الفضل شلق
أصبح معروفاً أن قيادات الإخوان المسلمين قد تطهّرت صفوفها من المعتدلين وما بقي منهم إلا القطبيون (تلامذة أو مريدو سيد قطب الذي أُعدم سنة 1966 والذي كفّر الأمة الإسلامية واعتبرها جاهلية ورد عليه مرشد الإخوان المسلمين في حينها بكتاب «دعاة لا قضاة»). من المفيد العودة إلى خطاب المسلمين الآن؛ إلى مبنى الخطاب ثم معنى الخطاب ثم مؤدى الخطاب ثم تأسيس هذا الخطاب.
لا يختلف مبنى الخطاب كثيراً عن ستالينية الأحزاب الشيوعية أو شوفينية الأحزاب البعثية؛ وقد استورد الاثنان الأخيران أفكارهما من أوروبا؛ في حين استورد الخطاب القطبي أفكاره من شرق آسيا، من أبي الأعلى مودودي وأبي الحسن الندوي وغيرهما.
يكفّر القطبيون المجتمع الإسلامي، ويعتبر الستالينيون والبعثيون، المجتمع متخلفاً من دون الحداثة، مجتمعاً يتآكله الفقر والجهل والمرض؛ فهو لا يستحق الاعتبار بل الهداية وإعادة التشكيل. يحتاج الشعب بنظرهم أن يؤخذ بيده، كما في عهد الانتداب. يعتبر القطبيون ضرورة العودة إلى حكم الله، ويعتبر الستالينيون حكم الشعب. كل منهما يعتبر الله أو الشعب مقولة في جيبه، وليس وجوداً بشرياً يستحق الاحترام والتعبير عنه. يحتكر القطبيون حكم الله، يحتكر الستالينيون والبعثيون حكم
الشعب. يقوم بالهداية الطليعة المؤمنة عند القطبيين ويقوم بذلك عند الستالينيين والبعثيين الطليعة المناضلة. هذا عن مبنى الخطاب الإخواني.
أما معنى هذا الخطاب فهو تكفير المجتمع عن طريق استبعاده إلا في عملية انتخاب شكلية. ثم الحاكمية (أي ما يزعم أنه حكم الله)، وهي تعني الاستعلاء على المجتمع. ثم النضال عن طريق ميليشيات حزبية، وهذا معناه دولة موازية. ثم مفهوم الطليعة، وهذا معناه الاستبعاد والاستثناء والاستعلاء والدولة الموازية في سلة واحدة.
أما مؤدى كل ذلك فهو الاستئثار بالسلطة على أساس أن حكم الله أي الشريعة مقبوض عليه لدى الجماعة، وأن حكم الشعب (الذي تحول إلى مجرد مقولة) فهو أيضاً مقبوض عليه بواسطة الشرعية. الشريعة والشرعية لا تقولان بنظرهما إلا ما يقول الإخوان المسلمون القطبيون كما سبق ذكره.
على الصعيد الأخلاقي، يعتبر الإخوان المسلمون القطبيون أن قبضهم على الشريعة والشرعية يتيح لهم استخدام كل الوسائل الأخلاقية وغير الأخلاقية، كما بدا من تصرفاتهم حيال متظاهري الاتحادية؛ وفي شؤون السلطة بشكل عام. بنظرهم، كل الوسائل مبررة في سبيل تحقيق الهدف. أهدافهم خاطئة، لكنهم يعتقدونها صحيحة. أما وسائلهم فهي غير أخلاقية.
وهم على غير استعداد للتسوية ما داموا يزعمون أن لديهم كلمة الحق. بذلك يلغون السياسة. وكل مجتمع لا بد له من تسويات كي تدار الأمور بسوية، كل دولة، وكل مجتمع، هما حصيلة تراكم التسويات. تأتي التسويات بالحوار، على اعتبار رأي الخصم خطأ يحتمل الصواب بينما رأي الذات صواب يحتمل الخطأ، كما قال الشافعي. خالفوا مبادئ كبرى اعتمدها كبار فقهاء المسلمين، وأهمها أن «اليقين هو غلبة الظن» (لا غلبة التأكد). هم، أي القطبيون، متأكدون؛ ولذلك يجب أن يخضع لهم الآخرون بأي وسيلة متاحة. لديهم رسائل كبرى وأهمها المال والميليشيات، الثروة والعنف.
خرجوا على الأخلاق، ألغوا السياسة. الإمامة موضوعة لحراسة الدين وسياسة الدنيا. الرئاسة هي بمثابة الإمامة. أحدثوا شرخاً بينهم وبين الشعب بخروجهم على الأخلاق السياسية، وصاروا يشكلون خطراً على المجتمع والدولة في مصر والمنطقة العربية.
احتقروا الشعب، وسينتهي بهم الأمر إلى أن تحصد أياديهم قبض ريح. اكتشف الفاشيون ذلك من قبل؛ واكتشف ذلك جميع من شابههم أيضاً.
*نقلاً عن “السفير” اللبنانية.