الشرق الاوسط
في إشارة إلى دفاعية روسيا، التي تقترب من جنون الارتياب، يرى بعض المسؤولين الروس أن الضجة بشأن عمليات استكشاف النفط والغاز والنفط في الصخور الزيتية ليست سوى دعاية أميركية تهدف إلى تقويض نفوذ موسكو كمنتج للطاقة.
تتبنى روسيا في ظل فلاديمير بوتين نهجا عدائيا، هذا مؤكد. فهي تحمل قدرا كبيرا من الغضب يعكس الآمال الضائعة لقوة عظمى سقطت. لكنها لا تزال قادرة على الاضطلاع بمسؤولياتها، فهي في نظر كل حلفائها قادرة على مساعدة أو إعاقة الدبلوماسية الأميركية.
تحاول الإدارة الأميركية استكشاف سبل التعاون مع روسيا منذ بداية الفترة الرئاسية الثانية. ويأتي على رأس أولويات واشنطن القضايا مصدر القلق بالنسبة للإدارة – سوريا وإيران وكوريا الشمالية، إذ يعتقد البيت الأبيض أن بوتين يسعى من جانبه، بعد فترة من جمود العلاقات، إلى إعادة بناء علاقة تعاونية.
ما شجع مسؤولي البيت الأبيض هو أنه حتى في الفترة التي توترت فيها العلاقات، لم يهدد بوتين المصالح الأساسية للولايات المتحدة، مثل «مسار التوزيع الشمالي» لشحن الإمداد إلى القوات الأميركية وقوات الناتو، والعبور في جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق. ويؤكد مسؤول بارز: «إنهم يريدون العثور على طريق للعودة إلى علاقة مستقرة».
التعاون مع روسيا يعني تبادل الخبرات، في تأكيد لمقولة بايدن المأثور بأن «كل السياسات شخصية». كان بايدن قد تحدث مطولا إلى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن هذا الشهر، فيما يخطط مستشار الأمن القومي توم دونيلون لزيارة موسكو قريبا لمناقشة قضايا السيطرة على السلاح وقضايا أخرى، فيما تحدث جون كيري، وزير الخارجية الجديد مع لافروف يوم الأحد ويخطط للاجتماع معه قريبا، وسوف يلتقي أوباما بالرئيس بوتين في سبتمبر (أيلول) من العام الجاري في روسيا قبل اجتماع مجموعة العشرين.
أوضح لقاء بايدن بلافروف يوم 2 فبراير (شباط) الرغبة الجديدة في التعاون. وفي إشارة إلى تدريب روسيا الفرق العسكرية السورية التي تتعامل مع الأسلحة الكيماوية، اقترح تعاونا روسيا أميركيا في تأمين هذه الأسلحة في حال سقوط نظام الرئيس بشار الأسد. وكان ذلك اعترافا ضمنيا باهتمام روسيا المستمر بسوريا بعد رحيل الأسد.
ناقش بايدن ولافروف أيضا خطر إمكانية أن تؤدي الحرب في سوريا إلى بلقنتها وتحولها إلى كنتونات عرقية. تدرك روسيا أن مثل هذه النتيجة ستضر بمصالحها.
الإسهام الدبلوماسي الذي يمكن لروسيا القيام به في سوريا اتضح في ميونيخ عندما التقى لافروف الشيخ معاذ الخطيب، الذي يقود تحالف المعارضة السورية. وفي أعقاب اللقاء أثنى لافروف على استعداد الخطيب للقاء ممثلي نظام الأسد ووعد باستمرار الاتصالات الروسية مع المعارضة السورية.
عندما اتصل كيري بلافروف يوم الأحد ناقشا سويا أهمية استخدام الولايات المتحدة وروسيا نفوذهما على الأحزاب دعما لعملية انتقال سياسية قادرة على الاستمرار، بحسب وزارة الخارجية.
وعلى الرغم من كون هذه المناورات الدبلوماسية مشجعة، فإنها لن تجدي في ضوء الدعم الروسي للأسد في حرب حصدت أكثر من 60 ألف سوري. أحد عوامل الإحباط في التعامل مع بوتين هو أن كل شيء بالنسبة له يبدو عملية تجارية. فهناك ثمن لتحقيق السلام في سوريا أو الدعم لتحجيم البرنامج النووي الإيراني، لكن ما هو؟ قد يتمكن أوباما من التوصل إلى اتفاق إذا ما علم ماهية السعر.
يؤكد منتقدو سياسة أوباما أن الحوار مع بوتين سيشجعه على مواصلة سياسته القمعية في الداخل السوري. ويمضي هذا التأكيد بالقول إن بوتين متنمر وترضيته ستثير الانتقاد. فهو يشجع حرب الأسد الوحشية في سوريا لأنه خاض معارك مشابهة ضد متمردي الشيشان. وعندما تتعاون الولايات المتحدة مع بوتين فإنها بذلك تعد متواطئة في قمعه لمعارضيه.
إذن ما الحل للمعضلة الدبلوماسية الخارجية التقليدية هذه، التي تتعارض فيها مصالح وقيم الولايات المتحدة؟ أؤكد أن الفائدة من علاقة أميركية روسية أكثر تعاونا – بشأن سوريا وإيران وكوريا الشمالية والسيطرة على السلاح وقضايا أخرى – ذات أهمية بالغة تستحق تلك التكلفة. لكن ذلك عبء ثقيل خاصة أن من سيتحمله هم نشطاء حقوق الإنسان الروس.
اختارت إدارة أوباما الأميركية خيارا استراتيجيا مماثلا في فترتها الأولى في الإدارة عندما أكدت أن إعادة ضبط العلاقات بشكل إيجابي مع روسيا يشكل أولوية قصوى وجاءت قضايا الدفاع الصاروخي وتوسع الناتو وقضايا أخرى في مرتبة متأخرة في القائمة، ليفتح هذا القرار الطريق أمام الروس لدعم قرارات الأمم المتحدة بشأن إيران.
لن تكون الفترة الرئاسية الثانية سهلة، لكنها تقدم فرصة جديدة لمعرفة ما إذا كانت هناك إمكانية لتوحيد المصالح الروسية والأميركية. وللوصول إلى مبتغاه خلال السنوات الأربع المقبلة ينبغي على أوباما أن يفتح الباب الروسي.
* خدمة «واشنطن بوست»