كامل النجار
الإسلام دين انتشر منذ نشأته في صحراء نجد عن طريق الفتوحات (إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا) (النصر 1-2). وكان الهدف الرئيسي من الفتوحات هو المغانم المادية والسبايا (سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا) (الفتح 15). وكذلك (مغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزاً حكيما) (الفتح 19). وحتى المغانم التي لم يقدروا عليها استولى عليها ربهم (وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا) (الفتح 21). وبعد الفتوحات واستيطان المسلمين في عدة بقاع، بدأ التجار المسلمون رحلاتهم إلى شتى البقاع، تماماً كما فعلت قريش في رحلة الشتاء والصيف. استغل التجار أموالهم لتحويل الفقراء في إندونيسيا وبعض دول إفريقيا الغربية إلى الإسلام.
ونتج عن الطرق المختلفة التي اتبعها المسلمون لنشر دينهم عدة أنواع من الإسلام، منها الدموي ومنها الإسلام البسيط الذي لا يعرف معتنقوه غير الشهادة بأن الله واحد ومحمداً رسوله. ومع الزمن أصبح عندنا ما لا يقل عن سبعة أنواع من المسلمين:
النوع الأول: هم مسلمو القرى في البلاد العربية. هؤلاء المسلمون كانوا الأغلبية في جميع البلاد العربية في بداية القرن العشرين قبل بدء النزوح إلى المدن بسبب ازدياد الفقر والمرض في الأرياف، وإهمال حكومات ما بعد الاستعمار تحديث الأرياف والاستثمار في الزراعة والماشية. وقد تربيت في قرية في وطني الأم وزرت عدة قرى مجاورة لقريتي، وعرفت هذا النوع من المسلمين عن كثب. هذا المسلم القروي لا يهمه الإسلام في حياته اليومية إلا في المناسبات الاجتماعية مثل الزواج، وختان الصبيان والبنات، ودفن الموتى، ورمضان والعيد. فهو يصوم ويصلي ويؤمن بالأولياء المحليين أكثر من إيمانه بالله أو بمحمد. وإذا حلف يحلف بالولي أو بالنبي ولا يذكر الله إلا في الملمات. ولا يعرف من الإسلام إلا الآيات التي يصلي بها، لم يسمع عن تاريخ الإسلام أو كيف ابتدأ. وطبعاً لم يكن في ذلك الوقت انتخابات أو تصويت، وكان يحكمهم العمدة أو المختار الذي يرث مكانته من أبيه. هذا المسلم البسيط الذي تشغله ملمات الحياة عن التفكير في الأديان، لا أحد يلومه على جهله المفروض عليه بسبب ندرة فرص التعليم، ولا أحد ينتقد إسلامه الوراثي الذي يعوضه نفسياً عن شظف العيش الذي يعانيه في هذه الحياة ويعده جناتٍ تجري من تحتها الأنهار، وحوراً عيناً في الخيام. هؤلاء قال عنهم عالم الاجتماع العراقي على الوردي إنهم إذا جاعوا، جاعوا جميعاً، وإذا شبعوا، شبعوا جميعاً. إشتراكيتهم هذه لم تنبع من الإسلام وإنما من بيئتهم القاسية. مثل هذا المسلم يستحق الاحترام والمعاملة الكريمة ولا أحد ينتقد معتقده.
النوع الثاني: مسلم المدينة. مع ازدياد نزوح القروي البسيط إلى المدينة المكتظة بالسكان وانشغالهم بالمكاسب المادية لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، ووجود الحكومة المركزية في المدينة، ممثلة بعسعسها وسياسييها، وتجارها وسماسرتها، وطبقاتها الاجتماعية المختلفة مع ما نتج عنها من استغلال البسطاء الذي هو من صميم الإسلام (أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضاً سُخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون) (الزخرف 32). ففي المدينة لا المسلم البسيط المسخر الذي يعيش في أطراف المدينة، ولا المسلم الغني الذي يعيش في القصور والفلل الفاخرة، ولا السياسي يهتم للإسلام في حياته اليومية. سباق الجرذان Rat Race كما يقول عنه الغربيون، لا يترك لهم وقتاً للاهتمام بالإسلام إلا نفاقاً في شهر رمضان حيث تغلق المطاعم أبوابها وتُفرش موائد الإفطار في الطرقات، وفي أيام الجمعة حيث يتسابق المصلون إلى المساجد، إما ليظهروا ولاءهم للحاكم الذي يصلي مثلهم يوم الجمعة فقط، أو لإثبات هويتهم، إذ ليس للمسلم العربي أي هوية وطنية أو فكرية. هويتهم هي الإسلام السطحي. يخرج هذا المسلم من المسجد ليباشر الغش في تجارته أو صناعته، ويكذب وينافق ويدبّر المواعيد مع ما تيسر له من البنات أو الغلمان. ويسكر ويعربد ليلاً. حتى الفقراء الذين يعيشون في أطراف المدينة يشربون الكحول المصنّع محلياً ويزنون ويسرقون. ولكن هذا المسلم الوراثي يثور وتحمر عيناه من الغضب إذا انتقد أحد الناس الإسلام أو رسم كاريكاتيراً لمحمد. هذا المسلم إذا تمكن من اللجوء إلى دولة غربية أوربية تصرف له دخلاً يمنع عنه الجوع والبرد الذي قتل أخاهم أبا ذر، لا يتوانى في الكذب على الدولة المضيفة ليسرق ما أمكنه من مال الضمان الاجتماعي، وفي نفس الوقت يربي أولاده وبناته على القيم الإسلامية التي هرب منها إلى الغرب المتسامح. وهؤلاء هم غالبية المسلمين العرب
النوع الثالث: الجماعات الإسلامية من إخوان مسلمين، وسلفيين، وجهاديين: هؤلاء للأسف هم الطبقة المتعلمة في مجتمعاتنا المنكوبة، وهؤلاء قد تمت أدلجتهم منذ الصغر عن طريق الغش والخداع، وأقنعوهم أن الإسلام دين ودولة، وأن الغرب الكافر يتآمر على الإسلام ليمحوه. وفي الجامعات انضموا إلى جماعة الإخوان المسلمين وسيطروا على اتحاد الطلاب. هذه الطبقة من المسلمين هي أخطر طبقة على المسلمين وعلى الإسلام نفسه. يستغلون البسطاء كما علمّهم الإسلام، ويعاشرون الشيطان من أجل الوصول إلى سدة الحكم ليطبقوا الحدود على الفقراء، وهم أنفسهم يسرقون أموال المغتربين المصريين التي أودعوها في بنوك الاستثمار الإسلامي في مصر، ويتقبلون الأموال من آل سعود ودول الخليج الأخرى ليزيفوا مشيئة الشعوب العربية في الانتخابات وليشتروا بها أصوات البسطاء، رغم أن القرآن يقول لهم (لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقاً من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون) (البقرة 188). ورغم قلتهم العددية فإن تأثيرهم على الجموع كبير جداً وسوف يصلون إلى سدة الحكم في أي بلد عربي تُجرى فيه انتخابات. وهم بالطبع ليس لهم أي برامج سياسية ترفع الفقر والجهل عن الذين ينتخبونهم، برامجهم الوحيد هو عزل المرأة وتغطيتها بالخيمة السوداء، وتهميش غير المسلم
النوع الرابع: الصوفية: هذا النوع قليل في البلاد العربية نتيجة عداء فقهاء السنة لهم. ورغم أن الصوفيين الأوائل كانوا يعشقون الله، من أمثال البسطامي ورابعة العدوية، فإن الصوفية الحاليين يعشقون محمداً ولا يحفظون غير مدائح السيد البرعي عن خصائل محمد وبقية الأولياء. ويدقون طبولهم ويرقصون بحماس حتى يدخل أغلبهم في حالة هستيريا جماعية تجعلهم يفقدون إدراكهم بما يحيط بهم. الإسلام بالنسبة لهؤلاء يعني محمداً فقط
النوع الخامس: علماء أو جهلاء الأمة. هؤلاء ازدادت أعداهم أضعاف المرات منذ تدفق النفط السعودي والخليجي، وافتتاح جامعات تضاهي الأزهر في أعداد خريجيها. هذه الطبقة من المسلمين تجهل كل شيء عن العلم الحديث ولا يحفظون إلا الأحاديث وآيات القرآن. وبفضل الأمية التي تعشعش في الدول العربية أصبحت هذه الطبقة من المسلمين طبقة رأسمالية تتفاخر ببناء القصور والظهور على الفضائيات، وبفضل تشجيع الأنظمة الحاكمة لهم أصبحوا قادة البلاد العربية الروحيين. فالمسلم في السعودية أو مصر أو اليمن لا يستطيع حلق ما حول دبره إلا إذا سأل الشيوخ. وهؤلاء ينطبق عليهم قول الشاعر:
إذا كان الغراب دليل قومٍ *** سينزلهم على جيف الكلاب
ولأنهم يختلفون في كل شيء يمت للإسلام حسب موقع الشيخ من الحاكم ورغبته في إرضائه، خدعوا العامة بمقولتهم المشهورة “إختلاف العلماء رحمةٌ للناس”. هذه الطبقة لا يقل خطرها على البلاد العربية عن خطر جماعة الإخوان المسلمين وبقية الجماعات الإسلامية المجاهدة. وهم سلاح الحكام الموجه نحو العامة. يصدرون الفتاوى التي تحرم الخروج على الحاكم حتى إن جلد ظهرك وسرق مالك، ويحرمون المظاهرات والإضرابات العمالية لأنه خروج على الحاكم، وينسون أن محمداً قال لهم (خير الجهاد كلمة حق في وجه سلطانٍ جائر). يخدرون العامة بمقولة إن عمر نام تحت الشجرة وعدل بين الرعية، بينما هم ينامون في أبهى القصور وبعضهم يبيت في أحضان عشيقته أو غلامه المفضل. إنهم السرطان الذي ينخر أحشاء البلاد العربية
النوع السادس: فلاسفة وميكافيلي الإسلام: هذه الفئة لحسن الحظ ما زالت تُعد على أصابع اليدين، من أمثال طارق رمضان، والغنوشي، وطيب أردوغان، وجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده. هذه الطبقة تستعمل الإسلام سلماً لتسلق المناصب العليا، ويظهرون بمظهر المسلم الحضاري الذي يريد تحديث الإسلام، بينما هم إما لا يؤمنون بالإسلام كالأفغاني ومحمد عبده، أو يؤمنون بمباديء الإخوان المسلمين وسيد قطب، من أن الحاكمية لله وتطبيق الحدود أمرٌ واجب. فالأفغاني كان يعتبر الإسلام ديناً يمنع العلم والفلسفة، وكذلك كان تلميذه محمد عبده. فقد ألقى الفيلسوف الفرنسي ارنست رينان محاضرة في السوربون يوم 29 مارس 1883، بعد مناقشة الأديان مع الأفغاني، هاجم فيها الإسلام دون أن يتعرض للمسيحية، فرد عليه الأفغاني بمقال نشره في Journal des debats عندما كان في باريس، قال فيه (الأديان لا شك أثقل نير وضعه الإنسان على عاتقه، ولكنه كان ثمناً يستحق الدفع لخلاصنا من البربرية. كل الأديان لا تعرف التسامح والإسلام حاول خنق العلوم والفلسفة وسجن العقل. أينما حط الإسلام رحاله حاول خنق العلوم وساعده في ذلك الحكام المتسلطون. وليس هناك أي وسيلة لتصالح الأديان المختلفة مع بعضها البعض. الدين يفرض قيوده على العقل بينما الفلسفة تحرر العقول. وعندما دخلت المسيحية، مع تسامحها، إلى أثينا والإسكندرية، وهما كانا مركز العلوم، حاولت الكنيسة خنق العلوم بإغراقها في جدل ثيوقراطي. وفي كل مكان وزمان تعلو فيه راية الدين تنخفض راية العلوم والفلسفة.) وقتها كان محمد عبده في منفاه في لبنان وطلب من الأفغاني أن يرسل له المجلة التي نشرت مقاله. عندما ترجم له رجل دين لبناني المقال، كتب محمد عبده خطاباً إلى الأفغاني بتاريخ 8 شعبان 1300، قال فيه (لقد اطلعنا على المقال بعد أن ترجمه لنا حسن أفندي بيهون، وحمدنا الله أن المجلة لم تكن متوفرة في البلاد العربية قبل وصول خطابكم. وقد أقنعنا صديقنا المترجم ألا ينشر ترجمة المقال ويزعم للناس أن الترجمة العربية سوف تصل من باريس لاحقاً. وبهذا دفعنا المكروه والحمد لله. ونحن الآن على سنتك القويمة ولا نقطع رأس الدين إلا بالدين. لو ترانا الآن ونحن مع المؤمنين نركع ونسجد ونطيع كل ما يأمر به الله. آه.. ما أضيق الحياة بلا أمل) (Afghani and Abduh, Ellie Kedourie, p 45)
أما طارق رمضان، حفيد حسن البنا، والذي يعيش في سويسرا، يؤمن بكل مباديء الإخوان المسلمين التي أرسى قواعدها جده، ولكنه يظهر نفسه للأوربين والأمريكان بأنه إسلامي معتدل يحاول إصلاح الإسلام، كما كان سيف الإسلام القذافي يدعي أنه معتدل ويحاول تحديث الحكم في ليبيا إلى أن ظهرت حقيقته أثناء الثورة الليبية، وبسبب ادعاء طارق رمضان الوسطية ومحاولة تحديث الإسلام، تسابقت الجامعات الأوربية والأمريكية على تعيينه محاضراً في أقسام الدراسات الإسلامية. وعندما يظهر طارق رمضان في مناظرات متلفزة ويسأله مناظروه عن رأيه في تطبيق الحدود الإسلامية، لا يقول بأنها أصبحت خارج نطاق التاريخ، وإنما يقول إنه يدعو إلى تعليقها في الوقت الحاضر حتى تقرر الأمة الإسلامية بشأنها. المهم لديه أنه أصبح محاضراً مشهوراً في الغرب والإسلام ما زال كما هو دون تحديث. هذا النوع من الإسلاميين ينطبق عليهم قول القرآن (يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم) (الفتح 11).
هؤلاء القلة من فلاسفة التأسلم، مع القلة من منتسبي الإخوان المسلمين والجهاديين، هم الذين يسيطرون الآن على القرارات المهمة التي تخص الإسلام وطريقة إنتشاره في الغرب، وكيف يمكن للمسلمين أسلمة الغرب، وكيف يمكنهم إجهاض ثورات الربيع العربي واستلاب مكاسبها. فهم يملكون وسائل الإعلام في البلاد العربية ويصلون بكل سهولة إلى وسائل الإعلام الغربية، ولديهم المال اللازم لذلك. وكما يقول المثل الإنكليزي: العجلة التي تحدث أعلى الأصوات تحصل على كل الشحم
النوع السابع من المسلمين هو أمة محمد في باكستان، وبنغلاديش، وجنوب الفلبين، ونيجيريا وغرب إفريقيا عموما. هؤلاء لا يتحدثون العربية ولا يفهمون القرآن ويصدقون كل ما يقوله لهم شيوخهم الذين لا يقلون دجلاً عن شيوخ العرب. وللأسف فإن المسلمين من أمة محمد هم الغالبية العظمى ويفوق عددهم عدد المسلمين العرب بثلاثة أو أربعة أضعاف. ولكن المؤسف أنهم أكثر الناس على وجه الأرض تحمساً للإسلام وللجهاد. وعندما نشرت الصحيفة الدنماركية صور الكاريكاتير عن محمد، كانت أغلب المظاهرات والقتل وحرق السفارات والأعلام الغربية من نصيب أمة محمد في باكستان ونيجيريا والصومال. وهم أشد الناس مقاومة للتحديث، مثل جماعة باكو حرام في نيجيريا، وجماعة القاعدة في باكستان وأفغانستان. والأمية تنتشر بينهم أكثر مما هي عليه في البلاد العربية. فالأمل يكاد ينعدم في تغيير عقلية أمة محمد
وهناك نوع ثامن من المسلمين يمثل خمسين بالمئة من المسلمين، وهي المرأة المسلمة التي لا تملك أي قرار يخصها. يفرض المجتمع عليها الحجاب، والزواج والطلاق، والقتل إذا دنست شرف العائلة، وإذا أدلت بصوتها في الانتخابات تختار من يختاره زوجها أو أبوها. هذه المرأة المهمشة هي أكثر الناس دفاعاً عن الإسلام لأنها لا تملك غيره شيئاً، حتى المنزل الذي تسكن فيه مع زوجها تُطرد منه عند الطلاق. ومع هذا نقرأ تعليقات النساء المتعلمات منهن الذي يقول “أنا مسلمة وأفتخر”. لا تملك المسكينة شيئاً آخراً تفتخر به، ولا حتى جسدها إذ أن الجسد ملك الهز ولا يجوز تغيير أي شيء فيه ولو حتى بالنشم، كما يقول شيوخ الإسلام
نرى من هذه الصورة أن الغالبية العظمى من المسلمين لا تقرأ العربية، والذين يتحدثون العربية أغلبهم أميين لا يقرؤون. خريجو الجامعات العربية جزء كبير منهم تخرجوا من جامعات إسلامية أدلجتهم بمفاهيم الإسلام السني وبأنهم خير أمة أخرجت للناس، وخريجو الجامعات غير الإسلامية، خاصة في العقدين أو الثلاثة الماضية سيطر عليهم فكر الإخوان المسلمين، وهؤلاء للأسف هم الذين يقودون الأمة العربية فكرياً ويخدعون العامة بالإعجاز العلمي واللغوي في القرآن، ويدفعون الأموال الطائلة لرشوة بعض العلماء الغربيين ليقولوا إن بعض الآيات بها معلومات علمية لم يكن من الممكن لمحمد أن يعرفها لولا أن أوحاها إليه ربه. فكيف نؤثر على هؤلاء المتعلمين؟ يقول مترجم كتاب “المفكرون الأحرار في الإسلام” لدومنيك أورفوا (لم يعد الإيمان اعتقاداً فحسب بل أصبح ثقة في المقام الأول). ثقة فيما تعلموه في المدارس والجامعات عن الإسلام وأنه خير دين أرسله رب السماء. فكيف نؤثر على هذه الفئة القليلة والمسيطرة والتي تملك ثقة عمياء في تعاليم الإسلام، وتنشر آلاف الكتب الدينية التي تملأ الرفوف كل عام في معارض الكتاب في الدول العربية؟ تقول مجموعة من الكتاب على رأسهم السيد نادر قريط إن نقد الإسلام يجب أن يكون علمياً لنعرف كيف بدأ ومن بدأه، وأن نقد آيات القرآن والأحاديث لا يستحق النشر.
هناك فرق كبير، يجب أن نفطن إليه، بين الدراسة وبين النقد. وبما أن لكل علم الآن أهله المتخصصون به، يدرس المؤرخ، مثلاً، حادثة بعينها قد استهوته. هذه الدراسة التحليلية قد تثبت ما يعرفه الناس مسبقاً عن تلك الحادثة، وقد تُلقي بالشك على بعض جوانبها. وهنا يتعين على المؤرخين الآخرين أن يُجدّوا البحث في تلك الحادثة ويثبتوا ما توصل إليه الباحث الأول أو ينفونه. بينما الناقد يختار مقالاً أو كتاباً أو منظومة قواعد سياسية أو دينية لا يتفق في بعض نقاطها مع كتابها، ويفند تلك النقاط ليثبت خطأها.
فكيف يتوجب علينا أن ننتقد النعاليم الإسلامية، هل نقوم بدراسات عن نشأة الإسلام ونحاول إثبات أن الإسلام لم يأتِ به محمد إنما أتى به محمد بن الحنفية أو عبد الملك بن مروان، وهذا لن يؤثر البتة في ثقة الإسلاميين بصحة تعاليم دينهم، أم نفند آيات القرآن وأحاديث محمد التي بُنى عليها الإسلام، لعل ذلك يزعزع تلك الثقة العمياء عند الذين يقرؤون؟
أعتقد أن نقد الإسلام من داخل تعاليمه هو الصواب، فالذي يرمي إلى زعزعة البناء يكون جهده أكثر ثمراً إذا بدأ هدم البيت من داخله. فمثلاً أبو حامد الغزالي، حُجة الإسلام، عندما أراد نقد الفلسفة التي هددت تعاليم الإسلام، ترك وظيفته في مدرسة الأعظمية وتفرغ لدراسة الفلسفة حتى يستطيع هدمها من داخلها، وقد نجح في وأد الفلسفة العربية في مهدها. أما إذا ركزنا على الدراسات التاريخية لمعرفة كيف ومتى بدأ الإسلام، واستطعنا أن نثبت لهؤلاء المتعلمين الإسلاميين أن بداية الإسلام ورسوله غير الذي يعرفونه، فلن يزعزع ذلك إيمانهم لأنهم يؤمنون بتعاليم المنظومة وتشريعاتها. بينما لو انتقدنا تعاليم دينهم من داخلها ووأثبتنا لهم أنها تعاليم متناقضة وغير جديرة بالاعتناق في العصر الحديث، وأن الإسلام لا يختلف عن الأديان الأخرى في محتواه، فربما نزعزع تلك الثقة العمياء الي تدعم إيمانهم. فالذين يطالبوننا بألا ننتقد القرآن والسنة عليهم أن يخبرونا كيف نؤثر في تغيير فكرة المسلم المتعلم عن الإسلام، وكيف ندخل الشك إلى عقله حتى يبدأ بالتفكير في معتقده.