إدلب ولعبة توزيع الحصص في سورية

بقلم جويس كرم/
تجري مفاوضات الساعة الأخيرة بشكل مباشر بين الحلفاء وبالوساطة بين الخصوم حول إدلب لتفادي معركة قد تكلف المحافظة السورية مأساة إنسانية ودوامة عنف قد تستمر شهورا وترسل ما لا يقل عن مليوني مدني يعيشون فيها إلى صفوف النازحين واللاجئين.
إنما من يدير هذه المفاوضات اليوم هو روسيا وليس النظام السوري. وقد فتحت موسكو قنوات التفاوض مع تركيا والأردن وإسرائيل؛ وزارها وزير الخارجية السوري وليد المعلم كما توجه إليها وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الأسبوع الماضي.
تدرك واشنطن إمكانية جر روسيا وإيران إلى مستنقع دموي في إدلب
تدرك روسيا حجم مخاطر أي هجوم مفتوح على إدلب والمدنيين فيها. ترتئي إعادة تجربة درعا والجنوب السوري رغم أن نفوذها وأوراق الضغط لديها شمالا، أقل من تلك التي توفرت لها في الجنوب. أما إيران التي زار وزير خارجيتها جواد ظريف دمشق والتقى الرئيس السوري بشار الأسد منذ أيام، فتبدو أقل اكتراثا بحرب الاستنزاف وتريد حسب ما قال ظريف “تطهير” المحافظة.


في مقابل روسيا، هناك واشنطن التي استفاقت متأخرة على كابوس إدلب، وتحاول إحياء دورها في سورية بشطب خيار الانسحاب الذي اقترحه الرئيس الأميركي دونالد ترامب العام الفائت، وتعزيز حضورها الديبلوماسي بتعيين السفير السابق جيمس جيفري والمسؤول السابق في البيت الأبيض جويل رايبرن لإدارة الملف في الخارجية والإعلان عن الاستعداد لتوجههما إلى جنيف. استراتيجية أميركا في سورية يديرها اليوم وزير الخارجية مايك بومبيو، وهو أوفد جيفري ورايبرن إلى الأردن وإسرائيل وتركيا للبحث بمعركة إدلب. أما الخطوط الأميركية الأبرز حول هكذا معركة والمفاوضات في خصوصها فهي كما يلي:
أولا، تدرك واشنطن وتعول على الدور التركي في أي تحرك لها في المحافظة. فإدلب على الحدود التركية، وأنقرة على معرفة جيدة باللاعبين المحليين على الأرض، وتلاقي مصالحها الاستراتيجية في إدلب مع مصالح واشنطن لجهة تفادي أي كارثة انسانية، عدم استخدام الكيميائي، ورفض مقاتلي “هيئة تحرير الشام” (سابقا “جبهة النصرة”)، يجعلها، رغم الخلافات حول أمور أخرى، الشريك الأساسي لواشنطن.
ومن هنا جاءت اجتماعات جيفري (الذي يتحدث اللغة التركية) المطولة في أنقرة كما إجراء بومبيو مكالمة هاتفية مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو للبحث بملف إدلب وقضية القس أندرو برونسون. وبسبب التحولات الاستراتيجية والتقاطع الأميركي ـ التركي في إدلب، مقابل تحدي روسيا لهما، قد تفضي المعركة وتعيين جيفري إلى تخفيض حدة التشنج بينهما.
ليس هناك نية أميركية للتدخل عسكريا في سورية ضد النظام وحلفائه
ثانيا، وبالحديث عن الاستراتيجية الأميركية، ليس هناك نية للتدخل عسكريا لا في إدلب ولا في أي ساحة قتال ميداني في سورية ضد النظام وحلفائه. هناك الخط الأحمر الذي كررته السفيرة نيكي هايلي حول استخدام السلاح الكيميائي والذي قد يفتح الباب لضربات جوية ضد النظام مرة أخرى، وقد تصاحبه هذه المرة خطوات تركية بتنسيق أميركي. أما في الصورة الأكبر في سورية، فتدرك واشنطن محدودية نفوذها مع إصرارها على عدم التخلي عنه، وتوفر إمكانية جر روسيا ومعها إيران والنظام إلى مستنقع دموي في إدلب في حال فشل المفاوضات السياسية.
تستند هذه المفاوضات إلى إقرار واشنطن بوجود عناصر إرهابية في إدلب (كلام الخارجية وهايلي) وبالتالي محاولة الالتقاء مع روسيا لمحاربة هذه المجموعات من دون شن هجوم واسع. وتبرز هنا خطوة تركيا بإدراج “هيئة تحرير الشام” كمنظمة إرهابية الأسبوع الفائت، في مؤشر يحاكي موسكو ويبدي استعدادا لصفقة تصفي مقاتليها من دون حرب استنزافية في إدلب.
كل ما سبق يجعل من معركة إدلب والمفاوضات حولها، مدخلا لتوزيع الحصص بين تركيا وروسيا في الشمال السوري في حال نجحت المحادثات، أو بداية لكابوس قتالي استنزافي قد يستمر لأشهر ويجر لاعبين إقليميين ودوليين إلى معركة تصفية الحسابات وتقاسم النفوذ بالقوة في سورية.

شبكة الشرق الأوسط للإرسال

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.