يتميز السوري في مهنٍ متعددة لكنه غالباً يعود بعد الأربعين أو الخمسين من العمر إلى المهنة التي تتحكم بجيناته منذ أيام العموريين والكنعانيين وهي … التجارة.
ذكرني صديقٌ عزيز بقصةٍ رافقتنا ونحن أولاد في مدرسة اللاييك بدمشق.
أحد زملائنا في الصف السابع إعدادي وقد أصبح اليوم رجل أعمالٍ متميز، كان على الطريقة الشامية يبالغ في تصنع قلة الإقتدار محاولاً إقتناص أية فرصة لجمع المال بطريقةٍ قانونية.
إبن الثالثة عشرة ربيعاً، انبهر يوماً بأصدقائه الميسورين وهم يأتون إلى المدرسة ببسكليتاتهم الرايلي التي كانت على الموضة في ذلك الزمان.
تقصى الأمر وصار يزور سوق البسكليتات المستعملة قرب قصر العدل وقرب المناخلية، عسى أن يجد بسكليتة رايلي مستعملة يمكنه شراءها.
لعدة أيام كان يزور السوق في السادسة صباحاً قبل المدرسة ثم يعود في فرصة الظهيرة قبل دوام بعد الظهر.
إكتشف بذكائه التجاري أن السوق يكون كاسداً نسبياً في الصباح، فتُباع أي بسكليت بثمن أقل بخمسة فرنكات على الأقل من ثمنها عند الظهيرة.
بدأ بشراء بسكليت وكان يودعها في محل قريب لقاء نصف فرنك حتى الظهيرة، ثم يعود في الثانية عشرة ظهراً ليبيعها محققاً الربح المعلوم.
بدأ يستدين من رفاقه وتزايد عدد البسكليتات المشتراة اليومي ليحقق أرباحاً وصلت إلى أكثر من أربعين ليرة في الشهر (رقم مُعتبر) عام 1960.
لاحظنا يومها أنَّ الولد العفريت أصبح أكثرنا بزنسمانية، نحن المخدرين بخرجية الأهل اليومية كل صباح.
واستمر بابتداع الأعمال التجارية الصغيرة دون أن تتأثر دراسته، ثم إنطلق في دنيا الأعمال وهو يغطي اليوم الشرق الأوسط وجزءاً من اوروبا بتجارته.
ولا يزال محله في دمشق شاهداً على الجينات التجارية الطاغية على تكوينه …
عسى أن نكتشف يوماً هذه الجينات السورية ونطورها، فعلم الهندسة الوراثية يتطور كل يوم وسيكون محور الثورة العلمية القادمة.
والعلماء اليوم يدرسون كيفية وأد جينات العنف عالمياً.
ليتها تُستبدل بالجينات التجارية السورية.