انتشرت الأحاديث الموضوعة والمنسوبة للنبى الكريم زورا وظلما، وتناقلها عبر العصور العلماء والخطباء والإسلاميون مما نعانيه فى الفكر الإسلامى المعاصر وأزمته مع الواقع والأمة والعقل العربى والإسلامى فى الداخل وعلاقته مع الخارج.
بدأت الأحاديث الموضوعة فى حياة النبى نفسه وقد اشتهر خبراء فى الكذب بوضع الأحاديث النبوية لذلك صعد النبى المنبر مرارا وتكرارا محذرا من ذلك لانتشاره قائلا (لقد كثر الكذابة علي، فمن كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)، والكذاب هى صيغة مبالغة فيمن هو خبير بكثرة الأكاذيب والوضع كما يصرح النبى بكثرة الكذابة فى حياته حيث انتشرت تلك الظاهرة وكلهم يقول قال النبي، والنبى نفسه يسمع كذبهم لذلك يحذر منهم فى هذا الحديث المتواتر بين المسلمين جميعا رغم قلة وندرة الأحاديث المتواترة فى درجة صحة الحديث وقد استشهد بهذا الحديث الصحابة مرارا ومنهم علي بن أبي طالب أيام خلافته عندما سئل عن التعارض فيما يسمعونه عن النبى كما جاء فى نهج البلاغة.
ومن الملاحظ التأخر كثيرا فى كتابة الأحاديث، لا زمن النبى ولا أصحابه ولا تابعيه بل قد تصل إلى زمن عمر بن عبد العزيز. منع كتابة الحديث أولا من أجل جمع القرآن حيث يعد أولوية ولايختلط معه الأحاديث كما ورد النهى عنه فقد ذكر أبو سعيد الخدرى عن النبى (لاتكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه) لذلك قال الخليفة الأول (إنكم تحدثون عن رسول الله أحاديث تختلفون فيها والناس بعدكم أشد اختلافا) وقال الخليفة الثانى (من كان عنده شئ من الأحاديث فليمحه) علما أن الذين يكتبون جيدا قليلون، وقد حاولوا كتابة وجمع القرآن من الرقاع والأضلاع والحجارة والسعف وجلود الحيوانات، فضلا عن دخول آراء البعض ضمن الأحاديث كما كتب أصحاب جابر وأصحاب زيد آراءهم ضمن أحاديث النبى، إضافة إلى ظاهرة القصاصين ودخولهم فى التفسير والأحاديث.
المفارقة العجيبة أنه نقلت لنا عدد هائل من الأحاديث النبوية لدرجة أنه لو تم تقسيمها إلى حياة النبى كله، لكانت أكثر من حياته كلها لو عاش صباحا مساءا لايعمل أى شئ سوى القول والحديث والكلام من الأحاديث المنسوبة، رغم تجاهلها لمحاور أساسية فى حياته وخطابه وحركته مثل خطب الجمعة للنبى التى كان يقيمها بنفسه فى عشر سنوات فى المدينة المنورة، وأهل المدينة هم أحرص الناس على النبى ودعوته إليهم وامتثال أحكامه ولم ينقل لنا التراث الإسلامىأى خطبة من النبى أو جزء خطبة بمختلف طوائفهم وفرقهم شيئا من أكثر من خمسمائة خطبة للنبى أيام الجمعة عندما كان يحضرها جميع المسلمين فى جمعة واحدة بإمامة النبي نفسه ويتناول فيها أهم الأحداث المعاصرة والحساسة فى حياتهم حتى الإجتماعية والسياسية فضلا عن الشرعية علما أن الخطبة ليست طويلة كزماننا بل قد لا تستغرق العشر دقائق وقابلية العرب على الحفظ كالمعلقات، فلماذا لايذكرها كل التاريخ والتراث نعم ربما ينقل لنا التراث خطبة الوداع وهى مسألة خاصة أخرى تختلف لأنها وصايا توديعية حضرها جميع المسلمين بعد الحج بينما ينقل لنا التراث بإطناب قصص جزئية مثل أعرابى جاء من بعيد ليسأل النبى مسألة خاصة ليس فيها ثمرة كبيرة ولم يحضر ذلك سوى صحابى واحد فتمتلئ كتب الأحاديث الكثيرة بنقلها وفق أسانيد متعددة واهتمام بالغ؟! لذلك أكثر الأحاديث المنسوبة هي ظنية والمتواتر منها قليل جدا جدا، كما ألفت الكتب فى الوضاعين والضعاف مثل الضعفاء للبخارى والضعاف للنسائى والضعاف والمتروكين لابن حيان والضعفاء لابن الجوزى وميزان الإعتدال للذهبى ولسان الميزان لابن حجر والكشف الحثيث للحلبى والضعفاء للأزدى والموضوعات للحسينى وغيرها كثير ولكنا بحاجة لدراسة أوسع وأعمق وأكبر وأشمل لكثرتها وآثارها الكبيرة.
ولقد رويت أحاديث كثيرة فى فضل أقوام وأطعمة وبلدان وحيوانات ونباتات وحشرات وجبال وجمادات وذم أقوام وأطعمة وبلدان وحيوانات ونباتات وحشرات وجبال وغيرها حتى نقل لنا المرجع الشيعى محسن الحكيم الطباطبائى فى مستمسكه كراهة التعامل مع أقوام كثيرين مدعيا روايات تنسب بعضهم إلى أصلهم من الجن فلا يتعامل معهم ولا يتزاوج منهم بناءا على روايات الكلينى فى كافيه والصدوق فى فقيهه والطوسى فى تهذيبه والمجلسى فى بحاره والجواهرى فى كلامه والعلامة فى تذكرته والعاملى فى وسائله والسبزوارى فى كفايته والبحرانى فى حدائقه والأردبيلى فى جامعه والخونسارى فى مداركه وكلها أحاديث موضوعة لكنها تزرع نظرة سلبية للآخر فى عدم التعامل معه والزواج منه فإن أصله من الجن كما يزعمون زورا لأنا جميعا من آدم وحواء، وهى نوع من العنصرية لفئات مسلمة موجودة فى المجتمع.
وقد سيطر على زماننا الوعاظ والخطباء وما ينقلونه للناس حسبة وهى ظاهرة تاريخية فى الوضع فقد وضع أحد الوضاعين – وهو ميسرة بن عبد ربه – أحاديث ، ولما سُئل عن ذلك قال: وضعتها حسبة وتقربا لله تعالى ! كما هو حال الرغائب حتى قال بعضهم (إذا استحسنا أمرا جعلناه حديثا) (نحن نكذب لصالح النبي وليس عليه) (لما رأينا انشغال الناس بفقه أبي حنيفة ومغازي أبى إسحاق، وضعنا الأحاديث حسبة لله تعالى) وهو قول نوح بن أبي مريم. واليوم بات الوضع سببا لكسب المال والجاه والشهرة فيضع الوضّاع الحديث الغريب الذي لم يسمعه الناس ليعطوه من أموالهم.
حدّث جعفر الطيالسي فقال: صلى أحمد ابن حنبل ويحيى بن معين في مسجد الرصافة، فقام قاصّ فقال: حدثنا أحمد بن حنبل ويحيى بن معين قالا حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة عن أنس قال: قال الرسول: من قال لا اله إلا الله خلق الله من كلمة منها طيراً منقاره من ذهب وريشه من مرجان- وأخذ في قصة نحو عشرين ورقة- فجعل أحمد ينظر إلى يحيى ويحيى ينظر إليه وهما يقولان: ما سمعنا بهذا إلا الساعة! فسكتا حتى فرغ من قصصه وأخذ قطعة دراهم ثم قعد ينتظر، فأشار إليه يحيى فجاء متوهما لنوالٍ يجيزه، فقال يحيى: من حدثك بهذا الحديث؟ فقال: أحمد وابن معين! فقال: أنا يحيى وهذا أحمد! ما سمعنا بهذا قط، فإن كان ولا بُـدّ من الكذب فعلى غيرنا. فقال: أنت يحيى بن معين؟ قال: نعم. قال: لم أزل أسمع أن يحيى بن معين أحمق! وما علمت إلا الساعة! كأنه ليس في الدنيا يحيى بن معين وأحمد بن حنبل غيركما؟!! كتبت عن سبعة عشر أحمد بن حنبل ويحيى بن معين!! قال: فوضع أحمد كمّه على وجهه، وقال: دعه يقوم. فقام كالمستهزئ بهما.
ومنها رغبة التقرب للحكام والسلاطين بما يوافق أهوائهم .كما فعل غياث بن إبراهيم النخعى ، فقد وضع حديثاً في فضل اللعب بالحَمَام !وذلك أنه دخل على المهدي، وكان المهدي يُحب اللعب بالحَمَام، فقيل لِغياث هذا حدّث أمير المؤمنين. فجاء بحديث: لا سبق إلا في نصل أو خفّ أو حافر – ثم زاد فيه – أو جناح !فأمر له المهدي بصرّة، فلما قام من عند المهدي، قال المهدي: أشهد أن قفاك قفا كذّاب! فلما خرج، أمر المهدي بذبح الحَمَام !
وكان للفرق الإسلامية دور كبير فى وضع الأحاديث لدعم مذاهبها وتسقيط المذاهب الأخرى كما قال أحمد أمين وطه حسين وهاشم معروف والبغدادى والشهرستانى والنوبختى. كما استعمل الإسماعيلية كل ماورد فى القرآن من رقم سبعة والإثنا عشرية الرقم 12 لتأويلها فى مذهبهم فى أحاديث موضوعة من وضاعين فقد قال المغيرة بن سعيد (وضعت فى أخبار جعفر الصادق إثنى عشر ألف حديثا) ونقل الكشى عن جعفر الصادق (كان المغيرة يضع الكفر والزندقة والغلو فينا)، فعلا (ولقد أحاط بالصادق وضاعون منحرفون نسبوا له الأحاديث كالمغيرة بن سعيد وأبى الخطاب والمفضل بن عمر وآخرين قالوا أن معرفة الإمام تغنى عن الصلاة والصيام.. ودور جماعة من المتشيعين وضعوا أحاديث فى فضائل الأئمة والإنتقاص من الخلفاء ونسبوها إلى الأئمة) كما قال هاشم معروف الحسينى من فقهاء الشيعة وهو ناقد للكافى بينما يعتبره البعض كله صحيحا بناء على حديث منسوب للمهدى المنتظر (الكافى كاف لشيعتنا) خصوصا الإخباريين، وهو أهم مصدر فى الأحاديث الشيعية قاطبة رغم نقله حتى روايات تحريف القرآن والغلو فى الأئمة والتعرض للآخرين وأمور لايقبلها العقل والواقع والمنطق وقد شملت أحاديثه 16199 حديث، قليل منها أحاديث النبى وأكثرها عن الأئمة خصوصا الباقر والصادق، كما أن القليل منها صحيح كما قال صاحب لؤلؤة البحرين والطهرانى فى ذريعته والطريحى فى جامع مقاله وبحر العلوم فى رجاله والسبحانى فى كلياته والتنكابنى فى قصصه. وقد جاء عن على الرضا (كان بيان يكذب على السجاد، والمغيرة يكذب على الباقر والصادق، ومحمد ابن فرات يكذب على الكاظم، وأبو الخطاب يكذب على الصادق…) وقد كان المغيرة كثير الأتباع لأنه يستعمل السحر والشعوذة وبساطة الناس وعاطفتهم آنذاك، فلا يخلو الوضع من تأثيرات إجتماعية واقتصادية وسياسية.
إن الكثير من الثقافات الإيديولوجية الموجودة فى الساحة لها جذور وأساس من هذه الأحاديث الموضوعة ثم تحولت شيئا فشيئا كقوالب جاهزة معلبة لفهم وتفسير الثقافة المتردية
هذه الكمية الكبيرة من الأحاديث الموضوعة المسيطرة على الخطاب والفكر الإسلامى المعاصر هى إحدى أسباب أزمة الإسلاميين الفكرية ونتائجها على واقعنا المعاصر ومعاناته.
المصدر ايلاف