سركيس نعوم
أثار انتخاب الشيخ حسن روحاني رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية ثم انفتاحه على الحوار مع أميركا، فتحادُثه ورئيسها باراك أوباما هاتفياً، حماسة باحثين اميركيين لدرس تطور أوضاع هذه الجمهورية منذ قيامها، وذلك لمعرفة ما حققته من نجاح، ولاستشراف إمكان توصلها وواشنطن إلى إنهاء القطيعة المزمنة بينهما وإلى حل المشكلات الكبيرة التي رافقتها.
ماذا جاء في دراسات هؤلاء؟
جاء فيها أن إيران تحوّلت من الدفاع إلى الهجوم منذ عام الغزو الأميركي للعراق. فهي رحَّبت به، بل استدرجته عبر حلفائها الشيعة، كما يتردَّد في أوساط عراقية عدة، لأن الراحل صدام حسين الذي غزاها وحاربها تسع سنوات كان عدواً مميتاً، ولأن انهيار نظامه أراحها وفتح في الوقت نفسه أمامها الباب لاحداث نقلة نوعية في أمنها القومي. ذلك أنه كان بعد انهيار الإتحاد السوفياتي التهديد الرئيسي لها. وقيامُ عراق موالٍ لها أو على الأقل محايد من شأنه ضمان الأمن القومي الإيراني. الغزو الأميركي المذكور أعلاه خلق فراغ سلطة في العراق عجزت القوات التي نفذته عن ملئه. ذلك أن إيران إستبقته بدعم الشيعة العراقيين المؤيدين لها وبمساعدتهم على تأليف ميليشيات خاصة بهم. وقد قام هؤلاء عندما حاربت القوات الأميركية الإنتفاضة السنية عام 2007 بملء الفراغ. ولم تمانع الإدارة الأميركية في ذلك. إذ أنها كانت تواجه تهديدين واحد سني وآخر شيعي. وكانت خطتها التخلّص من الحرب مع السنّة ووضع سد أمام تمدّد النفوذ الشيعي. وما حصل أنها حققت الهدف الأول وأخفقت في تحقيق الثاني. وبذلك لم تعد إيران ترى في “العراق الجديد” عدواً لها. وربما بدأت ترى أن احتمالات السيطرة عليه صارت ممكنة. وكان ذلك انتصاراً كبيراً لها بعد هزيمتها أمام عراق صدام (وأميركا) عام 1989.
بعد هذا الانتصار، يقول باحثون أميركيون، بدأت تتكوّن في طهران رؤية طموحة. إذ مع عراق محتوى (Contained) ومع أميركا منسحبة من العراق وربما من المنطقة بدت السعودية تحدياً جدياً لإيران، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى وضع خطة جدية (هجومية) لمواجهة التحدي المذكور ولتنفيذ الرؤية الطموحة. وتمّ ذلك. وكان عمادها التحالف القائم منذ عقود بين سوريا الأسد وإيران و”حزب الله” اللبناني الذي أسسته الثورة الإيرانية والعلاقة مع حركة “حماس” الفلسطينية. أما هدفها فكان توسيع النفوذ الإيراني بحيث يبدأ من غرب أفغانستان ليصل الى المتوسط مروراً بشمال السعودية والعراق وسوريا ولبنان. وهنا يلفت هؤلاء إلى أن الرئيس بشار الأسد كان على استعداد تام لأن يصطف مع إيران الإسلامية لكنه لم يكن يحبِّذ تحوّل سوريا دولة تدور في فلكها. فضلاً عن أن تزايد القوة العسكرية لإيران كان يقلقه بعض الشيء. لكن “الربيع العربي” ونشوب الثورة السورية وعجزه عن الانتصار عليها جعله يصبح أكثر اعتماداً عليها للاستمرار في السلطة كرئيس وكنظام، وخصوصاً بعدما انقذته، كما اصبح ضعيفاً وخائفاً. هذه الإندفاعة الأقليمية الإيرانية لم تزعج روسيا لأن إيران كانت تحارب بدورها السنّة المتطرفين داخل بلادها (في الشيشان)، ولأن توسع نفوذها أقليمياً يهدِّد السعودية ويدفع أميركا إلى الانشغال بحمايتها وإلى مواجهة أزمة حقيقية في العالم الإسلامي.
هل توقفت الإندفاعة الإيرانية المشار إليها أعلاه؟
يقول الباحثون إن عجز الأسد عن قمع الثورة وتحوّلها حرباً أهلية مذهبية أثّر عليها كثيراً وعلى نحو سلبي. فهو لم يسقط، لكنه لم يربح. ويقولون أيضاً إن تصاعد المقاومة السنّية في العراق لحكم الغالبية الشيعية وتحديداً لنوري المالكي وحكومته أثّر بدوره على الإندفاعة نفسها.
ويقولون ثالثاً إن استمرارها كان يقتضي قدرة عند المالكي على مواجهة السنّة. وهذا أمر لم يعد مضموناً. ويقولون رابعاً إن العقوبات الأميركية والدولية على إيران، بسبب استمرارها في العمل للحصول على طاقة نووية ولاستخدامها سلمياً وعسكرياً، أثّرت كثيراً على اقتصادها وعلى التأييد الشعبي الكبير الذي كان للنظام الإسلامي داخلها. وينطلقون من ذلك كله للتأكيد أن إيران الهجومية صارت الآن في موقع الدفاع. ولا يعني ذلك أنها صارت قريبة من الإنهيار، بل يعني أن الموقع الجديد يجب أن يدفعها إلى الاعتدال والحوار لحماية نظامها ودورها وقوتها تلافياً لمصير آخر. ويقولون أخيراً إن ذلك كله يؤثر على “حزب الله” إذ ينقله إلى موقع الدفاع بعدما تربّع طويلاً على عرشه الهجومي!
نقلاً عن صحيفة “النهار”