كانت أمي ونحن أطفال صغار تعمل على تربيتنا باستخدام أسلحة مشروعة ومتعارف عليها عند كل الأمهات وعند كل الآباء, ولكن لم يكن أبي يستخدم الضرب كثيرا في تربيتنا في الوقت الذي كان فيه جارنا يستعمل لأولاده أسلوب الربط بشجرة الزيتون مدة ساعة كاملة كعقاب لهم, فقد كان يستعمل أبي أسلوب الإغراء بالمال(المصاري) يعني إذا كان في واحد مننا أنا وأخواتي قد تعرض للضرب أو الإهانة من قِبل أي واحد منا, فقد كان يعطيه(شلن) لكي يكف عن الشكوى والتذمر والبكاء,أما بالنسبة للمعتدي فقد كان يستعمل معه أسلوب الحوار والنقاش وتبادل الأفكار, وأنا شخصيا كنت أحصل على شلن(خمسة قروش) إذا أجهشتُ بالبكاء وإذا كانت إصابتي خطيرة وبالغة الأثر فقد كان يعوضني بعشرة قروش, وكانت قيمة الشلن الشرائية أو قيمة الخمسة قروش سنة 1984تعادل اليوم 25 قرشا , ولم يكن يستعمل الضرب في تأديبنا, حتى الأولاد الغرباء إذا تعرضنا للضرب منهم كان يخرج للشارع ويعطي المعتدي علينا قرشين ويقول له: روح أشتر والعب مع أولادي بس بدون ضرب , وفي حالات نادر جدا جدا كان إذا تضايق من صراخنا وضجيجنا ونحن حوله يهددنا(بالزرادية-الكماشة) وكان يقول(اللي ما بيسكت بخلي الزرادية تيجي في راسه) دون أن يستعملها, وأذكر مرة أن قال لأخواتي الأكبر مني:خلص بلا صوت, العبن بدون صوت, ولكن أخواتي لم يلتزمن بالتعليمات فضرب الزرادية عليهن من بعد 3 أمتار دون أن تصيب أي واحدة منهن, حيث أنه في مثل هذه الحالة كان يتعمد عدم إصابة الهدف لكي لا نتعرض للأذى, ولكي تبقى الضربة بمثابة رسالة تهديد وتخويف فقط لا غير.
أما بالنسبة لأمي فقد كانت تستعمل الحمام كأسلوب عقاب للمذنب غير المرتدع ولغير المرتد عن ذنبه, وللذي كان يلعب بالتراب كانت أيضا تستعمل له الاستحمام بالماء البارد صيفا وشتاء كأسلوب عقاب فكانت إذا أحست بالمضايقة من أحدنا تقول له بصوت عالي (طيب بسيطه…ماشي…والله إذا أمسكتك بيدي هضول غير أحممك بميه بارده, يعني بماء بارد) طبعا هذا التهديد كان لا يحدث على الغالب إلا في فصل الشتاء, على اعتبار أن الكبار والصغار يتضايقون من الاستحمام في فصل الشتاء حتى بالماء الساخن أو الفاتر, ولم تكن أمي تستخدم الحزام أو البربيش في ضربنا كأسلوب عقاب على ما نتسببه لها من إزعاج , فقد كانت تلمح من بعيد وتهوش تهويشا فقط لا غير, وإذا كان الهدف بعيدا عنها كانت تستخدم الشبشب أو الحفاية لضربنا من بعيد, فقد كانت إذا جلست تحت دالية العنب للاستجمام وللقيلولة تضع حولها مجموعة من الحفايات البلاستيكية, وتمسك بواحدة منها وتضربنا فيها من بعيد ونحن غافلون عنها, وكانت من النادر جدا أن تصيب هدفها وكانت في أغلب الأحيان تصيب فيها هدفا آخر غير مقصود نهائيا , وكانت في بعض الأحيان تمسك بالحفاية بيدها اليمين وتقول: اللي بجيبلي إياه لعندي بعطيه قرش (أو قرشين) وكان هذا مبلغا مغريا, يستطيع الحاصل عليه أن يشتري بواسطته بالونا كبيرا, والكل يتجه لجلب المطلوب إليها طمعا بالقرش ,وهي متربعة على فرشة اسفنجية تحت دالية العنب, عندها كانت تمسك بالهدف بيديها ثم تعضه بأسنانها عضة قوية ثم تبدأ بضربه بالحفاية على مؤخرته حتى يصرخ من البكاء عندها تتركه بحال سبيله, وأنا كنت ذكيا بعض الشيء وكنت أستغل حنان جدتي وعاطفتها الكبيرة , كانت تملئ علينا البيت وتغطيه بالحنان, رحمها الله لم أر جدة محبة لأحفادها كما كانت جدتي, فقد كنا نختبئ في غرفتها إذا أحسسنا أن العقوبة حاصلة لا محالة, وكانت أمي تعلم أننا نختبئ عند جدتنا(جدتي أم أبي) , كنا نختبئ حتى تهدأ أعصاب أمي ويطيب خاطرها, ولم تكن أمي ترفض طلباً أو رجاء لجدتي ولكنها مرة من ذات المرات ضايقتها كثيرا, فقالت لي: والله ما بتروح مني…وين بدك تنهزم؟ أبدكيش تيجي على الدار وتنام فيها؟, كنت في ذلك اليوم قد رجمتها بالحجارة حيث خرجت خارج البيت وبدأت أرشق باب الدار بالحجارة من مسافة بعيدة, وكانت الحجارة كبيرة وصوتها مزعج ويومها تسببت بخلع بسيط لباب الدار, فتهددت وتوعدت بضربي ضربا مبرحا, ويومها خفت كثيرا وحين حل الظلام الدامس تسللتُ إلى بيت جدتي ونمت خلفها, بعد أن أطعمتني سلطة باللبن(خيار مع لبن رايب) , وقالت لي بحنان شيديد وهي ترتجف لوعة عليّ(يا مسكين بعد بطنك ما نزل فيه الزاد), ولم أكن أشعر بأنني هدف مراقب رقابة حثيثة فدخلت أمي ورائي وأمسكت بي وأنا خلف جدتي وجدتي كانت نائمة فاستيقظت من نومها وصارت تسب بأمي وتشتمها لكي تتركني ولكن أمي ضربتني بالحفاية على خلفيتي وعلى ظهري وعلى وجهي, لأنها في ذلك اليوم أقسمت وقالت: (والله غير أخلي الحفاية إتعلم وتنطبع على وجهك) وعلى كل جنب من جسمي ويومها جدا غضبت جدتي من أمي غضبا كبيرا وصارت تبكي على بكائي وصراخي, وبقيت في اليوم التالي غضبانة من أمي ولم تجلس معها تحت دالية العنب ولم تمالحها طعامها, ولكن في المساء عادت المياه إلى مجاريها, فعلا إنها جدة حنونة لم أرَ مثيلا لها , وكانت أمي تستعمل أسلوب القرص إذا كان الهدف قريبا منها, فكانت تقرصنا في الفخذين أو في الخدين, وأحيانا تستعمل أسلوب الجح والتبحير بالعينين كأسلوب تهديد حتى نخجل ونستحي على دمنا دون أن تمسنا بيديها.
ولقد كبرنا ومضت السنون والأيام والليالي وذهبت كل أساليب الضرب ولم يبق عند أمي القدرة على ضربنا بالحفاية وحتى اليوم تستعمل أسلوب الجح والتبحير بالعينين لكي نسكت ونكف عن الأشياء التي لا ترغبها , وتحولت أمي وغرفتها إلى نسخة أصلية عن غرفة جدتي رحمها الله , واليوم التاريخ يعيد نفسه,إذ أن زوجتي تهدد أولادي بالحمام كأسلوب عقاب , وأولادي صاروا نسخة عني وعن عماتهم إذ أن أولادي جميعهم يختبئون خلف أمي هربا من العقاب , ولا تستطيع زوجتي أن تصل إلى أي واحدٍ منهم طالما هم بحماية جدتهم.