الاقتصاد التنافسي :المطلب للثورات العربية
طلال عبدالله الخوري
من بين شعوب العالم , شعوب ما يسمى بالعالم العربي هي الوحيدة التي ما زالت ترزح تحت نير الحكومات الاستبدادية , لدرجة اننا اصبحنا ظاهرة غريبة يتم تدريسها بالجامعات العالمية لبحثها واستخلاص العبر منها , ولن تكون مهمة المفكرين والباحثين سهلة, لان حالتنا لا تصدق وذلك بسبب المناعة التي ابدتها شعوبنا للتحرر من الاستبداد , حيث من المعروف بان العالم مر بثلاث موجات تحررية ادت الى تحرر معظم بلدان العالم ولكنها لم تستطع ان تؤثر على شعوبنا وكأننا ننتمي الى كوكب آخر, فالموجة العالمية التحررية الاولى كانت بفضل الثورة الفرنسية التي جعلت المتنويرين من امثال طه حسين ينادون باللبرالية وحرية الفكر, ولكن محاولتهم كانت متواضعة وتم وأدها بمهدها تحت تسلط الاسلام المتحالف دائما وابدا مع السلطة . وكذلك الامر, ادى ظهور الاحزاب القومية باوروبا الى ظهور احزاب قومية عربية ولكنها ما ان وصلت للسلطة سارت على نفس المنوال الاستبدادي والتي توارثناه منذ 1430 سنة.
اما الموجة الثالثة من الحرية التي اكتسحت العالم , فقد تمت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي عام 1990 م, حيث تحررت كل اوروبا الشرقية من الاستبداد الشيوعي وتنفست الحرية والديمقراطية لاول مرة بعد تسلط الحكم الشمولي عليها. ولقد كنا نتوقع بان تنهار الاحزاب القومية واليسارية العربية ومعها كل الانظمة العربية الشمولية والتي كانت تسير وراء الاتحاد السوفياتي وتستمد قوتها من حماية المعسكر الشرقي لها, وبالتالي كنا نتوقع بان تتنفس بلادنا الحرية مثل ماحصل باوروبا الشرقية, ولكن مرة اخرى خاب املنا واظهرت انظمتنا المتحالفة مع المؤسسة الدينة الاسلامية مناعة ضد الحرية. واخيرا, وبعد ظهور ثورة الانترنت المعرفية التي كسرت كل القيود على المعرفة , بدأت شعوبنا تتنفس الحرية واصبحنا نرى الثورة تلوى الثورة تكتسح منطقتنا وتهز العروش الصدئة وطريقة حكمها التاريخية والتي اكل عليها الدهر وشرب.
الحرية بنهاية الامر هي حرية اقتصادية, أي العدالة الاقتصادية لجميع المواطنين, اي منع تقنين سرقة المواطن من قبل الحكم الاستبدادي عن طريق احتكار اقتصاد البلد بقوة القانون, وهذا لا يتم الا بالاقتصاد التنافسي, لذلك اول مطلب لثوراتنا الشبابية يجب ان يكون قوننة الاقتصاد التنافسي واصدار القوانين المنظمة له لحمايته من الفساد وبالتالي حماية المصالح الاقتصادية للمواطن.
لهذا السبب سأحاول في هذه المقالة شرح الاقتصاد التنافسي وقوانينه بطريقة بسيطة يفهمها القارئ الغير مختص.
قانون العرض والطلب
يذهب المستهلك الى السوق ليشتري سلعة ما, فيجد ان سعر هذه السلعة يساوي ما يعادل الاجرة التي يحصل عليها لعدة ساعات عمل معينة, هنا على المشتري أن يتخذ القرار هل هذه السلعة ستؤمن له احتياجاته بما يعادل هذه الساعات المعينة من العمل , وبناء على ذلك يتخذ القرار فيما اذا كان سيشتري السلعة ام لا.
,الآن, يجد المستهلك في السوق نفس السلعة ولكن بسعر اقل , فيزداد اقبال المستهلكين على شراء السلعة الارخص ويقل على السلعة الاغلى , وهنا على منتج السلعة الاولى ان يخفض من سعره لكي يبقى منافسا بالسوق. وبهذه الطريقة تعمل الية لسوق تلقائيا بين العرض والطلب لتصل لنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر. اذا نقطة التوازن هي النقطة التي يتوازن بها كمية السلعة المعروضة من المنتجين مع كمية طلب المستهلكين لهذه السلعة باقل سعر ممكن يحقق الفائدة للمنتج لكي يستمر بالانتاج ويحقق الفائدة القصوى للمستهلك لشراء السلعة باقل سعر تنافسي ممكن.
الآن, لنفرض بان المنتج الاول لم يستطع تخفيض سعره , بسبب عدم استخدامه لافضل الطرق بالانتاج من اقلال للهدر , واستخدام المواد الاولية التنافسية , او لعدم استخدام افضل التقنيات الحديثة بالانتاج, فيضطر هذا المنتج اما لتحسين انتاجه ليبقى منافسا او يخرج من السوق بسبب الافلاس.
الآن , يأتي منتج اخر ويرى بان منتجي هذه السلعة يحصلون على ربح جيد , فيقرر دخول السوق ويقوم بانتاج نفس السلعة, مما يؤدي الى زيادة الانتاج, وهذا بدوره يخفض السعر,مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر.
الآن, لنفرض بان احد المنتجين للسلعة حصل على تصميم لالة جديدة تزيد من سرعة وكمية الانتاج وتقلل من الكلفة, فتصبح سلعته اكثر تنافسية , مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر.
الآن. لنفرض بان احد المنتجين لديه موهبة خلاقة بطريقة تصنيع هذه السلعة, ايضا هنا تصبع سلعته اكثر تنافسية , مما يؤدي الى الاخلال بنقطة التوازن بين العرض والطلب والسعر , وهنا تعود آلية السوق التلقائية الذهبية للعمل حتى تصل الى نقطة التوازن الجديدة بين العرض والطلب والسعر .
قانون العرض والطلب يبين بان أي سلعة تصبح من اجود ما يكون وارخص ما يكون عندما يكون السوق تنافسي باكبر عدد من المنتجين واكبر عدد من المستهلكين , ولهذا السبب يتبنى العالم الانفتاح لكي يصبح العالم كله سوق واحدة فيه اكبر عدد من المنتجين المتنافسين واكبر عدد من المستهلكين, مما يؤدي الى الفائدة الكبرى للمنتج والمستهلك.
قوانين السوق التنافسي الحر
يحتاج السوق التنافسي الحر الى قوانين تضمن التنافس الحر وتحمي الشركات المنتجة للسلع من احتكار الشركات المنافسة وتحمي المستهلك من تعرضه للسرقة بسبب الاحتكار. تعمل قوانين المنافسة ومنع الاحتكار على حماية العملية التنافسية ومنع الشركات من إبرام اتفاقات مع بعضها البعض لغرض الاحتكار. مما لاشك فيه إن المنافسة هي المحرك للحياة الاقتصادية وان الأسواق التنافسية هي المحققة لمصالح المستهلكين والمنتجين على حد سواء, فهي التي تسمح للمستهلك بالحصول على السلع ذات الجودة العالية بأفضل الأسعار, كما أن توفر عنصر المنافسة هو الذي يعطي للمنتج الدافع والحافز لرفع مستويات إنتاجه عن طريق إدخال المستلزمات والتقنيات الحديثة والمتطورة في الإنتاج لتحسين ورفع درجة الجودة والنوعية للسلع المنتجة. تستوجب المنافسة تعدد المنتجين أو الموزعين في سوق السلعة أو الخدمة وهذا التعدد لازم حتى لا يكون هناك تحكم بالأسعار. يجب ان يكون حق المنافسة الشريفة بالسوق مكفول للجميع , على ان استخدام هذا الحق مشروط بالا يؤدي الى منع حرية المنافسة او تقييدها او الإضرار بها وهو ما يؤدي في النهاية الى الإضرار بمصلحة المواطنين والإخلال بقواعد التوازن بين مصلحة المنتج والمستهلك.
ولكي تتحقق المنافسة الكاملة لابد من توافر عدة شروط ومنها التعددية و وجود عدد كبير من المنتجين الذين ينتجون السلعة او يعرضونها, وأيضا عدد كبير من المستهلكين الذين يطلبون السلعة بحيث لايستطيع أي منهم ان يؤثر بشكل فاعل على السوق لو انسحب منه او تواجد فيه. ونحن نتوقع بان يصبح محرك البحث غوغل السوق التنافسي العالمي الكامل بعد ان يتم تطويره ليقدم كل العروض الممكنة لاي سلعة يحتاجها المشتري من كل انحاء العالم , حيث تشير الاحصائيات على تزايد التجارة الالكترونية على النت بمتوالية هندسية.
ومن شروط المنافسة المثالية الكاملة للسوق ان تكون هناك شفافية في المعرفة الكاملة بكل الظروف السائدة في السوق, مما يترتب عليه مقدرة كل شخص سواء كان منتج او مستهلك على معرفة الاسعارالتي تعرض بها السلع للبيع في تلك الاسواق . وكذلك حرية الدخول والخروج من السوق وعدم وجود عوائق امام المشتري في اتخاذ قرار الشراء من عدمه وذلك بدخوله الى السوق او خروجه منها, وكذلك حرية المنتج في الدخول الى ميدان انتاج سلعة معينة او الخروج من ذات الميدان وقتما يشاء, بالاضافة الى إمكانية تنقل عناصر الإنتاج بين فروع الانتاج , وهذا يعني سهولة انتقال عناصر الانتاج من سلعة إلى أخرى ومن منطقة جغرافية الى اخرى لضمان عدم وجود عوائق امام انتقال عناصر الانتاج بين الاستعمالات المختلفة البديلة , فلا يجب ان تقوم أي حواجز او عوائق فعلية او قانونية تمنع انتقال عناصر الانتاج المختلفة من ان تنتقل الى ذلك الفرع الذي ينتج سلعة معينة, وفي هذا المجال ايضا بدأت الانترنت ومحركات البحث المساهمة بفاعلية بجعل الاسواق العالمية تنافسية تقترب من الكاملة بتسهيل الدخول والخروج من الاسواق والغاء الحواجز بين المنتجين والمستهلكين والاسواق.
وبالمقابل هناك ايضا عوامل تساهم بابتعاد الاسواق عن المنافسة الكاملة وبالتالي التقليل من فوائد المنافسة على المنتجين والمستهلكين, منها على سبيل المثال لا الحصر هو البطئ باستجابة الاسواق للتغيرات الطارئة والزمن اللازم للعودة لنقطة التوازن بين العرض والطلب , وهذا موضوع بغاية التعقيد ولا حاجة للدخول به الآن .
مما سبق نستنتج بان السوق التنافسي الكامل هو الوحيد الذي يكفل للمنتج والمستهلك حقوقهما ويحمي المواطنين من ان يكونوا عرضة للاستغلال والسرقة من قبل المنتجين والسياسيين عن طريق تأمين الاجر العادل لهم وعن طريق تأمين افضل السلع بافضل الاسعار , لذلك نرى بان يكون اقتصاد السوق التنافسي المطلب الاول للثورات العربية التي تدور رحاها في الوقت الحالي لان الحرية بنهاية الامر هي حرية اقتصادية تحرر المواطن من سرقة المستبدين.
http://www.facebook.com/pages/طلال-عبدالله-الخوري/145519358858664?sk=wall