فايز سارة
يتقدم الائتلاف الوطني نحو عملية انتخابية، يجدد فيها انتخاب قياداته للمرحلة المقبلة بعد عام ونصف العام من عمره جدد فيها انتخاب قياداته مرتين قبل أن يستعد للمرحلة الراهنة، التي يمكن القول إنها تتميز بخواص جديدة نتيجة ظروف داخلية ووطنية وخارجية، تحيط بالقضية السورية، التي دخلت مرحلة الكارثة بكل المعاني السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.
خلاصة الظروف المحيطة بالقضية السورية، تتميز في المستوى الوطني باستمرار سياسة النظام الدموية وتصاعدها على أمل استعادة سيطرته على الأراضي التي خرجت من تحت سيطرته، انطلاقًا من المناطق المتاخمة نحو الأبعد مصرًّا على متابعة القتل والتهجير والتدمير، وإن اضطر إلى تسويات مؤقتة في بعض المناطق دون أن يغير سياساته وممارساته، فيما تسعى قوى الإرهاب والتطرف وخاصة «داعش» إلى التمدد في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام مستخدمة سياسات وأساليب النظام في القتل والتهجير والتدمير. وبين حالتي الإرهاب والتطرف المزدوج للنظام من جهة و«داعش» وأخواتها من جهة أخرى، تجد المعارضة السورية في شقيها السياسي والعسكري نفسها في حالة حصار، تشكل محاولة مزدوجة لإنهاء الثورة، ووضع حد لطموحات السوريين في نظام ديمقراطي، يوفر الحرية والعدالة والمساواة للسوريين.
ولا تقل الظروف الخارجية المحيطة بالقضية السورية سوءًا؛ إذ ما زال الحلف الدولي – الإقليمي الداعم لنظام الأسد، وبخاصة إيران وأدواتها، في دعمه الكبير للنظام دون أي مسؤولية عن الجرائم التي يرتكبها، وما زال المجتمع الدولي الذي يستنكر جرائم النظام ويبدي تعاطفه مع السوريين، يمتنع عن اتخاذ مواقف وممارسة سياسات حاسمة في القضية السورية مستخدمًا تبريرات وذرائع، يتم تجديدها في كل مرحلة، مما يجعل الكارثة السورية تستمر، وتفتح الأبواب نحو تمدد إقليمي في المحيط.
والائتلاف بواقعه وإمكانياته وسياساته، يحتاج إلى نقلة نوعية للقيام بما ينبغي أن يقوم به خدمة للقضية التي اعتبر بسببها ممثلًا للشعب السوري، عبر تجاوز ما فيه من انقسام آيديولوجي وسياسي، وضعف تنظيمي وإداري وضعف في الالتزام، وقلة في الإمكانيات البشرية والمادية إلى جانب مشاكل أخرى، جرى التعامل معها جميعًا في العام الأخير على أمل إحداث تبدلات في واقع الائتلاف، ومنها محاولات تضييق فجوة الانقسامات، وتحسين الواقع التنظيمي والإداري، وتوفير إمكانيات أفضل من الناحيتين البشرية والمادية لكن النجاحات كانت محدودة.
والعملية الانتخابية القريبة في الائتلاف الوطني ليست عملية انتخابية بين أشخاص أو جماعات وكتل، وإنما هي عملية انتخابية بين برامج وأهداف ينبغي أن يتم إعلانها وتأكيد الالتزام بها لمعرفة المسار الذي سيمضي إليه الائتلاف في المرحلة المقبلة بعد مرحلتين كانت أولاهما من التأسيس إلى التوسعة، وتميزت بالتخبط وعدم وضوح الأهداف وغياب الآليات، ومرحلة ما بعد التوسعة التي اتخذت طابع المرحلة الانتقالية، نتهيأ في آخرها لأخذ الائتلاف أمام تحدياته الجدية والجديدة.
والأبرز في تحديات الائتلاف، ينبغي أن تكون برنامج قيادته المقبلة، ولعل الأبرز والأهم فيها من الناحية السياسية مهمات في أولها تأكيد الأهداف الثابتة لثورة السوريين في إسقاط النظام وتغييره انتقالًا إلى دولة ديمقراطية مدنية، تقوم على حكم القانون ومبدأ المواطنة، والالتزام بحقوق الإنسان، وهو تأكيد لا بد أن يتلازم مع موقف واضح من الإرهاب والتطرف بعد كل ما عاناه السوريون واحتمال أن يعانوه من تطرف وإرهاب النظام والجماعات المسلحة بما يشكلانه من خطر في واقع السوريين ومستقبلهم.
وإذ عانى السوريون من بطش ودموية النظام وجماعات التطرف والإرهاب، وحاولوا ما استطاعوا مقاومته بالسياسة والحراك الشعبي وتشكيلات الجيش الحر، فلا بد من مهمة تأكيد الالتزام بالسعي إلى حل سياسي يوقف سفك الدم والدمار، ويضمن تحقيق أهداف الثورة انطلاقًا من وثيقة جنيف 1 وقرارات الشرعية الدولية.
ويطرح الائتلاف مهمات برنامجية تخصه على القيادة المقبلة، لعل الأبرز فيها العمل على إصلاح الائتلاف، وتطويره ليعمل كمؤسسة ديمقراطية تشاركية لا مكان فيها للانقسام الحاد بالمعنى الصراعي ولا للممارسات الفردية والتسلط أو أي منهما سواء كان شخصيا أو كتلويا، كما أن المهمة الثانية في موضوع الائتلاف ينبغي أن تضمن توسعة نسائية، فعدد النساء بالائتلاف قليل لا يعكس وجودهن في المجتمع ولا دورهن في الثورة، كما ينبغي أن يكون في إطار المهمات التركيز على تفعيل الائتلاف بهيئاته ومؤسساته وأعضائه، وتحويله كما ينبغي إلى خلية فيها دور ومهمة لكل عضو من خلال هيئات ولجان ومكاتب مختصة، وهذا كله لا يمكن أن يتم دون تأهيل الأعضاء والكوادر، وهو ما ينبغي أن يكون في أهداف النهوض بالائتلاف.
ولا يمكن القيام بما تقدم من مهمات دون تعديل النظام الأساسي للائتلاف ومأسسته. وقد منع النظام الحالي في أوقات سابقة إيجاد صيغ تنظيمية وإدارية ومالية، تطلق الائتلاف ومؤسساته وهيئاته وشخصياته للقيام بأعمال لو تم القيام بها لكان الوضع أفضل مما عليه في الوقت الراهن، وهذا ينقلنا إلى مهمة أخرى تواجه القيادة المقبلة، في خلق أساليب وآليات عمل جديدة، منها تشكيل لجان استشارية متنوعة الاختصاصات تكلف بأعمال محددة، تشمل جمع المعلومات ووضع الخيارات وإنضاج قرارات، وتقديم كشوفات حول ما تم إنجازه والعقبات التي تواجه المهمات والمشاريع المطروحة.
إن الجوهري في مهمات برنامج القيادة المقبلة، يفتح بابًا لمهمات برنامجية أخرى في سياسات ومواقف الائتلاف في العلاقة مع المؤسسات التابعة للائتلاف وأدواته في العلاقة مع الداخل، ومنها الحكومة السورية المؤقتة ووحدة تنسيق الدعم والجيش الحر، وكلها تحتاج إلى دعم وتنظيم ومساعدة، مما يقوي مهمة برامجية أخرى شديدة الأهمية، وهي تعزيز وتقوية علاقة الائتلاف بالداخل عبر تشبيك مع المؤسسات والشخصيات السياسية المعارضة والأهلية ومنظمات المجتمع المدني، مما يضمن توسيع قاعدة الائتلاف وفاعليته.
وثمة مهمة برامجية أخرى، لا بد أن تحتل مكانة مميزة في رؤية القيادة المقبلة، وهي علاقات الائتلاف الإقليمية والدولية، التي دون الاهتمام بها وتطويرها، فإن القضية السورية يمكن أن تستمر بتردياتها، وتبقى دون حل جوهري. ولهذا فإن من المهم لكسب الدعم والمساندة للائتلاف والثورة ولعموم القضية السورية، أن يكون للائتلاف علاقات ممتازة مع العمق العربي والإسلامي وصولًا إلى بقية الدول، ولا سيما الكبرى التي كانت الأقرب إلى القضية السورية في السنوات الماضية، ومنها تركيا والسعودية وقطر من القريب، وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة من البعيد، لكن تلك العلاقات لا بد أن تظل محكومة بخط مبدئي واضح وهو القرار الوطني والمصلحة الوطنية السورية.
نقلا عن الشرق الاوسط