إضراب خجول
* الجمهور العربي لم يجهز نفسيا وسياسيا لإضراب عام* سلطة الأراضي قائمة على قاعدة التمييز ودفع المجتمع العربي إلى محنة خطيرة *20% من المواطنين (العرب) حصتهم 2.5% من الأراضي * المفهوم السائد على مستوى إدارة الدولة “ان الأرض يهودية وليست ارض إسرائيلية”*
نبيل عودة
إضراب يوم الثلاثاء(28-04-2015) ضد سياسة هدم البيوت كان جزئيا، وبعيدا عن ان يكون إضرابا له أبعاده الوطنية المؤثرة.
رأيي عبرت عنه سابقا حول العديد من قرارات الإضراب التي رأيت أنها تستعمل هذا السلاح النضالي بطريقة ارتجالية تلحق الضرر بقيمة هذا الشكل النضالي، لدرجة انه يصبح غير ذات اثر سياسي وأشبه بنزوة سياسية، وليس بحركة سياسية لها قوة الزلزال ، وهو ما يفترض ان يكون لإعلان الإضراب العام للجماهير العربية داخل إسرائيل.
سئلت من الكثيرين حول الهدف من الإضراب، البعض كان يظن انه إضراب يوم الأرض. حتى ما شرحته للمتسائلين ان الإضراب هو ضد سياسة هدم البيوت العربية، لم يستطع بعضهم الربط بين الهدم الحالي وسياسة هدم البيوت عامة والفائدة المرجوة من الإضراب.
كان واضحا ان الجمهور العربي لم يجهز نفسيا وسياسيا لإضراب عام، كان يجب ان يحول الوسط العربي إلى بلدات مغلقة تماما.
الأحزاب التي أقرت الإضراب في لجنة المتابعة بدا قرارها أشبه بالتثاؤب لشخص يستصعب مغادرة سرير النوم.هل تضمن قرار الإضراب إقامة لجان تحضير لتنفذ الإضراب بشكل ناجح؟
لم تقم الأحزاب، ولا استثني أحدا، بأي حملة إعلامية تعبوية لتجنيد الجمهور حول هذه القضية الهامة جدا، ليس فقط هدم البيوت العربية، إنما سياسة التضييق العنصرية على كل تطور البلدات العربية، بما يخص توسيع مسطحاتها والتوظيف بقضايا الإسكان أسوة بما يجري في الوسط اليهودي.
ان سلطة الأراضي والتخطيط في إسرائيل تتميز بأنها قائمة على قاعدة التمييز ودفع المجتمع العربي إلى محنة خطيرة في موضوع الأراضي والتخطيط والبناء، تتناقض كليا مع أسس المساواة والديمقراطية. هذه السياسة واجهت هزيمة في قرارات هامة صدرت عن محكمة العدل العليا، مثلا كما جاء في قرارها بموضوع “قعدان ضد كتسير” حيث أكدت :” المساواة في الحقوق بين كل البشر في إسرائيل، مهما كانت ديانتهم أو قوميتهم”.
ان عدد السكان العرب تضاعف أكثر من سبعة مرات منذ عام النكبة (1948)بينما مساحة الأراضي التي يملكونها تضاءلت ولم تسمح السلطة أو تبادر إلى بناء بلدات عربية جديدة وهناك عشرات البلدات العربية غير المعترف بها. هذا من جهة من جهة أخرى سياسة السلطة دفعت المجتمع العربي إلى الضائقة السكنية الرهيبة، التي تقود عمليا إلى ظواهر ما يسمى “البناء غير المرخص” ومخالفة قوانين التخطيط والبناء، لأن الحكومات الإسرائيلية لم تعط جوابا على واقع الضائقة السكنية للوسط العربي، بحكم مسؤوليتها ووظيفتها بالتخطيط الشامل وواجبها بوقف تنامي أزمة البناء والعلاقات بين الجمهور العربي ومؤسسات الدولة المختلفة وخاصة المسئولة عن التنظيم والبناء.
الوسط العربي يعاني من ظواهر بالغة الخطورة لا يوجد حلا لها إلا بالبناء غير المرخص، ليس من دوافع مخالفة القوانين، إنما بسبب الضائقة السكنية ومشاكل الترخيص بالغة التعقيد والتكاليف. هناك نقص في الأراضي الخاصة، وسوق الأراضي في الوسط العربي يتجاوز القدرات المالية للمواطنين العرب. ان 20% من مواطني إسرائيل ( العرب) تبلغ حصة سلطاتهم المحلية من الأراضي 2.5% من مجمل مساحة إسرائيل (بدون دولة الاستيطان). هذا، واقع يمنع بناء أحياء سكن جديدة في البلدات العربية، مناطق صناعية، حدائق للجمهور وحتى ملاعب للرياضة، عدا الضائقة في البناء للمدارس والمؤسسات التربوية والثقافية.
هناك موضوع بالغ الأهمية أشار إليه خبراء الأراضي في إسرائيل، بقولهم ان المفهوم السائد بخصوص الأرض على مستوى إدارة الدولة “ان الأرض هي ارض يهودية وليست ارض إسرائيلية”، مما يعني إسقاط مبدأ المساواة الذي تتشدق به حكومات إسرائيل. ارض يهودية لليهود. العرب خارج هذا التعريف!!
لذلك نجد ان العرب غير ممثلين بأجهزة السلطة التي تقرر بسياسة الأراضي والتنظيم والبناء.
طبعا الموضوع يستحق مراجعة خاصة، للأسف لم تطرح في الإعلام الرسمي للقوى السياسية التي من واجبها التعامل مع هذه القضايا، وتوعية الشارع العربي بها. كيف يمكن ان تقنع الجمهور العربي بإضراب لم يجر التحضير الإعلامي والتنظيمي له وبقيت التفاصيل والحقائق “سرا” على الجمهور الذي ابلغ بقرار الإضراب؟
كيف يمكن إعلان إضراب بطريقة ارتجالية ولا أريد ان استعمل تعبيرا من خارج التعابير السياسية!!
الموضوع ملح بلا شك. لكن الجاهزية للشارع العربي لخوض معركة ضد هدم البيوت كانت غائبة.
منذ اتخذ قرار الإضراب وحتى يوم تنفيذه لم تكن هناك تحضيرات مناسبة لجعل الإضراب هزة أرضية سياسية وليس اضرابا خجولا جزئيا لا فرق بينه وبين أي يوم آخر..
ما هي نتائج هذا الإضراب ؟
للأسف سلبيات الإضراب تجاوزت ايجابياته.
اسألوا التجار العرب عن التأثيرات السلبية التي ألحقت ضررا اقتصاديا بهم دون ان يحقق الإضراب أي من أهدافه.
الإضراب ليس هدفا بحق ذاته، بل وسيلة لتحقيق أهداف عينية وهنا فشلت لجنة المتابعة مرة وراء أخرى… هل بقيت قيمة لوجود لجنة المتابعة بتركيبتها الحالية؟
nabiloudeh@gmail.com