الجزية على أهل الكتاب ليست من الإسلام

جميل جدا أن نحسن الظن بأسلافنا، لكن من غير المحمود أن نتصورهم من المعصومين الذين لا يأتيهم الباطل من بين يديهم ولا من خلفهم، أذكر هذا لأدلل على شريط الولاء والبراء لأبي إسحق الحويني الذي تصور الجهاد الحربي عمل يومي للمسلم كلما أراد وكلما استطاع، بل وحرّض الناس على قتال غير المسلمين، وما أرى ذلك إلا من سفه السلف والسلفية على السواء.
فما كانت الفتوحات التي يسمونها إسلامية تُعَبِّر عن الإسلام، وإن قام بها مسلمون أوائل وأسماء رنانة مثل طارق بن زياد وعمرو بن العاص وابن قتيبة وغيرهم، فقد شُرّع القتال في الإسلام دفاعا وليس هجوما، بل للدفاع الشرعي المتوازن، فنهى الله المدافعين أن يتجاوزوا حد الدفاع الشرعي إلى الاعتداء والتجاوز بدعوى التأمين، فقال تعالى:
{وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ }البقرة190.
فلنقاتل الذين يقاتلوننا فقط، ودون تجاوز لحدود الدفاع الشرعي، فهذا هو الشرع الواجب الاتباع.
أما قوله تعالى: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً }النساء84؛

فلا تعني ما انتهى إليه بعض المتمسلفين من تحريض الناس على القتال، لأننا إن تدبرنا الآية لوجدنا بأن الله يستحث النبي لتحريض المؤمنين على قتال الكافرين من أولي البأس الحال الواقع على ديار الإسلام، وليس بالآية دليل على أي مطالبة للمسلمين بالهجوم على القرى الآمنة مهما كان دينها.
ولقد فهم كثير من السلف آية الجزية بصورة مقلوبة، فتصوروا أن الجزية على كل أهل الكتاب، ولو كان هناك تدبر واع لبحثوا عن حكم الكافرين الناكرين لوجود الله، أيدفعون جزية مضاعفة مثلا.
إن الفهم الضيق لكتاب الله جعل البعض يُزَوِّر الأحاديث وينسبها زورا لرسول الله ثم يرفع عقيرته ويقول هذا هو الإسلام، وتصور بعضهم الوسطية فقال بأن الجزية على أهل الكتاب ضريبة ليتكفل المسلمون بحمايتهم بدلا من تجنيدهم بالجيش، وذلك أيضا من عته فقه السلف.
ولنتدبر الآية الوحيدة الواردة عن الجزية بالقرءان لنتعلم ونعلم على من تكون الجزية، وذلك من قوله تعالى: {قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }التوبة29.
فالآية حددت شروطا لفرض الجزية على أهل الكتاب ليس من بينها موضوع التجنيد ولا ضريبة للدفاع عنهم، لأن المسلم مسئول أن يبلغ أي مشرك مسالم مأمنه، فما بالكم بأهل الكتاب وهم أهل دين سماوي؟!. إن الآية تشترط شروطا هي:
1. ألا يكونوا يؤمنون بالله.
2. ألا يؤمنون باليوم الآخر.
3. ألا يحرمون ما حرّم الله ورسوله.
4. ألا يدينون دين الحق.
5. أن يتكبروا في الأرض لقوله تعلى (وهم صاغرون).
6. ألا يكون القتال لكل أهل الكتاب لكن لتلك الفئة فقط حتى يعطوا الجزية بخضوع.
فالأمر ليس على عواهن من يقرأ الآية ولا يفهمها ويظن نفسه شيخا طمطما، ولو كان أولئك دعاة لله حقا لتبينوا معاملة الإسلام للأسرى، حيث يقول تعالى:
{وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً }الإنسان8؛
فإذا كان المسلم الذي يطعم الأسير محمودا عند الله، والمفترض في الأسير أنه قاتل وقتل من قتل من المسلمين، فكيف بمعاملة أهل الكتاب الذين لم يقاتلونا، ولم نرى لهم بأسا علينا.
لذلك يقول تعالى بسورة الممتحنة: { لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ{8} إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ{9}؛ فهل سنبرهم ونحن نستذلهم؟!.
هذا إلى غير الفرق بين تعبير [الذين أوتوا الكتاب] وبين تعبير [أهل الكتاب] لكن لأني أعلم كثير من السطحية تميز بها كثير من الفقه القديم فلم يفرق بين التعبيرين فكان ما كان من فتاوى ضالة بالجزية والقتال.
فهناك فئة من الذين أوتوا الكتاب نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون فكفروا باليوم الآخر، وكفروا بالله، فهل تعلم كتابيا من جيرانك يكفر بالله واليوم الآخر ولا تأمن بأسه ضدك حتى نساعدك في تحصيل الجزية منه؟.
لذلك يقول تعالى: { لَيْسُواْ سَوَاء مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ آنَاء اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ{113} يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُوْلَـئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ{114} وَمَا يَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلَن يُكْفَرُوْهُ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ{115}؛
فتدبر قوله تعالى [أهل الكتاب]، ولم يقل [أوتوا الكتاب] لتعلم بأن لكل تعبير مدلوله، وتدبر تعبير [ليسوا سواء]إن القرءان يطلب منا أن نميز تمييزا دقيقا ووضع لك عناصر التمييز، فلماذا تكون أسرى لفقه لم يدرك الكثير مما ندركه.
ويذكر الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة حديث رقم 445 :[من ظلم معاهدا أو انتقصه حقا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس فأنا حجيجه ـ أي خصيمه ـ يوم القيامة].
والفتوحات الحربية التي قام بها الأوائل لم تكن من الإسلام في شيء، فلا الأندلس حقا لطارق بن زياد، ولا أي بلد ظهرت بها أنياب السيوف، ولقد انتشر الإسلام في بلاد آسيا بلا سيف، بل لقد دخل المغول والتتار في الإسلام، بعد معاشرتهم للمسلمين الأوائل الذين هم بحق السلف الصالح، فكان أكثر أهل الإسلام من قارة آسيا.
ولم يغزو رسول الله أحدا حتى نطلق على ما اشترك فيه النبي صلى الله عليه وسلم أنه غزوة، فذلك أيضا من سلبيات الفقه السلفي القديم وليس الصالح، وتتبع كل ما اشترك فيه النبي من قتال لتصل إلى هذه النتيجة، لذلك فهؤلاء الدعاة ليسوا على سنة رسول الله وإن أطلقوا ألف لحية وقصروا ألف ثوب وأنفقوا مالهم على كل سواك بالأرض.
مستشار/أحمد عبده ماهر
محام بالنقض وباحث إسلامي

This entry was posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.