أيديولوجية – الغيتو – / والتطهير العرقي

هناك أفكار أحياناً يمكن أن نطلق عليها لقب ” أنتيكا “انتهت صلاحيتها زمكانياً ، ربما تصلح للعرض فقط ، كنموذج لبعض الأفكار في فترات غابرة ، عندما كان التاريخ يحرس الأموات فقط. رغم أنه لا ” زومبيز ” ولا أشباح ولا نزول من الفضاء . الأجيال القادمة هي التي ستغزو الفضاء الكوني.
أفكار مثل رواية أن ” فيلاً دخل في جسدها، وحصل حمل بلا دنس ” ثم خرج المولود من خاصرتها..؟ ورواية أخرى أنه ” حصل الحمل في الرأس ” ثم ولدت أنثى ..؟أو قصة الملك ” سيرجون ” في بلاد ما بين النهرين ، وكيف وضعته أمه في صندوق وألقت به الى النهر.
ثم جرى استعارة هذه القصة وتفصيلها على قياس بطل أخر لرواية أخرى، يقال أنه قاد ” شعبه ” وعددهم ستمائة ألف 600000 عائلة عبر البحر. بغض النظر عن أي خطأ إحصائي في حينها زائد أو ناقص . أو أن هذا الرقم يساوي عدد سكان مصر القديمة في حينها .. لكن كافة سجلات سلالات مصر القديمة ، ووثائق تل العمارنة، وكتب المؤرخين ومنهم ” هيرودوت ” الإغريقي ، وهم الذين كانوا يسجلون حتى عدد المرات التي تبول فيها ” الفرعون ” لم تشير الى هذا الخروج والعدد البشري . ولا الى تلك الواقعة الجيولوجية الخطيرة!؟ .
على كلا الحالات أحياناً يستمتع المرء بقراءة هكذا فنتازيا ،أو بمشاهدتها كفيلم سينمائي هوليودي قبيل أعياد الفصح .كجزء من ميديا غسيل المخ ، أو قبيل النوم أحياناً كوسيلة لمعالجة الأرق.
لكن أن يفرض علينا.. ويقال، بأن قبول فكرة ” يهودية الدولة ” من قبل السيد ” كيري ” وزير الخارجية الأمريكي هو مفتاح الحل في المنطقة ؟؟ فهذا يعني أن أمريكا ليست دولة حريصة على رعاية الحريات الديمقراطية والدينية والشخصية والأخلاقية للبشر. بل هي تسوق أفكار ” غوبلز ” بثوب أخر. أفكار من هذا النوع هي أكثر من ” انتيكا ” عفي عليها الزمن .قد تكون ” الأنتيكا ” ذات قيمة مادية بيد أن مكانها متحف ما، وليس الواقع.
إلا إذا كان السيد ” كيري ” خارج الزمان والمكان.
ولا زال يعيش عصر شكسبير في روايته ” تاجر البندقية” .أو أنه في الفصل الأخير من ولاية الرئيس ” أوبا ما ” يطمح الى تحقيق انجاز سياسي ما على حساب شعب الله ” المصلوب ” . لصالح شعب الله ” الإقتصادي”.
ويعتقد أن الشعب الفلسطيني، بلا ذاكرة أشبه بالمسخ في رواية ” فرانز كافكا “.
وطبعاً هذا لا يمنع من إسداء نصيحة للسيد ” كيري ” بإعادة قراءة كتاب ” العهد القديم ” لكي يتأكد بنفسه أحقية الشعب الفلسطيني في أرضة قبيل ما قيل عن غزو ” يوشع ” لأرض الكنعانيين الفلسطينيين.
ترى لماذا لا تفتح مكتبة ” الفاتيكان ” أبوابها للراغبين للإطلاع على تلك الوثائق الثمينة التي تحتويها مكتبتها حول التاريخ القديم لفلسطين..؟!وننهي الجدل البيزنطي مع البعض؟
أما في التاريخ الحديث ، كانت فلسطين محتلة من قبل العثمانيين الأتراك لأكثر من خمسمائة عام من الظلام وفي العام 1918 ونتيجة للحرب العالمية الأولى تخلت تركيا المريضة عن فلسطين الى الاحتلال البريطاني كجزء من الاتفاق الدولي في تصفية أرث ” الرجل المريض ” وأصبحت فلسطين تحت الاحتلال البريطاني الذي بدورة منح ” الحركة الصهيونية ” بناء على اتفاق دولي أخر ساهمت به الدول العظمى وهي ” الإتحاد السوفيتي ” سابقاً وبريطانيا وأمريكا وفرنسا وفي مجموعهم بلدان استعمارية- لصوصية . وجرى إقامة دولة إسرائيل كحل على حساب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في حينها . بيد أن الأمم المتحدة انتهكت ميثاقها عندما حرمت الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير ومنحت أرضه لمهاجرين وضحايا النازية. الذين مارسوا بدورهم ضد الشعب الفلسطيني ما مورس ضدهم من سياسات عنصرية. كانت هناك مجموعة من البلدان كبدائل لإقامة دولة لليهود منها ” قبرص وأوغندا ، وشمال اليونان ، وأمريكا اللاتينية ” لكن في النهاية رسا المزاد السياسي على فلسطين بفضل مساهمة بعض الحكام العرب أيضاً قادة ما سمى بثورة عربية كبرى آنذاك ..؟!.
” يهودية الدولة “،فكرة عنصرية – تطهيرية، تعني أنه لا مكان للمسلمين والمسيحيين والدروز والبهائيين وكافة الطوائف الأخرى. كما أنه لا وجود إنساني- حقوقي لكافة الأثينيات الأخرى حتى المستوطنين الأفارقة ..؟ في هكذا نموذج سياسي متخلف وعنصري ونازي . ومن تبقى منهم فهم مواطنون درجة ثالثة. دورهم كدور الجماعات الوظيفية من المهاجرين في البلدان الأوربية وبلدان الخليج عمال خدمات عامة فقط. أنها دولة ” الغيتو ” الجديدة . بحكم الأمر الواقع . دولة أقصى اليمين يمينية وفاشية. وهي تعبير عن حالة انفصام سياسية واجتماعية وثقافية بين عالمين مختلفين. بين عالم قائم على فكرة التعددية الأثينية والديمقراطية . وعالم أخر مسيج ” بستار ديني إقصائي ” ويعتبر مرجعية مطلقة ، يستمد منها النظام السياسي شرعيته .وبسبب هكذا ” مرجعيات ” حصدت البشرية ولا زالت تحصد العنف والخراب.ولا فارق بينه وبين ” المرجعية التكفيرية لدى أقصى اليمين في كافة الحركات الدينية الفضائية.
والأهم وهو بيت القصيد، أنه لا وجود للعرب الفلسطينيين في هذه الدولة العنصرية.
أهذا ما تريده واشنطن .. وتحاول تسويقه ..؟
برنامج ” تطهير عرقي ” مهذب..!
أو تبادل أراضي …؟! فقد جرى دفعنا الى مرحلة مقايضة أرضنا بأرضنا .
نوع من التحايل والانحياز السياسي الفاضح والمقيت . من أجل عيون المهاجر الروسي والمولدافي ..الخ قائمة المهاجرين والباحثين عن وطن جديد، ولا علاقة لهم أصلاً بالديانة اليهودية. وهؤلاء في أعقاب انهيار المعسكر ” الاشتراكي ” بعضهم هاجر الى البلدان الأوربية وآخرون الى أمريكا. تماماً كما حصلت سابقاً هجرات الرجل الأبيض الى أمريكا الهنود الحمر . وهؤلاء المهاجرون الجدد أغني بكثير من كافة أغنياء أمريكا وشيوخ النفط..
ترى هل كان النظام الاشتراكي يطبق في الفضاء..؟ المهم هذا موضوع مختلف.
لكن على ما يبدو أن اليمين الإسرائيلي ، يسعى من خلال السيد ” كيري ” الى تحقيق هدف إسرائيلي منذ اللحظة التي جرى التصويت عليها في الأمم المتحدة على قيام دولة إسرائيل. وهي طي ملف اللاجئين الفلسطينيين . واعتراف فلسطيني بيهودية الدولة، يعني تنازلاً سياسياً تاريخياً عن أكثر من نصف الأرض الفلسطينية لقطعان المستوطنين الذين بحكم الأمر الواقع وسياسة مصادرة الأراضي والأوامر العسكرية احتلوا معظم خارطة الوطن الفلسطيني .
مرة أخرى تعيد الولايات المتحدة الى أذهان الفلسطينيين دورها في إنشاء دولة الاحتلال
ففي كتابة ” فلسطين وإسرائيل : تحد للعدالة ” يقول الكاتب ” جون كويجلي ” التالي :
مع حلول نوفمبر 1947 برزت الولايات المتحدة كأكثر أنصار التقسيم شدة . وأجبرت الولايات المتحدة ” الجمعية العامة للأمم المتحدة ” لكي تؤجل التصويت على القرار لتكسب الوقت وتجذب بعض جمهوريات أمريكا اللاتينية لتبني موقفها . وقد اتهمت بعض الوفود المسؤولين الأمريكيين بممارسة ” الترهيب الدبلوماسي ” . ولولا الضغط الذي مارسته واشنطن على الحكومات التي لا تستطيع مواجهة الإجراءات الانتقامية الأمريكية لما كان القرار قد نجح في التصويت أبداً “.
ترى هل علينا ان نذكر أيضاً بالموقف الأمريكي الأخير حول عضوية فلسطين بالأمم المتحدة ؟
أود هنا أن أتساءل ماذا لو صدرت دعوات في الولايات المتحدة تطالب باعتبار أمريكا دولة البروتستانت وبريطانيا الكاثوليكية الى جانب فرنسا وألمانيا ..الخ دول نقية من العناصر الغريبة … هذا يعني أن على المواطن الفرنسي اليهودي الرحيل ؟ وبتقديري أن العديد من يهود البلدان الغربية ،هم مواطنون غربيون ناضلوا ضد الأفكار الفاشية. وهم أول من رفع وطالبوا بالمساواة في هذه البلدان .. فكيف يمكن لهؤلاء أن يتحولوا بين ليلة وأخرى الى حالات مطرودة من بلادهم ؟
ثم ماذا لو رفعنا نحن الفلسطينيون شعار ” إسلامية فلسطين ” مقابل شعار يهودية إسرائيل. بيد أننا سند عوا كافة الحركات الإسلامية الراديكالية الى دولة الخلافة الإسلامية الجديدة . وعلى نفسها جنت ” إسرائيل ” وعندها سينطق الحجر؟!
الدولة التي تنادي وترفع شعاراً ثيوقراطياً أياً كانت ، هي دولة وفق كافة المقاييس دولة عنصرية . والاعتراف بهكذا دولة ، عدا عن كونه تنازلاً وطنياً ،هو تنازلاً وتراجعاً عن حقوق الإنسان . أما حق العودة الفلسطيني فلا أحد يملك حق التنازل عنه فهو حق فردي وجمعي معاً. والعودة التي يتحدثون عنها هي عودة جزء الى أراضي السلطة وليس الى أرضهم الأصلية. وبالضبط عودة نحو ثمانين الى مائتي ألف فلسطيني من أصل ستة ملايين.
تشير وثائق الأمم المتحدة حول التقسيم الى النقطة التالية :
في عام 1948 عشية إعلان إسرائيل لنفسها كدولة لم تكن تمتلك قانونياً سوى ستة بالمائة فقط من أراضي فلسطين. وحين أعلنت خطة التقسيم تضمنت الخطة الأراضي التي يمتلكها اليهود بشكل غير قانوني. حيث وضعت داخل حدود إسرائيل بحكم الأمر الواقع. وبعد إعلان إسرائيل دولتها . أدت سلسلة مذهلة من القوانين وبطريقة ” شرعية ” الى ابتلاع قطع كبيرة من الأراضي التي أصبح أصحابها لاجئين وأعلن أنهم ملاك متغيبون بهدف مصادرة أرضهم ومنعهم من العودة مهما كانت الظروف .”
في كتاب ” مولد مشكلة اللاجئين الفلسطينيين 1948-1947 ” يقول : بيني موريس:
خلال مايو 1948 بدأت الأفكار حول كيفية تعزيز واستدامة منفى الفلسطينيين بالتبلور، سرعان ما برز تدمير القرى باعتباره الوسيلة الرئيسية لتحقيق هذا الهدف..وحتى قبل يوم 10 مايو ابريل ، سيطرت وحدات الهاجانا على قرية أبو شوشة ..ودمرت القرية في تلك الليلة . وسوت الجرافات اليهودية خلده بالتراب يوم 20 ابريل .. وأبو زريق دمرت بكاملها … كما أن المنسي والنغنغية الى الجنوب الشرقي سويتا بالأرض أيضا .. وفي أواسط 1949 وكانت الغالبية من 350 قرية عربية مفرغة من سكانها مدمرة بالكامل أو جزئياً وغير مأهولة “.
قريتي أيضاً جرى تدميرها بالكامل وبالجرافات اضافة الى ثلاثة قرى مجاورة لنا في قضاء عكا..؟
أما لماذا لم يرجع الفلسطينيون الى أرضهم بعد توقف القتال ..؟!
يقول المفكر الراحل إدوارد سعيد :
وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة يوم 11 ديسمبر على القرار رقم 194 الذي يؤكد حق الفلسطينيين بالعودة الى ديارهم واستعادة ممتلكاتهم ، وقد أقر هذا القرار في الجمعية العمومية ما لا يقل عن 28 مرة منذ إقراره للمرة الأولى في ذلك التاريخ . وفيما يعترف العالم في كل مكان بالحق الأخلاقي والسياسي لأي شخص بالعودة الى أرضه والإقامة فيها ، فإن إسرائيل أنكرت إمكانية العودة .. وجعلت من المستحيل منهجياً وقضائياً وفق أي مرجعية أياً كانت ، على العربي الفلسطيني أن يعود أو يحصل على تعويض لممتلكاته أو يعيش في إسرائيل باعتباره مواطناً متساوياً في الحقوق أمام القانون مع الإسرائيلي اليهودي ” .
لنقرأ وجهة نظر أخرى غير فلسطينية.
نقلاً عن ” المهاتما غاندي” العام 1938 في كتاب أرض لشعبين ،إعداد منديز – فلوهر:
” إن فلسطين للعرب بقدر ما هي بريطانيا للبريطانيين أو فرنسا للفرنسيين…ان ما يجري في فلسطين اليوم لا يمكن تبريره بأي معيار أخلاقي للسلوك .. وإذا ما كانوا مصرين ” أي اليهود ” على النظر لفلسطين الجغرافيا على أنها وطنهم القومي، فمن الخطأ أن يدخلوها تحت ظلال السلاح البريطاني. ان الفعل الديني لايمكن انجازه بمساعدة شركاء البريطانيين في سلب شعب أخر. لم يرتكب خطأ في حقهم .
أنا لا أدافع عن تجاوزات العرب ، وأنا أتمنى لو أنهم تبنوا أسلوب اللا عنف في مقاومة ما يرونه محقين اعتداء غير مقبول على بلادهم . لكن تبعاً للمبادئ المتعارف عليها لتمييز الحق من الباطل ، لا أحد يستطيع أن يقول شيئاً ضد المقاومة العربية في مواجهة هذا التحيز اللا محدود “.
نعم لوطن ومستقبل مشترك… لكن لا لمشروع التطهير العرقي وأيديولوجية الغيتو.

About سيمون خوري

سيمون خوري مواليد العام 1947 عكا فلسطين التحصيل العلمي فلسفة وعلم الأديان المقارن. عمل بالصحافة اللبنانية والعربية منذ العام 1971 إضافة الى مقالات منشورة في الصحافة اليونانيةوالألبانية والرومانية للكاتب مجموعة قصص قصيرة منشورة في أثينا عن دار سوبرس بعنوان قمر على شفاه مارياإضافة الى ثلاث كتب أخرى ومسرحيةستعرض في الموسم القادم في أثينا. عضو مؤسس لأول هيئة إدارية لإتحاد الكتاب والصحافيين الفلسطينيين فرع لبنان ، عضو إتحاد الصحافيين العرب منذ العام 1984. وممثل فدرالية الصحافيين العرب في اليونان، وسكرتير تجمع الصحافيين المهاجرين. عضو الهيئة الإدارية للجالية الفلسطينيةفي اليونان .
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.