استبدال حضارتنا بحضارة غربية

يؤيد المفكر الراحل والكبير(سلامه موسى) مقولة(برناردشو) القائلة:أن الإنسان بلا دين هو إنسان بلا شرف, ولكن أن

قلعة الحب: القرم

قلعة الحب: القرم

نفرض على الأقليات الدينية لبس ملابس تختلف عن ملابس الأغلبية الأخرى من السكان فهذا معناه تعدٍ صارخ على حقوق الإنسان والانفراد بالأقليات الدينية والعرقية وسحقهم وتوجيه كل الطاقات لقهرهم وإذلالهم, ولكن أيضا يجب أن لا نسمح ببقاء دين بدوي في بلادنا عمره 1400عام بدون تطور,يجب أن نستبدل هذا الدين بدين حضاري قابل للتطور,وحسب ما أورده سلامه موسى في سيرته الذاتية أنه لم تستطع أسرته الخروج من محافظة أسيوط في مصر إلى(الزقازيق) إلا حينما احتل نابليون جمهورية مصر, لقد كانت الحكومات المتعاقبة في مصر تمنع تنقل الأقباط من مدينة إلى مدينة أخرى لكي لا تنتقل عدوى الحضارة معهم, فمن المعروف أن المسيحيين أينما كانوا في البلدان العربية كانوا هم حلقة الوصل بين الحضارة الغربية والبلدان العربية وكانت الحضارة تنتقل بسببهم, لذلك كانت الحكومة العثمانية تفرض على المسيحيين الإقامة الجبرية في على المسيحيين كلٌ حسب موقعه الجغرافي وكان الأقباط قبل دخول نابليون إلى مصر لا يسمح لهم بتغيير مواقع سكنهم وكان لهم زي خاص بالملابس يلبسونها أي ملابس موحدة كالتي تفرض اليوم على طلاب المدارس ومن غير المسموح لهم بأن يغيروا ملابسهم أو يستبدلونها بأي ملابس أخرى لكي يبقوا مميزين ومعروفين ومكشوفين لكل الناس ومراقبين بكل حركة من حركاتهم,وكانت ملابسهم مميزة بعمائم سود وكانوا يتعرضون للتهزيئ وللسخرية من كل الناس,وكان المسلمون في ذلك الوقت يتندرون على ملابس المسيحيين الأقباط في مصر,وكان هذا يزعج الأقباط المصريين ويجعلهم يشعرون بالدونية وبالظلم.

وإذا غير أحدٌ منهم قريته التي يسكن فيها أو مدينته كانت ملابسه تفضحه مباشرة, وكانت هنالك عقوبات تفرض على كل من يمسك به من الأقباط متلبسا بجريمة تغيير أثوابه أو زيه الموحد , وهذا السلوك الإجباري الذي فُرض على المسيحيين الأقباط صدم منه نابليون بونابارت حينما دخل إلى مصر فغيره نابليون بونابارت وترك الحرية للأقباط في أي أثواب يريدون لباسها,ولكنه لم يعجب مؤرخ متخلف مثل المؤرخ المصري(الجَبرتي) ففي مقالة له نادى بأن يلتزم الأقباط المسيحيين بلبس العمائم السود والثياب الزرقاء اللون,ونبه وحذر المسيحيين من لبس العمائم البيض,الأمر الذي شكل ضغطا سياسيا وقويا على نابليون مما دفعه للعدول عن قراره هذا,ولكن بعد فترة اقتنع نابليون بضرورة تحرير المسيحيين الأقباط من الملابس الخاصة التي تميزهم عن باقي المصريين وعاد الأقباط ولبسوا ملابس حرة مثلهم مثل كل المصريين وسُمح لهم بالتنقل من قرية إلى قرية ومن مدينة إلى مدينة,وبعدها بفترة قصيرة نقل الأقباط المصريون الملابس الأوروبية إلى داخل جمهورية مصر ونشر الأقباط ثقافة تمدين الملابس,وما زال الأقباط إلى اليوم يرتدون آخر موديلات الملابس الحرة, أما المسلمون المتشددون في جمهورية ومصر وغيرها فقد فرضوا هم على أنفسهم ملابس مختلفة عن الملابس العصرية حتى أننا نستطيع أن نحكم من بعيد على هذي أو تلك بأنها مسلمة,وذلك من خلال لبس الجلابيب للنساء والحجاب , وأطلق الرجال لحاهم.

وكان سلامه موسى أول من حرض البنات والشباب على الاختلاط مع بعضهم في البيت وفي الشارع وفي المدارس لأن فصل الجنسين عن بعضهم البعض فيه اهانة للروح وللجسد,ولا تتحسن أخلاق البنات والشباب إلا إذا اختلطوا في بعضهم البعض, وكان معظم المسيحيين ألأقباط أصحاب حضارة وثقافة قد فتحوا المدارس وسمحوا لبناتهم بالتعلم وبالاختلاط بين الذكور وبين الإناث , أما تحديد نوعية التعليم فلم يكن يطمح إليه إلا المصريين المسلمين أما بالنسبة للأقباط فقد نهلوا من شتى المدارس والعلوم وفتحوا المؤسسات المدنية والقوا الخطب والمحاضرات في ضرورة التمدن , وفرض نوعية تعليم قديمة وخاصة هي تماما مثل عملية فرض الملابس الخاصة على المسيحيين المصريين الأقباط ففي هذه المسألة إهانة للروح المعنوية للقبطي المصري,وكان الأقباط وهم يمشون في شوارع المدن المصرية بالعمامات السوداء والأثواب الزرقاء يتعرضون للضرب وللإهانة وللسخرية من قبل المسلمين.

والأقباط والمسيحيون بشكل عام هم أول من أدخل الحضارة والرقي إلى المجتمعات العربية وهم السباقون إلى اختراع التكنولوجيا الاجتماعية ونقل مظاهر التمدن من أوروبا إلى البلدان العربية الآسيوية والأفريقية وأهمها مصر والشام , وكانت الدول العربية تفرض رقابة صارمة على تصرفات المسيحيين في كل الدول العربية الإسلامية خشية أن تنتقل من بيوتهم وأيديهم مظاهر التمدن إلى المسلمين ومن أجمل الطُرف في فكر سلامه موسى أنه كان ينصح ببناء المصانع لكي يتسنى للرجل وللمرأة أن يعملا معا جنبا إلى جنب, فبانتشار المصانع تنتشر مظاهر الحضارة والتمدن وتظهر حقوق العمال وحقوق الإنسان بسبب ضرورة أن يحصل العمال على حقهم في تشكيل النقابات المهنية التي تحميهم من قسوة بعض أرباب المصانع, وبالتالي نقل المسيحيون الحضارة وما زالوا حتى اليوم ينقلون الحضارة وذلك من خلال ملابسهم التي يرتدونها في الصيف والشتاء وبعض المسلمين اليوم تأثروا بمظاهر الحضارة في ارتداء الملابس كالمسيحيين فنشاهد عدوى الحضارة وهي تنتقل انتقالا سلميا من بيوت المسيحيين إلى بيوت المسلمين .

ونصح سلامه موسى الشباب بالرقص لعلاج كثيرٍ من المشاكل النفسية ولكنه لم يكن يشجع على الرقص الشرقي وإنما كان يشجع على ممارسة الرقص الغربي,فليست الملابس وحدها من نقلها المسيحيون إلى البلدان العربية وإنما فنون الأدب كالمسرح والتمثيل والأحزاب السياسية,والرقص الغربي إحدى أهم مظاهر تلك الحضارة اليانعة,والرقص الشرقي عديم الجدوى لأن المرأة الشرقية حينما ترقص تتطلع وتنظر إلى أسفل جسمها والناس ينظرون إليها من الأسفل ولا تستطيع المرأة الشرقية أن تنظر للأعلى وهي ترقص بينما الرقص الغربي يجعل الراقصة تسمو بنظرها وفكرها إلى أعلى جسمها وإلى الآفاق العالية وكل الذين يشاهدون الرقص الغربي لا ينظرون إلى الراقص من تحت الزنار أو الخصر وإنما من الخصر إلى الأعلى تماما كما أشبهه أنا مثل الفرق بين ماسح الأحذية والحلاق, فذاك ينظر للأسفل ويجعلك تنظر معه للأسفل بينما الحلاق يمس أفضل موقع في الجسم وهو الرأس, وفي الرقص الشرقي ترقص المرأة وحدها بينما في الرقص الغربي ترقص المرأة والرجل معا بنفس الحركات,تماما مثل عملية القراءة الجماعية على الطريقة الغربية حيث يدرس الشاب مع الشابة في نفس الصف.

والملابس والأزياء العربية ليست هي الوحيدة التي يجب علينا أن نقلها من الغرب,كذلك يجب علينا أن نلبس ملابس اللغة الأوروبية وأن نتحدث بالعامية وأن نكتب أيضا بالأحرف اللاتينية,وأن ننقل الأحزاب السياسية من الغرب إلى الشرق وأن نستبدل ديننا وثقافتنا وهويتنا بدين وثقافة غربية معاصرة تنتمي إلى روح العصر,فهذا الدين الغربي الذي نحن عليه هو دين بدوي لا يصلح لهذا العصر المدني الحديث فقد انتهت المجتمعات البدوية والزراعية وظهرت عندنا مجتمعات كتلية صناعية ومؤسسات مجتمع مدنية حديثة يجب أن نختار لها ملابس عصرية وآداب عصرية وأحزاب سياسية عصرية.

النهضة العربية هي نهضة مسيحية

About جهاد علاونة

جهاد علاونه ,كاتب أردني
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.