اعدها أديب الأديب لموقع مفكر حر عن الأصل للواشنطن بوست
قال المحلل السياسي الأميركي من أصل تركي ” سونر كاجبتاي” في مقال له نشر في صحيفة “واشنطن بوست”، أنه خلال اليومين الأولين من العملية الحربية التركية ضد عفرين, أمرت مديرية الشؤون الدينية التابعة للحكومة كافة مساجد تركيا, التي يقارب عددها ب 90 ألفًا, ببث “سورة الفتح” من القرآن الكريم عبر مكبرات الصوت من مآذنها, وأن الإعلام الرسمي التركي بدأ يسمي الحرب بالمصطلح الديني المتطرف ” الجهاد”, حيث من المعروف ان تعميم الجهاد يجيز للحكومة استخدام العنف ضد أولئك الذين «يسيئون إلى الإسلام» كخطوة أساسية لإلباس المجتمع التركي رداء الشريعة. وللأسف يبدو أن تركيا تتجه ببطء نحو هذا المسار….
ويتابع الكاتب, انه من خلال التماهي بين السلطة الدينية وسلطة الدولة في الكثير من الدول الإسلامية، تستطيع الشريعة ان تفرض ممارسات إسلامية على عامة الشعب، مثل الصيام خلال شهر رمضان, كما تشيطن أولئك الذين لا يلتزمون بهذه الممارسات، وتعاقب من تعتبره مسيئاً للإسلام, لذلك تصبح الشريعة في ممارستها الشائعة, ستاراً داكناً يغلف المجتمع بأسره. وتستمد الشريعة قوتها السياسية من آليات الضغط الحكومية والمجتمعية, وتجبرا المواطنين على التقيد بنهج الإسلام المحافظ … وان استطلاعات الرأي والتطورات الأخيرة مجتمعةً تظهر أن ثمة تحولًا خطيرًا من العلمانية نحو الأسلمة السياسية في البلاد…
وقد عمدت الحكومة بزعامة رجب طيب أردوغان إلى تقييد الحريات الفردية ومعاقبة الأفراد الذين ينتقدون او يتهمون بإهانة الإسلام, أو يهملون الممارسات الدينية الإسلامية, وتقوم الشرطة الحكومية المركزية برصد التعليقات المتعلقة بالدين على الإنترنت وتقمع حرية التعبير عندما تجد أن تلك التعليقات مسيئة للإسلام .. فعلى سبيل المثال، خضع عازف البيانو التركي فاضل ساي، المشهور عالميًا، للمحاكمة مرتين؛ على خلفية تعليقاته عن الإسلام, والتهمة الرسمية: ” الاستهزاء بخفة بأذان الصلاة على موقع تويتر” .. وقال الأستاذ الجامعي الإسلامي “مصطفى عسكر” المتخصص في الشريعة الإسلامية، خلال بث حي على التلفزيون التركي الرسمي: إنّ “أولئك الذين لا يؤدون الصلاة التي يمليها الإسلام هم حيوانات”.
ويشكل التعليم ركيزة أساسية من جهود أردوغان الرامية إلى بسط الشريعة في البلاد, حيث تقوم الحكومة بإدراج الممارسات الدينية في النظام التعليمي الحكومي من خلال إلزام كافة المدارس بتخصيص غرف صلاة في حرمها. .. وقد طلب مسؤول تعليم محلي في إسطنبول من المعلمين اصطحاب التلاميذ إلى المساجد المحلية لتأدية صلاة الصبح.
وجل ما يعكس جهود أردوغان لدمج الممارسات الإسلامية مع سلطته السياسية هو الرفع من شأن «مديرية الشؤون الدينية: ديانيت» الذي أسسها أتاتورك عام 1924 لتنظيم الخدمات الدينية بأسلوبه العلماني, حيث رفع من مقام الزعيم الجديد للمديرية، علي أرباش، إلى مستوى نائب للرئيس, فأرباش يشارك اليوم بانتظام في مناسبات عامة بارزة إلى جانب أردوغان، مانحًا بركته لكل المشروعات، بدءًا من جسر إسطنبول الثالث عبر مضيق البوسفور إلى الحملة التركية ضد الميليشيات الكردية في سوريا… وقد بدأت «ديانيت» بإصدار أوامر لإدراج أحكام من الشريعة الإسلامية في المجتمع التركي, حيث أصدرت “فتوى” على موقعها الإلكتروني تبيح للفتيات اللواتي يبلغن من العمر تسع سنوات، والفتيان الذين تقل أعمارهم عن 12 عامًا، بالزواج, وذلك لأن الرشد يبدأ من البلوغ وفقًا للشريعة!! ولكن «ديانيت» واجهت غضبًا شعبيًا عارمًا، فأبطلت تلك الفتوى ( مؤقتاً طبعا للتقية), حيث انها أعلنت عن خطّة جديدة لتعيين ممثلين عن «ديانيت» بين التلاميذ في كل صف من المدارس الحكومية في تركيا الذي يبلغ عددها حوالي 60 ألف مدرسة, مما يضع التعليم الحكومي تحت الرقابة الأكثر تشددًا للدين الموجه من قبل أردوغان.
ويختتم كاجبتاي مقاله بأن أولئك الذين يتوقعون من أردوغان إعلان تطبيق الشريعة في تركيا، سيضطرون إلى الانتظار لبعض الوقت, إذ إن التغيير لن يحدث بين عشية وضحاها، بل يحصل تدريجيًا وعلى مبدأ تمسكن حتى تتمكن.. واستخدام الديمقراطية لمرة واحدة فقط لتصل للسلطة وبعدها افرض الديكتاتورية السياسية – الدينية أي حكم مماثل للولي الفقيه في ايران بنسخته السنية.