أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟

uwantfreedomأهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟؟
عادل حبه
في مقدمة كتاب لم ينشر آنذاك لكارل ماركس تحت عنوان ” مساهمة في نقد فلسفة الحق لهيغل” الذي كتبه في عام 1843، أشار كارل ماركس في المقدمة التي نشرت في عام 1844 في مجلته “الحوليات الألمانية الفرنسية” والصادرة بالتعاون مع آرنولد روج دون إلى أن :”المعاناة الدينية هي في آن واحد وفي الوقت نفسه، تعبير عن معاناة حقيقية واحتجاج على المعاناة الواقعية. الدين هو تنهيدة المخلوق المضطهد، قلب عالم لا قلب له، وروح ظروف بلا روح. إنه أفيون الشعب”. ولقد سبق أن استخدمت هذه العبارة قبلئذ من قبل الروائي الفرنسي الثوري وسجين الباستيل ماركيز دي ساد عام 1797 في روايته “تاريخ جوليت”، الذي أشار إلى أن “الدين يفعل فعله كأفيون بشكل محض”. لقد فُهمت عبارة ماركس من قبل بعض أتباع التيار الديني وفسرت بشكل مشوّه ومغاير لما قصده كارل ماركس. فقد اعتبر هؤلاء إن هدف ماركس من مقولته هو الإساءة والتشهير بالدين وبالمعتقد الديني، وكالوا الشتائم تلو الشتائم له وكفروا حملة أفكاره. ولكن قراءة متأنية ومحايدة لعبارة ماركس تقودنا إلى حقيقة أن ماركس لم يقصد في عبارته الاساءة إلى المعتقد الديني، بقدر ما كان يسعى إلى تبيان دور الدين في حياة المؤمنين الذين يؤمنون بأنه يخفف من معاناتهم ومن البلايا التي يصادفونها في حياتهم على يد البشر والطبيعة عندما يُشبّه كارل ماركس الدين بالافيون. فالأفيون استخدم ومازال يستخدم إلى الآن في التخفيف من آلام المرضى والمبتلين بالمعاناة.
إننا لو تخيلنا الآن أن الفرصة قد سنحت لكارل ماركس بالخروج حياً من قبره في مقبرة “هاي غيت” اللندنية، فستنتابه الدهشة والحيرة من حجم وبشاعة المآسي التي ترتكب باسم الدين في العالم، وتحديداً في العالم الإسلامي. إن ممارسات المتطرفين من أمثال داعش، وممارساته الوحشية والشذوذ الأخلاقي والنهب والتفنن في أفعال القتل إلى مديّاتها القصوى، وأقران داعش من المنظمات والمليشيات الدينية المسلحة ورجال التطرف الديني في عالمنا الاسلامي المنكوب وتخريفات بعض رجال الدين، لابد وأنها ستدفع كارل ماركس إلى إعادة النظر في عبارته المشهورة الدين هو أفيون الشعوب ووسيلة للتخفيف من معاناة الناس. فالبربرية والوحشية التي تمارس باسم الدين ستفرض على ماركس أن يطلق على هذا الدين الغريب العجيب الذي يعصف بأرواح شعوبنا ويدمر بلداننا صفة ” سرطان الشعوب”، وليس “أفيون الشعوب”. فسدى ولحمة ما نشهده من ممارسات وحشية لداعش والقاعدة وكل أنصار التطرف الديني والمذهبي هو ارساء تقاليد وأعراف قائمة على الوحشية وأساليب القتل والاعدام البربرية والعنف والنهب والتدمير والجهل والتخلف والخرافات والتعصب وتصفية كل من لا يدين بـ”دينهم” وتعطيل الحياة في مجتمعاتنا.
ويركز أتباع هذا الدين كل شرورهم على المرأة وتهميشها وتحويلها إلى سلعة للنخاسة والبيع والشراء وممارسة تقليعة المتعة والمسيار والزواج العرفي أزائها، وشرعنة الاغتصاب حيالها تحت واجهة مفردة غريبة هي “جهاد النكاح” و “جهاد الشهوة”!!، وهي مقولات وهرطقات عجيبة و لا تجد مثيلا لها في النصوص الدينية. لقد حوّل انصار هذا الدين “الجنة” التي تُعد حُلم المؤمنين في المدينة الفاضلة الى مجرد جُحر للدعارة ومبغى عام يحلم به المشوهون جنسياً والمنحدرون أخلاقياً، ومن الذين لا هم لهم سوى اللهاث وراء الجنس المبتذل وسراب أربعين حورية وسبعين جارية كي ينفذوا غزواتهم الانتحارية ويزهقوا أرواح الآلاف من الأبرياء. ولقد بلغ البعض حداً من الابتذال والاسفاف المخجل، بحيث أن الدعي محمود المصري لم يجد في سيرة الرسول وفضائله سوى “أن قوة الرسول الجنسية تعادل 4 آلاف رجل!!!”. وعلى هذا النهج يتحول اتباع هذا الدين حتى إلى سماسرة على زوجاتهم وأخواتهم. ومن المناسب الاشارة بهذا الصدد إلى خبر أشبه بالأساطير نشرته الصحافة التونسية عندما القت الشرطة التونسية القبض على زوج وزوجته كانا ضمن عناصر جماعة “داعش” الارهابية وهم يحاولان العودة إلى تونس عبر الحدود الليبية قادمين من سوريا، وإحالتهما إلى القضاء. وافاد موقع ” المرصد” ان صحيفة الشروق التونسية نقلت اعترافات “داعشية” تونسية تبلغ الثلاثين من العمر، ووالدة لطفلين أحدهما في شهره الثاني، والتي سافرت بصحبة زوجها إلى سوريا “للجهاد ضد الكفار” ومارست سلوكاً لا اخلاقياً مع ما لا يقل عن 100 داعشي في 27 يوما قبل الفرار من جحيم القتال إلى بلادها بطرق ملتوية. ونقلت الصحيفة عن هذه الداعشية وأسمها نورهان اعترافاتها، التي ورد فيها إنها انتقلت إلى سوريا بصحبة زوجها، عبر ليبيا صوب تركيا، ومنها إلى مدينة أعزاز السورية، مشيرة إلى ان زوجها تنازل عند طلب “داعش” في المنطقة الخاضعة لقيادات تونسية أخرى، بوضع زوجته في خدمة عناصر الجماعة. وأضافت نورهان أن زوجها بعد محاولات للرفض لم يجد بُدّاً من الإذعان لطلب “داعش” خوفاً على حياتهما. وأصبح الزوج مسؤولاً عن تلبية طلبات عناصر الجماعة من زوجته. واشارت الى انها كانت تعمل مع 17 سيدة اخرى من جنسيات مختلفة، مصرية وطاجيكية وشيشانية ومغربية وسورية وفرنسية وألمانية وغيرها، مؤكدة انهن كن يخضعن لأوامر مشرفة ومسؤولة صومالية تدعى أم شعيب. واكدت نورهان، أنها استمرت في “جهاد النكاح” حوالى شهر قبل إصابة زوجها في إحدى الغارات، مما سهل لهما الانتقال إلى تركيا للعلاج، ومنها تنظيم فرارهما إلى تونس، عبر ليبيا، قبل القبض عليهما على الحدود من قبل الأمن التونسي.
ويسخر المفكر الاصلاحي الإيراني علي شريعتي في كتابه “التشيّع الصفوي والتشيّع العلوي” من هرطقات وخزعبلات وممارسات متطرفة ينتهجها التشيّع الصفوي، حيث يورد على لسان رجال الدين الصفويين هذه الرواية:” تمكن الإمام علي من تحويل الرجل المنافق على الفور إلى كلب؟؟، كما أنه وبنفحة واحدة وفي طرفة عين زوّج امرأة وأنجبت لزوجها أطفالاً، وسكنت مع زوجها تحت سقف واحد لسنوات عديدة، ومن ثم عادت إلى حالتها العذرية الأولى!!!؟. وهنا من وجهة نظري يبدأ مفعول الترياق الصفوي وهو يخدر الشيعي البسيط، كي لا يسأل عن السبب الذي لم يدفع الامام علي إلى تحويل معاوية إلى كلب، بدلاً من خوضه لحرب صفين مقابل معاوية وما نتج عنها من نتائج سلبية، أدت في النهاية إلى استقلال معاوية بحكم الشام وسرّعت في مقتل الامام واستشهاده في محراب الصلاة على يد الخوارج، وهو أحد افرازات معركة صفين”. ولا يتسع المجال لإيراد آلاف القصص الغريبة والخزعبلات والتخريفات التي يوردها الآن بعض رجال الدين ودعاة “التشيّع الصفوي” في العراق من أجل “استحمار” المؤمنين البسطاء وتشويه سيرة الأئمة.
إن هذه النزعات هي ليست بالأمر الجديد في التاريخ الانساني وفي الفقه الديني على اختلاف ألوانه. فمثل هذا الدين يجد طريقه بين أوساط العامة خاصة في فترات الردة وشيوع الاستبداد الديني والظلامية والأمية والخرافة، ومنها في مراحل من تاريخنا العربي والاسلامي، رغم أن ما يجري الآن هو الأبشع في تاريخنا. فلقد أشار إليها المفكر هادي العلوي في كتابه “التعذيب في الاسلام” الذي استند إلى مصادر تاريخية تكشف عن مدى استغلال الدين والنصوص الدينية لتبرير الممارسات الشريرة لبعض المتاجرين به. كما تناول المفكر المصري محمد عبده قبل أكثر من قرن ممارسات التيارات الدينية والمذهبية المتطرفة عندما قال إن هؤلاء: “جاءوا إلى الإسلام بخشونة الجهل يحملون ألوية الظلم ولبسوا الإسلام على أبدانهم”. كما تناول المفكر الاجتماعي العراقي الدكتور علي الوردي إلى مآل الدين على يد الجهلة والمتطرفين في أكثر من مناسبة، حيث يورد ما يلي:” صار المسلمون لا يفهمون من الدين سوى القيام بالطقوس الشكلية ثم يرفعون أيديهم بالدعاء : اللهم انصر الدين والدولة. إنهم يريدون أن يفتحوا العالم ولا يريدون أن يفتحوا بلادهم أو ينقذوها من براثن المرض والجهل والفاقة”.
داعش والنص الديني
يتجاهل هذا التيار المتطرف العدمي والفوضوي موضوعة “الخيار” المنصوص عليها في النص الديني، ودعوات الخالق للمؤمنين على الالتزام بها. فهذه الموضوعة ترد مرات عديدة في القرآن، ففي سورة البقرة تنص الآية 256 على أن :”لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم”. ويشار في سورة الأنعام:” ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون “. ويضاف إلى ذلك ما جاء في سورة الكافرون:” قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ، لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ، وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ، وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ، لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ “. وعلى هذا المنوال يرد في سورة الكهف:”وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا”( 29).
ولكن المتطرفين عندما يتجاهلون دعوات الخالق المار ذكرها، يتجاوزون على صلاحياته من خلال العمل بنصوص هي من اختصاص الخالق وحده عندما يواجه البشر في الآخرة كما هو وارد في النص الديني . فهم يتعكزون علي آيات تبيح لهم فرض إرادتهم وسفك دماء من لا يتفق مع أطروحاتهم ونهب وسرقة المال العام والخاص وانتهاك أعراض الناس، في حين أنها تمارس من صلب اختصاصات الخالق فقط ، والذي لم يكلف ولم يوكل داعش أو غير داعش ولا أي من المعممين بفرضها على خلق الله. فعلى سبيل المثال جاء في بعض النصوص مايلي:”هذان خصمان اختصموا في ربهم فالذين كفروا قًطّعت لهم ثيابٌ من نار يُصّبُ من فوق رؤوسهم الحميم. يُصهرُ به ما في بطونهم والجلود. ولهم مقامع من حديد. كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غمٍ أعيدوا فيها. وذوقوا عذاب الحريق” (سورة الحج 19-22)، أو ما جاء كذلك “إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً” (النساء 56) . أو ما ورد:” من ورائه جهنم ويسقى من ماءٍ صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت ومن ورائه عذاب غليظ” ( سورة إبراهيم 15-17). إضافة إلى ما جاء في سورة الدخان(43-48):” إن شجرة الزقوم. طعام الأثيم. كالمهل يغلي في البطون. كغلي الحميم. خذوه فغلوه إلى سواء الجحيم. ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم”.
كما يستند المتطرفون إلى كوم من الأحاديث التي يشك في صحتها، سواء أكانت للنبي أو لأصحابه، كتلك التي يورد أكداس منها أبو هريرة، علماً أن هناك أكثر من مصدر يشير إلى اعتراض النبي في حياته على تدوين أحاديثه. فقد روي عن الدارمي والترمذي و النسائي وعن أبي سعيد الخدري قول الرسول:” لا تكتبوا عني شيئا سوي القرآن، فمن كتب عني غير القرآن فليمحه”. وروى الدارمي – وهو شيخ البخاري-عن أبي سعيد الخدري أنهم:”استأذنوا النبي في أن يكتبوا عنه شيئا فلم يأذن لهم”. كما روي عن زيد بن ثابت أنه دخل على معاوية، فسأله عن حديث وأمر إنسانا أن يكتبه، فقال له زيد:” إن رسول الله أمرنا ألا نكتب شيئا من حديثه”، فمحاه معاوية.
البيئة الاجتماعية المشوّهة حاضنة لداعش وأخواتها
تعيش مجتمعاتنا، ومن ضمنها المجتمع العراقي، حالة من الفوضى الدينية والمذهبية واستشراء النزعات الفوضوية والارتماء في مستنقع الجهالة في عالمنا العربي والاسلامي الذي لم يأت من فراغ. فلقد أضحت هذه المجتمعات ذات تركيبة بنيوية هشة ومشوّهة ومريضة فكرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وهذه الحالة المرضية هي التي أفرزت هذه الظواهر الشاذة وطغيان العنف فيها وتسطيح فكري ذي صلة بسلبيات تراكمت في تراثنا الديني والفكري. فالفئات الهامشية، أو ما يطلق عليها بالبروليتاريا الرثة والطفيلية، في مجتمعاتنا التي ازدادت حجماً غدت الحاضنة الاجتماعية لهذه الظواهر السلبية. فلا تبحث هذه الفئات ولا تجد لها أية فرصة للانخراط في النشاط الانتاجي، ولذا تتحول إلى قوى طفيلية تميل إلى الحصول على موارد سهلة المنال وبمختلف الوسائل غير السليمة وبدون نشاط انتاجي يهذب ويصقل سيرة البشر. هذه الظاهرة ليست بالغريبة على مجتمعاتنا التي تعيش فيها مجاميع هامشية وخاصة البدو الذين ينغمرون كما تشهد عليها الأحداث التاريخية في السطو والنهب والقتل والغزو وجني المكاسب المادية بدون “وجع رأس”.
لقد سعى النبي غداة ظهور الدعوة الاسلامية إلى بث دعوته عن طريق ارسال مبعوثين له إلى قيصر الروم وقياصرة الفرس وملوك الحبشة كي يتبنوا الدين الجديد دون أن يستل سيفه أو خنجره. ولكن أتباع هذا النمط من التفكير الديني الفوضوي سرعان ما تخلو عن هذا النهج السلمي وعن المقولة القرآنية ” ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ” (سورة النحل). وهكذا بدأت بعد وفاة النبي موجة ما سميت بالفتوحات الاسلامية من قبل القبائل البدوية في الجزيرة العربية. وبدأ معها الحصول على الغنائم بيسر وبدون أي جهد، أي عن طريق السطو على الغنائم وخيرات الشعوب الأخرى إلى حد فرض الجزية والضرائب على أصحاب وأهل هذه الأمصار. وكانت لهذه الفتوحات والغزو نتائج سلبية على الفاتحين، حيث بدأت الخلافات تدب في صفوف المسلمين حول تقسيم الغنائم. وهكذا جيّشت زوجة النبي عائشة الجيوش لمقاتلة خليفة المسلمين علي بن أبي طالب، وشن معاوية هو الآخر الحرب ضد خليفة المسلمين. وأودت هذه الخلافات بحياة ثلاثة من الخلفاء الراشدين هم كل من عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب. وبدأت مع هذه الفتوحات عملية تشرذم الدين الجديد وتحوّله إلى مذاهب وشيع وفرق متناحرة ومتقاتلة لاحقاً، لا تتعاون فيما بينها على البر والتقوى، بل على الاثم والعدوان والتنافس على الغنائم. إنها أختلفت حتى في مظهرها وفي لباسها وعمائمها وأذانها وحتى نوعية طعامها، بل ولا تتفق حتى على موعد أداء المراسيم الدينية في أعيادها. فقد بلغ عددها في يومنا هذا إلى أكثر من 70 مذهباً وفرقاً وشيعاً إسلامية، على الرغم مما ورد في سورة المائدة:” اليوم أكملت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”.!!!، فعلام هذا الاختلاف؟، في الوقت الذي يعلن الجميع التزامهم بالأركان الأساسية للدين الجديد وهي الشهادتين والصلاة والحج والصوم والزكاة؟؟.
إن ظهور داعش والفئات الدينية المسلحة المتطرفة في السنوات الأخيرة ما هو إلاّ تعبير عن حالة الفوضى الفكرية والمأزق الاجتماعي بسبب ازدياد الفئات الهامشية التي تلهث وراء الغنائم وتعيش على المورد السريع بعيداً عن النشاط الانتاجي. وهي تتغذى وتعيش على الخزين التراثي المتطرف لكل الطوائف من أجل تمرير مشروعها. وهذا ما يحصل اليوم في مجتمعاتنا. فالنفط وهو مورد ريعي سهل المنال ويثير لعاب القوى الهامشية، أصبح مصدر نقمة وليس نعمة في مجتمعاتنا. فدول الخليج لا تُبنى من قبل ابنائها وبفعل نشاطهم الانتاجي، بل من قبل مأجورين من شعوب أخرى يتم استخدامهم حتى في إدارة البيوت. فلا تجد في المؤسسات الانتاجية على قلتها منتجين محليين، بل غالبية من العمالة المأجورة الرخيصة القادمة من دول أخرى. وهذا يحدث خلل في التكوين الفكري والبنية الاجتماعية. ولم تسع الدول النفطية الأخرى إلى بناء مؤسسات وصناعة وطنية متطورة أو زراعة عصرية، بل اتجهت نحو التسلح والغزوات والصراعات بين الدول العربية والاسلامية واستنزاف ثرواتها الطبيعية واثارة الحروب البينية كما جرى في العراق في عهد البعث، أو تمويل وتسليح العصابات بغلاف ديني أو مذهبي كما يجري الآن في العراق وسوريا وافغانستان وليبيا وتونس والجزائر واليمن وباكستان ودول أخرى حيث، تقوم به جهات متنفذة في السعودية وقطر وبعض بلدان الخليج التي تتعرض للابتزاز تحت واجهات دينية ومذهبية وفتاوى لا تحصى من قبل شيوخ هذه الفئات الهامشية. وأصبحت بلداننا مناطق جذب للفئات الهامشية المحلية منها وغير المحلية بحيث أصبحت الفئات الهامشية في الشيشان والصومال وأفريقيا وحتى الصين تتسابق على التوجه إلى بلداننا، وأضحت أحد المصادر المهمة للانتحاريين ووحوش التطرف الذي يتاجر بالدين.
لقد وفرت هذه الفئات الاجتماعية المتخلفة في البلدان العربية والاسلامية بشكل عام الفرصة لأطراف دولية وإقليمية وداخلية لاستغلال هذه الفئات كمخلب قط مأجور في المواجهات الداخلية والخارجية. فقد استخدمت هذه المجاميع الدينية المتطرفة في اثناء الحرب الباردة وعند المواجهة بين الغرب والاتحاد السوفييتي في افغانستان. فقد أرست المواجهة في افغانستان معزوفة ” الجهاد ضد الكفار”. وجرى احتضان هذه المجاميع المتطرفة في الدول الغربية وتوفرت لها كل الامكانيات المالية والمادية الضخمة وفي إطار التسليح. وأدى هذا العمى السياسي لحكام الغرب إلى تحوّل التيار الديني المتطرف إلى قوة عسكرية ومالية لا تهدد الوجود السوفييتي في أفغانستان، بل وتهدد من احتضنها ودعمها كالدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. هذه القوى التي سرعان ما قوى عودها وارتدت على الولايات المتحدة في هجومها على الولايات المتحدة في عام 2001. وأصاب الدول الاقليمية كالسعودية ودول خليجية أخرى نفس العمى السياسي حيث أغدقت الأموال على هذه المجاميع ولكنها لم تنج من شرور هذه الفئات. وتحوّلت باكستان التي لعبت دوراً في تدريب هذه الفئات وإمدادها بالمعلومات إلى ميدان للمواجهة مع المتطرفين. وقد أشار أحد المسؤولين السابقين في المخابرات الباكستانية:” أن باكستان لن تتمكن من السيطرة على تهديدات المتطرفين. لقد لقناهم وأقنعناهم أنهم سيذهبون إلى الجنة، وهذه قناعة يصعب تغييرها فجأة”. وجرت نفس الممارسة في مصر حيث أصبحت المنبع الرئيس في توفير وتصدير العقول المتطرفة إلى بقاع العالم في عهد الرئيس السادات . ولكن سرعان ما راح السادات ضحية على يد نفس هذه المجاميع. وقام الرئيس السوري بنفس الورطة عندما حوّل سوريا إلى ممر ومرتع للمتطرفين وساحة لتدريبهم كي يزرعوا الموت والخراب في العراق بذريعة التصدي “للاحتلال” وأحتضن فلول البعث العراقي كي يشاركوا هذه الفئات الطائشة في خرابهم وغيّهم، إلى أن انقلبوا عليه وحوّلوا حواضر حلب والرقة والمدن السورية إلى ركام.
لقد أثارت هذه الموجة من التطرف السياسي الديني والتلويح براية الدين في النشاط السياسي شهية بعض الحركات السياسية التي كانت في السابق تلوح براية العلمانية في العمل السياسي، وتحرّم على أعضائها ممارسة الطقوس الدينية وتعلن الحرب على التيارات الدينية. ولكنها ولدوافع انتهازية تحوّلت بلمح البصر إلى حاضنة للتيار الديني المتطرف، بل وإلى أحزاب مذهبية طائفية. وكان السبّاق في انتهاج هذا المسلك هو حزب البعث في كلا البلدين العراق وسوريا. ففي العراق، شرعت قيادة البعث باحتضان الأخوان المسلمين المعارضين لحكم البعث السوري وشجعتهم على القيام بالأعمال الإرهابية وممارسة التفجيرات في مدنها. كما حصل تحول في قيادة البعث العراقي في أوّج سعار الحرب العراقية الإيرانية في الموقف تجاه الدين والطائفية الدينية السياسية، حيث بادرت قيادة البعث، وهي التي كانت تحرّم وتلاحق كل من يتردد من البعثيين على المساجد ودور العبادة، إلى ركوب الموجة الدينية وإعلان “الحملة الإيمانية”. وتوجه عزة الدوري وأضرابه نحو تكايا “النقشبندية” للترويج لهذا النهج. وبلغ الحال بالنظام البعثي في العراق إلى فتح أبوابه أمام التيارات الدينية المتطرفة للنشاط في العراق بعد حرب الخليج الأولى. وبالنتيجة، أدى هذا الزواج “العرفي” بين البعث والتيار الديني المتطرف في كلا البلدين العراق وسورية، خاصة بعد الغزو الأمريكي للعراق وسقوط نظام صدام في عام 2003، إلى انتقال الكثير من القيادات البعثية إلى احتلال مواقع قيادية في التنظيمات المتطرفة الدينية على اختلاف اسمائها.
يتساءل الباحث العراقي د. عصام الخفاجي عن سر هذا التقارب بين هذين التيارين في مقالة له في صحيفة الحياة البيروتية قائلاً:” خطر سؤال ببالي، وأنا أقرأ ما توافر من سير ذاتية لقادة «داعش». فمعظمهم احتل مراكز في أجهزة استخبارات صدّام حسين أو قواته الخاصة. هل يعقل أن كل هذه الجمهرة اهتدت إلى الدين ودخلت في التديّن خلال سنوات قليلة؟. وهل يعقل أن لا يجد تنظيم جهادي يعلن تمسكه الصارم بتعاليم الإسلام قادة تربّوا على تلك التعاليم منذ الصغر وكانت لهم تجارب مع تنظيمات مماثلة أو حركات إسلامية أخرى؟. ليس ثمة وجه شبه بين الأيديولوجيا البعثية وأيديولوجيا الجهاديين، بل إن نظامي البعث في العراق وسورية حاربا الأخيرة باسم العلمانية. ويمكن التفهم وليس القبول بتحالف قوى بعثية مع “الجهاديين” لأسباب قالوا إنها تكتيكية. أما أن يندمج بعثيون قضوا سنوات طويلة في التثقّف بالتعاليم القومية في تلك الحركات، بل وكان بعضهم من كوادرها، فهو أمر يستدعي التأمل لأننا لسنا أمام حالات فردية”.
باعتقادي أن سر هذا الانتقال يعود إلى كون كلا التيارين تبنيا موضوعة الغلو في العنف والقسر والاقصاء كمنهج ثابت فكراً وممارسة. ومن اللافت للنظر أن التيارات المتطرفة الدينية منها أو غير الدينية لم تمارس هذا الغلو في القسوة والعنف في بداية نشاطاتها في منتصف القرن الماضي. فالأخوان المسلمون اكتفوا بممارسة الاغتيال السياسي في باكورة نشاطهم العنفي السياسي بزعامة حسن البنا في القرن الماضي. وسارت منظمة “فدائيان اسلام” في ايران على نفس نهج العنف في الاغتيال السياسي بزعامة نواب صفوي. ولكن لم يصل الأمر إلى هذا الغلو في العنف والإبادة الجماعية الذي مارسه البعث ضد من يختلف معه منذ أن تولى أو شارك في السلطة في سورية والعراق. فإذابة “جسد فرج الله الحلو” في حمام الأسيد في سورية على يد أقطاب التطرف القومي العربي في عام 1958، والإبادة الجماعية للشيوعيين والديمقراطيين دون العثور على شواهد لأجسادهم في انقلاب عام 1963، والاستمرار بهذه الممارسة التعسفية في العراق وسورية في ظل حكم البعث خلال عقود تسلطهم سواء في عام 1963 أو بعد عام 1968، أتخذ منحى أشد همجية وقسوة. فقد أصبح التعذيب الشرس والتصفيات الجسدية وحجز المعقلين بدون محاكمة لسنوات مديدة وتقديم الضحايا إلى محاكم صورية سمة من سمات “العنف البعثي والقومي المتطرف”. ولم يكتف هذا التيار المتطرف الإرهابي بذلك، بل استخدام الكيمياويات ( الثاليوم) في تصفية المعارضين واستخدام الأسلحة الكيمياوية في إبادة جماعية للأكراد. “وحمل فدائيو صدام في العراق خلال التسعينات بقيادة ابنه عدي السيوف لقطع رقاب الزانيات. ولا يعرف أحد عدد الضحايا، ولا عدد من لاقين هذا المصير لأنهن رفضن الزواج بالواشي أو لم يتنازلن عند رغبته بابتزازهنَّ. وفي خلال الثمانينات كان العقاب الرسمي للهاربين من جحيم الحرب قطع الآذان”، على حد رواية د.عصام الخفاجي في مقالته التي أشرنا إليها آنفاً. كل هذا النهج والغلو في العسف والعنف والاقصاء أرسى ثقافة العنف المنفلت في مجتمعاتنا وأرضية يسترشد بها ويبررها التيار الديني المتطرف وهذا ما نشهده في العراق وسورية حالياً، وهو سر هذا “الزواج العرفي” بين التيارين رغم التنافس بينهما على الغنائم.
يذكر احد قيادات المتطرفين الدينيين في العراق، انه التقى بالمدعو يونس الأحمد، العضو القيادي في حزب البعث في العراق في دمشق بمكتبه في المزة في عام 2007، مشيراً إلى حديث دار بينهما عن القاعدة. إذ ينقل هذا القيادي في جيش المجاهدين عن يونس الأحمد قوله نحن لا نتفاوض مع هذه الحكومة العراقية ولا غيرها، وسوف نبقى نقاتل إلى آخر سلفي جهادي في العراق. ويردف القيادي أنه أدرك أن البعث يدعمنا لوجستياً او اعلامياً، كي نقاتل بالنيابة عنهم!. فمن المعلوم أن الكثير من قيادات هذا التنظيم يحملون انتماءات بعثية عميقة، حسبما أشار الباحث في شؤون التطرف الديني هشام الهاشمي. وهناك شخصيات تم تجنيدها من قبل المخابرات العامة السورية فرع (79) وبواسطة فوزي مطلك الراوي وسفيان عمر النعيمي من قيادة حزب البعث العراقي. وكانت هذه الشخصيات مسؤولة على استقبال المتطرفين الدينيين وترتيب دخولهم للعراق كمقاتلين او انتحاريين بعد الإطاحة بصدام حسين، هذه الأعمل الإرهابية التي أودت بحياة عشرات الآلاف من العراقيين الأبرياء منذ عام 2003. وكان من أبرزهم ابو الغادية بدران تركي هيشان المزيدي الشعباني، الذي اعتقلته القوات الامريكية من داخل الاراضي السورية في دير الزور عام 2008، وهرب من سجن كروبر عام 2011 وحالياً من ابرز قيادات داعش، هو ومساعده المدعو معاذ الصفوك ابو صهيب الحمداني. ولدى كليهما صلات عميقة بحزب البعث. لقد تحوّلت هذه الفئات المتطرفة بفعل الدعم الدولي المادي والمالي والمعنوي للدول الغربية والخليجية النفطية ودول اقليمية أخرى، إضافة إلى الخدمات الشاملة والمعلومات اللوجستية والجغرافية المهمة التي قدمتها فلول البعث من أجهزة مخابرات والاستخبارات العسكرية، إلى قوة فاعلة من المرتزقة تعرض خدماتها على الجميع مقابل ما توفره هذه الجهات من أموال وسلاح ودعم معنوي لم تتمتع به أية من الحركات السياسية في عالمنا المعاصر.
لقد كشفت (واي نيوز) عن أبرز هذه القيادات البعثية التي دخلت إلى تنظيم داعش بحسب ما توصل إليه الباحث هاشم الهاشمي:
1–حجي بكر( سمير عبد محمد نايل الخليفاوي) مساعد البغدادي، والمشرف على داعش فرع سوريا، عقيد طيار في النظام السابق الى أن تغيّر النّظام، وعضو شعبة في تنظيمات الانبار، قتل في بداية عام 2014.
2–أبو علي الخليلي كان ضابطا في التنظيمات الفلسطينية في العراق أيام صدام، ومن فدائيي صدام، وبعد عودته إلى سوريا نسّق مع مخابرات أمن الدولة السورية ( علي مخلوف) ليقود عملاً في العراق.
3- (أبوفيصل الزيدي)ابن عم معاذ الصفوك وكان من أعز أصحاب البغدادي في السيدة زينب، وهو عميل البعث السوري والمخابرات النظام.
4-العميد الركن محمد الندى الجبوري من قرية صديرة الملقب (بالراعي) ( ابوالبشائر)، مسؤول اركان المجلس العسكري في تنظيم داعش، وهوعضو قيادة فرقة حزب البعث، قتل في عام 2008 في الموصل.
5-أبو مهند السويداوي،عدنان لطيف حمد مهاوش السويداوي، عقيد بعثي من جيش صدام اعتقل لصلته بعزت الدوري. التحق آخر أيامه قبل الاعتقال بالدولة الاسلامية لأسبوع وبعدها اعتقل وعند خروجه عاود الاتصال، ليصبح عضواً في المجلس العسكري لتنظيم داعش.
6-أبو أحمد العلواني: اسمه وليد جاسم العلواني. من منتسبي الجيش برتبة نقيب في عهد صدام. رئيس المجلس العسكري لداعش.
7- أبو عبد الرحمن البيلاوي: اسمه عدنان إسماعيل نجم عقيد في الجيش السابق معروف بصلاته التنظيمية في حزب البعث قبل عام 2003. كانت كنيته أبو أسامة البيلاوي. من سكان الخالدية في الأنبار. عضو المجلس العسكري لداعش.
8-العقيد أبو مسلم فاضل عبدالله العفري، تركماني القومية وأصله من تلعفر وكان من أصحاب الولاء الكبير لصدام، وبعده لعزت الدوري واعتقل لفترة طويلة بسبب التزامه بالبعث، وهو عضو المجلس العسكري لداعش، وعسكري ولاية الموصل، ومنسق عام الولايات.
9-المقدم نبيل عريبي المعيني، ابو عفيف، عسكري ولاية الجنوب، وهو بعثي معروف في هور رجب، انتمى لتنظيم داعش من خلال علاقته بحجي بكر( سمير).
10- العقيد فاضل العيثاوي ابو ألياس، ضابط استخبارات في الدفاع الجوي ومن عائلة صوفية مقربة من عزت الدوري، مسؤول امني في الساحل الأيسر من مدينة الموصل في تنظيم داعش.
11- عبد الرحيم التركماني، ابوعمر التركماني ويعرف ب( عبدالناصر)، من تنظيمات حزب البعث، ومصدر للأجهزة الامنية ضد التنظيمات الاسلامية ايام نظام البعث في الموصل، حالياً والي دير الزور في تنظيم داعش.
12- نديم بالوش، المعروف بـ( الغريب) ومدير اعلام داعش في سوريا والمشرف على عشرات الحسابات في مواقع التواصل الاجتماعي تويتر والفيس بوك، مشهور بتاريخه وتاريخ عائلته في انتمائهم الطائفي.
13-عبد الرزاق احمد فراس العبيدي ( ابو اسماعيل) ضابط مخابرات في النظام السابق، والي الانبار قتل في نهاية عام 2012، حيث قام بتفجير نفسه عند محاولة القبض عليه.
14- منذر عبد فياض العبيدي( ابو احمد) ( معمر) ضابط امن في النظام السابق،عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الشمال، ألقي القبض عليه عام 2012.
15- العقيد الركن عاصي العبيدي، في الحرس الجمهوري – الضفادع البشرية، عضو المجلس العسكري، وعسكري ولاية الانبار، هرب من سجن ابي غريب عام 2013.
16- محمد محمود عبدالله الحيالي ( ابو بلال) والي ديالى، مقدم بالحرس الجمهوري، هرب الى الموصل وقتل عام 2011.
17- احمد حسن علي النعيمي (ابو احمد) والي الأنبار،ألقي القبض عليه وانتحر في عام 2013.
18- عمر كامل ساجت الجنابي ( ابو حفص) ملازم اول بالجيش السابق، والي الرصافة، تم إعدامه.
إذن فإن البنية الفكرية والممارسة العنفية هي التي تجمع داعش والتيار الديني المتطرف على الرغم من تناقضاتهما. فمن الملاحظ وجود علاقة بنيوية بين الفكر البعثي وممارساته وبين أفكار وممارسات التيار الاسلامي المتطرف ونموذجه الحالي داعش. وهو يفسر لنا سر انتشار داعش في مواقع انتشار البعث في العراق على وجه الخصوص. فإحلام العودة الفارغة إلى أمجاد الأمبراطورية الإسلامية ومجد العرب والنزعات الأمبراطورية والتوسع والحلم برفع علم الدولة الاسلامية على سقف البيت الأبيض في واشنطن، والشوفينية والطائفية المفرطة والإكراه والعداء لكل القوميات والأديان الأخرى وحملات التهجير والبطش ضدها هي سمات مشتركة لهما. ولا يختلف أقطاب هذين التيارين حتى في ممارسة التضليل في الأنساب والأعراق والدين والمذهب. فمعلم البعث ميشيل عفلق غيّر دينه ليعتنق الاسلام من باب الرياء ليقدم المثل على التضليل الذي مارسه وتعبيراً عن أحلامه التسلطية. ولم يتردد صدام حسين، رغم حملته الشعواء على “أنصار آل البيت”، في رسم شجرة لعائلته تنسبه إلى آل البيت. تماماً كما يحلو لأبو عمر البغدادي “أمير المؤمنين” في الدولة الإسلامية المزعومة أن يتخلى عن لقب السامرائي، ليصبح لقبه بغدادياً ولينتسب إلى سلالة الأمام الحسن ويضيف اللقب الحسني على اسمه، وبالطبع لابد أن يضيف أيضاً إلى اسمه لقب القرشي كي يرضي النزعة الشوفينية العروبية لأتباعه.
داعش وحماتها والصراع على تسويق النفط والغاز
إن ما يثير التساؤل والحيرة في خضم هذه الفوضى الدينية والعنفية في الشرق الأوسط هو موقف كل من قطر والعربية السعودية وحكام تركية الداعم عسكرياً ومالياً ولوجستيكياً لداعش وللمنظمات المتطرفة، واحتضان وتسهيل انتقال الإرهابيين للعبث في العراق وسورية ودول إقليمية أخرى. ففي الحقيقة هناك الكثير من التساؤل والحيرة حول ذلك، فما هي مصلحتهم في دعم مجاميع قد تهدد أمنهم لاحقاً؟. هل هي مجرد نزعة طائفية لدى هؤلاء الحكام تحت ذريعة حماية “السنّة” كما يدعون، وهم يبادون على يد الدواعش في غزوتهم الأخيرة على وجه الخصوص، أم مسعى لتجنيب عروشهم أي تهديد من قبل الحراك المدني السياسي الداخلي، أم هي محاولة من قبل حكام تركية لإحياء التراث المقيت للخلافة العثمانية وقوازيقها؟، أم هناك مشروع يُراد فرضه على حكام هذه الدول ضمن صراع الجبابرة في عالمنا المعاصر الذي لم يتحرر بعد من ارث الحرب الباردة، رغم الحديث عن انحسارها، أم هو صراع تقليدي بين الدول صغيرها وكبيرها حول السيطرة على انتاج النفط والغاز وامداداته؟.
هناك رأي يستحق الاطلاع عليه تناولته أطراف عديدة، وأشارت إليه صحيفة الديلي ميل أخيراً في عددها الصادر في 29/10/2014 وفي مقال تحت عنوان:” انابيب الغاز والنفط والحرب على إيران وسوريا وروسيا” بقلم أف. ويليام أنجداهل، وهو مؤلف كتاب صدر حديثاً تحت عنوان الكاتب

” A Century of War: Anglo-American Oil Politics in the New World Order “. يشير الكاتب في مقالته حول تسرب تفاصيل عن صفقة بين الملك عبدالله وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي، ابرمت في أيلول المنصرم حول الموقف من سوريا وداعش. وينطوي الاتفاق على السيطرة على مصادر النفط في المنطقة وإغراق السوق العالمية بالنفط الخام من أجل إبعاد روسيا عن السوق العالمية وحصرها بأسواق الصين واوراسيا. ويبدو أن غزو داعش لمناطق نفطية في الموصل وكركوك في حزيران الماضي كان مخططاً له وأدى إلى انخفاض سعر مزيج برنت بنحو لا سابق له وبنسبة 20%؛ أي من سعر 112 دولار للبرميل إلى 88 دولار. وكان الهدف من ذلك هو السيطرة على بعض الحقول النفطية من جهة، ومن جهة أخرى الحد من الواردات المالية لكل من روسيا وإيران والعراق من بيع النفط الخام كجزء من الضغط المالي والسياسي. علماً إن الطلب العالمي على النفط الخام لم ينخفض جراء ذلك، بل زاد الطلب الصيني عن نسبة 20%. لقد ازداد انتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري بنسبة21%، وفي نفس الوقت أغرقت السعودية من جانبها وبالاقتران مع غزوة داعش السوق العالمي بالنفط بأسعار مخفضة مما أشعل حرب أسعار داخل منظمة الأوبك، مما أدى إلى تدني ملحوظ في أسعار النفط الخام. فقد باعت السعودية النفط الخام بأسعار تتراوح بين 50 إلى 60 دولاراً للبرميل الواحد بدلاً من سعر 100 دولار للبرميل في السابق. وهكذا أصبح واضحاً إن الدافع الأساس للغزوة الداعشية وتخفيض أسعار النفط من قبل السعودية، حسب رشيد البانمي رئيس مركز التنبؤات في السياسة النفطية في الرياض، هو الضغط على إيران حول برنامجها النووي والضغط على روسيا من أجل سحب دعمها لبشار الأسد، علاوة على ممارسة الضغط على العراق في الحد من زيادة عوائده من النفط.
ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل هناك قضية أخرى ذات أهمية تتعلق بصراع الجبابرة وحلفائهم في المنطقة تتمحور حول الاستفادة من الطاقة النظيفة (الغاز)، وما ينتج عنه من تنافس وصراع حول تأمين أمدادات المخزون الضخم للغاز الطبيعي القطري والسعودي إلى الأسواق الأوربية، في مسعى للتنافس مع روسيا والحد من احتكارها لإمدادات الغاز الطبيعي إلى نفس الأسواق، إضافة إلى كونها وسيلة للضغط عليها في ظل تفاقم الأزمة الروسية – الاوكرانية. وتتوقع المصادر المالية العالمية أن يؤدي ذلك إلى انخفاض واردات روسيا من بيع الغاز إلى 50%. كما يعتبر ذلك محاولة الضغط على حلفاء روسيا في المنطقة (إيران وسورية) عبر افشال مشروع أيصال المخزون الضخم للغاز الإيراني إلى نفس الأسواق وعرقلة تطوير منابع الغاز العراقي، بعد أن وقّعت الأخيرة أتفاقية لمد أنابيب الغاز من منابع الغاز في موقع “جنوب فارس” على الأراضي الإيرانية وعبر العراق إلى البحر المتوسط مع الحكومتين السورية والعراقية في عام 2011، والذي يبلغ كلفته 10 بلايين دولار. لقد أبدت الحكومة السورية حماساً خاصاً للمشروع بعد أن تم اكتشاف مكمن ضخم للغاز في موقع “القرة” قرب حمص من قبل شركة كازبروم الروسية، وعندها ستتحول الأراضي السورية إلى موقع لتجميع الغاز وانتاجه وتصديره إلى القارة الأوربية عبر الأراضي اللبنانية. وهذا ما استفز كل من حكام السعودية وقطر وتركيا وحماتهم ودفعهم إلى تقديم العون المالي والمادي الضخم لداعش من أجل اسقاط الأسد لإحباط هذا الاتفاق، ثم احتلال مواقع وحقول نفطية في سورية والعراق. إن جغرافية المناطق التي احتلتها “داعش” في العراق وسورية تشير بدون أدنى شك على أنها جغرافية أنابيب خطوط الغاز الموجودة في مخيلة هؤلاء بعد أن يتم السيطرة عليها من قبل داعش ومن يقف ورائها. ومن الواضح أن لتركيا أكثر من واعز في هذا الدعم السخي لداعش ويتمثل في الحصول على مغانم من مد هذه الأنابيب من جهة، ومن جهة أخرى تحقيق حلم الخلافة العثمانية التي انهارت بعد الحرب العالمية الأولى، والعودة إلى الامتداد الإقليمي الذي يخطط له المتطرفون الطائفيون في حزب العدالة والتنمية وقطبها رجب طيب أردوكان. وفي هذه الأجواء يصبح من الطبيعي رفع راية الدين والمذهب والتطرف الديني والطائفة والعشيرة والمتاجرة بالدين والمذهب والتباكي على اضطهاد هذا المكون أو ذاك والضحك على أتباع المكونات الطائفية ودفعهم إلى ارتكاب المجازر ضد بعضهم البعض، بما يؤدي إلى سقوط آلاف الضحايا في البلدين وتدمير بلدانهم من أجل تحقيق هذا المشروع، وللأسف نشارك أيادي عراقية وسورية في الشرور. فعلى سبيل المثال جرت محاصرة مدينة آمرلي التي يقطنها أبناء المكون التركماني من قبل أخزتهم في القومية تحت ذرائع مذهبية ورفع راية التطاحن المذهبي.
أيادي سورية وعراقية تنفذ أجندات خارجية تحت غطاء الدين والطائفية
من المشاكل التي تعاني منها بلداننا، وبضمنها العراق، هي أن الأنظمة الاستبدادية التي حكمتها لم تعط الفرصة لا للعراقيين ولا للسوريين للدخول في حوار من أجل تسوية المشاكل في كل بلد. ولذا نرى أن الأحزاب السياسية، وخاصة الدينية منها والقومية، تلجأ إلى العنف والتعويل على العامل الخارجي ذي النكهة الطائفية لتمويل مشاريعها. وهذا ما أدى إلى ارتهان هذه التيارات للعامل الإقليمي والخارجي الذي يفرض تبعاً لذلك أجندته على هذه الأحزاب ويحولها إلى أداة طيّعة من أجل التدخل الفض في الشؤون الداخلية لبلداننا، دون التزام من هذه التيارات بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه الوطن وبالشعور الوطني. وليس من قبيل الصدفة أن تتصاعد المواجهات الطائفية الحادة والصراع بين التيارات المذهبية المتصارعة التي اتخذت أبعاداً خطيرة مع انفجار الأزمة السورية ومع الصراع الاقليمي والدولي حول قضية النفط وأنابيب الغاز في عام 2011، مما يشكل دليلاً ناصعاً على هذا الارتهان.
لقد افتضح دور غالبية الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة على وجه الخصوص في تجاهلها للمصالح الوطنية وانتهاكها للمشاعر الوطنية. فمثال داعش في حربها ضد كل ما هو “وطني” وضد الحدود الوطنية خير مثال على ما تضمره هذه التيارات من عداء كامن لأوطاننا تحت شعار هلامي حول “الخلافة النبوية” أو ” الأمة الإسلامية” التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الدامي الجاري بين المسلمين أنفسهم ومنذ عهود. وعلى هذا المنوال، على سبيل المثال، يركب المدعو “رجل الدين” الصرخي (الشيعي) هذه الموجة ليعلن من محل لجوئه في قطر عن دعمه للغزوة وتأييده للخلافة المزعومة، وهي دعوة لا تفوح منها إلاّ رائحة الغاز الطبيعي. وابدت بعض الأحزاب الطائفية العراقية التي ترفع زوراً راية “العلمانية” عن ترحيبها بغزوة داعش قبيل انتهاكها للأراضي العراقية وبعدها. ولوّح العديد من السياسيين الطائفيين ورجال صحافة طائفيين معروفين لبعض المقربين لهم عن قرب سقوط الموصل والمناطق المحيطة بها قبل قرابة اسبوعين من كارثة حزيران. كما أُعلن عن هذه الفتوحات بوقت مبكر من على “منصات” الرمادي والفلوجة. ولم يتخلف حزب البعث عن هذه الجوقة، فراح يصدر البيانات وأطلاق التهديدات والتصريحات مرحباً بهذا “الانتصار”، ولكن تغير الموقف بعد حين ما أن بدأ التناحر على الغنائم ولم يحصل البعث حتى على الفتات. لقد عوّلت بعض الفئات الطائفية المتطرفة في الموصل والأنبار وديالي وصلاح الدين على “الورقة الداعشية”، ظناً منها أنها ستوفر لهم الفرصة والوسيلة للضغط على الطرف الطائفي الآخر كي تحصل على امتيازات تعزز من مواقعهم في سلطة القرار. وراح البعض من أقطاب هذه التيارات يطلق التهديد والوعيد وعلى الملأ صراحة قبل غزوة داعش، وبادر آخرون إلى التستر على هذا الغزو بذريعة أن من قام به هم ضباط عراقيون وعشائر وفئات معارضة!!! “لاضطهاد طائفة السنّة وتهميشها”.
ولم يتردد بعض المسؤولين العراقيين ونواب في مجلس النواب العراقي من تلك المناطق بالتمهيد لهذه المغامرة عن طريق شل عمل المؤسسات الرسمية بنفس الذرائع. لقد ظن هؤلاء إن داعش وغزوتها لا تهدد مصالحهم، بل تعزز من مواقعهم في التطاحن الطائفي والتنافس على جني الغنائم. ولكن، وكما أكدت الأحداث لاحقاً أن هؤلاء قد أصيبوا بداء العمى السياسي والحسابات خاطئة ، تماماً كما أصيبت به الولايات المتحدة عندما دعمت التطرف الديني في أفغانستان، ثم تلقت الجواب على هذا الدعم السخي في غارات درامية بالطائرات المدنية طالت عدداً مدن الولايات المتحدة في عام 2001. كما هلك بنفس الداء أنور السادات، حيث أنتقل إلى العالم الفاني على يد المتطرفين الدينيين الذين تلقوا الدعم منه سابقاً. كما أصيب بنفس الداء بشار الأسد عندما احتضن هذه المجاميع الإرهابية لتلحق القتل والدمار بالعراقيين وتثير التناحر الطائفي، هذه المجاميع التي انقلبت عليه وباشرت بتهديد سلطته وجلبت الموت والخراب للشعب السوري. وهكذا يتضح بأن من يمد يد العون والدعم والتمويل للدواعش والتيارات الإرهابية لا يسلم من شرورها، ولا ينجو من بطشها.
ويشهد العراقيون هذه الأيام مشاهد مرعبة من المآسي والأحداث المروعة التي يتعرض لها أبناء تلك المحافظات من قتل وتشريد ونهب وإبادة جماعية واعتداء على النساء وممارسات يندى لها الجبين، مما يعرّي التصريحات المتفائلة التي أطلقها البعض في البداية والتي كانت “تتغنى” بالاستقرار في الموصل. إن هذه الأطراف التي مهدت الطريق بمختلف الأشكال للغزو الداعشي تضع نفسها في قفص الاتهام لكونها روّجت وتسترت ورحّبت بهذا السرطان الذي ينهش في الجسد العراقي على اختلاف مكوناته.
وللأسف، لم يقتصر هذا العمى السياسي والحسابات الخاطئة الذي ابتلى به بعض السياسيين العراقيين على المحافظات التي أشرنا إليها آنفاً، بل ابتلى بنفس الداء طيف من التيار السياسي في إقليم كردستان الذي احتضن أقطاب التطرف والهاربين من العدالة والقضاء العراقي قبل الغزو، ثم التزم الصمت أو الشماتة أو التعامل الإيجابي مع الغزوة الداعشية في البداية نكاية بالحكومة الاتحادية التي تتحمل هي الأخرى ما حصل جراء التمسك بالنهج الطائفي المقيت. ففي مقال نُشر على المواقع الألكترونية بقلم الكاتب الكردي العراقي شه مال عادل سليم تحت عنوان الغول “الداعشي” الكردي..، جاء فيه:

“Despite being blessed with natural riches and an expanding population, 60 percent of them are illiterate, a figure that rises to more than 70 percent in the case of women.

قال (دلشاد كرمياني) وهو عضو المكتب السياسي لحزب الجماعة الاسلامية الكردستانية والذي يعتبر من أبرز الأحزاب الاسلامية في اقليم كردستان في تصريح له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي إنه؛ أي ( كرمياني ) لا يستطيع أن يوجه الاتهام إلى رجال تنظيم الدولة الاسلامية ويعتبرهم (غير مسلمين)، بالرغم من اخطائهم وتقصيرهم …!!. وعليه يأبى كرمياني ان يحرض الكردستانيين ويشجعهم لمقاتلة ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية….؟!، ولذا يعتبر كرمياني أن الصراع الاقليمي الذي تشهده المنطقه لا يخدم القضية الكردية، وان حقائق والوثائق الاعلامية كشفت للجميع بان تنظيم الدولة الاسلامية لم يقرر مقاتلة الكرد والهجوم على اقليم كردستان …..!!!، وان الجانبين ( تنظيم الدولة الاسلامية وقوات البيشمركة ) بقيا على طرفي خطوط التماس دون اشتباكات تذكر والجميع يعرف ذالك، وان تصريحات رئيس اقليم كردستان قبل الاشتباكات مع داعش خير دليل على ذالك ….. ؟!”. وللأسف وقف بعض قادة الإقليم في بداية الغزو موقف المتفرج والمتشمت بإخطاء ومسؤولية الحكومة الإتحادية والقوات المسلحة دون إدانة الغزو، إلى أن دارت الدوائر وبدأ الزحف على مخمور ، وبانت شرور داعش وعدائه لكل العراقيين عرباً وكرداً، إسلاماً ومسيحيين وأيزديين، خاصة بعد استباحته وغزوه وسبي أهالي سنجار والقرى المسيحية وتهديد عاصمة الإقليم أربيل، حتى زالت الغشاوة عن أعين هؤلاء وتبددت قناعاتهم بكرم!! حكام تركية ووعودهم، وانخرطوا في المواجهة مع داعش، ولكن بعد خراب البصرة كما يقال.

ضرورات الإصلاح الديني وأخراج الدين من أزمته

إن أحد المظاهر الخطيرة التي أفرزتها تداعيات حزيران الماضي في العراق منذ غزوة داعش، وما تتعرض له دول مجاورة من أحداث خطيرة، هي تلك الأزمة العميقة التي يعاني منها الدين والخطاب الديني وما انطوى من مخاطر التجاذب والغلو المذهبي الطائفي. فقد كثرت الفتاوى وانتعش سوقها وتعاظمت أضرارها، مما يتوجب على أرباب الحكمة والرحمة والمؤسسات الدينية المعتدلة التوجه الجاد نحو الإصلاح الديني لوقف نزيف الدم والمواجهات الدموية العبثية بين العراقيين. فبدون هذا الإصلاح وانتشال الدين من أزمته، لا يمكن وضع حد لهذا التلاعب الخطير بالورقة الدينية، ولا يمكن اشاعة الاستقرار في بلادنا وفي المنطقة، ولا يمكن إرساء الدولة العراقية ودول المنطقة على أسس حديثة وعصرية وأصول علمانية، تحترم المعتقد الديني وتحافظ على حرمته بعيداً عن العنف والتطرف والغلو والاحتقان الطائفي ، وتحرره من الأساطير والخرافات والتأويلات السلبية التي لصقت به، وتبعده عن التسييس ودروب السياسة الوعرة. ولا يمكن أن يتولى عملية الإصلاح الديني إلاّ المؤسسات الدينية ورجال الدين أنفسهم. فالتجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوربية في تحقيق الإصلاح الديني، نقلت هذه المجتمعات الأوربية من تلك الحروب المذهبي والدينية والطائفية التي عصفت في أوربا في القرنين السادس والسابع عشر إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة السلمية العلمانية. وقد تولى هذا الإصلاح الفلاسفة المتدينين، من أمثال “سپينوزا” و”كانت” وآخرون ممن أخذوا على عاتقهم تحقيق هذه المهمة منذ القرن السادس عشر. وتبعاً لذلك أعتمدت الثورة الأمريكية (1776) والثورة الفرنسية (1789) هذه الإصلاحات الدينية في تدوين دساتيرها الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة.
أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت حركات إصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الكواكبي ومحمد عبده وآية الله النائيني في كتابه الإصلاحي ” تنبيه الأمة وتنزيه الملة ” الصادر في عام 1909″‘ والذي أثار موجة من الاعتراض لدى التيار الديني المحافظ. وأصبح هذا المؤلف شهادة على استجابة رجل الدين لمتطلبات العصر ومناصرة الحكم الدستوري (المشروطة) والدفاع عن تحرر المرأة ونيل حقوقها. إلاّ أن هذه المساعي تراجعت بفعل غَلَبة التيار المحافظ المتعصب وسيادة الجهل والفقر والتخلف في هذه المجتمعات، علاوة على التدخل الخارجي. ولقد أحبطت كل محاولات الإصلاح لاحقاً في بلداننا بالاقتران مع ظهور عامل مؤثر هو النفط وواردته، والذي تحول بيد الحكام المحافظين في المنطقة إلى أداة فعالة في تمويل التيارات المتطرفة المعارضة للإصلاح الديني في المنطقة. ولكن مع ذلك لم تتوقف مساعي الإصلاح الديني، وخاصة في إيران رغم الصراع بين التيارين الاصلاحي والتيار المتعصب الذي احتكر السلطة بعد انتصار الثورة الإيرانية. فقد برز قبيل الثورة المصلح والمفكر الديني الدكتور علي شريعتي صاحب كتاب “التشيع الصفوي والتشيع العلوي”. وبعد الثورة الإيرانية، برز العديد من المفكرين المتدينين الإصلاحيين ومنهم د. محمد جواد شبستري أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين في جامعة طهران. ومن المناسب الإشارة إلى شذرات من أفكاره الإصلاحية. ففي معرض حديثه عن الإصلاح الديني والأزمة في الدين، يشير شبستري إلى أنه: ” علينا اليوم أن نقدم رؤيا جديدة ونقدية لديننا وللمفاهيم التي تم تقديمها خلال 70 عاماً الماضية. وذلك لأن ديننا في ازمة، وحينما يكون الدين في أزمة فذلك يؤشر إلى أن وجهات نظر الفقهاء تعاني بدورها من أزمة. ولذلك، فإنني أعتقد أنه ينبغي اعتماد منحى جديد إزاء الإسلام”. ثم يستطرد قائلاً:”‬نحن بحاجة إلى أفكار جديدة… وإن علينا الآن أن نعطي إشارة الإنطلاق لإعادة نظر فكرية في كل ما قيل خلال السنوات السبعين الأخيرة. وينبغي لنا أن نطالب كل البحّاثة وكبار رجال الدين بتحديد حاجات العصر الحالي وبتقديم حلول للمستقبل. وعليهم أن يحدّدوا ما هو صالح في معتقدنا الديني، وأن ينبذوا ما ليس صالحاً، وأن ينتجوا ما ينقص فيه”. ويحذر شيستري المسلمين قائلاً: “إننا نعتقد بشكل خاطئ بأنه لا سبيل إلى إنتاج أفكار جديدة في ديننا. والحال ليس كذلك. فطالما لم ننخرط في إعادة نظر، فإن أحوالنا ستظل على حالها اليوم. إنني أتوقّع بأنه إذا لم نحقق المراجعة الفكرية المطلوبة، فإن مصير المسلمين سينتهي بالعزلة والزوال في العصر الحاضر….. لقد قام الفاتيكان بعملية المراجعة المطلوبة. فلا نجد اليوم رجل دين مسيحياً واحداً في اوروبا يعتنق أفكاراً خُرافية ومن تصوّرات الماضي. وعلى النقيض، فإن الإسلام في أزمة اليوم. إن ديناً لا يستطيع أن يعرض قِيَمَه بصورة سليمة هو دين يعيش في أزمة. نحن اليوم في طور لم يعد فيه ما قيل في القرون الماضية يملك أية قيمة في نظرنا كمسلمين معاصرين”.‬‬‬‬
وفي الحقيقة، إن الحديث عن الإصلاح لا يدور حول أركان الدين الأساسية التي أشرنا إليها في مقدمة المقال، ولا عن دعوات إيجابية تكررها الأديان السماوية وغير السماوية حول الأمانة والصدق والرحمة والتكافل وغيرها، بل عن أحكام موجودة في النص الديني وتفاسير ملتبسة وتأويلات متناقضة تتعامل مع أعراف وأحكام وتقاليد سادت في مجتمع الجزيرة العربية البدائي قبل 1400 سنة. فهذه الأحكام قد شاخت أو لم يعد هناك موجب للتعامل معها، ولا يمكن أن تتماشى مع الواقع المتغير والتطورات التي طرأت على المجتمعات البشرية خلال قرون مضت. إن الفليسوف اليوناني سقراط كان له كل الحق في قوله:” لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”، تماماً كما ينسب إلى علي بن أبي طالب قوله:” لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم”.

كي يخرج العراق من عنق الزجاجة ومن دائرة الفوضى والفساد

المحنة التي يتعرض لها المجتمع العراقي تحتاج إلى وقفة جدية ليس من النخب السياسية المتنفذة الآن، بل من العراقيين أصحاب الشأن أنفسهم. فما يسمى بـ”الموجة الدينية ” و “الأحزاب الدينية” على كثرتها، لم تحد خلال العقد الأخير من الفساد والتهري الاجتماعي الذي غرسه النظام السابق، بل زادت وعممته وعمقته. فنظرة سريعة على الثراء المفرط للأحزاب الدينية والمؤسسات الدينية هي أدلة كافية على عمق الفساد الذي حل بالمجتمع على يد هذه التيارات. كما إن هذه الموجة لم تقدم الإيمان الديني خطوة إلى الأمام، بل هناك تراجع وتشكيك في إيمان هذه القوى. إن العراقيين لم يكونوا قبل هذه الموجة من أرباب الكفر ولا الالحاد، ولم تزدهم هذه الأحزاب ذرة إضافية من الإيمان، بل ونقلتهم إلى دائرة التطاحن الطائفي المخيفة وما جرته من قتل وتشريد وفوضى ووبال على هذا الشعب المسكين. وليس أمام العراقيين من حل سوى بناء دولة مدنية، يتساوى فيها العراقيون على قدم وساق بغض النظر عن انحداراتهم الدينية والمذهبية والأثنية، دولة تعتمد الهوية الوطنية وليس أية هوية أخرى، دولة علمانية أساسها فصل الدين عن الدولة، وفصل التعليم عن الدين. دولة لا يسمو فيها دين أو مذهب على المذاهب الأخرى، دولة تعتمد دستوراً مدنياً وليس دستوراً ملتبساً تفسره النخب الدينية والمذهبية والسياسية كل حسب مزاجه. فعلى هذا المنحى والدرب سارت الدول المتقدمة على درب التطور والرقي. وعلى هذا الدرب، وبهذا الشكل أو ذاك، سارت عليه بعض الأنظمة في تاريخنا الغابر سواء في عهد المأمون أو في عهد دولة الأندلس، حيث ازدهرت التيارات العقلانية وتطورت العلوم. وعلى هذا المنحى ما تحاول أن تسير عليه الآن دول مثل مصر التي بادرت إلى حظر النشاط السياسي تحت راية دينية أو مذهبية، وقامت أخيراً بإلغاء مادة التربية الإسلامية من مناهج التعليم المصري الرسمي، وأصدرت عوضاً عنها كتاباً يمتحن به الطلبة تحت عنان كتاب “القيم والأخلاق”. فالإيمان الديني هو قناعة وجدانية لا تخضع للإمتحان كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، ومن يرسب فيها لا يمكنه من مواصلة الدراسة. فهل من يرسب في مادة الدين في مدارسنا هو دليل على كفره والحاده؟؟.
ومن الضروري الشروع وقبل فوات الأوان بمعالجة “بازار الفتاوى” والتقارب بين الأديان الذي خرج عن دائرة المعقول، وتحول إلى ميدان خطر لإذلال البشر وسبيهم. وما على المؤسسات الدينية سوى الجلوس لتحديد الوسائل والفتاوى التي تنصح المواطن بالرحمة والنزاهة والصدق، وليس فتاوى تثير الفرقة والتجاذب بين العراقيين. كما إن مهمة رجل الدين والوعاظ تقضي في ممارسة مهمتهم في بيوت الله وليس في مجلس النواب ولا عبر نشاط الأحزاب السياسية، وأن لاتتحول المناسبات الدينية الأسبوعية إلى مؤتمرات سياسية قد لا يتفق على قراراتها كل مذهب وفرقة دينية مما يثير الفرقة بين المواطنين. وعندما تتوفر مثل هذه الأجواء، وتدور إلى جانبها عجلة الاقتصاد وتتقلص دائرة البطالة والفئات الهامشية، عندها تتحقق المصالحة والمودة والمصلحة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد دون الحاجة إلى هيئة للمصالحة الوطنية لم تتتقدم خلال عشر سنوات بخطوة جدية نحو إشاعة الود بين مكونات الشعب العراقي.
10/11/2014

About عادل حبه

عادل محمد حسن عبد الهادي حبه ولد في بغداد في محلة صبابيغ الآل في جانب الرصافة في 12 أيلول عام 1938 ميلادي. في عام 1944 تلقى دراسته الإبتدائية، الصف الأول والثاني، في المدرسة الهاشمية التابعة للمدرسة الجعفرية، والواقعة قرب جامع المصلوب في محلة الصدرية في وسط بغداد. إنتقل الى المدرسة الجعفرية الإبتدائية - الصف الثالث، الواقعة في محلة صبابيغ الآل، وأكمل دراسته في هذه المدرسة حتى حصوله على بكالوريا الصف السادس الإبتدائي إنتقل إلى الدراسة المتوسطة، وأكملها في مدرسة الرصافة المتوسطة في محلة السنك في بغداد نشط ضمن فتيان محلته في منظمة أنصار السلام العراقية السرية، كما ساهم بنشاط في أتحاد الطلبة العراقي العام الذي كان ينشط بصورة سرية في ذلك العهد. أكمل الدراسة المتوسطة وإنتقل إلى الدراسة الثانوية في مدرسة الأعدادية المركزية، التي سرعان ما غادرها ليكمل دراسته الثانوية في الثانوية الشرقية في الكرادة الشرقية جنوب بغداد. في نهاية عام 1955 ترشح إلى عضوية الحزب الشيوعي العراقي وهو لم يبلغ بعد الثامنة عشر من عمره، وهو العمر الذي يحدده النظام الداخلي للحزب كشرط للعضوية فيه إعتقل في موقف السراي في بغداد أثناء مشاركته في الإضراب العام والمظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي العراقي للتضامن مع الشعب الجزائري وقادة جبهة التحرير الجزائرية، الذين أعتقلوا في الأجواء التونسية من قبل السلطات الفرنسية الإستعمارية في صيف عام 1956. دخل كلية الآداب والعلوم الكائنة في الأعظمية آنذاك، وشرع في تلقي دراسته في فرع الجيولوجيا في دورته الثالثة . أصبح مسؤولاً عن التنظيم السري لإتحاد الطلبة العراقي العام في كلية الآداب والعلوم ، إضافة إلى مسؤوليته عن منظمة الحزب الشيوعي العراقي الطلابية في الكلية ذاتها في أواخر عام 1956. كما تدرج في مهمته الحزبية ليصبح لاحقاً مسؤولاً عن تنظيمات الحزب الشيوعي في كليات بغداد آنذاك. شارك بنشاط في المظاهرات العاصفة التي إندلعت في سائر أنحاء العراق للتضامن مع الشعب المصري ضد العدوان الثلاثي الإسرائيلي- الفرنسي البريطاني بعد تأميم قناة السويس في عام 1956. بعد انتصار ثورة تموز عام 1958، ساهم بنشاط في إتحاد الطلبة العراقي العام الذي تحول إلى العمل العلني، وإنتخب رئيساً للإتحاد في كلية العلوم- جامعة بغداد، وعضواً في أول مؤتمر لإتحاد الطلبة العراقي العام في العهد الجمهوري، والذي تحول أسمه إلى إتحاد الطلبة العام في الجمهورية العراقية. وفي نفس الوقت أصبح مسؤول التنظيم الطلابي للحزب الشيوعي العراقي في بغداد والذي شمل التنظيمات الطلابية في ثانويات بغداد وتنظيمات جامعة بغداد، التي أعلن عن تأسيسها بعد إنتصار الثورة مباشرة. أنهى دراسته الجامعية وحصل على شهادة البكالاريوس في الجيولوجيا في العام الدراسي 1959-1960. وعمل بعد التخرج مباشرة في دائرة التنقيب الجيولوجي التي كانت تابعة لوزارة الإقتصاد . حصل على بعثة دراسية لإكمال الدكتوراه في الجيولوجيا على نفقة وزارة التربية والتعليم العراقية في خريف عام 1960. تخلى عن البعثة نظراً لقرار الحزب بإيفاده إلى موسكو-الإتحاد السوفييتي للدراسة الإقتصادية والسياسية في أكاديمية العلوم الإجتماعية-المدرسة الحزبية العليا. وحصل على دبلوم الدولة العالي بدرجة تفوق بعد ثلاث سنوات من الدراسة هناك. بعد نكبة 8 شباط عام 1963، قرر الحزب إرساله إلى طهران – إيران لإدارة المحطة السرية التي أنشأها الحزب هناك لإدارة شؤون العراقيين الهاربين من جحيم إنقلاب شباط المشؤوم، والسعي لإحياء منظمات الحزب في داخل العراق بعد الضربات التي تلقاها الحزب إثر الإنقلاب. إعتقل في حزيران عام 1964 من قبل أجهزة الأمن الإيرانية مع خمسة من رفاقه بعد أن تعقبت أجهزة الأمن عبور المراسلين بخفية عبر الحدود العراقية الإيرانية. وتعرض الجميع إلى التعذيب في أقبية أجهزة الأمن الإيرانية. وأحيل الجميع إلى المحكمة العسكرية في طهران. وحكم عليه بالسجن لمدة سبع سنوات، إضافة إلى أحكام أخرى طالت رفاقه وتراوحت بين خمس سنوات وإلى سنتين، بتهمة العضوية في منظمة تروج للأفكار الإشتراكية. أنهى محكوميته في أيار عام 1971، وتم تحويله إلى السلطات العراقية عن طريق معبر المنذرية- خانقين في العراق. وإنتقل من سجن خانقين إلى سجن بعقوبة ثم موقف الأمن العامة في بغداد مقابل القصر الأبيض. وصادف تلك الفترة هجمة شرسة على الحزب الشيوعي، مما حدى بالحزب إلى الإبتعاد عن التدخل لإطلاق سراحه. وعمل الأهل على التوسط لدى المغدور محمد محجوب عضو القيادة القطرية لحزب البعث آنذاك، والذي صفي في عام 1979 من قبل صدام حسين، وتم خروجه من المعتقل. عادت صلته بالحزب وبشكل سري بعد خروجه من المعتقل. وعمل بعدئذ كجيولوجي في مديرية المياه الجوفية ولمدة سنتين. وشارك في بحوث حول الموازنة المائية في حوض بدره وجصان، إضافة إلى عمله في البحث عن مكامن المياه الجوفية والإشراف على حفر الآبار في مناطق متعددة من العراق . عمل مع رفاق آخرين من قيادة الحزب وفي سرية تامة على إعادة الحياة لمنظمة بغداد بعد الضربات الشديدة التي تلقتها المنظمة في عام 1971. وتراوحت مسؤولياته بين منظمات مدينة الثورة والطلبة وريف بغداد. أختير في نفس العام كمرشح لعضوية اللجنة المركزية للحزب إستقال من عمله في دائرة المياه الجوفية في خريف عام 1973، بعد أن كلفه الحزب بتمثيله في مجلة قضايا السلم والإشتراكية، المجلة الناطقة بإسم الأحزاب الشيوعية والعمالية العالمية، في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ. وأصبح بعد فترة قليلة وفي المؤتمر الدوري للأحزاب الممثلة في المجلة عضواً في هيئة تحريرها. وخلال أربعة سنوات من العمل في هذا المجال ساهم في نشر عدد من المقالات فيها، والمساهمة في عدد من الندوات العلمية في براغ وعواصم أخرى. عاد إلى بغداد في خريف عام 1977، ليصبح أحد إثنين من ممثلي الحزب في الجبهة التي كانت قائمة مع حزب البعث، إلى جانب المرحوم الدكتور رحيم عجينة. وأختير إلى جانب ذلك لينسب عضواً في سكرتارية اللجنة المركزية ويصبح عضواً في لجنة العلاقات الدولية للحزب. في ظل الهجوم الشرس الذي تعرض له الحزب، تم إعتقاله مرتين، الأول بسبب مشاركته في تحرير مسودة التقرير المثير للجنة المركزية في آذار عام 1978 وتحت ذريعة اللقاء بأحد قادة الحزب الديمقراطي الأفغاني وأحد وزرائها( سلطان علي كشتمند) عند زيارته للعراق. أما الإعتقال الثاني فيتعلق بتهمة الصلة بالأحداث الإيرانية والثورة وبالمعارضين لحكم الشاه، هذه الثورة التي إندلعت ضد حكم الشاه بداية من عام 1978 والتي إنتهت بسقوط الشاه في شتاء عام 1979 والتي أثارت القلق لدي حكام العراق. إضطر إلى مغادرة البلاد في نهاية عام 1978 بقرار من الحزب تفادياً للحملة التي أشتدت ضد أعضاء الحزب وكوادره. وإستقر لفترة قصيرة في كل من دمشق واليمن الجنوبية، إلى أن إنتدبه الحزب لإدارة محطته في العاصمة الإيرانية طهران بعد إنتصار الثورة الشعبية الإيرانية في ربيع عام 1979. وخلال تلك الفترة تم تأمين الكثير من إحتياجات اللاجئين العراقيين في طهران أو في مدن إيرانية أخرى، إلى جانب تقديم العون لفصائل الإنصار الشيوعيين الذين شرعوا بالنشاط ضد الديكتاتورية على الأراضي العراقية وفي إقليم كردستان العراق. بعد قرابة السنة، وبعد تدهور الأوضاع الداخلية في إيران بسبب ممارسات المتطرفين الدينيين، تم إعتقاله لمدة سنة ونصف إلى أن تم إطلاق سراحه بفعل تدخل من قبل المرحوم حافظ الأسد والمرحوم ياسر عرفات، وتم تحويله إلى سوريا خلال الفترة من عام 1981 إلى 1991، تولى مسؤلية منظمة الحزب في سوريا واليمن وآخرها الإشراف على الإعلام المركزي للحزب وبضمنها جريدة طريق الشعب ومجلة الثقافة الجديدة. بعد الإنتفاضة الشعبية ضد الحكم الديكتاتوري في عام 1991، إنتقل إلى إقليم كردستان العراق. وفي بداية عام 1992، تسلل مع عدد من قادة الحزب وكوادره سراً إلى بغداد ضمن مسعى لإعادة الحياة إلى المنظمات الحزبية بعد الضربات المهلكة التي تلقتها خلال السنوات السابقة. وتسلم مسؤولية المنطقة الجنوبية حتى نهاية عام 1992، بعد أن تم إستدعائه وكوادر أخرى من قبل قيادة الحزب بعد أن أصبح الخطر يهدد وجود هذه الكوادر في بغداد والمناطق الأخرى. إضطر إلى مغادرة العراق في نهاية عام 1992، ولجأ إلى المملكة المتحدة بعد إصابته بمرض عضال. تفرغ في السنوات الأخيرة إلى العمل الصحفي. ونشر العديد من المقالات والدراسات في جريدة طريق الشعب العراقية والثقافة الجديدة العراقية والحياة اللبنانية والشرق الأوسط والبيان الإماراتية والنور السورية و"كار" الإيرانية ومجلة قضايا السلم والإشتراكية، وتناولت مختلف الشؤون العراقية والإيرانية وبلدان أوربا الشرقية. كتب عدد من المقالات بإسم حميد محمد لإعتبارات إحترازية أثناء فترات العمل السري. يجيد اللغات العربية والإنجليزية والروسية والفارسية. متزوج وله ولد (سلام) وبنت(ياسمين) وحفيدان(هدى وعلي).
This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.