عُرف مصطلح «أهل البيت» القرآني أنه بيت النُّبوة، البعض يذكرهم بـ«آل البيت»، واختُلف في تفسير آية «التَّطهير» بين أن يكون المقصود في المصطلح نساء النبي أو عترة علي والزهراء فقط، وهذا الاختلاف نجده في تفسير الطبري، والجمع بينهما نجده مثلاً في تفسير القرطبي، وهما من أهل السنة. أما تفسير الطوسي «التّبيان في تفسير القرآن»، ويعد من أقدم التفاسير لدى الإمامية، فيذكر أن المراد هم الخمسة فقط: النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين، وآية التطهير بررت القول بالعصمة لهم.
فالآيات تقول: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً« (الأحزاب 32-34). والعذر لغوي، حسب الطُّوسي، قال: «ليذهب عنكم»، ولو أراد الزَّوجات لقال: «ليذهب عنكنَّ». لكن هناك مَن فسرها بأن اجتماع المذكر والمؤنث يغلب المذكر، بمعنى جمع النساء والآخرين في الآية، وهذا يراه الكثيرون أقرب إلى الصواب، وأنه كيف لا تكون الزوجات من أهل بيته؟! بينما اعتقد آخرون أن المقصود الزوجات ليس غيرهن، اعتماداً على سياق الآيات.
تلك واحدة من الاختلافات العصية بين المذاهب، وتفرعت عنها الفروع، وجرى فيها التنافس على القرب من آل البيت. فظهر أمر التبجيل لدى فرقٍ شيعيةٍ حدَّ المغالاة (النوبختي، فرق الشيعة)، وكُفّرت هذه الجماعات من قِبل فقهاء الإمامية (الطُّوسي، كتاب الغيبة). بينما عدهم أهل السُّنة ضمن رجالات السلف، جاء بعنوان «قولنا في السلف الصالح مِن الأمة»: «موالاة الحسن والحسين، والمشهورين من أسباط رسول الله عليه السلام كالحسن بن الحسن، وعبد الله بن الحسن، وعلي بن الحسين زين العابدين، ومحمد بن علي بن الحسين المعروف بالباقر.. وجعفر بن محمد المعروف بالصادق، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضا، وكذلك قولهم في سائر أولاد علي مِن صلبه كالعباس، وعمر، ومحمد بن الحنفية» (البغدادي، الفرقُ بين الفرقِ).. كلّ هؤلاء مبجلون لدى الجميع، مع الاختلاف بشكل التبجيل، وهذه واحدة من الاتفاقات وسط اختلافات عميقة، بعد الاتفاق في الأُصول «الرُّبوبية والرِّسالة والمعاد».
أسفر النزاع عن دولتين، الأموية (40 -132هـ) والعباسية (132 -656هـ)، وبينهما صار العلويون رموزاً للمعارضة، وأدت المحن إلى فكرة عدم الثورة على المتغلب (سنِّية)، وفكرة «الانتظار» (شيعية). فلم ينزع بعد كربلاء (61هـ)، مِن كبار العلويين، إلى الثورة، ومعلوم أن جعفر الصَّادق (ت 148هـ) قد حسمها، ولم يقبل بالترشيح عشية سقوط الأمويين، وقبله والده لم يشترك مع أخيه زيد (قُتل 122هـ). أما الإسلام السياسي، وقد التقى «الإخوان المسلمون» مع الثورة الإسلامية الإيرانية، فيحاولون إيجاد تاريخ سياسي لفقهاء وأئمة، على أن الدِّينَ سياسةٌ، بينما كان للعديد مِن الأئمة صِلات بالخلفاء، وليس أكثر مِما بين الرِّضا (ت 203هـ) ونجله الجواد (ت 220هـ) والخليفة المأمون، حتى زوَّجَهما بابنتيه.
ظل وما يزال البعد والقُرب مِن آل البيت مفصلياً في الخلاف، وهناك مَن حاول التَّوفيق بين آل البيت والصحابة، العدول عند السُّنَّة، وأمرهم إلى الله في ما شجر بينهم، والبعض عدول منهم عند الإمامية، فصنف إسماعيل زنجويه المعتزلي (ت 447هـ) «الموافقة بين أهل البيت والصّحابة» (الذَّهبي، لسان الميزان). كذلك يظهر الخلاف المذهبي كتنافس على مودة آل البيت، بينما في الحقيقة الخلاف في مقالات المذاهب نفسها، ومادة الخلاف أُناس عاشوا ومضوا، وكأن الحياة توقفت لا جديد بعدهم. فمثلاً نقرأ ما نُسب للصَّادق: «ليس الناصبُ مَن نصب لنا أهل البيت، لأنك لا تجد أحداً يقول: أنا أبغض آل محمد، ولكن النَّاصب مَن نصب لكم» (الصَّدوق، معاني الأخبار).
بالمقابل تجد عند الطرف الآخر مَن يدافع عن آل البيت بما نَسبه الإمامية إليهم (الرَّباح، جُهود ابن تيمية في الدفاع عن آل البيت)، حتى البعض اعتبر مذهب الصادق هو مذهب السُّنة، وأشاع «لولا السَّنتان لهلك النَّعمان»، على أن المذهب الحنفي هو مذهب الصادق نفسه (الدَّهلوي، التحفة الاثنى عشرية). وقبله اعتبر ابن أبي الحديد المعتزلي الشَّافعي (ت 656هـ) أن المذاهب الأربعة ظهرت بتأثيرات آل البيت (شرح نهج البلاغة)، وتجده يتعصب لعليّ وليس إمامياً.
تأتي الدعوة إلى عقلنة الخلاف، والتوقف عن الكسب المذهبي، عاجلةً، بعد استحالة إلغاء الخلاف نفسه، فلأبي فراس الحمداني (ت 357هـ): «ومِن مذهبي حب الدِّيار لأهلها/ وللناس فيما يعشقون مذاهبُ » (الثعالبي، التمثيل والمحاضرة). لا مفرَّ من اختلاف المذاهب والتعايش بينها، فالأرض على شساعتها لا تسع للتنابز بمصطلحي النواصب والروافض.
*نقلا عن “الإتحاد”