منذ أن بدأت أتعلم في المدرسة التربية الاسلامية تعلمت أول شيء أن الله اختار محمدا نبيا لأنه من قبيلة قريش, واختاره بالذات من فرع أو فخذ هاشم لأن هاشم أفضل فخذ في قريش…وتعلمنا ونقلنا هذه المعلومات فكنا نعامل بعض ونحن في المدرسة على أساس قبلي وفئوي وعشائري …ومنذ كنت ولدا صغيرا…منذ بداية نشأتي وأنا أتمنى أن يعاملني عربي واحد كإنسان يستحق الحب والاحترام, فحين أُنهي دروسي واعود إلى البيت كان الزملاء في الطريق -ومنذ الصف الأول – يسألونني هل أنت من العلاونه أم من القرعان؟ على أساس أن قريتي تنقسم إلى قبيلتين وهما العلاونه(بني علوان) والقرعان, فإن كان السائل من العلاونه وقلت له: أنا من العلاونه كان هذا يزيد من احترامه لي وإن كان من القرعان كانت إجابتي تجعلني بنظره أقل احتراما من الطلاب الذين يحترمهم من قبيلته,وحتى داخل القبيلة نفسها(العائلة الممتدة) كنتُ أتعرض لهذا السؤال: من أي فخذ أنت من العلاونه؟ على أساس أن قبيلتنا العلاونه وهي عائلة ممتدة وتنقسم إلى عدة أفخاذ, فإن قلت: أنا من بني مرعي وكان السائل من بني فارس كان يقلل من اهتمامه بي ورعايته لي, أما إن قلت له: أنا من بني فارس, فقد كانت هذه الاجابة تزيد من احترامه واهتمامه بي, لقد نشأتُ وترعرعتُ في وسط مجتمع عنصري حتى النخاع, غارق إلى أذنيه في سياسة التفرقة العنصرية والتمييز العنصري على أساس قبلي وديني وعقائدي وطائفي وفئوي, وحين تركتُ المدرسة للعمل في ورش البناء مع خالي انتقلت من القرية إلى المدينة وهنالك في وسط مدينة إربد تخلصت من النظرة القبلية والعشائرية ولكنني وقعتُ هذه المرة أسيرا بين جماعتين هما الفلسطينية والأردنية على أساس أن قلب المدينة وأطراف المدينة مُنقسمة بين فلسطيني وأردني, فكنت أتعرض دائما لهذا السؤال: إنت يا ولد فلسطيني أم أردني؟, فإن كان السائل فلسطيني وقلتُ أردني كان يرمقني بنظرة شزرا وكان يقلل من احترامه لي, وإن قلتُ أردني وكان السائل أردني كانت إجابة تضعني في الصف الأول ويزيد من احترامه لي, وحين بدأت حرب الخليج الأولى في بداية التسعينات تركتُ القرية التي كنت أسكنُ بها وتركتُ المدينة وذهبت بكل ما عندي من قوة عضلية إلى العقبة لأعمل في ميناء العقبة المطل على رأس البحر الأحمر, وتخلصتُ هنالك من نظرة أهل القرية هل أنت علاونه من بني علوان أم قرعان!!! ولكن هنالك تعرضتُ مرة أخرى لسؤال آخر محرج جدا على أساس أن الأردن جغرافيا منقسمٌ بين شمال وجنوب, فإن سألني أحدهم: هل أنت شمالي أم جنوبي, كنت أقول: لا أنا من الشمال, أنا شمالي, وإن كان السائل هذه المرة من الجنوب كان يحتقرني ويحاربني ويعاملني بعنصرية على أساس أنني شمالي ولست جنوبي, وحين عدتُ من العقبة وتركتُ العمل فيها لأعمل موظفا حكوميا في جامعة اليرموك-إربد- عُدت مرة أخرى لأتعرض من قِبل المسئولين إلى السؤال الذي كان يؤرقني وأنا ولد بسن ال16 سنة, وها أنا قد بلغت وقتها في جامعة اليرموك سن ال22 سنة, المهم في الموضوع أن المسئول عني في العمل كان يسألني: هل أنت فلسطيني أم أردني, فإن كان فلسطينيا وقلت: أنا أردني كان يعاملني بقليل من الاحترام ونادرا ما يصغو إلى ملاحظاتي, وحين بدأت الأحزاب الأردنية بالانتشار وسُمح لنا بالانتساب إليها, كان المسئولون يسألونني: من أي حزب أنت؟ فإن كنت من حزبه كان يحترمني أكثر وإن لم أكن من حزبه كان يعاملني بقليل من الأدب والاحترام, وإن قلتُ للبعثي أنني بعثي كان يسأل: بعثي سوري أو عراقي, ليقرر هل أستحق الاحترام أم لا, وإن كان السائل مسلما حزبيا وقلت له مثلا: أنا مسلم, فكان يسأل: تحريري أو من جماعة التبليغ أم من الإخوان؟ ليقرر هل أستحق أن يعاملني بلطف أم لا, وإن قلت للشيوعي أنا شيوعي, يعود ويسأل: ماركسي لينيني أم اشتراكي فابي أم فرنسي أم من جماعة تروتسكي المرتد أم لا, ليقرر هل أنا محترم أم لا.
كبرت ونشأت وترعرعتُ في وسط هذه الدوامة,وحين كان يعود أحد أقربائي من الخليج العربي كانوا يقولون: ماشاء الله على الخلايجه يحترمون الأردني وينبذون المصري أو الأردني من اصل فلسطيني, وبنفس الوقت يدعي المسلمون بأننا كلنا أمام الله سواء, ولكن التناقض واضح لأن العنصرية والتفرقة العنصرية مارسها الله منذ البداية منذ أن اختار محمدا على أساس عنصري وفئوي وقبلي.
وفي مدينة إربد كان الأردنيون يقولون لي: اسمع يا ولد اليوم أخذنا ورشه لواحد فلسطيني إذا سألك : أنت فلسطيني ولا أردني!! قل له: أنك فلسطيني مثله, هاظا واحد بموت من الأردنيين وما بشغلش عنده غير الفلسطينة, واحنا أخذنا منه الورشة على أساس إنه احنا كلنا من فلسطين من قضاء جنين(جبع) عشان جبع فيها علاونه أكثير, وأما إذا ذهبنا نعمل في ورشة وكان صاحبها أردنيا كانوا يقولون لي: يا ولد خلص إنسى إنك فلسطيني احكيله إنك أردني من علاونه الطيبه, فاهم؟, فكنت أهز رأسي وأقول: آه فاهم, على أساس أنني فهلوي وذكي وشاطر وأعرف من أين تؤكل الكتف.
وصدقوني إن لم أكن أتعرض إلى هذا السؤال مباشرة كان المسئول عني أو الزميل في العمل يسأل زملائي: هاظا اللي معاكوا من العلاونه أم من القرعان؟ هاظا زميلكوا فلسطيني ولا أردني؟ شمالي أم جنوبي, إن لم أكن أتعرض من المسئول أو الزميل لهذا السؤال فقد كان يلجأ إلى طريقة ذكية وسرية وهو أن يسأل زملائي ومعارفه عني المشتركون بيني وبينه.
وحين بدأت الاحتكاك بالإنترنت كان القراء والمعجبون يسألون عني: هل هذا أردني أم سوري أم لبناني أو خليجي, كنتُ وما زلت أتعرض أيضا لهذا السؤال: هاظا مسلم أم مسيحي؟ فإن قيل مسيحي كانوا يسألون عني كاثوليك أم بروتستنت؟ مجدد أم غير مجدد؟ وإن قيل مسيحي من خلفية إسلامية وكان السائل عربي مسيحي كان يقلل من احترامه وما زال لي, وإن قلتُ أو قيل عني: مسيحي من أصل وخلفية مسيحية كان يزيد من حبه واحترامه لي.
في العقبة أيضا كان أقربائي يحذرونني ويقولون لي: يا ولد قول للفلسطيني إنك فلسطيني وللأردني إنك أردني, تأكد أولا من هو السائل فإن كان من الشمال قُل له أنك شمالي وإن كان جنوبيا قل له أنك جنوبي.
والله صرتُ استحي بنفسي إذا قلت أردني أو فلسطيني أو شمالي أو جنوبي, مجتمع حقير ويبالغ في العنصرية والقهر والتفرقة والتمييز العنصري وبنفس الوقت يصعد الشيخ إلى المنبر ليخطب فينا خطبة عصماء يقول فيها: محمد من اشرف القبائل, اختاره الله من أفضل الأنساب والقبائل, فالله في نظر المسلم العربي قبلي وعشائري يميز قبيلة على قبيلة أخرى, وشيخ آخر يصعد المنبر ليشنف أذن أمي وزوجتي بخطبة بتراء يقول فيها: أن الله اختار محمدا من قريش لأن قريش أفضل قبيلة واختاره من بني هاشم لأن بني هاشم اشرف فخذ في قريش.
منذ متى كان الله عنصريا وطائفيا (كل الناس خير وبركه وكل الأيام مباركه واليوم اللي عرفتكوا فيه كان أكثرها بركه) الله ليس فلسطينيا ولا شماليا ولا جنوبيا, نحن أبناء الرب, الرب يحبنا جميعنا سواء أكنا أفارقة أم آسيويين أو من أوروبا أو من أمريكيا اللاتينية, الله لا ينظر إلى جوازات السفر ولا إلى بطون الأعراب وليس من المنطق أن يفضل قبيلة على قبيلة أو فخذ على فخذ.
ما زلت أتعرض للعنصرية وتكاد عيني أن تدمع وأتمنى أن يعاملني العرب على أساس أنني إنسان, إنسان أحب الله والله أحبه, إنسان مواطن صادق يحمل رقما وطنيا مثل كل الناس, لا أحد ينظر لي على أساس عنصري أو طائفي, الذي يزيد الطين بله هو أن كل الشيوخ يصعدون منابر التلفزيون والخشب والإسمنت المسلح ويتهمون اليهود بأنهم في إسرائيل يمارسون سياسة التفرقة العنصرية والتمييز العنصري, رغم أن نفس الشيخ بعد الخطبة يعامل الناس على أساس قبلي وفئوي وعشائري وطائفي, ومن المستحيل أن تشتغل وتعمل وتكسب لقمة الخبز إن لم تنافق وتكذب وتمارس العنصرية والقبلية, تماما كما هو الله اختار محمدا نبيا على أساس طائفي وعنصري وقبلي وفئوي.
أنا تعبت لأنني اشتعلت شيبا وما زلت أحلم بمن ينظر لي كإنسان محترم استحق الحياة الكريمة في مجتمع أو في دولة القانون والمؤسسات.
في الخليج العربي يقولون عن العربي أنه أجنبي والأمريكي صديق, وفي الدول البعثية مثل سوريا والعراق كانوا يقولون وما زالوا أنت عربي وكلنا عرب, ولكن في الواقع يمارسون التفرقة العنصرية مثلهم مثل كل البلدان, هذا سُني وهذا شيعي وهذا رافضي وهذا يزيدي وهذا كردستاني…إلخ, ولا أحد يعاملك على اساس أنك مواطن يستحق الاحترام إلا على اساس عنصري وطائفي..كنتُ أتعرض أحيانا للإهانة في المدرسة لأنني من العلاونه ولستُ من القرعان وفي إربد كنت أتعرض لقطع الرزق وجريمتي أنني أردني ولست فلسطينيا وفي العقبة كُنت أهان لأنني شمالي ولست جنوبيا, وإن نسي العرب من أي قبيلة أنت أو أنا فإنهم يعاملوننا على اساس التمييز الرياضي فيسألك أحدهم: إنت مع ريال مدريد أم برشلونه؟…والله هَزُلتْ.