إرادة الحياة , أم إرادة القوّة ؟
مقدمة :
إذا كانت في القراءة ((التنويرية )) عموماً ثمّةَ فوائد تعلمها الغالبية منّا .
كتوسيع المدارك وإكتساب العلم والحكمة لأجل فهم وتقبّل أكثر مناحي الحياة التي نعيشها على هذا الكوكب الأزرق ضمن هذا الكون الواسع .
فإنّ القراءة الثانية لأيّ كتاب ,غالباً ما تأتي بفائدة مُضاعفة عن قصد الكاتب ودلالات عباراتهِ وجُملِهِ .. وصولاً لفهمٍ أعمق لغايتهِ وفكرهِ !
هذا ما حصل معي على الدوام ,في كلّ كتاب أعيد قراءتهِ .
بما في ذلك كُتب مُعلمّي الأول (( د. علي الوردي )) .
رغم أنّ كتبهِ (جميعها) تمتاز بالصراحة والوضوح الشديد والإسلوب السهل المُبسّط الذي يَفهمهُ الجميع على مختلف مستويات تعليمهم .
حتى عندما يتعلّق حديثهِ بخبايا النفس (والشخصيّة العراقية) وما ورائياتها
وبعض الكتب (( القيّمة )) قد ترتبط عند القاريء المعني , بتفاصيل حياتية , يحتاج العودة إليها عند الضرورة .
وهذا هو الذي قادني لنشر هذا المقال اليوم .
وهو يتحدث عن موضوع مُحدّد / إرادة الحياة .. أم إرادة القوة ؟
وهل هناك صراع بين الإرادتين ؟ أم هما يُكملان بعضها ؟
وعن أيّ قوة نتحدث ؟ هل هي قوّة السلطة الغاشمة … أم قوّة الإرادة نفسها ؟
وأرجو ملاحظة أن الكلام اللاحق ( بعد هذه المقدمة ) سيكون نقلاً حرفياً مع بعض التعديل اللغوي , لمقدمّة ترجمة كتاب : هكذا تكلّم زرادشت / لفردريك نيتشه .
وتلك الترجمة الرائعة كانت للمبدع التونسي الراحل / علي مصباح .
وسأضع رأئيي عند الحاجة بين مزدوجين .
وكذلك , لن أضع بعض الأمثلة عن إرادة المواطن العربي مثلاً في سوريا أو العراق أو مصر أو غيرها … هذهِ الأيام , كي لا يضيع لُبّ الموضوع .
في الواقع , لو لم يكن ( علي مصباح ) من المُعجبين بشدّة بكتابات الفيلسوف المختلف عليه ( فريدريك نيتشه ) , لما عانى كلّ ذلك الألم والصبر والجهد و المِحَنْ ,في العثور على ترجمة لكلمة أو مفردة ما ,لرجل ( كنيتشه ) يقول عنهُ ناسهُ :
( نحنُ الألمان أنفسنا لا نستطيع أن نفهمهُ ) !
وهذا حقيقي , لأنّ نيتشه كان يكتب بلغة أدبية فلسفية لكن بإسلوب الأناجيل وطريقة المتصوّفين غالباً !
مُفككاً كلّ الأفكار القديمة عن الخير والشرّ , و رافعاً لواء فكرة الإنسان الأعلى ,الذي كان يجدهُ في نفسهِ .
حيث يقول عن نفسهِ : وُلِدتُ مُبكراً .. أنا لستُ لهذا الزمان !
ويقول : الغَدُ سيكون لي , بعض الرجال يولدون بعد مماتهم !
ويقول : أنا عبوة ديناميت !
لكنّهُ ( في قمّة الجرأة والصراحة ) يقول عن نفسهِ في كتاب (( هذا هو الإنسان )) ما يلي :
لا اُريد أن أكون قديساً , بل اُفضّل أن أكونَ مُهرّجاً .
ولعلّني بالفعل إضحوكة !
******
فكرة إرادة القوّة
كما يفهمها ( من نيتشه ) ويشرحها المُترجم ( علي مصباح )
إنّ المُدقّق لمبدأ (( إرادة القوة )) , يفهم أنّهُ لا يعني النزوع العنفوي الى التسلّط .
بل أن الكلام هو عن قانون طبيعي مُداخل لمبدأ الحياة نفسهِ .
ذلك المبدأ القائم على الحركة والتناقض والتقاتل و التجاوز و التغيير !
إنّهُ قانون قد أثبتتهُ العلوم الطبيعية والبيولوجيا والفيزياء .
فالحياة قائمة في أبسط جزئياتها (أيّ الأجسام المعدنية ,النبات,الحيوان )
على مبدأ صراع المُتناقضات . صراع الجديد ضدّ القديم .
صراع العناصر الناشئة المتوثبة ضدّ عناصر الخمول والتداعي والتفكك
إنّهُ مبدأ إرادة القوّة الذي يُحرّك الحياة !
وليست إرادة الحياة / بما معناهُ انّ الكائن هو الذي يُريد الحياة .
إذ ما هو حيّ لا يُريد الحياة , بما هي مُتحققة فيه .
وما هو ليس حيّ , لا يستطيع أن يُريد !
( أنا شخصياً لم أتفهّم هذهِ الفكرة في جزئها الأوّل . أيّ قولهِ ما هو حيّ لا يُريد الحياة بما هي متحققة فيه . إلاّ لو كان القصد : لا يبحث عن الحياة كونها موجودة داخله . لكن في النهاية غالبية البشر تُريد الحياة ! رعد الحافظ )
أو كما يقول نيتشه :
(( حيثما تكون هناك حياة تكون هناك إرادة أيضاً ,لكن ليست إرادة الحياة
بل ( وهذا ما اُعلّمكَ إيّاه ) … إرادة القوة ! ))
إذاً من خلال إرادة القوّة , فإنّ عناصر القوة والنمو والتطوّر و التجدّد داخل الكائن هي التي تدفع عنها العناصر المُتراخية و المُتخاذلة , التي لم تَعُد قادرة على الحركة والتطوّر , ولا تسحرها سوى أنغام الإستسلام الى خَدَرْ الموت !
(( إرادة القوّة )) هو القانون الذي يدفع الى المُغامرة بإتجاه المجهول .
لا ذلك الذي يشّد الى اليقين والأمان والثبات في المحافظة على المنجز .
إنّ القلق هو الذي يدفع بالمفكر الى حالة من الترحال الدائم .
وزرادشت كان مُسافر رحّالة جوّال . وهو شبيه في ذلك الى حدٍ بعيد بالدراويش المتصوّفة . لأنّهم هُم أيضاً بحّاثون قلقون لا يرتاحون الى دفءِ اليقين والحقائق المتأسسة في الثبات .
(( رحّالة أنا ومُتسلّق جبال , وكُلّ ماسيّحل بي بعدها من وقائع وأقدار , ترحالاً سيكون ذلك وتسلّق جبال . فالمرء لا يعيش سوى ذاتهِ في كلّ شيء بالنهاية ! ))
*******
الخلاصة
يقول المترجم ( علي مصباح ) ص 11 ,عن نيتشه ما يلي :
إنّ الباحث عن الحقيقة , لن يجد لهُ من سند فلسفي في مسعاهُ الفكري المستقّل , لا في هيغل , و لا في كانط , ولا في ماركس , و لا في أفلاطون أيضاً .
بل في نيتشه … و نيتشه وحدهُ !
تحيّاتي لكم
رعد الحافظ
22 سبتمبر 2013