ليس هناك أسوأ من شعار يتعارض مع تطبيقاته أو قانون يفشل في تحقيق عدالة نصه، وليس لديَّ مثال مؤلم مثل رسالة من قارئ كتب لي يقول: «والدي – رحمه الله – كان يحب التسبيح كثيراً… وكان يقول لقد فزت بالجنة وأصبح لدي كثير من القصور، ولكنه – رحمه الله – كان قاسياً شديد القسوة على والدتي، وكان يجرها جراً بشعرها وهي تصيح… هذه المشاهد لن أنساها». يبدو أن ذلك المظهر التقي عند الرجل لا ينعكس في سلوكه كما يريد أن يقول قارئنا العزيز، وهذا بالضبط ما يثيره لدينا اعتراض القوى التي تزعم أنها مسلمة، وتقابل بالتنديد إعلان الأمم المتحدة «لمكافحة العنف ضد النساء والبنات» بعد أن وافقت عليه 131 دولة.
في كل مرة تقطع قوى إسلامية الطريق على الهيئات والمنظمات العالمية التي ترعى حماية المرأة من العنف، بحجة أن بعض التفاصيل تخالف الإسلام، وأحب أن أذكركم قبل أن أدخل في النقاش بأن إعلان تحرير العبيد قد واجهه الاعتراض نفسه، فقد كان البعض يرى أن استعباد الإنسان لأخيه الإنسان حق يحميه الدين، لكن مثل هذا الدفاع لم يعد أحد يجرؤ على قوله.
في الوقت الذي تعتمد الهيئات والمنظمات على مكافحة العنف ضد النساء باستحضار صور من الواقع، مثل محاولة قتل مالالا يوسف زاي في باكستان لأنها دافعت عن حقها في التعلم، وحادثة اغتصاب جماعي لطالبة جامعية ركبت الباص في نيودلهي، وسائحة سويسرية اغتصبت أمام زوجها، يتكئون هم على خيال مريض يدافع عن حق الزواج من طفلة، بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة وهي صغيرة، وينسون أن أول زواج للرسول صلى الله عليه وسلم كان من السيدة خديجة وهي في الـ45، وأنه أخلص لها حتى ماتت، وكانت أول من لجأ إليها ولمشورتها عندما نزل عليه الوحي، كما أنهم يعرفون أن زواج الصغيرات كان قائماً بسبب كونه عرفاً سمحت به معطيات الزمن حتى جيل أمهاتنا، لكن الزمن تجاوزه اليوم ولم يعد ممكناً. الغريب أن هذه القوى الإسلامية المعارضة لحماية النساء شعارها هو «الإسلام كرّم المرأة وحررها ورفع من قيمتها»، لكنها من جهة أخرى هي أكثر المدافعين عن صور إهانتها واستغلالها في قضايا زواج الصغيرات والختان وزواج المسيار، والزواج بنية الطلاق غير المعلن.
هذه المرة وقفت بعض القوى الإسلامية المعارضة عند تفصيل تحفّظوا عليه، مرة تلميحاً، ومرة تصريحاً، وهو أن «إجبار الزوجة على النوم مع زوجها من العنف» فهم لا يرونه عنفاً بل يرونه حقاً! ماذا يريد أن يقول لنا الإسلاميون صراحة؟ إن الزوجة هي ملك لزوجها، ويحق له أن يجرها من شعرها في حال رفضت وينام معها عنوة؟ أو كما يقول بعض الفقهاء في تعريف المهر بأنه المبلغ الذي يدفعه الزوج للزوجة لقاء تأجير جسدها؟ هل يوافق – إنسان – على هذا المفهوم الذي يحط بالعلاقة الإنسانية بين زوجين بعد أن جعلها الله علاقة من «مودة ورحمة» فأصبحت داراً مستأجرة؟ طبعاً هذه القوى ستقف في المنتصف، فهي لا تجرؤ أن تقر هذا العنف لكنها ستحارب تقنينه، خوفاً من تقييد حق الرجل في زوجته. تقول لي إحدى القانونيات اللاتي أسهمن في صياغة «قوانين الأحوال الشخصية المغربية»، إن بعض الفقهاء كانوا يترددون في الموافقة عليها حين يفكرون بزوجاتهم، لكننا حين نذكرهم أن هذا قد يحدث بحق بناتهم يوافقون فوراً، لهذا أقول فكروا ببناتكم ولا تقفوا فيمنتصف الطريق، تحركوا لكن إلى الأمام أرجوكم!
نقلاً عن “الحياة” السعودية