أنت أيضا تملك ذلك الجزء الألوهي ومؤهل لأن تكون موصولا بالدفق الكوني

منذ حوالي خمس وعشرين عاما، كانت أنجيلا ابنة شهور، كنت اسوق سيارتي وهي في كرسيها الخاص في المقعد الخلفي.
الطقس حريق، والسيارة قديمة ـ عايفي ربا ـ والمكيف مفلّس. تعطّلت بي وأنا أعبر مدينة تعتبر الأخطر في كالفورنيا، سكانها من العرق الأسود، وعندما تأخذ بعين الاعتبار أن أعلى نسبة من الجرائم يرتكبها السود في أمريكا، لا شك أن امرأة سترتجف خوفا عندما تقع فريسة سهلة في مدينتهم.
لم تهتز عندي شعرة!
حملت طفلتي واقتربت من تلفون عمومي، ورحت أنبش بعض القطع المعدنية من حقيبتي. نقصني ” دايم” أي قطعة بقيمة عشرة سنتات لأدفع ثمن مكالمة لزوجي. بدأ الحل مستحيلا، الشارع خال من الانس والجان، وكأن حظرا “لمنع التجول” قد طُبق بشدة، ولم يلح في الافق القريب أو البعيد أي محل تجاري. تمسكت بالأمل، وطفى على سطح وعي يقين من أن مساعدة كونية في طريقها… لم يمكث هذا اليقين طويلا حتى تحول إلى واقع. لمحت رجلا مشردا ـ هومليس ـ يخرج بثيابه الرثة من أحد الأزقة وهو يعرج، خرج مادا كفه المليء بالقطع المعدنية وراح يمشي باتجاهي.
حييته بلطف، وقلت: هل تقايضني ورقة دولار بقطعة “دايم”؟
فرد: خذي ما تشائين واحتفظي بدولارك!
قلت: ولكنك تبدو محتاجا!
قال: لو أخذت الدولار سأبدو وكأنني بعتك دايم بدولار، وهذا ليس سلوكا جيدا! مازالت فلسفة هذا الرجل الشحاد حتى تاريخ تلك اللحظة تدغدغ مشاعري وتبرهن لي أن الكون خيّر ودوما ينثر خيره…..
……………
بعد تلك الحادثة بزمن قصير كنا في طريق جبلي إلى مكان ما…. هبطت عجلة السيارة، فاضطررنا إلى الوقوف على منعطف خطير. لم يعثر زوجي في مؤخرة السيارة على العجلة البديل، كان قد تأكد من سلامتها قبل أن نغادر البيت ونسى أن يعيدها
إلى مكانها في السيارة. فاحترنا ماذا نفعل وتبسمرنا في مكاننا قلقين على سلامة الأطفال. لم تمض دقائق إلا وسائق كبس على فرامله وترجل صائحا: هل تريدون مساعدة؟


شرحنا له الموقف، فركبنا معه وعدنا إلى البيت، وظل مرافقا لزوجي حتى عاد بالعجلة إلى السيارة وقام بتركيبها!
………
مرة وفي طريقي إلى البنك تذكرت أنه لا يفتح قبل التاسعة صباحا، فعرجت على ماركت واشتريت بعض الحاجات. قررت أن أعيدها إلى البيت قبل أن أذهب إلى البنك خوفا على الحليب واللحوم. رحت لأنبش مفتاح البيت من الحقيبة فلم أعثر عليها في السيارة. جن جنوني، وعدت إلى الماركت بسرعة تزيد عشرين ميلا في الساعة عن السرعة المسموح بها، فخسارة الحقيبة بمحتوياتها ستكون صاعقة. دخلت الماركت واقتربت من المحاسبة، ثم قلت وأنا أرتجف: هل رأيت حقيبة سوداء؟؟؟
ارتبكت وتعلثمت، ثم قالت: اشكري هذين الزوجين اللذين أعادها إليّ بعد أن عثرا عليها داخل عربة التسويق في المرآب! وكانا يقفا أمامها.
قال الزوج غاضبا: فتحت الحقيبة علني اعثر على هوية أو رقم هاتف، ولما لمحت ما بداخلها تكهربت وفضلت أن أتركها مع البائعة لتتصرف بها، وتابع: هل أنت مجنونة لتحميلي معك هذا الكم من المال؟؟
قلت: صدقني كنت في طريقي إلى البنك!
ويبقى السؤال: لو لم يصادف الامر أنني وصلت في اللحظة التي همّ بها هذان الزوجان ـ وهما في الثمانين من العمر ـ
إلى مغادرة الماركت، من يضمن أن تعترف هذا الشابة التي لم تتجاوز العشرين من عمرها بالحقيبة؟ فهي مازالت غضة، وقد تكون أكثر حاجة إلى المال وأقل حكمة وتعقلا من أن تعيدها!
………………
منذ حوالي اسبوعين اتفقت مع شخص ما على أن نلتقي في مرآب أحد البنوك لتوقيع وثيقة ما من البنك. وصلت قبله وأعلمته أنني أنتظر في سيارتي ذات الموديل كذا واللون كذا. تأخر قليلا فأسندت رأسي على المقود وكأنني أغط في نوم عميق. أعادتني إلى انتباهي طرقات خفيفة على الشباك، فتحت النافذة وإذا بامرأة تقول: هل أنت بخير؟ أم تحتاجين لمساعدة؟
قلت: شكرا على اهتمامك، أنتظر أحدا هنا!
…………
هذا الصباح وبعد تغيّب دام عدة أيام عن مقهاي المفضل بسبب انشغالي، فاجأني مدير المقهى وإحدى العاملات وهما يغنيان لي
Happy Birthday
ويحملان لي قطعة من الكيك! تذكروا عيد ميلادي لأن أولادي وفي العام الماضي احتفلوا لي به في ذلك المقهى, كيف تشعر لو أن غريبا تذكر عيد ميلادك بعد مضي عام من معرفته بتاريخه، ثم جاء ليبارك لك به؟؟؟ ألا تشعر بأنك موصول به كونيا؟!!
……………….
تلك هي حياتي، كانت ولم تزل وستبقى تواصلا كونيا وانفتاحا لكل ماهو خيّر وجميل…. ليس هذا وحسب، بل امتنانا لأصغر ذرة خير أتلقاها من الكون، ولكل جميل فيه! في أقسى اللحظات وأشدها حرجا لا يغادرني ذلك اليقين من أن مساعدة كونية في طريقها إليّ وبسرعة الضوء… أولف دائما جهاز الارسال والاستقبال الكامن في خفايا روحي ليتناغم مع الجهاز الكوني للاستقبال والارسال، فلا يفوتني دفق منه أيا كان حجم ذلك الدفق، والكون لا يتدفق إلا يسرا وثراءا…..
………..
نعم أنا ثرية وميسورة ليس بسبب حجم حسابي البنكي، الذي وفي حقيقة الأمرـ بالكاد يسد الفواتير ومتطلبات الحياة في أمريكا، وما أكثرها!! بل أنا ثرية وميسورة لأنني موصولة بالحساب البنكي للكون، وهذا الحساب يعطيك حسب حاجتك وحسب درجة توليفك وانفتاحك له، والأهم من ذلك بكثير: يعطيك حسب درجة قبولك لأن تكون معبرا ـ وليس حاجزا ـ لكل دفق يصلك منه…..
…….
يقول العالم الروحاني الهندوسي المتصوف
:Vivekananda
A man may have never entered a temple, nor performed any ceremony; but if he realize God within himself, and is thereby lifted above the vanities of the world, that man is holy man, a saint, call him what you will
(لو أن انسانا ما لم يدخل في حياته معبدا ولم يمارس طقسا دينيّا، ولكنه استطاع أن يتعرف على الله الذي في عمقه، ومن ثمّ ارتقت به هذه المعرفة فوق غرور العالم، هذا الإنسان هو المقدس…. هو قديس….. هو أي لقب جميل سوف تمنحه اياه!
…..
أما أنا فأقول: ما يتبقى من جمال روحك بعد أن تغادر معبدك وتترك وراءك طقوسك هو الجزء الكوني ـ أو الالوهي ـ الذي يسكنك، وكل مامثلّته داخل المعبد هو غرور الحياة!
********************************************************************
عزيزي القارئ: أنت أيضا تملك ذلك الجزء الألوهي، ومؤهل لأن تكون موصولا بالدفق الكوني، أينما وحيثما كنت….
إنها قضية توليف وانفتاح…. سأكون غدا في طريقي إلى العاصمة واشنطن، وفور عودتي سأشتغل على مشروع كان حلما منذ زمن بعيد، ألا وهو قناة يوتيوب أحاول من خلالها أن أساعدك لكي تتعلم فنّ التوليف وتكون منفتحا ، وفي الوقت نفسه معبرا
لكل دفق كوني… علنا نساهم جميعنا في تغيير العقل الجمعي الذي وقعنا ضحيته في تلك البلدان المسماة تجاوزا “اسلامية وعربية”، والذي كان نتيجة حتمية لثقافة موغلة في قحطها وفقرها وضحالتها…. هذه الصفحة ستكون منذ الآن وصاعدا صفحة خفيفة تنشر بعض الحكم والصور أما الصفحة الرسمية والتي باسمي الشخصي، فسأسعى لتنشيطها من خلال المقالات
والفيديوهات
https://www.facebook.com/Wafa-Sultan-1515767168733308/
أرجوكم تواصلوا معي
عبروا عن محبتكم للصفحة في حال أحببتوها، وتابعوها وانشروها على صفحاتكم
وترقبوا القناة….
محبتي لكم جميعا!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.