الجنس و الدين و السياسة

حين كنت أشعر أني بحاجة لكتابة مقال صحفي عن حول ما أقرىء من مواضيع في الفكر العربي والأديان السماوية كنت أواجه صعوبة في إيجاد مؤسسة صحفية أردنية تحترم رأيي الفكري والثقافي وكل الصحف الأردنية كانت تقول لي : أكتب يا أستاذ في كل شيء يخطر ببالك فأنت حر في التعبير عن وجهة نظرك بحرية بالغة فنحن لسنا ضد حرية الرأي ولا نقمع كاتبا ولكن عليك أن تتجنب الحديث عن ثلاثة أشياء وهما :
-الجنس.
-الدين.
-السياسة.
وهذا ثالوث ملعون ما زال يلاحقني أينما ذهبت ما عدى أنه غير متوفر في الصحف التي لا تشع من مدن عربية .

وكنت حين أخلوا بنفسي لكي أكتب مقالا كنت أتوقف لأكثر من ساعة وأنا أفكر كيف أتجنب هذه المحرمات الثلاثة في الصحف الأردنية الغراء؟ وكنت حين أنجح بيني وبين نفسي بتجنبها أنظر في مقالتي أو قصيدتي فإذا بها خاوية على عروشها ومدينة محروقة وقرية فاقدة للسكان ودولة بلاشعب وشعب بلا تاريخ وتاريخ بلا مؤرخين وعظام لا يكسوها اللحم ولحم ليس به بروتين وعروق ليس فيها دماء …إلخ.

لذلك كنت أمزق كتاباتي .
فحين لا نكتب عن الأديان فماذا نكتب ؟
في الحقيقة كنت ألاحظ أن هنالك كتابات عن الأديان السماوية ولكنها في محتواها ليست غير نقل ونسخ لكتاب رياض الصالحين .
وحين لا أكتب في الجنس فماذا أكتب أو عن ماذا أكتب ؟ علما أنني كنت أشاهد كتابات عن الجنس ولكنها ليست غير أحاديث نبوية وكلام لإبن تيمية .
وحين لا أكتب في السياسة فماذا أكتب …وكنت أشاهد مقالات في السياسة لا تتجاوز كلمات وآراء الجالسين في سيارات الأجرة وعلى المقاهي وأمام أبواب الدكاكين .
وبهذا فالحديث في السياسة هو حديث الدكاكين والمقاهي وسيارات الأجرة .
وبهذا أيضا كتاباتنا كلها فارغة وخالية من المحتوى وكتابنا وإن كانوا متخرجين من أكبر الجامعات فحديثهم لا يتجاوز حديث أرباب الدكاكين والمقاهي والحوانيت الصغيرة .
وكنت إبان حرب الخليج الأولى أسمع أراءا لنساء في السياسة سنة 1990-1991م أكثر دقة من أراء الخبراء في الصحف الأردنية وهذا يعني أن الصحف الأردنية والعربية تتجنب الحديث في الفكر السياسي والإجتماعي وبذلك ضعفت قوة التحليل السياسي عندهم .
وعلى رأي أرسطو : العضو الذي لا يستخدم يضعف ثم يموت , وفي الحقيقة عندما تتوقف العقول عن التفكير تضعف عندها قوة التحليل لذلك لا يوجد مفكرين صحفيين وإعلاميين لدينا مؤثرين على العالم الغربي وعلى الناس وعلى الجماهير العريضة .
حين لا نكتب في الجنس والدين والسياسة فماذا نكتب؟
هل نكتب حكايات ألف ليله وليله ؟
ماذا تنفع الكتابة إن لم تكن في الجنس والسياسة والدين ؟
كيف سنغير حياتنا إذا لم نطور بآرائنا حياتنا الجنسية والسياسية والدينية والفكرية , عن طريق الحوار وإستنباط الأفكار والدمج الثقافي والتفاعل الثقافي بين الأمم والناس .
إننا لا يمكن أن نتطور طالما أننا غير متحاورين مع الأطراف الأخرى وغير متفاعلين مع باقي الثقافات .
إن القسوة والطغيان لا يمكن أن يساهما بتطورنا وإن التطور البناء يعود إلى الليونة التي يبديها المجتمع والدولة والمؤسسات .

من ذكرياتي

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.