هيثم خوري
بحسب العديد من المؤرخين فإن أول ذكر لكلمة عرب أو عربي جاءت على لوح حجري يعود إلى عام 853 ق.م، ويصف معركة قرقر التي جرت في سهل الغاب في سورية بين جيش الآشوريين بقيادة شلمنصر الثالث وتحالف مكون من 12 جيشاً بقيادة ملك دمشق “حدد إيزرا”. جميع هذه الجيوش كانت تتبع لممالك أو مدن موجودة فيما ندعوه الآن سورية الطبيعية (سورية، لبنان، الأردن، وفلسطين)، ومن بين هذه الجيوش جيش مكون من 1000 مقاتل على الجمال أرسله، بحسب اللوح، ملك العرب جنديبو، لذلك يمكننا الإفتراض أن المكان الذي كان يقطنه هؤلاء المقاتلين )المدعوين عرباً لأول مرة في التاريخ( كان على الغالب المنطقة المدعوة الآن سورية الطبيعية.
بعد ذلك تكررت كلمات عربي، عروبو، عَريبي، عٌريبي في كثير من الكتابات الآشورية والآرامية والفارسية للدلالة على مجموعات بشرية كانت تقطن في البادية التي تسمى الآن بادية الشام أو تعيش في المنطقة الواقعة من جنوب دمشق وحتى خليج العقبة.
عندما قام الفرس باحتلال سورية 538) ق.م( ومن ثم مصر525) ق.م( ، قسم داريوس الإمبراطورية الفارسية (حوالي عام 500 ق.م) إلى 36 ولاية، كان من بين هذه الولايات ولاية باسم “العربية” وهي واقعة في جنوب سورية الحالية وتمتد إلى الأردن لتضم كل شبه جزيرة سيناء .حافظ السلوقيون ومن بعدهم الرومان على هذه التسمية لتلك المنطقة، حتى مجئ الفتح العربي، مما يدل أن غالبية سكان تلك كانوا ممن يسمون عرباً على الأقل منذ نهايات القرن السادس قبل الميلاد.
بالإضافة لهذا، هناك توثيق لكثير من الممالك العربية التي نشأت على (أو امتدت إلى) الأرض التي تسمى الآن سورية الطبيعية التي كان لها استقلالاً جزئياً (أو كلياً) خلال العصرين السلوقي والروماني ومن هذه الممالك :
1. مملكة تدمر: التي تأسست عام 217 ق.م وامتدت أراضيها في أقصى توسع لها 271م (وهو عام سقوطها) من منطقة الأناضول شمالاً إلى الحجاز جنوباً، ومن الفرات شرقاُ إلى مصر غرباً.
2. مملكة الأنباط ( (169 ق.م – 106 م): التي ضمت الأردن وصحراء النقب وشبه جزيرة سيناء.
3. مملكة حمص: التي امتدت من القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي وامتدت أراضيها من الرستن شمالاً إلى يبرود جنوباً ومن حدود تدمر شرقاً إلى سهل البقاع غرباً.
4. مملكة الحضر: والتي استمرت ل 84 سنة في القرنين الثاني والثالث الميلاديين وامتدت من الموصل شرقاً إلى الفرات غرباً، وكانت مملكة مستقلة إلى أن قضى عليها الفرس عام 241 م.
5. مملكة الغساسنة ( 220م- 638 م): والتي شغلت الجنوب السوري والأردن ممتدة من البوكمال في الشمال الشرقي إلى خليج العقبة في الجنوب الغربي.
6. المملكة التنوخية: التي تشكلت في القرنين الرابع والخامس الميلاديين وامتدت أراضيها في عهد الملكة ماويا (عام 378م) من حلب شمالاً وحتى سيناء جنوباً ومن بادية الشام شرقاً وحتى البحر المتوسط غرباً.
7. مملكة المناذرة: التي كانت في جنوب العراق، ولها امتدادات نحو سورية، والتي امتدت زمنياً من القرن الأول وحتى السابع ميلاديين.
هذا عدا عن القبائل العربية التي تواجدت في سورية، على الأقل منذ القرن الثالث الميلادي، ومنها:
1. قضاعة: الجنوب الشرقي من سورية وكانوا من فرسان الزباء.
2. بني سليح: في الجولان وحوران، أتوا في القرن الرابع من اليمن.
3. تنوخ: من قنسرين بالقرب من حلب إلى الأردن جنوباً، أتوا من العراق في القرن الثالث.
4. كلب بن وبرة: وقطنوا نواحي تدمر وخناصر والبقاع، وأتوا من نجد في القرن السادس.
5. بهراء: بين حمص وتدمر وخناصر.
6. ربيعة: ومنها تغلب وبكر، وسكنت الجزيرة الفراتية.
7. مضر: الجزيرة الفراتية
8. إياد: سكنوا على ضفاف نهر الفرات إبتداءً من العراق وحتى الجزيرة الفراتية في سورية.
9. ثمود: في فلسطين.
10. طيى: انتشرت في العراق والجزيرة الفراتية.
كل هذا يدلنا أن الوجود العربي لم يكن طارئاً في سورية قبل الإسلام، بل كان أساسياً وفاعلاً، إذ من الحتمل أنه بدأ ارهاصاته الأولى في القرن التاسع قبل الميلاد، وبدأ يأخذ حيزاً مهماً من القرن السادس قبل الميلاد، إلى أن تتوج بالفتح الإسلامي عام 638 م.