اساطير المؤرخين الغربيين تتهاوى: اصل اوربا عروبي
روما وريثة ومغتالة قرطاج
لعبد الرحمن بن عطية: جذور روما العروبية!
الدكتور عثمان سعدي
رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية
الأستاذ عبد الرحمن بن عطية سبق وأن قدمته لقراء القدس العربي سنة 2005 عندما عرضت كتابه (تاريخ العربية لغة العالمين(1)) الذي يعيد تاريخ العربية إلى جذورها، ويفصل بين العربية التي تتمثل في العدنانية التي نزل بها القرآن الكريم، وبين العروبية التي تشمل الأكدية والأرامية والكنعانية والأشورية والبابلية والبربرية وغيرها من اللهجات التي تفرعت عن العربية الأمّ.
كما عرضت كتابه (الجذور العربية للغة اللاتينية(2)
Le substrat arabe de la langue latine)
في ‘القدس العربي’ عدد 13/7/2011 والذي أثبتَ فيه أن سبعة وستين في المائة من كلمات اللاتينية عربية مستمدة من اللغات العروبية التي كانت أوروبا تتكلم بها. أصدر سنة 2008 كتابا عنوانه: (العرب والهندو أوروبيون
Arabes et indo-europ’ens)
أثبتَ فيه أن أوروبا قبل غزوها من طرف القبائل الهندوأوروبية في نهاية الألف الثانية قبل الميلاد، كانت شعوبها تتكلم اللغات العروبية كالأرامية والكنعانية والبابلية والأشورية والبربرية، حيث كانت أوروبا مزروعة بمستوطنات عروبية. ويستعمل المؤلف مصطلح
arabique
للتعبير عن مصطلح عروبية بدل مصطلح السامية الذي بطل استعماله بسبب مدلوله الأسطوري، ويستعمل كلمة عربي
Arabe
تسمية للعربية الحديثة العدنانية التي نزل بها القرآن الكريم. وقد رفض العالم الفرنسي رينان
E.Renan
مصطلح السامية في كتابه الهام (تاريخ اللغات السامية) واقترح أن تعطى لها التسمية الأشورية ـ العربية
Syro-arabe.
كما اقترح لايبنيتز
Leibnitz
الذي ولد في سنة 1646 أن تعطى تسمية عروبية للغات السامية.
وأنا أقدم كتابه الجديد (روما وريثة ومغتالة قرطاج، طبع دار هومة الجزائر 2012).
عبد الرحمن بن عطية يكتب بالفرنسية ويعتمد في كتاباته على المراجع والنقوش الأوروبية. وياحبذا لو ترجمت كتبه إلى اللغة العربية حتى يطلع عليها العرب. فهو وأحمد سوسة العراقي، ورشيد الناضوري المصري، من المؤرخين المبدعين الذين لا ينقلون نقلا ببغائيا عن المؤرخين الأوروبيين. يقول بن عطية:
كانت إيطاليا قبل تأسيس الأمبراطورية الرومانية مسكونة من مجموعة من الأجناس، من شعوب تعود إلى أصل واحد، لكنها تحمل أسماء مختلفة، يتكلمون عدة لغات تعود إلى جذر لغوي واحد متفرعة إلى عدة لهجات تختلف عن بعضها اختلاف المناطق والنواحي، تشير إلى بنية لغوية أصلية غنية وتعدد المعاني للكلمات. كتابة هذه اللغات كانت من اليمين إلى اليسار مستعملة الحروف الهجائية الكنعانية الفينيقية أي الخط العروبي الذي تتفرع منه سائر الخطوط الإيطالية والأتروسكية، أرسطو يقول: ‘إن القرطاجنيين (أي الكنعانيين) والأتروسك يكوّنون في الماضي أمة واحدة’. مثلما أورد هورجون
J.Heurgon
في كتابه (روما والبحر المتوسط الغربي) ‘أن المنطقة التي تقع فيها هذه الأمة تمتد من مارسيليا وحتى مدينة جنوة والتي تسمى بليغوريا والتي تشمل معظم مساحة إيطاليا بما فيها منطقة روما، فالأتروسكيون جاءوا من آسيا هم ليسوا هندو أوروبيين بل هم شرقيون انتشروا ابتداء من القرن التاسع قبل الميلاد في مساحة أيطاليا بل وشمالها وحتى مرسيليا’.
إن الأتروسكيين يمثلون جماعات فينيقية آتية من فينيقيا الكبرى الممتدة من شواطئ أنطوليا في شرقي البحر المتوسط وحتى شمال الرافدين إلى جنوب البحر الأسود. تنقلوا على عدة هجرات ابتداء من القرن الثالث عشر قبل المبلاد. اختلطوا بعدة جماعات لكنهم حافظوا على أساس اللغة الفينيقية والعروبية بصورة عامة. أما العمارة الأتروسكية فهي مستمدة من العمارة المصرية والبابلية في بنائهم للقصور والمعابد والمدن والجسور والطرق وفي الفن والنحت بالحجارة والبرونز، والبناء بالآجر والطين المشوي؛ والنسيج كلها مستمدة من التراث العروبي.
ظهور اللغة اللاتينية جاء نتيجة للتحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها شبه جزيرة إيطاليا بعد تدمير أمبراطورية قرطاج وصعود الأمبراطورية الرومانية، فصارت اللغة اللاتينية اللغة المشتركة لسكان روما مثلما كانت اللغة الأتروسكية اللغة المشتركة لسائر سكان إيطاليا. لكن اللغة الأتروسكية استمرت مستعملة حتى نهاية القرن الأول الميلادي.
ولم تبرز اللغة اللاتينية كلغة أدب إلا في القرن الأول قبل الميلاد، قبل هذا التاريخ كانت النصوص الرسمية الإدارية والنصوص الدينية محررة بالأتروسكية العروبية بخط يكتب من اليمين إلى اليسار.
أوروبا قبل غزو القبائل الهندو أوروبية لها في 1300 قبل الميلاد كانت شعوبها تتكلم اللغات العروبية كالأكادية والآرامية والكنعانية والفينيقية والأشورية والبربرية؛ فالعروبيون لم يمثلوا جنسا واحدا وإنما كانوا يتكلمون اللغات العروبية التي يسميها المؤرخون الأروبيون السامية. علما بأن مصطلح السامية لم يظهر إلا في القرن الثامن عشر الميلادي.
اللغة اللاتينية ورثت بشكل طبيعي اللغة الأتروسكية العروبية التي كان يتحدث بها في معظم شبه الجزيرة الإيطالية حتى القرن الأول الميلادي، إلى جانب لغات أخرى عروبية، وليس صدفة أن يعتز يوليوس قيصر بانتمائه إلى ترويون آسيا الصغرى إلى إيني الذي ‘يعبر بطريقة أسطورية عن ديانات الأتروسك الشرقية’ (كما ذكر معجم روبير الصغير الموسوعي)، وأن يعتز مالابارت C.Malaparte الكاتب الإيطالي المعاصر بانتمائه للأتروسك، وأنه يعتبر مؤلفات دانتي زهرة الأدب الأتروسكي. وكذلك إسكندر المقدوني الذي تعتبر أصوله عروبية. وهذا يؤكد رأي بن عطية أن الأتروسك، والرومان، والكوزاك، والليبيين الفينيقيين، والإيبيريين البربر، يعودون إلى أصل واحد.
قبل تأسيس الأمبراطورية الرومانية كان الرومان يعتبرون أنفسهم أتروسك. حتى القرن الثاني قبل الميلاد كان تعليم الأحكام الأتروسكية تحت حماية مجلس الشيوخ الروماني (حسبما ذكر شيشرون
Cic’ron)
بحيث كانت اللغة الأتروسكية هي الرسمية بإيطاليا إلى أن حلت محلها اللاتينية، ففي أثناء الحرب البونية الثانية كانت المدن الأتروسكية تتعامل بعملة عليها صورة القائد القرطاجي حنّا بعل. ويشير المؤلف إلى ما ورد في كتاب عثمان سعدي (الجزائر في التاريخ)، صفحة 67، ‘إنه لدى عودة أسرى الحرب الرومان لروما، رووا عجائب عن المستوى الحضاري الراقي الذي شاهدوه في مدينة قرطاج، رووا عن ستائر الزجاج المغزول، ومجامر البخور الفضية، والحمامات البخارية المعطرة، وفي ذلك العام أي سنة 200 ق. م أمر مجلس الشيوخ ببناء أول حمام عمومي بروما وفقا لرسومات هؤلاء الأسرى العائدين'[1]. وهذا يؤكد أن روما كانت تعتبر نفسها تلميذة حضاريا لقرطاج الكنعانية، الأمر الذي لا يتناقض مع الأصول الشرقية الأتروسكية لروما. وحتى يقضي الرومان على هذا العنصر التاريخي بريادة قرطاج الكنعانية بالبحر المتوسط حضاريا وثقافيا دمروا قرطاج سنة 146 ق. م. ثم جاء المؤرخون الأروبيون فأسسوا الحضارة الحديثة على الثقافة اليوانانية اللاتينية مسدلين ستارا من التعتيم على الجذور الشرقية العروبية لأوروبا نفسها.
فعندما اكتشف العلماء الفرنسيون والبريطانيون اللغة السنسكريتية في الهند بالقرن الثامن عشر الميلادي وتبين قرب اليونانية منها سخطوا بل وذهبوا إلى نكرانها لأنها تبين الجذور الشرقية للغة اليونانية.
ويلخص بن عطية كتابه فيقول:
في أكثر من ألفي سنة قبل الميلاد، وجدت دولة كبرى، أول دولة بأوروبا تمتد من شواطئ البحر المتوسط بما في ذلك إبطاليا، وحتى بحر البلطيق، إنها دولة الليغور
(Ligure)
أو الدولة (الليبية الإيبيرية)، دولة تتكلم فيها شعوب لغة ليست الهندو أوروبية. وقبيل حلول المسيحية اختفت هذه الأمبراطورية الليبية الأوروبية المنتمية لقرطاج، والتي كانت تمتد إلى جنوب البحر المتوسط أيضا، شاملة لسائر الحوض البحر المتوسط، بما في ذلك جزره الكبرى صقلية، وسردينيا، وكورسيكا، فحلت محلها الأمبراطورية الرومانية، بعد تدمير قرطاج من طرف روما في 146 ق. م. كل المؤرخين يعترفون أنه وجدت الأمبراطورية الأتروسكية بإيطاليا ككيان مموحد لإيطاليا قبل تأسيس روما في 753 ق.م. والأتروسك يتكلمون لغة غير هندوأوروبية ويستعملون كتابتها من اليمين إلى اليسار. لكن معظم هؤلاء المؤرخين الأوروبيين لا يعترفون بوجود مجموعات بشرية أصيلة عروبية في شبه الجزيرة الإيطالية فينيقية، ليبية، ليبية إيبيرية وغيرها… بالرغم من أن أرسطو أكد ‘أن القرطاجيين والأتروسك كانا في الماضي أمة واحدة’. ويكتب كلي ريدان
S.Cl’s-Reden
‘إن سكان شبه جزيرة إيطاليا الأولين ينتمون إلى جنس بحر متوسطي عائدة أصوله إلى الإيبيريين وإلى شعوب شمال إفريقيا’.
* لقد تنبه قلة من المؤرخين الغربيين النزيهين إلى هذا التزييف التاريخي الذي يقول بأن أصل الحضارة الإنسانية مهدها اليونان، فالمؤرخ الفرنسي بيير روسي
Pierre Roi
في كتابه (وطن إيزيس : تاريخ العرب الصحيح
La Cit’ DIsis :Vraie histoire des Arabes)
، الذي طبع سنة 1976 بباريس : تعقب الحضارة الإنسانية من خلال اللاهوت والمعتقدات الوثنية والمنزّلة منذ آلاف السنين، وأثبتَ حقيقة أن جذور الحضارة الإنسانية وبخاصة في مهدها بالبحر المتوسط كانت عربية: فهو يقول : ‘أن الثقافة اليونانية والثقافة الرومانية اللاتينية ما هما إلاّ شرفة صغيرة في صرح الثقافة العربية الكبير، وأن النزعة التعصبية الأوروبية أخفت هذه الحقيقة لتبرز زورا أن جذور الحضارة الأوروبية يونانية’. ‘إن الإسكندر بصفته ملكا آراميا، ينتمي إلى التقاليد التاريخية العربية، لكن أغلب المعلقين يتجاهلون ذلك، يرتكب تلامذتنا نفس الخطأ، فالإسكندر تسمية آرامية قديمة اكتسبها اليونان وحولوها إلى ألكسندروس
Alexandros،
فإذا كان العرب يسمون الإسكندر فليس ذلك تقليدا لابن فيليب المقدوني، بل إنه هو المدين لهم بذلك'[2]
وخير من لخص فضل الكنعانيين الفينيقيين العروبيين على البشرية وعلى أوروبا بالذات مؤرخ الحضارات الكبير الأمريكي ويل ديورانت عندما قال: ‘أقاموا لهم حاميات في نقط منيعة على ساحل البحر المتوسط، أقاموها في قادز، وقرطاجنة، ومرسيليا، ومالطة، وصقلية، وسردانيا، وقورسيقة، بل وفي إنجلترا البعيدة. واحتلوا قبرص، وميلوس، ورودس، ونقلوا الفنون والعلوم، من مصر، وكريت، والشرق الأدنى، ونشروها في اليونان، وفي إفريقيا، وإيطاليا، وإسبانيا؛ وربطوا الشرق بالغرب بشبكة من الروابط التجارية والثقافية، وشرعوا ينتشلون أوروبا من براثن الهمجية’.[ 3 ]
فامتداد الفينيقيين الكنعانيين لم يقتضر على أوروبا كما يقول ديورانت، بل وصلوا إلى أمريكا في القرن السادس قبل الميلاد وتركوا آثارا في أمريكا منها حضارة ماية، فقد اكتشف نقش البرازيل الكنعاني الفينيقي في مدينة بارايبا سنة 1874 يثبت أنهم وصلوا لأمريكا ولم يعودوا [4]. وقد قيل أن كريستوف كولومب عندما وصل لأمريكا وجد قرى يتحدث سكانها الفينيقية وكان يرافقه عرب أندلسيون تحدثوا معهم بلا ترجمان, ويقال أنه عندما علم كولومب أمر بإبادتهم حتى لا يسجل التاريخ أن غيره وصل من العالم القديم إلى العالم الجديد. ونقش البرازيل الكنعاني يقول أن عشر سفن وجهتها العواصف ومزقتها فوصل الشواطئ الأمريكية اثنا عشر رجلا وثلاث نساء فقط، ومن غير شك فقد تناسلوا على عدة قرون وتكونت منهم جماعات.
بل إن المؤرخ الأمريكي ويليام لانغر يرى بأن أصول سكان جنوب أوروبا عروبية فيقول: ‘وانتشر فرع من عناصر البحر المتوسط والصحراء، الطويلة الرؤوس وأقاربهم من العرب والبربر وغيرهم في جنوب أوروبا وشمال إفريقيا والشرق الأدنى’ [5]
لقد أوردت أقوال هؤلاء المؤرخين الغربيين الثلاثة للتأكيد على أن كتابات عبد الرحمن بن عطية موضوعية أبعد ما تكون عن المبالغة. فبيير روسيه كتابه كله يؤكد على أن ثقافة اليونان وأوروبا والبحر المتوسط مستمدة من الحضارة العربية العروبية.
_________
[1] عثمان سعدي، الجزائر في التاريخ، صفحة 67، الجزائر 2011
[2] بيير روسي، وطن إيزيس تاريخ العرب الصحيح، الترجمة العربية، صفحة 186 الجزائر 2006
[3] ويل ديورات، قصة الحضارة، [الترجمة العربية] ـ القاهرة 1961 ـ ج 2، ص 313
[4 ] عثمان سعدي مرجع سابق صفحة 777
[5] وليم لانجر: موسوعة تاريخ العالم ـ الترجمة العربية، القاهرة 1962 ـ ج 1 ص 25 ـ 26
Rome h’riti’re parricide de Carthage Par Benatia Abderrahman
القدس العربي 28/10/2012
كذب ثم كذب لا صحة لها
انها مجرد مقالات فارغة