الشرق الاوسط
استئناف الرحلات الجوية بين القاهرة وطهران، أخذ تغطية إعلامية لافتة. الرحلات علقت الآن، لكن مصادر موثوقة أكدت أن الإيرانيين تلقوا رسائل مطمئنة من نظرائهم المصريين بأن الرحلات سوف تستأنف في أسرع وقت ممكن، بعد أن يهدأ الغضب المصري.
إقلاع رحلة الطيران المصري «ممفيس» من القاهرة إلى طهران في 30 مارس (آذار) الماضي كانت إشارة إلى أن العلاقات المصرية – الإيرانية وصلت إلى مستوى عال يقترب من التطبيع؛ إذ بعد 34 سنة من انقطاع رسمي في العلاقات إثر الثورة الخمينية، توصل قادة البلدين إلى أن استئنافها من مصلحتهما المشتركة. لكن نظرة فاحصة على الوضع، تشير إلى أنها من الناحية المصرية، سيكون شهر العسل فيها قصيرا، لأن المخاطر كبيرة، وأن الإيرانيين هم من سيكسب كثيرا منها.
وبينما يكتسب الإيرانيون فرصا جديدة لتجاوز العقوبات وتحويل الأموال للشركات في مخططاتهم، يتعرض المصريون لخطر فقدان المساعدات الخارجية التي يحتاجونها لإنقاذ اقتصادهم.
هناك قلق في الغرب من أن تجديد العلاقات مع مصر، سيتيح لإيران بشكل عام، وللبنك المركزي الإيراني ولفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني بشكل خاص، استخدام مكاتب الصيرفة المصرية والمؤسسات المالية لتعزيز أنشطتها المشبوهة.
استخدمت الصيرفة المصرية على مدى سنوات لتهريب الأموال إلى فصائل فلسطينية في غزة. وفي 7 مارس الماضي، ذكرت صحيفة «اليوم السابع» المصرية، أن السلطات وضعت الصراف محمد رضا محمد أنور عوض تحت المراقبة بسبب إشكاليات في شركة «الرضا» التي يملكها.
وعوض رجل أعمال حكم عليه بالسجن مدة طويلة، لكن بعد الثورة المصرية أطلق سراحه وعاد إلى ممارسة أعماله. وعبر شركته كان يتم تهريب الأموال إلى حماس و«الجهاد الإسلامي».
هناك رجل أعمال آخر يقال إنه أنشأ عدة شركات وهمية بالتعاون مع حماس؛ وعبرها يتم إرسال الأموال إلى حماس.
في السنة الماضية، أرسل هذان الصيرفيان مئات الملايين من الدولارات وصلت من عدة بلدان إلى داخل غزة، الأمر الذي عطل النمو اللازم بشكل كبير للاقتصاد المصري، والذي هو بحد ذاته بالغ الأهمية بالنسبة للاستقرار الإقليمي.
فرص الاستفادة من قدرات الصيارفة تكثر في مصر التي تحولت إلى محطة رئيسة لنقل أموال الإرهاب إلى داخل شمال أفريقيا حيث ينشط تنظيم القاعدة. ويجري استغلال حقيقة قائمة ظاهرها أنه في أعقاب الثورة، وإلغاء حالة الطوارئ نهاية عام 2012، لم يعد هناك قانون خاص في البلاد يفوض السلطات باتخاذ إجراءات ضد تمويل الإرهاب.
في الوضع القانوني القائم، وعبر الممارسة العملية، لا يوجد إشراف فعال من قبل الهيئات على المؤسسات المالية؛ من مصارف وصيارفة، مما يسهل عمل أجنحة الإرهاب، إضافة إلى ميوعة في فرض سلطة القانون المرعية.
هذه الحقيقة ليست غائبة عن صناع القرار في طهران الذين روجوا للزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى القاهرة في شهر شباط (فبراير) الماضي. خلال تلك الزيارة، اقترح الرئيس الإيراني سلسلة من الإيماءات المغرية لنظيره محمد مرسي: تقديم المساعدة الاقتصادية، والاستثمارات، وإلغاء شروط الحصول على تأشيرات الدخول، وتشجيع السياحة الإيرانية.. وفي تقديره أن من شأن ذلك تقليل اعتماد مصر على دول الخليج.
وراء هذه المقترحات السخية التي لم تلقَ، على كل حال، ترحيبا حارا من الجانب المصري، دوافع خفية عدة:
فخلال العام الماضي، انشغل الإيرانيون بإيجاد طرق مبتكرة لتجاوز العقوبات الدولية التي فرضتها واشنطن والاتحاد الأوروبي بسبب رفض إيران وقف برنامجها النووي. بالنسبة للأطراف المسؤولة عن تجاوز العقوبات، مثل البنك المركزي الإيراني، كان يجب ألا تدع فرصة الاستفادة من تغيير النظام في مصر تمر.. كان لديها ولدى قادة من «فيلق القدس»، تصور لعدد من الإيرانيين يصلون إلى مصر بوصفهم سياحا (وصلت المجموعة الأولى بالفعل) والقيام بأنشطتهم بحرية تحت ستار السياحة والأعمال التجارية. في مقاله في «الشرق الأوسط» يوم الأحد الماضي، تعجب الكاتب علي سالم: «لم نسمع من قبل عن دولة ترسل سياحا إلى أي مكان، كما لو كانت تحتفظ بهم في مخازنها لترسل منهم الكميات المطلوبة للحبايب»!
قد يجد الجواب فيما تشمله الأنشطة «السياحية في بلد الحبايب»، وهي: تصدير القيم الشيعية الثورية، والحصول على معدات محظورة بموجب العقوبات لبرنامج صواريخ أرض – أرض وللبرنامج النووي، وإيجاد منابر لعمليات إرهابية عبر منظمات محلية.
بالنسبة لحكومة مرسي، فإنها ترى في تجديد اتصالاتها مع إيران فرصة سياسية واقتصادية للنهوض بمكانتها في العالم، بينما هي في مستوى متدن غير مسبوق. لكن، تجديد العلاقة مع إيران من المرجح أن يشكل خطرا إضافيا على المساعدات المالية التي تتطلع مصر إليها. الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، والمؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي، وعدوا مصر بمساعدات بمليارات الدولارات، لكن إلى الآن لم يتم تحويل الأموال. حتى إحدى الدول الخليجية التي قيل إنها وعدت أخيرا بوديعة قيمتها 3 مليارات دولار لشراء السندات، لم تفِ بوعدها.
إلى جانب قلقهم من الوضع السياسي غير المستقر في مصر، فإن كبار المسؤولين الغربيين والهيئات المالية الدولية الذين وعدوا مصر بالمساعدات، قلقون أيضا من عدم اتخاذ الحكومة المصرية إجراءات ضد البنى التحتية لتهريب الأموال التي تسهل أنشطة تنظيمات الإرهاب.
أهم مساعدة مالية تنتظرها القاهرة هي مبلغ 4.8 مليار دولار بفائدة منخفضة من صندوق النقد الدولي. هذه المساعدة عند وصولها تنقل رسالة ثقة بالاقتصاد المصري، وتبدد مخاوف بقية الأطراف التي وعدت هي الأخرى بمليارات من الدولارات واليوروات.
من المفترض أن هذه المساعدات هي لإنقاذ الاقتصاد المصري المستمر في التدهور.. مثلا زاد العجز في الميزانية في النصف الثاني من العام الماضي بنسبة 24%، مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2011. في شهر فبراير الماضي، انخفض احتياطي النقد الأجنبي إلى 13.5 مليار دولار، وهو أدنى مستوى بلغه لسنوات عديدة (ما يكفي ثلاثة أشهر من الواردات فقط).
وذكرت الصحف المصرية أخيرا أنه صار من الصعب الحصول على دولارات في القاهرة حتى في السوق السوداء، وأن سعر الدولار ارتفع إلى 7.53 جنيه مصري.
إن تهريب العملة الأجنبية من مصر إلى فصائل فلسطينية في غزة، وإلى منظمات إرهابية، يؤثر تأثيرا مباشرا ليس فقط على احتياطي العملة الأجنبية، وإنما يعرض للخطر موقف مصر، التي هي عضو في مؤسسة «FATF»، المؤسسة المالية المعنية بغسل الأموال والمعروفة باسمها الفرنسي «grou pe d’action»
إن الاستمرار في استخدام الاقتصاد المصري لتهريب الأموال؛ وتحديدا إلى منظمات موضوعة على قائمة الإرهاب، أو لتجاوز العقوبات الدولية عبر دول موصوفة، من شأنه أن يؤدي إلى وضع القاهرة على القوائم العالمية السوداء، وإلى تخفيض تصنيفها الائتماني إلى درجة تهرّب ما تبقى من المستثمرين.
هل يدرك نظام «الإخوان المسلمين» الحاكم في مصر معاني القوانين الدولية، أم إنه يفضل الاستمرار في معركة «تطهير» القضاء المصري من المستقلين، وملاحقة صاحب «البرنامج» التلفزيوني جراح القلب باسم يوسف.
قال الرئيس المصري أخيرا في مقابلة تلفزيونية إنه ابن «الإخوان المسلمين» وإنه فخور بذلك.
إذا لم يقف الاقتصاد المصري على قدميه، فإن الرمال المتحركة في مصر ستبتلع كل الأبناء. مصر لن تحتمل تراجعا في دورها!