي
وخلال الخمسينات من القرن الماضي كانت موسكو تحث بيجين على التركيز على الصناعات الثقيله وإتباع النموذج السوفييتي للتنمية الإقتصاديه , لكن ماو اعتقد أنه يستطيع التحرك بسرعة أكبر نحو الإشتراكيه من خلال ( التعبئة العسكريه ) للعمال في الصين التي أدى تطبيقها الى قفزة إقتصاديه كبرى ( 58 – 1961 ) ولكن بثمن موت حوالي عشرين مليون مواطن صيني نتيجة سياسة الحزم والتقشف التي إتبعها أثناء التعبئة
بعد وفاة ستالين 1953 انتعشت العلاقه الصينيه السوفييتيه قليلاً في عهد خروشوف , لكن ماو طاش صوابه عندما قام خروشوف بحل مكتب الإعلام الشيوعي ( الكومنفورم ) عام 1956 بعد تقارب خروشوف وتيتو وتقريرهما عملية التبرؤ من الستالينيه ( الكومنفورم تم تأسيسه عام 1947 من دول اوربا الشرقيه التي قاطعت مؤتمر باريس لبحث خطة مارشال الأمريكيه ) ماو رأى في ذلك خيانه للمباديء الماركسية اللينينيه التي تشدد على حتمية الصراع بين الرأسماليه والإشتراكيه
حين انتهت الحرب في الصين خاف ماو من تدخل عسكري ياباني مجدد في جمهورية الصين الشعبيه ولذا وقع معاهدة صداقه مع الإتحاد السوفييتي عام 1950 ونجد أن ماو وجد معاهدة الصداقة هذه غير ذات معنى حين صار خروشوف ينادي بمبدأ التعايش السلمي , لأن ماو رأى أن موسكو بدأت تتراجع عقائدياً وعسكرياً وتحولت أيديولوجيتها الماركسية اللينينيه ولم تعد تكترث بالنضال العالمي من أجل تحقيق الشيوعية العالميه ولهذا نقض معاهدة الصداقة مع موسكو عام 1959 وبقي الإنشقاق قائما بين البلدين حتى عام 1991
في نيوزيلندا حوالي نصف السكان من الصينيين المهاجرين , وحوالي ربعهم من الهنود , أما بقية المهاجرين فخليط من جميع أنحاء العالم . الصينيون والهنود يتبعون مبدأ الطاعه الى حد إلغاء الرأي والشخصيه , ولهذا فما أن وقع الإنشقاق الصيني السوفييتي حتى قام الشيوعيون الصينيون بإتباع ماوتسي تونغ وإنشقوا عن الجماعه التي تبعت خروشوف فتحول الحزب ( وهو صغير أساساً ) الى مجموعة أنفار تبحث عن حزب كبير يلائم تطلعاتها لكي تندمج به
وفي وقت لاحق عندما توفي ماو وبدأ ( دنغ شياو بينغ ) عملية التغيير في النظام الصيني تخلى عنه الماويون النيوزيلنديون وبدأوا في إتباع الرئيس الألباني أنور خوجه حيث اعتبروه آخر زعيم شيوعي حق في العالم . رغم أنه خلال حكمه الذي استمر 40 عاما ارتكب نظامه سلسلة من القمع السياسي شملت إنشاء واستخدام معسكرات العمل القسري ، وحالات الاحتجاز غير المشروع ، وعمليات القتل خارج نطاق القضاء ، وعمليات الإعدام التي استهدفت القضاء على معادين الشيوعيين وغيرهم من المنشقين ، وطرد الأسر من منازلهم إلى القرى النائية التي كانت تخضع لرقابة صارمة من قبل الشرطة السرية التي كانت قمعية بقوة في كل مكان . وقد تميز حكمه أيضا باستخدام أساليب ستالينية لتدمير الشركاء الذين هددوا سلطته و ركز على إعادة بناء البلاد ، التي تركت في حالة خراب بعد الحرب العالمية الثانية ، وبناء أول خط للسكك الحديدية في ألبانيا ، والقضاء على أمية الكبار وقيادة ألبانيا لتصبح مكتفية ذاتيا زراعيا
وفي الوقت نفسه ، أسس أعضاء آخرون سابقون في الحزب البلشفي في ولينغتون وكانوا مطرودين بشكل جماعي من الحزب منذ عام 1970 منظمة ( لينين _غتون ) الماركسية اللينينية، التي اندمجت في عام 1980 مع المنظمة الشيوعية الشمالية لتشكيل رابطة العمال الشيوعية
بعد انهيار الشيوعية في ألبانيا غيّر الحزب الماوي النيوزيلندي وجهات نظره متخلياً عن دعمه السابق للستالينية ، الماوية ، والخوجة. وبدلاً من ذلك ، وبقيادة أمينها العام الأخير ( غرانت مورغان ) وضعت تحليلاً رأسمالياً للدولة الستالينية . يعتقد الحزب الآن أن الاتحاد السوفياتي لم يكن أبداً اشتراكيا على الإطلاق ، ولا حتى في زمن ستالين . لهذا إنشق معارضو هذا التغيير ، وأنشأوا الحزب الشيوعي أوتياروا ( ماويون ) والجماعة الماركسية اللينينية ( المواليه لأنور خوجه ) . اندمج الماويون في نهاية المطاف مع المنظمة الاشتراكية الدولية الجديدة ( التروتسكيين الجدد ) في عام 1994 وتغير إسم الحزب الناتج الى ( منظمة العمال الاشتراكيين ) وكان حزباً نشيطاً الى حد ما ومع ذلك فإن معظم أعضائه انقسموا مرة أخرى بعد أشهر وأسسوا تنظيمات منفصله خاصة . منذ نهاية العام 1994 يعتبر الحزب غير موجود على أرض الواقع فقد تفتت وتشظى ومضى أتباعه كل في طريق , لم يكن الحزب يمتلك قوة سياسيه حقيقيه ولا قيادات فاعله تستطيع قيادة المجاميع بل كان مجموعة من هواة العمل السياسي يجمعهم سبب ويفرقهم ألف سبب