“إسرائيل”… والموقف من الملفين السوري والإيراني
هشام منوّر
لا يبدو رد الفعل الإسرائيلي حيال التعامل الدولي، وخاصة الأميركي، مع موضوع نزع السلاح الكيميائي من سورية ومسألة الحوار المتوقع مع إيران حول برنامجها النووي، متشككا فحسب، بل ومتحسبا من انهيار الحملة الإعلامية، التي قادها رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ضد سورية وإيران.
نتنياهو، قبل الاتفاق الأمريكي الروسي، لقاء مع كيري في روما، تحسبا من شن هجوم عسكري أميركي ضد سورية، واحتمال الرد عليه بهجمات صاروخية ضد “إسرائيل”. والسفير الإسرائيلي في واشنطن، مايكل أورن، سعى إلى إقناع أعضاء في الكونغرس الأميركي، مع قادة اللوبي الإسرائيلي في أميركا، بتأييد ضرب سورية.
بالمقابل، سربت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية بعد الاتفاق الأمريكي الروسي، معلومات تقول إن نتنياهو شجع الإدارة الأميركية على الموافقة على الاقتراح الروسي بفرض رقابة على السلاح الكيميائي تمهيدا لإخراجه من سورية. وأعلن وزير الخارجية الإسرائيلي السابق ورئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، أفيغدور ليبرمان، أن الاتفاق الروسي – الأميركي وإخراج السلاح الكيميائي من سورية “جيد لإسرائيل”.
وبعد الإعلان عن اتصالات بين الولايات المتحدة وإيران، ومراسلات بين أوباما والرئيس الإيراني حسن روحاني، دعا نتنياهو إلى وضع أربعة شروط أمام إيران، وهي “أولا، وقف تخصيب اليورانيوم؛ ثانيا، إخراج كل اليورانيوم المخصب من إيران؛ ثالثا، إغلاق المفاعل النووي في قم؛ رابعا، وقف تخصيب البلوتونيوم”.
رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق ورئيس “معهد أبحاث الأمن القومي” في جامعة تل أبيب، عاموس يادلين، رجح في مقال له أن الإدارة الأميركية كانت حازمة خلال المحادثات مع روسيا وأصرت على شمل الاتفاق معايير صارمة، وهي التخلص بشكل مطلق من القدرات الكيميائية السورية بكافة مركباتها، بدءا من المواد المستخدمة لصنع هذا السلاح، والرؤوس الحربية، ومنشآت صنع وتخزين هذه الأسلحة، وحتى الوحدات التي تفعّل السلاح الكيميائي. ووضع جدول زمني قصير وصارم من أجل تنفيذ الاتفاق. وحصول الاتفاق على دعم على شكل قرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي، ويستند إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يسمح بفرض عقوبات وحتى تفعيل قوة عسكرية من أجل تطبيق القرار. وعدم قدرة سورية على الاعتراض على الخطة الروسية – الأميركية، وعدم قدرتها على وضع شروط لتنفيذ الخطة.
ورأى يادلين أنه في حال تنفيذ الاتفاق فإن “الأطراف الأربعة ستخرج منتصرة”. فروسيا، التي طرحت الاتفاق، عادت عمليا إلى مكانة متساوية مع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط؛ والولايات المتحدة برئاسة إدارة أوباما لم تكن راغبة في خطوة عسكرية، ومنحها الاتفاق مخرجا سياسيا – دبلوماسيا مع إنجاز إستراتيجي هام؛ والنظام السوري نجح في منع ضربة عسكرية أميركية مؤلمة، وحصل عمليا على مصادقة لمواصلة صراعه ضد المتمردين وقتل المواطنين بأية وسيلة يختارها، باستثناء السلاح الكيميائي؛ وتم إسقاط التهديد بالسلاح الكيميائي ضد “إسرائيل” المتواصل منذ سنوات، وهكذا سيكون بإمكانها التحرر من عبء الميزانية المتعلق بتزويد كمامات الغاز لمواطنيها.
في مسار متواز مع الأزمة السورية، يجري البحث في القضية النووية الإيرانية وسبل وقف تطوير البرنامج النووي، الذي تدعي “إسرائيل” أنه برنامج عسكري. وتتوجس “إسرائيل” من تسخين العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، عشية بدء حوار بين الجانبين حول القضية النووية، وفي أعقاب إعلان أوباما عن تبادل رسائل بينه وبين روحاني، وتأتي هذه التطورات على ضوء نظرة الغرب إلى الرئيس الإيراني الجديد بأنه معتدل.
الباحث الإسرائيلي في “معهد إليانس للدراسات الإيرانية” في جامعة تل أبيب، البروفسور دافيد منشاري، سعى إلى تحليل التغيرات في إيران، ومن وجهة نظره فإن أسباب التغيير في إيران متنوعة. فهناك إحباط لدى الجيل الجديد، الذي لم تستجب الثورة بصعود روحاني إلى الحكم لتوقعاته بالعدالة الاجتماعية والسياسية وللخبز والحرية… كما أن “الربيع العربي” أرسل مؤشرات مهددة باتجاه النظام. وحليفة إيران الوحيدة، سورية، أصبحت عبئا، وتضررت مكانة حزب الله وتراجعت العلاقات مع الدول الإسلامية المجاورة لإيران. وأهم من كل ذلك، أن العقوبات الدولية ألحقت أضرارا اقتصادية بإيران وأصبحت تشعر بأنها منبوذة.
وأضاف منشاري أنه “خلافا لصورتها فإن إيران هي دولة تستجيب للضغوط. وطالما هناك صدام بين الأيديولوجيا الثورية والمصلحة القومية، أو مصلحة النظام، فإن المصلحة تتغلب. وإيران تواجه اليوم ضغوطا وبحاجة إلى التغيير”.
روحاني بث مؤشرات على إصراره على السير بطريق جديدة ومختلفة عن سلفه، وتم التعبير عن ذلك من خلال تشكيلة حكومته وسلسلة تصريحات، وتأكيده أنه حصل على تفويض من المرشد العام علي خامنئي لتنفيذ خطه السياسي. وقوبل ذلك بالترحاب في الولايات المتحدة.
وفيما يتعلق بإسرائيل في ظل هذا الوضع، فإن أفضل شيء يمكن أن يحصل لإسرائيل هو أن تبقى هامشية في الحراك الدبلوماسي في الأيام القريبة المقبلة. فتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران لا يتعارض بالضرورة مع المصلحة الإسرائيلية، على فرض أن الولايات المتحدة ستبقى ملتزمة بمبادئها وتعهداتها بعدم السماح لإيران بامتلاك سلاح نووي.
الولايات المتحدة تدخل الآن في معارك سياسية – اجتماعية منهكة، وتريد التخلص من دور شرطي العالم. ولذا فهي مستعدة لإقصاء الشك والتعاون أيضا مع شخصيات مشكوك فيها من ناحيتها مثل بوتين وروحاني. وهي تشعر أن على حيلفتها إسرائيل ان تراعي الوضع السياسي والاقتصادي الجديد، وأن تعمل على التكيف معه قدر الإمكان، أو على الأقل، عدم معارضته وإفشاله بمغامرات عسكرية أو ضغوط سياسية.
… كاتب وباحث
المصدر ايلاف