الإخوان المسلمون والعنف: “معالم في الطريق” أخطر وثائق التكفير باعتراف القرضاوي (4)

بقلم بابكر فيصل بابكر/
قلت في مقال سابق أن كتاب الأستاذ سيد قطب “معالم في الطريق” قد مهد الطريق لترسيخ فكرة تكفير كل المجتمعات الإسلامية باعتبار أنها تعيش في جاهلية تتأسس على الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية وهي الحاكمية، وأن الأفكار الواردة في الكتاب كانت عظيمة الأثر في نفوس غالبية قادة الحركات العنيفة.
ولم يكتف سيد قطب بنزع صفة الإسلام عن جميع المجتمعات الإسلامية بسبب رفضها لحاكمية الله فحسب كما يدعي، بل امتدت أسباب تكفيره لتلك المجتمعات لتشمل عقائد الناس وتصوراتهم باعتبارها عقائد جاهلية تتنافى مع الإسلام الصحيح.
نظام الحكم الوحيد المشروع والصحيح في نظر قطب هو الذي تصدر فيه الحاكمية عن الله
وفي هذا الإطار يقول: “نحن اليوم في جاهلية كالجاهلية التي عاصرها الإسلام أو أظلم. كل ما حولنا جاهلية، تصورات الناس وعقائدهم، عاداتهم وتقاليدهم، موارد ثقافتهم، فنونهم وآدابهم، شرائعهم وقوانينهم. حتى الكثير مما نحسبه ثقافة إسلامية، ومراجع إسلامية، وفلسفة إسلامية، وتفكيرا إسلاميا، هو كذلك من صنع الجاهلية. لذلك لا تستقيم قيم الإسلام في نفوسنا، ولا يتضح في عقولنا، ولا ينشأ فينا جيل ضخم من الناس من ذلك الطراز الذي أنشأه الإسلام أول مرة”.
ويعلن قطب أن الإسلام لا يعرف إلا نوعين اثنين من المجتمعات: مجتمع إسلامي، ومجتمع جاهلي: “المجتمع الإسلامي هو المجتمع الذي يطبق فيه الإسلام، عقيدة وعبادة، وشريعة ونظاما، وخلقا وسلوكا، والمجتمع الجاهلي هو المجتمع الذي لا يطبق فيه الإسلام، ولا تحكمه عقيدته وتصوراته، وقيمه وموازينه، ونظامه وشرائعه، وخلقه وسلوكه، ليس المجتمع الإسلامي هو الذي يضم ناسا ممن يسمون أنفسهم مسلمين، بينما شريعة الإسلام ليست هي قانون هذا المجتمع وإن صلى وصام وحج البيت الحرام”.


وبهذا فهو يضع الأساس العقائدي للخروج على المجتمع وعلى النظم الحاكمة. هذا الخروج ستضطلع به الطليعة التي تشبعت بالمنهج القرآني وكونت في ما بينها المجتمع المسلم الصحيح، وهو يخاطب هذه الطليعة قائلا:” إن مهمتنا الأولى هي تغيير واقع هذا المجتمع. مهمتنا هي تغيير هذا الواقع الجاهلي من أساسه. هذا الواقع الذي يصطدم اصطداما أساسيا بالمنهج الإسلامي، وبالتصور الإسلامي، والذي يحرمنا بالقهر والضغط أن نعيش كما يريد لنا المنهج الإلهي أن نعيش. إن أولى الخطوات إلى طريقنا هي أن نستعلي على هذا المجتمع الجاهلي وقيمه وتصوراته، وألا نعدل في قيمنا وتصوراتنا قليلا أو كثيرا لنلتقي معه في منتصف الطريق. كلا إننا وإياه على مفترق طرق، وحين نسايره خطوة واحدة فإننا نفقد المنهج كله ونفقد الطريق”.
وسيلة هذا التغيير الأساسية كما يقول قطب هي الجهاد الهجومي الهادف إلى “قيام مملكة الله في الأرض، وإزالة مملكة البشر، وانتزاع السلطان من أيدي مغتصبيه من العباد ورده إلى الله وحده. وكل ذلك لا يتم بمجرد البلاغ والبيان، لأن المتسلطين على رقاب العباد، والمغتصبين لسلطان الله في الأرض، لا يسلمون في سلطانهم بمجرد التبليغ والبيان”.
وبما أن الهدف النهائي للإسلام ـ كما يقول قطب ـ هو تمكين حاكمية الله في الأرض، فإن الجهاد يصبح ضرورة لأن الحق والبطل لا يتعايشان في هذه الأرض وإنه “متى قام الإسلام بإعلانه لإقامة ربوبية الله للعالمين وتحرير الإنسان من العبودية للعباد، رماه المغتصبون لسلطان الله في الأرض ولم يسالموه قط، وانطلق هو كذلك يدمر عليهم ليخرج الناس من سلطانهم ويدفع عن الإنسان في الأرض ذلك السلطان الغاصب، وبذلك يصبح الجهاد حالة دائمة لا تتوقف حتى يكون الدين كله لله”.
يؤكد القرضاوي أن كتاب “معالم في الطريق” قد حوى الأفكار الأساسية التي استندت إليها ممارسة العنف والقتل والتفجير
وهو يؤكد أن الجهاد الحقيقي يتمثل في غزو مختلف البلاد لإزالة حكم الطاغوت ذلك لأن “الإسلام هو إعلان عام لتحرير الإنسان من العبودية للعباد، فهو يهدف إلى إزالة الأنظمة والحكومات التي تقوم على أساس حاكمية البشر للبشر ورد الحاكمية إلى الله، ولذلك فإن أية محاولة لتعريف الجهاد في الإسلام بأنه مجرد حرب دفاعية لصد العدوان من القوى المجاورة هي محاولة تنم عن قلة إدراك لطبيعة هذا الدين، ولطبيعة الدور الذي جاء ليقوم به في الأرض”.
إن الحديث أعلاه يعتبر بمثابة إعلان حرب على كل مجتمعات ودول العالم بغض النظر عن طبيعة تلك الدول ونوع الأنظمة الحاكمة فيها، ذلك لأن نظام الحكم الوحيد المشروع والصحيح في نظر قطب هو الذي تصدر فيه الحاكمية عن الله، وبما أن جميع دول العالم تقوم على حاكمية البشر فإنها بالتالي حكومات كافرة يتوجب غزوها والسيطرة عليها عبر الجهاد من أجل استرداد الحاكمية المسلوبة من رب العباد!
في اعتراف نادر لأحد منظري الإخوان المسلمين، يوسف القرضاوي، سعى من خلاله لتبرئة ساحة الجماعة والمرشد المؤسس من استخدام العنف، وحاول فيه الادعاء بأن دعوة العنف والتكفير إنما كانت وليدة العسف الذي واجهته الجماعة من النظام الناصري، قال في كتابه “أولويات الحركة الإسلامية”: “في هذه المرحلة ظهرت كتب الشهيد سيد قطب، التي تمثل المرحلة الأخيرة من تفكيره، والتي تنضح بتكفير المجتمع، وتأجيل الدعوة إلى النظام الإسلامي بفكرة تجديد الفقه وتطويره، وإحياء الاجتهاد، وتدعو إلى العزلة الشعورية عن المجتمع، وقطع العلاقة مع الآخرين، وإعلان الجهاد الهجومي على الناس كافة، والإزراء بدعاة التسامح والمرونة، ورميهم بالسذاجة والهزيمة النفسية أمام الحضارة الغربية، ويتجلى ذلك أوضح ما يكون في تفسير “في ظلال القرآن” في طبعته الثانية، وفي “معالم في الطريق”، ومعظمه مقتبس من الظلال”.
ما يهمنا في حديث القرضاوي أعلاه هو تأكيده على أن كتاب “معالم في الطريق” قد حوى الأفكار الأساسية التي استندت إليها ممارسة العنف والقتل والتفجير، وليس مهما لدينا محاولته إبراء ساحة الجماعة من تأسيس فكر الإقصاء والتكفير بقوله إن تلك الأفكار طارئة، وقد جاءت في “المرحلة الأخيرة من تفكير قطب” أي مرحلة السجن، ذلك لأننا قد أوضحنا في المقالات السابقة وبالأدلة الدامغة أن تلك الأفكار قد كانت وليدة المنهج الذي وضعه وطبقه المرشد المؤسس حسن البنا.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.