“الأرض مقابل السلام ” لم يعد شعاراً اسرائيلياً

سليمان يوسف يوسفsyriagreatfriday

“الأرض مقابل السلام”، شعاراً رفعته اسرائيل. مطالبة ” تخلي الفلسطينيين عن اراضيهم مقابل السلام الذي ستمنحه لهم”. هذا الشعار “العنصري” لم يعد اسرائيلياً. بدأ يردده ويرفعه عرب مسلمون في ريف الجزيرة (الحسكة) السورية، حيث يشترط هؤلاء العنصريون على الفلاحين المسيحيين التخلي عن اراضيهم وممتلكاتهم الزراعية لقاء عدم التعرض لهم وضمان سلامتهم. ترافق هذا التهديد مع عمليات تعدي وسطو بقوة السلاح على ممتلكات و أراض زراعية للمسيحيين. في بعض قرى ريف القامشلي، تذابحت عائلات عربية مسلمة فيما بينها على أراض يملكها مسيحيون، حيث اعتبروها “غنائم “. صحيح إن هذه التعديات مازالت محدودة، لكن حصولها في مناطق مازالت تحت سيطرة النظام يُعد مؤشر خطير على ما يمكن أن يحصل للمسيحيين إذا ما سقط النظام وعمت الفوضى في البلاد. لا ننفي بأن السلطات السورية الاستبدادية، ومنذ انطلاق حركة الاحتجاج الشعبية المناهضة للنظام الحاكم في آذار 2011،عملت وتعمل بطرق وأشكال مختلفة على تعزيز مخاوف المسيحيين والأقليات السورية الأخرى من البديل الاسلامي المتطرف، وذلك لاستمالة أبناء الأقليات الى جانب النظام في معركته المصيرية على السلطة، وقد نجحت حتى الآن على الأقل في تحييد الأقليات عن هذه المعركة. لكن، بصرف النظر عن الاعيب ودسائس النظام السوري، ثمة أسباب وظروف موضوعية أفرزتها الحرب السورية على مدى السنوات الماضية،تبرر للمسيحيين مخاوفهم وتوجساتهم من المستقبل المجهول الذي ينتظرهم في حال استمرت هذه الحرب الكارثية لسنوات أخرى. مخاوف المسيحيين لا تعني بأنهم متمسكون بحكم بشار الأسد، المطلوب اسقاطه ورحيله. وهم لا يخشون سقوطه بقدر ما يخشون سقوط الدولة السورية وانهيار كامل مؤسساتها وانتشار الفوضى والفلتان الأمني في البلاد. قبل أيام فقط،أحيا مسيحيو بلدة ” صدد” المسيحية السريانية بريف حمص، الذكرى السنوية الأولى لذبح العشرات من ابنائها العزل من قبل مجموعات اسلامية مسلحة غزت البلدة. بعض التقارير تتحدث عن فتوى أصدرها خطيب جامع ببلدة(جرمانا) بريف دمشق، “تحلل اغتصاب النساء المسيحيات وقتل الرجال المسيحيين وسلبهم أموالهم”. كان تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) قد حرق كنائس الرقة بعد سيطرته على المدينة و فرض على مسيحيها دفع جزية من الذهب إذا ارادوا العيش تحت حمايته والحد من إظهار ممارساتهم الدينية، أو ترك المدينة وإلا سيواجهون الذبح. هذه التعديات وغيرها كثيرة لا يمكن النظر اليها على أنها مجرد حوادث عابرة اعتيادية في مسار الحرب السورية، وإنما هي أعمال وجرائم ممنهجة ومنظمة، تقف خلفها جهات محلية واقليمية وربما دولية تهدف الى تهجير المسيحيين وإخلاء سوريا وعموم المشرق منهم. تتصدر المشهد المسيحي الأليم، قضية المطارنة (يوحنا ابراهيم و بولس يازجي) المخطوفان منذ عام ونصف العام في ريف حلب. هذه القضية، البالغة الأهمية، ليس لمسيحيي سوريا فحسب وإنما لعموم مسيحيي المشرق، بأبعادها الانسانية وخلفياتها الدينية، تختزل محنة المسيحين السوريين. فصمت (السلطة و المعارضة ) عن هذه القضية، وعدم سعي اية جهة اقليمية أو دولية الى الكشف عن مصير المطارنة واطلاق سراحهما، يؤكد على أن الجميع قد تخل عن المسيحيين. هذا المكون السوري الأصيل(المسيحيون) الأكثر التصاقاً بالهوية السورية وتمسكاً بالوحدة الوطنية، بات اليوم الأكثر عرضاً لخطر الابادة الجماعية والتهجير، جراء الحرب الراهنة، التي جعلت من سوريا ساحة استقطاب وجذب وملاذ آمن لأشد المجموعات والتنظيمات الاسلامية التكفيرية الجهادية تطرفاً وإرهاباً، مثل (داعش و النصرة والقاعدة وغيرها)، و أفرزت على الأرض خرائط ديمغرافية /سياسية، هي مشروع دويلات وكانتونات طائفية / عرقية / مذهبية، لا مكان للمسيحيين بينها.

لا أدري ماذا يجب أن يفعله، أو بالأحرى ماذا بمقدور المسيحيين السوريين أن يفعلوه لأجل تجنيب أنفسهم الخطر الوجودي المحدق بهم ؟. فالحدث السوري،بخلفياته ومفاعيله وتداعياته، هو فوق قدراتهم وخارج ارادتهم وليس لهم راي أو قرار فيه. ربما الشيء المفيد الذي يمكن أن تقوم به ويجب أن تقوم به وتعمل عليه المرجعيات المسيحية السورية ومعها المشرقية،(السياسية والكنسية)، هو دق ” ناقوس الخطر” وحث من تبقى له ضمير في المجتمع الدولي ومطالبته بتحمل مسؤولياته الأخلاقية تجاه المسيحيين السوريين، وذلك من خلال توفير لهم منطقة آمنة (ملاذ آمن- حماية دولية)، لطالما تكفل المجتمع الدولي ممثلاً بـ”الأمم المتحدة” بحماية “الشعوب” من الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والتطهير العرقي، اذا فشلت حكومات هذه الشعوب في تحمل هذه المسؤولية والقيام بواجباتها تجاه مواطنيها. نعم، ثمة حاجة وضرورة لمثل هذه الحماية الدولية للمسيحيين السوريين، لأنهم أقلية غير مسلحة، ليس لهم مليشيات خاصة بهم، وغير قادرين على توفير مقومات “الأمن الذاتي”. قطعاً، الحماية الدولية لا تعني إنشاء “كانتون مسيحي” وانفصال المسيحيين عن وطنهم الأم سوريا، وإنما الحفاظ عليهم الى حين خروج بلدهم من هذه الحرب العبثية وعودة الأمن والاستقرار اليه.

باحث سوري مهتم بقضايا الأقليات

shuosin@gmail.com
المصدر ايلاف

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.