الإكتئاب الثقافي: قصة سلطان مع وزير مثقف

كان وفيا جدا للسلطان وغيورا جدا على مصالحه وقربه السلطان منه لأنه واثق من حبه له ومن ولاءه للدولة والوطن .
وكان كثير المواهب :شاعرا وناثرا ورساما , وكان أيضا مهرجا للسلطان وبطانته .
وقد أحبه السلطان حبا كبيرا وقربه منه أكثر وأكثر وزوجهمن إبنته الأميرة وتعتقد الناس حين تقرىء قصص الزواج من الأميرات أن كلهن جميلات وقد لا حظت ذلك في القصص المكتوبة ففي القصص دائما ماتكون الأميرة جميلة غير أن هذه الأميرة ليست جميلة , ولكن صاحبنا تزوجها وعاش معها مكتئبا حزينا كلما رأى إمرأة جميلة عظ على شفتيه غيظا وشهوة .
وجعله السلطان ولدا له أو عامله كما يعامل الآباء أبناءهم.
وأحبه ايضا الشعب وهتفوا بإسمه وكان السلطان يسمع هتافات التحية له مقرونا بإسمه , فحين كان يذهب السلطان للقاء الناس كانوا يحيونه ويهتفون بإسمه وإسم زوج الأميرة الذي أصبح كبير وزراءه بعد أن تزوج من إبنة السلطان .

ولكن هذه الهتافات لم تعجب السلطان فأحس من وزيره وزوج إبنته بالخطر على مدينته فأراد التخلص منه ولكنه لم يرد أن يتخلص منه بطريقة بشعة بل أراد أن يكون الخلاص بطريقة يموت بها وزيره ميتة مريحة لا أذى فيها ولا إرهاق.
فوضعه في سجن القلعة بتهمة خيانة الدولة والنظام التي كان يحكمها وأخذ يفكر بطريقة يموت فيها ميتة هادءة .
فأحضر معه في السجن شعراء من أتفه أنواع الشعراء في المدينة ..يكسرون في الوزن وأشعارهم غير مرموقة ولا تحفر في وجدان وضمير المستمع لهم .
ثم أحضر رسامين من أسقط الرسامين .
ومن ثم وضع معه في السجن عازفون من أتفه أنواع العازفين …فعزفهم نشاز وأصواتهم نشاز …وأداؤهم نشاز وحياتهم نشاز .
وبالمناسبة لم يكونوا هؤلاء النشاز من الشعراء والرسامين نزلاء سجون بل كانوا مدراءه وحراسه .
وهؤلاء النشاز لا يقتنعون أن عزفهم نشاز بل يتصورون أنهم هم الأكثر إبداعا وكذلك الفنانون والشعراء .
وقد إغتاظ الوزير زوج الأميرة من هذه المعزوفات النشاز التي يسمعها بأذنيه .
ومن كثرة ما يرى من لوحات فنية تافهة .
وقد اصابه الإكتئاب النفسي الداخلي المنشأ من كثرة ما جلبة له تلك الأشعار من حزن وسخط .
وبدأ يشعر بثقل كبير في {اسه وضغط عصبي في خلفية رأسنه وألم في أسفل قدميه وكان يتمنى كل يوم لو يموت وأحس من أنه في كل يوم يموت ألف مرة بل وفي كل لحظة .
وبدأ يشعر بخدر في أطرافه السفلى وكذلك بتسارع في دقات قلبه .
وكان السلطان يرسل له أطباء كلما سمع أنه مريض ولم يكن الطب في ذلك العصر متطورا .
وكانت تقارير الأطباء تقول : إنه ممثل بارع ولا يوجد به أي ألم .
وكان السلطان يصدق تلك التقارير .
غير ان الوزير المسكين كان يعاني من إكتئاب داخلي المنشأ وهذا مع قلق زائد مصاحب لتلك الحالة السيئة .

وبدأ يتذكر الأميرة القبيحة وكيف بدد شبابه معها .
وأخذ الإكتئاب يحفر في أحشاء الوزير المريض حتى أصبح يعاني من سوء في الهظم وإنتفاخ في القولون وإرتجاج وببرد شديد حتى في فصل الصيف.
وهكذا لم تستمر حياته طويلا ومات ميتة شنيعة ولو قتله السلطان بحد السيف لكان أهون على صاحبنا من تلك الفترة التي قضاها في سجنه .

 #########
أليس من الملاحظ في الوطن العربي أن المبدعين الحقيقيين لا يعيشون طويلا؟.

وإن العيادات النفسية أكثر روادها من المثقفين؟
وأنهم يعانون من أمراض نفسية كبيرة وتقول عنهم الناس أنهم ممثلون علما أنهم مريضون حقا ؟
والناس أيضا لا تستمع لشكواهم ؟
وأن يعيش المثقف في الدول العربية عامل نظافة يحمل مكنسة أفضل له من حمل الأقلام والأوراق؟

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in الأدب والفن, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.