الجزء الثاني من قراءة في كتاب الخرافة في عصر العِلم

robertleepark

صورة المؤلّف روبرت لي پارك

التفسير العلمي لكيمياء عواطفنا !
الجزء الثاني من قراءة في كتاب (الخرافة في عصر العِلم)
لعالم الفيزياء الأمريكي / روبرت لي پارك

مقدمة :

في الجزءِ الأوّل من تلخيص هذا الكتاب ,أبرزتُ قصدَ مؤلّفهِ ,أنّ المالَ لَعِبَ على الدوام دوراً بارزاً في شراء الذِمَمْ (حتى ذِمَمْ العلماء) !
مستنداً الى الواقع أعطى المؤلف مثالاً على ما فعلتهُ مؤسسة تيمبلتون (الحريصة على أنْ تفوق قيمة جائزتها ,جائزة نوبل الشهيرة) لإستمالة العلماء الى الحوار والتقارب مع الدين وصرف مايزيد عن 60 مليون دولار سنويّاً كتشجيع لهم في هذا المجال .
في هذا الجزء سنبدأ مع الإنشقاق الحاصل داخل أعرق مؤسسة علميّة أثّرَ عليها (جون تيمبلتون) بأمواله السخيّة .
وننتهي بشرحٍ علمي دقيق ومفيد ,عن كيمياء عواطفنا وتأثيرها على الخبرة الشخصيّة والإرادة الحُرّة ,على السواء !
***
ص 21 / الإنشقاق !
لم يكن أحداً سعيداً لبيع مؤسسة
AAAS
العلمية العريقة روحها لتيمبلتون

رعد الحافظ

رعد الحافظ

لماذا سَمَحت أهّم منظمة علميّة في أميركا وربّما في العالَم ,لصوت اللاعِلم بإرتداء زيّ الحوار بين العِلمِ والدين ؟
تحتل مؤسسة
AAAS
مكاناً وحيداً بين الجمعيّات العلميّة في أنّها تحتضنُ الطيف الكامل للبحثِ العلمي .

فصحيفتها الإسبوعية
Science
تُغطّي مزيجاً إنتقائيّاً من الأوراق العلميّة التِقَنيّة في كلّ مجال ,إضافةً للأخبار والآراء التي تُغطّي تفاعل العِلم المجتمع .لأنّ
Science
هي مصدر شعبي لأخبار العِلم !

ولأنّ المُشتركين فيها يُصبحون تلقائيّاً أعضاء في مؤسسة
AAAS

فمساحة العضويّات واسعة ,وتضّم العديد من العامة المُهتمين إضافة للعلماء المُنقطعين .وإضافةً للأعضاء الأفراد فللمؤسسة العديد من المُنظمات القوية كأعضاء / كالجمعية الأمريكية الكيمياويّة ,والجمعيّة الأمريكية الفيزياوية ,والجمعيّة الأمريكية لعلماء الخليّة .
وكون صحيفة
Science
هي مصدر هام للقصص الخَبريّة بالنسبة لوسائل الإعلام كافة ,فإنّ مؤسسة
AAAS
حتماً ستمتلك بواسطتها قبضة سياسيّة مؤثرة !

في الواقع تُعّد
AAAS
ثمينة جداً للمجتمع العلمي .وحقيقة أنّ رجلاً واحداً إستطاع شراء برنامج كبير فيها لترويج أهدافه الخاصة كانت مُزعجة للعديد من الأعضاء !

ولأسباب ثقافيّة شعر الفيزيائيّون في المجلس (وكنتُ أحدهم ,يقول العالِم روبرت لي بارك) ,بأنّ الدين كان يلعب دوراً أكبر من اللازم في شؤون المؤسسة العريقة
AAAS .

كان رئيسها الودود حينها هو الراحل (ستيفن جاي غولد) ,الإحاثي المُحترم ,بل المحبوب والذي يوصف موقفه من رابطة (العلم /الدين) بأفضل مايُمكن ک ( مُنفصلين ..لكن متساويين) !
ملاحظة :عِلم الإحاثة يختص بدراسة الكائنات الحيّة البائدة !
***
ص 22 / مناظر مختلفة !
إعترفَ (غولد) بالطبيعة الروحيّة للهومو ساپينس

Homo sapiens
وقال : [أنّهُ رغمَ كون الدين والعِلم ضروريّان معاً لحياةٍ كاملة ,مع ذلك لايمكن المُصالحة بينها بسبب طبيعتهم المختلفة] !
وقام بإحياء المُصطلح العتيق

Magisteria

(إختصاصات) ,ليصف تلك المجالات غير المُتداخلة للوجود البشري !
إنّ إختصاصات العِلم والدين ترى العالَم من خلال نوافذ مختلفة ,قال غولد
وخلافاً لمثال تيمبلتون (المتديّن) ,عن النوافذ التي تعطيك رؤىً مختلفة لنفس المنظر ,تَطّلُ نوافذ غولد (الإحاثي) على مناظر مختلفة تماماً !
التجربة هي نافذةُ العِلمِ ,أمّا نافذةُ الدين فهي الوحي ,فهما ينظران الى كونَين مُختلفين تماماً !
كلاهما (يقول غولد) يستحق التقدير ,إنّما مؤسساتنا يجب أن تُبنى بحيث يبقيا مُنفصلين .وهذا هو مايسعى التعديل الأوّل للدستور لفعله !
إنّ مبدأ الإختصاصات غير المتداخلة هو خلاف إعتقاد (تاونز) بأنّ العِلم والدين الى تقارب ,وإنكاراً لحلم تيمبلتون بأنّ العِلم سيؤكد إعتقاداته الدينية المسيحية .بدا حوار

AAAS

مُقدّراً ليكون عقيماً مُقسِّماً ,وهكذا كان !
(ملاحظة : تشارلز هارد تاونز,مُعلّم وعالم فيزيائي أمريكي مُتديّن ,حازَ جائزة نوبل للفيزياء عام 1964 وردت قصته في الجزء الأوّل) .
لسوء الحظّ كان على (ستيفن جاي غولد) الذي حازَ المنزلة والجاذبية ليتعامل مع كلا الجانبين (العِلم والدين) ,أنْ يتعامل أيضاً مع السرطان فمات في ربيع 2002 ,وبموتهِ خسر العِلم أحد أفصح وأحبّ أبطالهِ !
رغم ذلك فإنّ ألم السرطان الذي حازَ في الختام حياته ,لم يذهب أبداً بحسّ دعابته أو يقلّل من عزمه الصلب على حكاية قصة التطوّر بكلّ وضوح ومنطقية جعلت الناس يفهموه !
لسنين عديدة خاض غولد غمارَ حوار (حاد أحياناً) مع د. ريتشارد داوكنز (الشارح الأكبر للتطوّر خلال هذه الحقبة) ,متناولاً (التوازن المؤكّد) ,وملاحظاً أنّ التطوّر يحدث أحياناً في دفقات ,تفصلُ بينها فترات من الركود النسبي !
كان جدلهم علميّاً تقنيّاً خالصاً ,رغم ذلك سعى منكروالتطوّر الى إسخدام ذلك الجدل كدليل على أنّ (التطوّريين) لا يتفقون حتى فيما بينهم !
***
ص 23 / الجدل المفتوح !
في الواقع كان الجدال المفتوح بين هذين المُدافعَين المَرموقَين (غولد وداوكنز) عن التطوّر ,مثالاً كلاسيّاً عن كيفية وصول العلِم الى أوصاف أقرب للحقيقة .فالعِلم هو ميدان رمي مفتوح والأسلحة هي البيانات العِلميّة
الجانب ذو البيانات الأفضل يفوز ! لاشيء مُقدّس ,والإيمان مُحتقَر !
إستخفّ داوكنز بمقترح غولد لإعتبار العِلم والدين كإختصاصات غير مُتداخلة تُختصر أحياناً ب ( إ.غ.م. ) .
ففي نظر داوكنز أنّ أيّ إتفاق بين العِلم والدين بإمتناع أحدهم من التعليق على الآخر ,سيوّفر ببساطة الغطاء لإدعاءات دينيّة بلا دفاع !
لسوء الحظّ لم تتعامل مؤسسة

AAAS

بشكل مُرضي مع الموضوعات التي طرحها الحوار بين العِلم والدين .عُقِدَ تنازل تقوم وفقهِ مؤسسة جون تيمبلتون بتمويل أقّل من نصف ميزانية البرنامج .
ربّما يكون هذا قد قيّد قدرة تيمبلتون على إملاء أجندته الخاصة .
لكنّهُ لم يُجب على السؤال الأهّم :هل على الجمعيّة الأمريكية لتقدّم العلوم أن تقبل هدايا كبيرة ,يُقصد منها أهداف (سوى تقدّم العلوم) ؟
العديد من العُلماء يعتقدون بقوّة ,أنّهُ ليس عليها فعل ذلك !
***
ص 24 / أن تخلعَ جِلدكَ !
يبدو أنّ الفائزين بجائزة تيمبلتون ,وتيمبلتون نفسه قد تربّوا في عوائل مُتديّنة جداً .عموماً أجد هذا النمط ضمن زملائي الفيزيائيين الذين بقوا متدينيين .فقد كانت قناعاتهم الدينيّة تُزرَعْ فيهم حتى مع بداية تعلّمهم الكلام .لذا لا يُحتمل أن يخلعوا دينهم بعد البلوغ ,فذلك يشبه توّقفهم عن التفكير بلغتهم الأُم !
هذا يحصل الى درجة أنْ تذّمرَ (هـ .ل.مينكن) ذات مرّة من كونه لايثق أبداً بمُلحِد ترّبى كاثوليكياً ,ففي النهاية حتماً سينعكس الى إيمان طفولته !
لا أشّك أنّنا سجناء تنشئتنا .لكن ذلك جزء واحد من القصة ,فنحنُ أيضاً سُجناء ميراثنا الجيني .
وأفضل مثال على الكلام السابق هو (فرنسيس كولينز) مدير المعهد الوطني لدراسات الجينوم .
والده كان دكتوراه في الإنكليزية ومُدرّس دراما ,وأمّه كانت كاتبة مسرحية .وكانت غير راضية عن جودة المدارس العموميّة ,فقامت بتدريس إبنها منزلياً الى أن انهى الثانوية في السادسة عشرة .
وإستمر حتى نال الدكتوراه في الكيمياء الفيزيائية في يَيل !
ولاحظوا مايلي: ( ثمّ دخل كلّية الطب في جامعة كارولينا الشمالية) !
يصف كولينز والديه كمسيحيين إسميّاً ,حتى أنّهُ إعتبر نفسه مُلحِداً خلال فترة الجامعة .لكن في سنّ ال 27 في سنته الثالثة في دراسة الطب وملاقاته مرضى إعتمدوا بقوّة على إيمانهم بالتعامل مع المرض ,إنتهى (فرنسيس كولينز) بالتفكير بالإيمان !
في الفصل الأوّل من كتابهِ (لغةُ الله) المنشور عام 2006 ,يذكر كولنز زيارتهِ القديمة لجارهِ الذي كان وكيلاً ميثوديّاً
Methodist Minister

ليسألهُ : هل الإيمان معقول مَنطقيّاً ؟
لكن في ذلك الوقت في أواخر عشريناتهِ كان فرنسيس كولنز بالتأكيد يبحث عن شيء ! هل كان يتوّقع أنْ يُدخل وكيلاً ميثوديّاً في جدال ؟
بإعتباري (يقول روبرت لي بارك) سألتُ أسئلة مُماثلة لوكلاء ميثوديين في سنّ أبكر بكثير ,كنتُ لأحذرهُ من أنّ هذا لن يحصل !
على كُلٍّ فقد عامَلهُ الوكيل الميثودي بلطف ,إستمعَ لما لديه ,ثمّ أعطاهُ نسخة من كتاب ك.س. لويس

C.S.Lewis

((المسيحيّة مُجرّدة)) .
ربّما يتعلّم كلّ الوعاظ المسيحيين اليوم في معاهد اللاهوت أن يُحيلوا الترّدد والشك الى ك.س.لويس !
***
ص 25 / لستُ مُعجباً ب لويس !
عليّ أن اُخبركَ من الآن أنّي لستُ معجباً ب (ك .س. لويس) رغم أنّي اُقدّر طريقته بإستعمال اللغة الإنكليزية ليقّص قصص أطفال مُسليّة .
رغم أنّنا أعطينا نسخة من كتاب (نارينا) لأحفادنا ,مع ذلك إستمتعوا ب (هاري بوتر) دون أن يُفسدهم فيؤمنوا بالسحر .
نعم الأطفال يحبّون القصص ,لكنّهم عرفوا مُبكراً أنّها محض قصص !
ملاحظة من كاتب السطور :
(نارينا هي سلسلة فانتازيا خيالية مشهورة في أدب الأطفال تتكون من سبع روايات ,مؤلفها هو ك.س.لويس ,بيع منها مايقرب من 100 مليون نسخة بحوالي 47 لغة) .
كانت لدى لويس مشكلة خاصة تكمن في أنّ منطقهِ أنسب للأطفال منهُ للبالغين .فهو يحّب وضع حُججهِ على شكلِ أسئلة عديدة الأجوبة دون إجابات صحيحة .
فلأنّ حيواناً ما ليس خروفاً أو عنزة ,لايعني هذا أنّهُ بقرة !
وحتى لو كان كلّ رجل قش نصبهُ لويس أحمقاً ,فهذا ليس دليل على أنّ يسوع هو الله !
كانت الفكرة المهمّة التي أخذها (فرنسيس كولينز) من كتاب لويس (المسيحيّة مُجرّدة) هي فكرة “القانون الخُلقي” .
لم يكن (ك.س.لويس) هو أوّل مَنْ لاحظَ أنّ الناس يعرفون بالبديهة الصواب من الخطأ ,وبالطبع لم يكن الاخير !
***
أنْ تكون إنساناً !
قرب نهاية كتابهِ يحكي (كولينز) عن خبرتهِ التي حصلت له في صيف 1989 عندما سافرَ الى نايجيريا كمتطوّع في مستشفى إرساليّة صغيرة
فخلال معالجته لفلاحٍ إفريقي شاب يُعاني من السلّ المُتقدّم ,مَرّ كولينز (كما يصف) بخبرة دينية غامرة ,فسّرها على أنّها كشفٌ لغرض الله !
كدكتور في الكيمياء مع درجة في الطبّ لابدّ أن يكون (فرنسيس كولينز) على علمٍ بالحّد الذي تتأثر فيه عواطفنا بالهرمونات المُفرزة كإستجابة لتعليمات من الدماغ !
إنّ الكيفيّة التي لم يعدّ هذا العالِم اللامع خبرته الدينيّة هذه كرشفة هرمونات ,هي دليل على القوّة المُتحكمة لكيمياء دماغنا .
ففي حين نستطيع الإشارة لدور الهرمونات في الآخرين ,يصعب أن نفعل ذلك مع أنفسنا !
يبدو أنّ الهرمونات تملك القدرة لا على تفعيل عواطفنا فحسب ,إنّما لتعطيل قدراتنا النقدية أيضاً .لإعجوبة صغيرة هي أنّنا البشر واقعيّا نكون بلا حول في وجه هجوم هرموني مُباغت !
***
ص 26 / الفيرمونات !
أحسّ طلابي بالضيق حين أتى موضوع التحكّم الكيمياوي بالعواطف في الدرس .فقد كانت لديهم مشاكلهم الهرمونيّة الخاصة .حاولت التأكيد لهم أنّ ذلك عادي تماماً وأساسي لبقائنا .فنحنُ نشترك في العديد من إستجاباتنا الهرمونيّة مع أسلافنا القبل ـ بشريين ,وحتى القبل ـ ثديين !
المهم أنّنا كأعضاء مجتمع متحضّر علينا أن نفهم دوافعنا دون أن نتبعها بشكلٍ أعمى !
كمثال شاركتهم بحقيقة أنّي مازلتُ متزوّج من نفس المرأة ل 57 سنة .
لاشكّ عند لقائنا الأوّل في مكتبة الكليّة قد تطابقت فيرموناتنا مع مستقبلات في عضو شمّ كلٍّ منّا .
الفيرمونات هي (قوّادات الطبيعة) ,لكنّها ليست مُنحلّة بالكامل .
لتبعدكَ عن أن تُستثار بفيرموناتكَ ,لاتتعلّق بمستقبلاتكَ . ولا تتعلّق بمستقبِلات الأشخاص القريبيين جداً (كالأقارب) الذين يُنتجون فيرمونات مُشابهة .
ملاحظة من كاتب السطور :
(الفيرمونات هي مركبات كيميائية مُصنّفة كعطور مُثيرة ,تفرزها بعض الثدييات لجذب وإثارة الجنس الآخر) .
***
كيف تحدث الإستثارة ؟
الإنسان عموماً ليس واعيّاً ل ” شمّ ” الفيرمونات ,لأنّ مُستقبِلات فيرموناتكَ تُحوّل الى (اللوزة)
Amygdalae
مُتجاوزةً القشرة المُخيّة .

ثمّ ترّد اللوزة بإستدعاء (تحت المِهاد)
Hypothalamus
ليفرز هرمونات الإستثارة وهي (التستوستيرون ,الأستروجين ,الأدرينالين) الى مجرى الدم .

الآن .. إذا إبتسمَ شخص مُعيّن لكَ ,قد يضّمُ خليط الهرمونات الذي تولّدهُ (النورإپينفرين) والذي يصعُب نِطقهُ بحيث يُسمى أحيناً (نورأدرينالين) .
يقوم النورأدرينالين بتركيب الوصلات في الدماغ ,ممّا يُذّكركَ بكلّ ما يحصل ,بما في ذلك كثير من التفصيلات غير المُهمّة !
من ذلك الحين يُصبح مجرّد التفكير في ذلك الشخص أو حتى سماع صوتهِ على الهاتف ,يوّلد تأثيراً مُماثلاً لفيرموناتكَ !
يعني تُذكِّر (اللوزة) باللّقاء الأوّل ,وتأمر (تحتَ المِهاد) بإطلاق كوكتيل من الهرمونات ,يُقلّد ذلك الخليط في اللقاء المقصود المُستحِق للتذكر !
النوأدرينالين مسؤول عن الذكريات الواضحة التي تُميّزها عن كلّ شيء كان حولكَ ,مثلاً حين سمعتَ الأخبار عن 11 سبتمبر ,أو أنّ (ريال مدريد) فازَ بتلك البطولة ,إنْ كان ذلك مُهمّاً لديك !
حسناً .. مع تقدّم العلاقة يبدأ خليط الهرمونات بضّم الأوكستوسين ,
وجزيئة (پیپتيد) ضئيلة تؤّدي دوراً كبيراً في العواطف البشرية المُتعلّقة بالتكاثر ,خصوصاً العواطف عدا الشهوة الساذجة كالأمومة .
كلّما كان هناك لقاء مُرضي مع ذلك الشخص ,يميل مُستوى الأكستوسين للصعود .يستحّث الأكستوسين المشاعر العميقة للحُبّ والولاء المترابطة مع العلاقات الدائمة !
عند هذه النقطة بدأ طُلابي بالتضايق .لقد لخّصتُ تواً أكثر أجزاء حياتهم معنىً الى كيمياء !
” لا مُشكلة ” أكّدتُ لهم , ستكتشفون أنّ مايجري بالفعل لن يجعلهُ أقّل روعة ,بل لعلّهُ سيُغني خبرتكم .
ستتعجبونَ كما يفعل كلّ عالِم لما يُمكن للإنتخاب الطبيعي تنفيذهِ ,فقط إستمتعوا بذلك .إنّهُ ذلك التفاعل المُعّقد بين عوامل عدّة تعملُ معّاً ,
المدخَل الحسّي ,الوَصلات الترابطيّة في الدماغ ,خزينُ الذاكرة ,الغُدد الصَمّاء ,الإستجابات المَشروطة ,كلّها معاً تجعل الخبرة شخصيّة وفريدة
هل يطرح هذا أسئلة عن الإرادة الحُرّة ؟ بالتأكيد يفعل !
***
الخلاصة :
أحد أبيات شعر المُتنبّي البديعة قوله :
ذو العقل يشقى في النعيمِ بعقلهِ .. وأخو الجهالةِ في الشقاوةِ ينعمُ !
مع ذلك أنا أشعر أنّ العِلمْ الحديث وفّر لنا ما يكسر الشطر الأوّل (على الأقلّ) من هذا البيت الشعري الخالد .
إذ لم يَعُدْ المرء في عصرنا شقيّاً جرّاء العقل ,إنّما سعيداً واعيّاً لما يدور حولهِ وفي حياته الخاصة .مُبتعداً عمّا يسميه (د.خالد منتصر) بالعبط اللاإرادي الذي يزرعهُ تُجّار الدين في عقول العامة !
لعلكم أحبتي إستوعبتم هذا التفسير العلمي المُبسّط ,لكيفية إستجابة عواطفنا وتفاعلها مع شخصٍ مُعيّن أو حدثٍ ما .
بالطبع لم نكن (ولا حتى أشهر نبي أو دَعيّ على سطح هذا الكوكب) لنفهم ما هي الهرمونات والفيرمونات والتستوستيرون والأستروجين والأدرينالين والنورأدرينالين والأكستوسين,وباقي المُسميّات والتفاصيل لولا العِلم وفضول الإنسان عموماً Curiosity

في البحث وإكتشاف المجهول .
لاحظوا أيضاً السعادة التي تعتمر في نفوسنا عندما نجد تفسير علمي منطقي مُقنع لما كنّا نظنّهُ قضاءً وقدراً أو حظّاً عاثراً (عند البعض) كما يقولون ندماً بعد تجربة حبّ فاشل قد تودي بسنين طويلة من العمر .
الآن على الأقل نفهم تفاصيل العمليّة التي حصلت لنا .والمرء الذي يتجه لهذا الطريق العلمي بدل طريق الماورائيّات حتماً سيكون تأثير ذلك جليّاً على تجاربه القادمة وعموم حياتهِ !
لذا أنا مُضطر لإضافة كلمة (السعادة) لجملة صاحب هذا الكتاب الرائع
“العِلمُ سبيلنا الوحيد للمعرفة (والسعادة) ,وكلّ ما سواه مَحض خرافة”
***
رابط الجزء الأوّل ! قراءة في كتاب / الخُرافةُ في عصرِ العِلمْ !

تحياتي لكم

رعد الحافظ
6 يناير 2015

About رعد الحافظ

محاسب وكاتب عراقي ليبرالي من مواليد 1957 أعيش في السويد منذُ عام 2001 و عملتُ في مجالات مختلفة لي أكثر من 400 مقال عن أوضاع بلداننا البائسة أعرض وأناقش وأنقد فيها سلبياتنا الإجتماعية والنفسية والدينية والسياسية وكلّ أنواع السلبيات والتناقضات في شخصية العربي والمسلم في محاولة مخلصة للنهوض عبر مواجهة النفس , بدل الأوهام و الخيال .. وطمر الروؤس في الرمال !
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.