توماس فريدمان
أود أن أقول لمن لا يعرف إن الرئيس الأميركي باراك أوباما سيزور إسرائيل الأسبوع المقبل، وربما لم يكن البعض قد سمع بهذا الخبر لأنه من الصعب بالنسبة لي أن أتذكر رحلة لأي رئيس أميركي لإسرائيل أقل من هذه الرحلة، لكن ثمة رسالة من وراء هذه الزيارة السريعة، وهي أن التوقعات المرجوة من هذه الرحلة قليلة، ليس فقط لأن الممكن تحقيقه قليل بالفعل، ولكن لأن هذا القليل قد بات ضروريا، من وجهة نظر الولايات المتحدة الضيقة. لقد تحول الصراع الإسرائيلي الفلسطيني من صراع «ضرورة» إلى «هواية» بالنسبة للدبلوماسيين الأميركيين، شأنه في ذلك شأن أي هواية أخرى كصناعة الطائرات النموذجية وحياكة السترات الصوفية التي تمارسها أياما وتتركها أياما أخرى، اعتمادا على حالتك المزاجية، لكنها لا تكون بالأهمية نفسها عندما يتم الانتهاء من تلك السترات. لقد انشغل أوباما بهذه الهواية في وقت مبكر من ولايته الأولى، وصُدم عندما وجد كلا الطرفين لم يستجب له بالقدر المطلوب، فاضطر إلى ما يمكن تسميته التجاهل الحميد لهذا الملف.
وهناك عوامل كثيرة وراء تحول هذا الملف من ضرورة إلى هواية بالنسبة للولايات المتحدة، لعل أهمها التحولات الجوهرية التي بدأت مع انتهاء الحرب الباردة. لقد جاء وقت أثيرت فيه مخاوف حقيقية من أن تؤدي حرب بين العرب وإسرائيل إلى صراع أوسع بين القوى الكبرى، وهو ما حدث عندما استعد الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون لمواجهة محتملة مع الاتحاد السوفياتي خلال حرب 1973 بين مصر وإسرائيل. لكن لم يعد ذلك متوقعا اليوم بالنظر إلى الخلاف المكتوم بين تلك القوى حول منطقة الشرق الأوسط، علاوة على أن منطقة الشرق الأوسط لم تعد بالأهمية نفسها التي كانت عليها بعد اكتشاف النفط والغاز بكميات هائلة في الولايات المتحدة وكندا والمكسيك، وهو ما يجعل من أميركا الشمالية منطقة خليج جديدة، فمن يحتاج إذن إلى القديمة؟
بالطبع، يعد النفط والغاز من السلع العالمية، وأي مشاكل في تدفقهما من منطقة الشرق الأوسط سوف تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، لكن لن تعود الولايات المتحدة للاعتماد كثيرا على نفط الشرق الأوسط، ومن ثم فهي لن تخشى تهديدا بحظر نفطي آخر من العرب بسبب موقفها من القضية الفلسطينية، لكن الأمر يختلف بالنسبة للصين والهند، فعلاقتهما بالشرق الأوسط لم تعد هواية بل باتت ضرورة، وإذا كان هناك أحد يتعين عليه تبني دبلوماسية سلام عربية إسرائيلية (وسنية شيعية) فهما وزيرا خارجية الهند والصين. وأشار روبن ميلز، وهو رئيس الاستشارات بشركة «مانار إينرجي» في مجلة «فورين بوليس» الأسبوع الماضي، قائلا «وفقا للأرقام الأولية الصادرة خلال الأسبوع الحالي، تخطت الصين الولايات المتحدة باعتبارها أكبر مستورد للنفط في العالم». ووصف ميلز ذلك بأنه «تحول يماثل تفوق الولايات المتحدة على البحرية الملكية البريطانية أو تجاوز الاقتصاد الأميركي للاقتصاد البريطاني في أواخر القرن التاسع عشر. من المتوقع أن تصبح الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم بحلول عام 2017».
وعلى الرغم من أهمية حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لتحقيق الاستقرار الإقليمي، فإن الصراع الذي يزعزع استقرار المنطقة أكثر من غيره هو الحرب الأهلية بين الشيعة والسنة والتي تعصف بلبنان وسوريا والعراق والكويت والبحرين واليمن. ومع أن إقامة دولة فلسطينية عبر سلام مع إسرائيل تعد شيئا جيد، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل ستكون هناك دولة سورية، ودولة ليبية، ودولة مصرية، بعد اليوم؟
في النهاية، وفيما لم تكن حاجة أميركا لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين أدنى مستوى منها في الوقت الراهن، لم تكن المعوقات التي تقف في طريق حدوث ذلك أكبر مما نشهده الآن: فإسرائيل لديها الآن 300 ألف مستوطنة في الضفة الغربية وتسببت هجمات حماس الصاروخية على إسرائيل من غزة في تقويض الرغبة الجامحة لدى الأغلبية الصامتة الإسرائيلية في الانسحاب من الضفة الغربية، نظرا لأن صاروخا صغيرا جدا وحيدا موجها من هناك يمكنه إغلاق المطار الدولي لإسرائيل في اللد.
ولهذه الأسباب مجتمعة، ربما يكون أوباما أول رئيس أميركي يقوم بزيارة إسرائيل كسائح.
هل من الممكن اعتبار هذا نبأ سارا بالنسبة لإسرائيل؟ كلا. فبينما من المحتمل أن تكون هناك بعض الأسباب التي قد تدفع أميركا لخوض غمار مخاطر حل النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، لا يزال هناك مبرر قوي يدفع إسرائيل للقيام بذلك. ربما يكون الوضع الراهن محتملا بالنسبة لإسرائيل، لكنه ليس صحيا. واستمرار الوضع الراهن لفترة أطول يعني استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، فضلا عن ضم الضفة الغربية ضمنيا للأراضي الإسرائيلية. لهذا أرى أن أهم إجراء يمكنه أن يتخذه أوباما في رحلته هو توجيه الأسئلة التالية على الملأ وعلى انفراد لكل مسؤول إسرائيلي يلتقي به:
«أستميحك عذرا أن تخبرني كيف لا ينتهي اندفاعكم بلا هوادة نحو بناء المستوطنات في الضفة الغربية بتوطيد أركان إسرائيل هناك – حكمها الدائم لأكثر من 2.5 مليون فلسطيني من خلال إدارة أشبه بالمستعمرة لا يمكن سوى أن يقوض مكانتها كنظام ديمقراطي يهودي وأن ينزع عن إسرائيل الشرعية في المجتمع الدولي؟ أتفهم لماذا يشعركما كل من العجز الفلسطيني والصحوة العربية بالقلق، لكن في الوقت نفسه بثبات موقفكم. ألا يجب أن تستمروا في البحث عما إذا كان هناك شريك فلسطيني من أجل إرساء سلام آمن أم لا؟.. في المقام الأول، لديكم اهتمام كبير بمحاولة المساعدة في قيام دولة فلسطينية على الضفة الغربية تتسم بالحداثة وتعدد الأديان وتأييد الغرب – نموذج مختلف تماما عن أشكال الدول التي يحكمها الإخوان المسلمون من حولكم. الجميع ينصب تركيزه علي وعلى ما سوف أفعله. لكن، بوصفي صديقا، أرغب في أن أعرف شيئا واحدا فقط: ما استراتيجيتكم على المدى الطويل؟.. وهل لديكم استراتيجية بالأساس؟».
* خدمة «نيويورك تايمز»