الإخوان المسلمون: بلغ نفاقهم حدّ إرهابهم!

الإخوان المسلمون: بلغ نفاقهم حدّ إرهابهم!

وفاء سلطان

استطاع بعض قراصنة الإنترنيت، من حيث لا أدري ولا يدرون، أن يخدموني خدمة جليلة لمدة عدّة أسابيع.
استولوا على ايميلي، وبذلك أعطوني وقتا كافيا لأن أخلد إلى راحة كنت بأمس الحاجة اليها. طلقت الإنترنيت وغرقت في بحر من الكتب الذي طالما استهواني الإبحار فيه.
غيّروا كلمة السر وبروفايلي، وبذلك لم أتمكن من الدخول ريثما تمّ إقناع العاملين في “ياهو” على صحة هويتي.
لم يكن في الإيميل ما يثير قلقي، لكنّ الأمر أثار امتعاضي لأنه قطع الإتصال بيني وبين قرّائي الذين أكنّ لهم كلّ الحبّ والودّ واعترف لولا رسائلهم ـ بحلوها ومرّها ـ لتوقفت عن الكتابة منذ أن بدأت.
لقد اكتشفت فيما بعد وبمساعدة الأخصائين على أن كومبيوتري كان مصابا بـ “فيروس التجسس”، وقاموا على الفور بتنظيفه وزرع عدة برامج مضادة للفيروس لحماية الإيميل الجديد.
بين الحين والآخر يحتاج الكاتب، وخصوصا ذاك الذي يعتبر الكتابة عملية تلقيح وحمل ومخاض عقلي وفكري وروحي وليست مجرد ثرثرة لسان، يحتاج ذلك الإنسان إلى فترة استرخاء نفسي يستعيد بها قوته ويحقن عقله بمعرفة جديدة ومفيدة.
كانت قد ظهرت عليّ علامات الإعياء، لكنني وكأيّ جنديّ عنيد، كابرت حتى جاء استسلامي من حيث لا أدري.
بطبعي أميل إلى الإعتقاد بأنّ للكون أسراره ولا شيء يحدث عبثا، وبطبعي أيضا أميل إلى تفسير كلّ ما يحدث لي على أنه لصالحي، وغالبا يُثبت لي الزمن صحة تفسيراتي.
قفلت كمبيوتري واتخذت مقعدا لي في أول مركب متوجه إلى جزيرة كاتالينا التي تغفو على مشارف كاليفورنيا في حضن المحيط الهادئ.
كان البحر عبر تلك الرحلة التي امتدت أياما صديقي الوحيد، قايضته أسراري بأسراره وخرجت من تجربتي معه أكثر عمقا وأصفى ذهنا.
لم تنته رحلتي كما أردت لها أن تنتهي، فعويل النساء في غزّة قض مضجعي وزاد من شدّة غيظي على أمة منكوبة في عقلها وضميرها وأخلاقها.
صرخت على مقتل ثلاثة أخوة صغار كما لم يعوِ ذئب جائع، لكن هدير المحيط الذي يصفونه ظلما بـ “الهادئ” ابتلع صراخي!
كان الإرهابيون الذين سرقوا إيميلي وراء هربي إلى كاتالينا، وكانوا أيضا بسرقتهم لصفائي وراء هربي منها.
غادرت بقلب حزين، أجرّ حقيبتي وقهرا لا تتسع له حقائب الأرض.
………
لقد سبقني صديقي العزيز الدكتور عبد الخالق حسين إلى التنبأ بأن الإنتهازيين من الكتاب العرب، الذين تسللوا خلسة إلى مهنة الكتابة، سيستغلون أيّ موقف لنا نحن أصحاب الكلمة التي تعبر عن حقيقة مشاعرنا ليبعوننا بعضا من عواطفهم الرخيصة والمبتذلة، فعلى أكتافنا اعتادت البغاث أن تستنسر!
لا يهمني، ومتى كان يهمني، أن أرضي فلانا مقابل أن أتجنب اتهاماته أو شتائمه؟!!
حماس، باختصار شديد جدا، إفراز اسلاميّ إرهابيّ لا يرقى إلى مستوى حكومة بامكانها أن تواجه مسؤولياتها تجاه شعبها بحكمة وأخلاق!
ومتى استطاعت شرذمة إسلاميّة عبر التاريخ الإسلامي أن ترتقي إلى مستوى مسؤولياتها؟!!
لست هنا في صدد الدفاع عن “اسرائيل” ولا يهمني شأنها، فعندما قامت لم يسألني اليهود عن رأي في أرضهم الموعودة، ولو فعلوا لنصحتهم أن يحرقوا كتبهم الدينية ويفروا بجلودهم، فالمسلمون أمة متصحرة العقل والضمير وسيتصحر كل من يجاورهم في عقله وضميره.
قبل قيام اسرائيل لم يذكر التاريخ الموثق بأن اليهود قادوا معركة، ولا أذكر أنني قرأت في التاريخ عن قائد عسكري يهودي واحد، أما المسلمون فهم وفي كل ثانية من تاريخهم أهل حروب، القتل والقتال بالنسبة لهم هوية وطريقة حياة، إن لم يجدوا عدوا يقاتلونه صنعوا من أنفسهم ذلك العدو!
هل تستطيع أمة تقنع رجالها منذ نعومة أظفارهم بأن “يَقتلوا أو يُقتلوا” كي يكسبوا رضى الله، هل تستطيع أن تعلمهم في الوقت نفسه أن يؤمنوا بالحياة كقيمة وبأن يقدروا تلك القيمة؟!
عندما استعدت إيميلي بعد غياب دام أسابيع وجدت رسائل كثيرة من قرّاء مسلمين تسألني عن رأي بما يحدث في غزّة.
لست معنية بالجواب بقدر اهتمامي بالدوافع النفسية وراء تلك الأسئلة. هل استنكار هؤلاء القرّاء لما يجري في غزة هو السبب الوحيد لمعرفة رأي بالأمر؟ طبعا لا!
فمن يستنكر ما يجري في غزة، من منطلق ايمانه بالحياة كقيمة، يُفترض أن يسألني ذلك السؤال لدى كلّ حدث يهدد الحياة كقيمة!
………
ربع مليون جزائري قتلوا على أيدي اسلاميين من أبناء جلدتهم بأبشع أنواع القتل، لكن لم يسألني قارئ مسلم واحد عن رأي بتلك المجزرة!
من خلال تقرير كان قد نشر مؤخرا على موقع “آفاق”، أكدت بعض النساء الجزائريات اللاتي تعرضن للإغتصاب من قبل الجماعات الإسلامية بأن الإسلاميين كانوا يكبّرون ويصلون على نبيهم قبل أن يبدأوا بافتراس ضحيتهم.
قرأ التقرير الكثير من المسلمين، لكن لم يتساءل أحد عن مدى أخلاقية هؤلاء البرابرة، فلماذا يسألونني عن رأي بأحداث غزة؟!!
أكثر من عشرين ألف مواطن سوري فقدوا حياتهم بسبب جرائم الإخوان المسلمين وردود فعل السلطات السورية، لكن لم يتفضل قارئ مسلم واحد بسؤالي عن رأي حيال تلك الجرائم.
التفجيرات التي حدثت في فنادق أردنية وقتلت بشرا يحتفلون بعرس، وهي أقدس لحظات الإحتفال بالحياة كقيمة وحق، لم تدفع قارئا مسلما واحدا ليعرف رأي بخصوص تلك الجرائم!
هاجم الإرهابيون قرية الكشح المصرية وقتلوا واحد وعشرين فلاحا قبطيا، لم تحرك الحكومة المصرية ساكنا ولم يسألني مصريّ مسلم واحد عن رأي بتلك المجزرة!
دفن صدّام حسين أكثر من ثلاثة مائة ألف شيعي وكردي أحياء، ناهيك عن الذين حرقهم بالسموم الكيمائية، لكن لم يتجرأ مسلم واحد على سؤالي عن رأي بما ارتكبه صدام من جرائم!
حتى وفي ذروة تصاعد ما يجري في غزة قامت امرأة مسلمة، من أمهات المؤمنين، بتفجير نفسها قرب مسجد شيعي وقتلت مايزيد عن أربعين شخصا، لكن معظم المواقع والمحطات العربية تجاهلت الحدث، ناهيك عن قيام أحد من القراء بسؤالي عن رأي!
منذ أشهر قليلة قتلت حماس أحد عشر شخصا من عائلة واحدة بحجة أنهم ينتمون إلى فتح، لم أتلق سؤالا من قارئ يشكّ في أخلاقية تلك الجريمة!
لا قيمة للحياة عند المسلم، وإلا لاستنكر كلّ انتهاك للحياة، بغضّ النظر عن متى وأين وكيف تمت عملية الإنتهاك!
المسلمون يولولون على ضحايا غزة، ليس من منطلق حزنهم واحترامهم لأرواح تلك الضحايا أبدا وإنّما من منطلق إستنكارهم لهوية القاتل!
لو كان القاتل حماس أو فتح أو أي خليفة مسلم لكان الأمر لدى أيّ مسلم عاديّا للغاية!
……….
على تلفزيون الـ CNN ظهرت امرأة فلسطينية تضرب وجهها، تولول وتتساءل: ماذا فعل لهم أطفالنا كي يقتلوهم؟!!
من يدري؟ قد تكون هي نفسها الأم الفلسطينية التي ظهرت منذ عامين عندما فجر ابنها نفسه في مطعم اسرائيلي وهي تزغرد وتقول: “الحمد لله الذي شرفني باستشهاده، لدي ثلاثة أبناء وأتمنى من كل قلبي أن يتبعوا نفس الدرب”
الأم التي سقطت بها عقيدتها إلى ذلك المستوى لا تحزن ولا تعرف قيمة الحياة، وإلا لبكت لمقتل ولدها الذي فجرّ نفسه بنفس الصدق الذي تبكي به على مقتل أولادها تحت طائلة الصواريخ الإسرائيلة. مهما تعددت طرق الموت يبقى الموت مرفوضا، وتبقى الحياة جديرة بأن نبكي عليها.
كيف تريدونني أن أتعاطف مع أمّ تزغرد لأنّ ابنها فجر نفسه، وتبكي لأن اليهود قتلوا ابنها الآخر؟
في كلا الحالتين خسرنا حياة كانت جديرة بأن تصان، ولا أستطيع أن أقبل زغاريد أم ودموعها في آن واحد، لأنني ببساطة أشك في تلك الحالة في صدق مشاعرها وأمومتها.
للموت شكل واحد ـ وهو قبيح للغايةـ وخصوصا عندما يتناول فلذة أكبادنا، شكل نرفضه ونكرهه ولا يمكن أن نزغرد له!
لا فرق عند المسلم بين أن يُقتل وبين أن يَقتل. بناء على جوهر العقيدة المحمدية في كل الحالتين يُحظى المسلم بالجنة، فلماذا ينتف المسلمون شعورهم على أهل غزة؟!!
أو بشكل آخر: لماذا يولولون على أهل غزة ولم يذرفوا دمعة واحدة على ضحايا العراق ومن قبله ضحايا سوريا ومصر والأردن والجزائر؟!!
عندما تزنّر أمّ نفسها بحزام ناسف وتحيل جسدها في ثوان إلى شظايا تفتك بعشرات الأبرياء، لماذا لا يحتج أتباع محمد على عمل بربري كهذا، علما بأن الضحية منهم، ألأن القاتل منهم أيضا؟!!
لقد مزقوا أشلاء بعضهم البعض، وبطريقة لم يمارسها مجرم في تاريخ البشرية، لكن أحدا لم يحتج على ذلك!
الذين يسألوني عن رأي، يفعلون ذلك من أحد منطلقين:
إمّا أملا أن أقول شيئا يستطيعون أن يدينوني من خلاله، وإمّا أملا أن أقول ما لا يستطيعون أن يقولوه.
…………….
برهان طفل فلسطيني من الضفة الغربية، كان عمره أربعة عشر عاما عندما انفجر به لغم وأدى إلى قطع يديه ورجليه وأفقده معظم حاستيّ البصر والسمع.
حدث ذلك منذ حوالي عشر سنوات، وقامت عندها جمعيّة الناصرة الخيريّة في جنوب كاليفورنيا باستقدامه كي تقوم بعرضه على أطباء أمريكان في محاولة لإسترجاع ولو جزء من بصره أو سمعه.
أقامت الجمعية حفل عشاء خيري دعت إليه أبناء الجالية العربية كي يعود ريعه إلى مساعدة عائلة برهان التي تضم اثني عشر طفلا ودفع تكاليف علاجه.
كنت أحد ضيوف الحفل، جلست بجوار أمّ برهان ورحت أستمع إليها وهي تروي ظروف الحادث وتعبّر عن مخاوفها على مستقبل أولادها الآخرين.
دخلت القاعة سيّدة فلسطينيّة معروفة جيدا باعتبارها أحد أكبر أغنياء الجالية العربية، كانت ترتدي معطفا من الفراء الثمين وتبدو كنجمة من نجوم هوليوود. اقتربت تلك السيّدة من برهان ووضعت يدها على كتفه ثم راحت تموء:
“بوورهان….إنتا بتل يا بوورهان…إنتا بتل…إحنا فخورين فيك يا بوورهان…
ثم أردفت تقول:
لازم ترجع عالبلاد يا بوورهان….مش لازم نترك الوتن للسهاينة يا بوورهان”
لا تريد سيدتنا “أمّ الفراء” أن تترك الوطن للـ “السهاينة”، وتريد من برهان الذي لم يبق منه سوى كتلة من اللحم الفاقدة لمعظم حواسها، تريده أن يرجع كي يحمي لها “الوتن”!
هي مضطرة أن تبقى في أمريكا كي تحرس ملايينها، تعيش في أفخم القصور وتركب أحدث السيارات وترسل أولادها الثلاثة إلى أفضل جامعات العالم، بينما يعود برهان كي يحمي لها الوطن.
يا له من نفاق!
ذكّرني بتلك السيّدة قادة حماس وهم يتنافسون على شاشات التلفزيون، بهاماتهم الضخمة والشبيهة بالأبقار الهولندية المعلوفة والمحقونة بكميات كبيرة من الهرمونات، يتنافسون كي يتشدّقوا بأرواح أطفالهم ونساءهم مقابل كسب سياسي خسيس لن يقودهم أبعد من كروشهم المندلقة وفي أفضل الأحوال أبعد من موائدهم العامرة!
…………
لم يكد خالد مشعل يطلّ علينا من مكان إقامته في إحدى فيلل دمشق الفاخرة، حتى حسده على منظره المعافى رئيس عصابة الإخوان المسلمين السوريّة فأصدر على الفور بيانا يعلن فيه وقف نشاطه المعارض للحكومة السوريّة بحجة “رص الصفوف ضد العدو الصهيوني”، وطالب من خلال بيانه الحكومة السورية بالمصالحة مع شعبها.
يا له من نفاق!
لا تستطيع حكومة على سطح الأرض أن تتصالح مع شعبها قبل أن يتصالح ذلك الشعب مع نفسه!
لم يبق أمامَ أيّ ضمير حي في تلك الأمة، إن بقي فيها ضمير، إلا أن يسأل ذاك الرجل:
وهل تصالحت أنت مع الأمهات اللاواتي أحلت أبناءهن إلى أشلاء عندما أوعزت إلى مجاهديك أن يزرعوا متفجراتهم وأحقادهم في البنايات المكتظّة بالسكان وفي قطارات وباصات كافة المدن السورية في أواخر السبعينات وأوائل الثمانينات؟!!
هل تصالحت مع عائلات الدكتور محمد الفاضل والدكتور يوسف اليوسف والدكتور علي العلي والدكتور عبد الرحمن هلال والدكتور نزار الحمصي والدكتور محمود شحادة وغيرهم كثيرين من الذين اقتحمت جحافلك مكاتبهم وعياداتهم لتحيلهم برصاصها الغادر إلى أشلاء وهم يكبرون ويصلون على نبيك؟!!
هل تصالحت مع عائلات ضحايا مجزرة مدرسة المدفعية في حلب، يوم دخل زلمتك المجرم ابراهيم اليوسف وكان مدرسا في تلك المدرسة إلى صفه وأحال المئات من طلابه في ثوان إلى بقايا بشر؟!!
هل انطوت جرائكم يومها تحت لواء “رصّ الصفوف ضد العدو الصهيوني”؟!!
هل ندّدتم يوما بما فعلته “طلائعكم” في الجزائر وما يفعلونه اليوم في العراق؟!!
هل ندّدتم يوما بقتل أكثر من ألف وخمسمائة شيعي على جسر الأئمة الذي نسفه جنودكم البواسل عملا بوصايا نبيكم “نبيّ الرحمة”؟!!
هل ندّدتم يوما بقتل وتهجير المسيحيين في العراق؟!!
هل ندّدتم يوما بما حدث ويحدث للأقباط في مصر كلّ يوم؟!!
لن نسألكم عن غزوات نبيكم ومجازر بني قريظة وبني خيبر، فالحوادث رغم بشاعتها تموت مع القدم ولا نريد أن نفتح الآن ذلك التاريخ القذر، مع أننا مازلنا “بجهودكم” نعيشه!
كيف نصدّق مشاعر ذلك الرجل حيال أطفال غزّة طالما لم يتورّع عن قتل أطفال وطنه الأم عندما اقترفت عصابته مجزرة حي الأزبكيّة في دمشق؟!!
كيف نصدق مشاعر رجل لا يتورع أن يغدر بطلابه عندما يكون معلما ومسؤولا عن سلامة هؤلاء الطلاب؟!!
هل فعلها يهودي بطلابه؟!!
كيف نصدق مشاعر الشارع العربي الذي خرج منددا بما يحدث في غزة، ولم يخرج يوما منددا لما حدث ويحدث في العراق من مجازر اقترفها اسلامييون يسيرون على خطى نبيهم ويطبقون أحكام شريعته؟!!
كيف نصدّق شيعيّا في ايران يتباكى على أطفال غزّة أو فلسطينيا من حماس يهلل لحزب الله، طالما لا يتورع السنة والشيعة عن قتل بعضهم البعض بطرق أبشع بكثير مما حدث ويحدث على أيدي الإسرائيلين عبر تاريخ الصراع العربي ـ الإسرائيلي؟!!
لو تسنى لحماس أن تمتلك ـ لا سمح الله ـ ما لدى اسرائيل من تقدم عسكري وتقني هل ستتورع لحظة عن مسح فتح من تاريخ الوجود، ناهيك عن مسح شيعة ايران؟!!
لو تسنى لإيران أن تمتلك ـ لا سمح الله ـ ما لدى اسرائيل من تقدم عسكري وتقني هل ستتورع عن مسح السنة العرب من تاريخ الوجود؟!!
…….
قابلت أثناء تواجدي الصيف الفائت في ولاية تكساس رجل دين هندوسي كبير في السن، كان قد زار أمريكا بغية حضور أحد المؤتمرات التي تناولت موضوع الحرب على الإرهاب.
دار بيننا حديث حول أحداث الساعة، ففاجئني بقوله:
اسمعي يا سيدتي! كلّ حرب عبر التاريخ البشري كان فيها صراع بين الخير والشر إلاّ تلك الحرب، يجب على العالم كله أن يتراجع ويترك الشرّ نفسه يقضي على نفسه!
لم أفهم قصده، وعندما سألته عن مزيد من التوضيح قال:
“أنا ضد التواجد الأمريكي في العراق وأفغانستان. يجب أن يُترك الأمر للشيعة والسنة فهم قطبا الشر في تلك المعادلة. ستقوم حروب أهليّة بين هذين القطبين وسيتفرع عنها حروب كثيرة بين أفراد القطب الواحد، وستؤدي تلك الحروب لاحقا إلى نهاية الإسلام كعقيدة تدعو إلى الإرهاب. إن مازرعه الإسلام من حقد في قلوب أتباعه يكفي للإطاحة برأس الإسلام، هذه هي الطريقة الوحيدة التي تضمن للبشرية سلامتها من الإرهاب الإسلامي”
بناء على ما قاله ذلك الرجل الحكيم، أعتقد بأنّ اسرائيل تمدّ اليوم بعمر الإسلام فهي ـ من حيث لا تدري ـ تساهم في إجبار المسملين على تجاوز خلافاتهم ورأب الصدع بينهم، لكنّ ذلك الرأب مزيّفٌ وهشّ إذ لا يقوم على نوايا سليمة وصادقة!
في أيلول الأسود عام 1970 قام الملك حسين بتصفية الفلسطينين بطريقة وحشيّة لم يشهدها التاريخ. قالت لي سيّدة فلسطينية كانت قد شهدت عملية التصفية بعينيها:
“رأيت من نافذة غرفتي دبابة أردنية تسحل جثة لرجل فلسطيني، ثمّ ترجل سائقها وراح يحشو فم ذلك الرجل بأوراق جريدة كانت في يده”
قد تحرق دبابة اسرائيلة كلّ ما تصادفه في طريقها بلا رحمة، ولكنني لم أسمع في حياتي بأن جنديّا اسرائيليا قد مثل بجثة رجل فلسطيني، ناهيك عن رجل يهودي!!
كان مجاهدو الإخوان المسلمين في سوريا يلطخون آياديهم بدماء ضحاياهم ثم يكتبون بها على الحيطان: الله أكبر والعزّة للمسلمين!
لم أسمع بأن يهوديا واحدا قد لطخ يديه بدماء يهودي آخر وكتب على حيطانه: العزة لليهود!
يقول مثل إنكليزي: اللسان البذيء يعضّ نفسه!
يبدو، أقولها والألم يعتريني، أنه لم يبق أمام العالم ما يفعله حيال الإرهاب الإسلامي سوى أن يتراجع عن المواجهة، ويهيأ الظروف المناسبة لتلك الأمة كي تعضّ نفسها!
…………
قال الرحالة الكندي المعروف Bernard Weber في مطلع كلمته التي ألقاها كرئيس لمؤتمر “حماية البيئة” عام 2007:
” لاتستطيع أن تحمي شيئا مالم تؤمن أولا بقيمة ذلك الشيء وتقدر تلك القيمة”.
لن يستطيع هؤلاء الإرهابيون حماية أطفالهم، لأنه لا قيمة لحياة الطفل في تعاليمهم وأعرافهم ومفاهيمهم!
في محاولة دنيئة ليستدروا شفقة العالم وليوهموا الشارع العربي المغفّل والمغيّب عن الوعي بسمو أهدافهم، يطلقون صواريخهم الخلبيّة من غرف نوم أطفالهم ثم يولولون عندما تدكّ آلة الحرب الإسرائيلية بلا رحمة معاقلهم غير آبهة بالضحايا البريئة التي استخدمها ذويها درعا لهم!
اجتمعنا يوما بوزير الدفاع السوري السابق مصطفى طلاس، وكنا طلابا في جامعة حلب. لن أنسى ما قاله في ذلك الإجتماع، بلع ريقه كي يستجمع نفاقه ثم قال:
” يا رفاق! اسرائيل يُرهبها الموت وترتعد خوفا عندما نقتل لها جنديّا واحدا، أما نحن فرجالنا كثيرون ولا نأبى الموت”.
وهنا يكمن الفرق بيننا وبينهم، لقد شهد طلاس يومها على ذلك الفرقٍ، كما يشهد عليه اليوم قادة حماس.
عندما يؤمن الإنسان بالحياة كقيمة ويقدّر تلك القيمة يسعى بكل جهده لتحسين نوعية تلك الحياة.
الفرق بين موقف اليهود من الحياة كقيمة وبين موقف المسلمين يتجسّد في الفرق الواضح بين نوعية الحياة التي يعيشها اليهودي في اسرائيل وبين نوعية الحياة التي يعيشها المسلم في أي بلد اسلاميّ آخر!
طبعا اسرائيل، ومن منطلق ايمان اليهود بالحياة كقيمة، تهتمّ بحياة كل فرد من أفرادها ولذلك تضرب بلا رحمة عندما تتهدد حياة ذلك الفرد. أما هؤلاء الإرهابيون فلقد ألفوا الإستهتار بحياة الإنسان ولذلك لا يقيمون لحياة أطفالهم وزنا!
يقول مثل عربي: اقتلني ومالكا!
يجسّد ذلك المثل عقليّة البدوي الذي لا يقيم للحياة وزنا، فهو لا يهمّه أن يُقتل طالما يقتلون معه مالكا!
موت كلّ أطفال غزّة لن يحرك ساكنا عند أيّ قائد إسلاميّ، طالما يتسنى له أن يستعرض عضلاته ويتبجّح بقتل جندي اسرائيلي واحد!
لا يستطيع أيّ رجل يتربى وفق عقيدة تصرّ على أن الهدف الأسمى من الوجود هو أن يقاتل في سبيل الله حتى يَقتل أو يُقتل، لا يستطيع ذلك الرجل أن يخرج إلى الحياة إنسانا يؤمن بالحياة ويقدّرها كقيمة.
لو عرف محمد بأن اليهودي سيحلّق يوما بطائرة الـ F 16 وليس وراء شجيرة الغرقد لوفر على أتباعه مهمة مطاردة اليهود وقتلهم إلى يوم الدين، كي يوفر لهم حياتهم!
لكن ألم يحن الوقت لهؤلاء الأتباع كي يدركوا خطورة تلك العقيدة ويفعلوا شيئا رحمة بأجيالهم القادمة؟!!
يقول غاندي: إذا أردت أن تغيّر العالم ابدأ بنفسك!
على المسلمين في القرن الواحد والعشرين أن يبدأوا بأنفسهم، فعندما ينبذون ثقافة العنف التي غصّ بها تراثهم وكتبهم الدينيّة ويتبنون ثقافة تحترم الحياة وتقدّرها سيكونون قادرين على حماية أطفالهم.
عندها، وعندها فقط، لن يكون لهم أعداء!
فمن يحبّ طفله أكثر ممّا يكره عدوه سيكون قادرا على مهادنة ذلك العدو خوفا على حياة ذلك الطفل.
هربت إلى أمريكا خوفا على مستقبل أطفالي يوم كنت لا أملك شبرا من الأرض فيها، وهكذا كان حال سبعة مليون مسلم فيها، ناهيك عن الذين هاجروا إلى بلدان أخرى.
لم تكن الأرض ضالتي ولم تكن ضالتهم، وإلا لقبلنا الظلم والهوان الذي مارسته حكوماتنا علينا ولتشبثنا بأرض الوطن، بل كان البحث عن حياة أفضل لأطفالنا تلك الضالة.
لا يمكن أن تعادل الأرض قيمة الحياة، والعرب هم أقل البشر حاجة للأرض وأكثرهم إنتهاكا للحياة!
فمتى تصبح الحياة كقيمة ضالة المسلم، ومتى يُدرك ذلك المخلوق المغيّب عن عقله بأنّ الإنسان، أيّ إنسان، لا يمكن أن يملك من الأرض مساحة أكبر من موضع قدميه؟!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in ربيع سوريا, فكر حر. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.