أخطاء الدعم الدولي للسوريين

فايز سارة

wisamsara

تفتح عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب في سوريا بوابة التدقيق في الدعم الدولي الذي قدم للسوريين طوال نحو أربعة أعوام من ثورتهم في وجه نظام الأسد، رغم أن عمليات التحالف الدولي لا تعتبر من الدعم الدولي المباشر للسوريين، وإن كانت تصب في بعض نتائجها في هذا السياق، لأن هدفها الأساسي هو تحجيم تنظيم «داعش» وأخواته، وليس دعم السوريين وثورتهم في وجه النظام.

وباستثناء عمليات التحالف الدولي ضد الإرهاب، فإنه يمكن رؤية الدعم الدولي للسوريين في ثلاثة جوانب أساسية، تشمل الدعم السياسي والدعم العسكري، ثم الدعم الإنساني والإغاثي، ولكل منها تجسيدات عملية ونتائج، انعكست بصورة ما في الواقع السوري، وأثرت على تطور القضية السورية في المرحلة الماضية.
ومنذ انطلاق الثورة، بدا أن السوريين وثورتهم بحاجة إلى دعم ومساندة دوليين، تبدأ من المحيط الإقليمي وتمتد إلى الأبعد الدولي، والسبب الرئيسي لهذه المساعدة أن السوريين بحراكهم السلمي والمدني لن يستطيعوا الصمود في وجه نظام ديكتاتوري، يملك واحدة من أكبر وأفظع أدوات القمع والإرهاب في العالم، ومارس أعمال القتل والقمع والإرهاب، الأمر الذي يعني أن السوريين لن يصمدوا وسوف يسحلهم النظام، كما حدث في الثمانينات خاصة في حماه وغيرها، وكما حدث للفلسطينيين واللبنانيين في لبنان في سنوات الحرب الأهلية.
وبخلاف ما كان مطلوبا بشكل عاجل من دعم سياسي للسوريين، فقد تأخرت المساندة الدولية للسوريين وثورتهم، بسبب أحد عاملين أو للاثنين معا؛ أولهما أن البعض لم يصدق أن السوريين ثاروا على نظامهم الذي كانوا يقدرون أنه لن يسقط، والثاني تخوف بعض الدول القريبة من انتقام النظام منها لتأييدها الثورة، وهكذا بدا التأييد الدولي للسوريين خفيفا وخجولا وحذرا ومرتبكا ملتبسا بما فيه موقف دول كبرى، وهذا بين عوامل شجعت النظام على أن يمضي باستراتيجيته وسياساته الأمنية – العسكرية، وجعل الثورة تنتقل إلى العسكرة وتعميم العنف أولا، وخلق بيئة تقبل وجود وتنامي التطرف والإرهاب ثانيا، وتزايد أعداد الضحايا في الداخل وفي المحيط الإقليمي والدولي ثالثا، وهي الظروف التي آلت إليها القضية السورية اليوم.
أما في موضوع الدعم العسكري فقد بدت الصورة مختلفة على نحو واضح، وبعد ظهور أول التشكيلات المسلحة قبل نهاية عام 2011 بدا من الواضح أن أطرافا خارجية أخذت تقدم دعما لبعض التشكيلات، واختلطت في هذا الدعم جهود ثلاثة، لم تكن بعيدة في معظمها عن أجهزة الاستخبارات، فكانت منها دول قدمت دعمها عبر أجهزة أمنية، وجمعيات «خيرية» ذات توجهات سياسية، وتجمعات أو شخصيات سورية في الخارج، عملت في غالبيتها على تقديم دعم عسكري، شمل الدعم بالأسلحة وبالذخيرة، والمال لإعالة التشكيلات المسلحة، بل إن بعضها توجه نحو دعم إقامة تشكيلات عسكرية، وكان وراء وجودها أصلا لغايات وأهداف سياسية، تجعله مؤثرا في خريطة الصراع السوري.
ولم يختلف الدعم العسكري للتشكيلات السورية كثيرا عن الدعم السياسي للسوريين، فكان محدودا ومرتبكا ملتبسا، ومربوطا في غالبيته بشروط سياسية، تتعلق بمواقف وسياسات الداعمين، إضافة إلى أنه لم يكن متواترا، وأدى إلى نمو التوجهات الإسلامية في صفوف التشكيلات العسكرية وتشتت التشكيلات، وأدى إلى صراعات بين التشكيلات وفي داخلها، وأدى أيضا إلى تقلبات في واقع التشكيلات العسكرية ومكانتها على خريطة الصراع، وبالنتيجة أسهمت العوامل كلها في عدم فاعلية التشكيلات في حسم الصراع مع النظام.
وساد الارتباك في موضوع الدعم الإنساني والإغاثي، رغم خصوصية هذا الدعم الذي يفترض أن يكون خارج الحسابات السياسية لطابعه الإنساني، وتعددت الأطراف التي دخلت على خط تقديمه، فكانت أربعة؛ أولها الدول، ثم المؤسسات الدولية، وجمعيات ومنظمات المجتمع المدني، والتجمعات والشخصيات السورية في الخارج، وتنوعت أشكال الدعم فكان أبرزها مساعدات معيشية لا سيما مساعدات غذائية وطبية، بجانب مشاريع خدمية وتنموية محدودة، غير أن هذه المساعدات كانت أقل من الاحتياجات بكثير، وينقصها التنظيم والاستمرارية، واستخدام المساعدات لغايات سياسية. والأهم مما سبق في موضوع المساعدات عمليات الانتقاص منها من قبل بعض الدول المضيفة للاجئين السوريين كما هو الحال في الأردن، حيث كانت تؤخذ منها حصص لجمعيات محلية توزعها على غير السوريين، أو كان يفرض خط معين على توزيعها على نحو ما كان يفرضه نظام الأسد من مرور المساعدات عبره، فيحول القسم الأكبر إلى مؤيديه، ويمنع مرورها إلى المناطق التي يحاصرها، ويعتبرها مناطق معادية مثل مناطق غوطة دمشق وأحياء دمشق الجنوبية، وهذه السياسة قريبة مما هي عليه سياسة بعض التشكيلات العسكرية في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
إن مشاكل الدعم الإنساني والإغاثي للسوريين في السنوات الماضية كانت كثيرة ومعقدة، ولئن بذلت مساعي من أجل التغلب على بعض المشاكل فإن بعضها يتجه للتفاقم كما هو حال حجم المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة، التي لا تغطي الاحتياجات من حيث المبدأ، في وقت تتجه فيه المنظمة الدولية إلى خفض تلك المساعدات بواقع أربعين في المائة بسبب نقص التمويل الدولي، وطبقا لتقديرات دولية فقد تتوقف هذه المساعدات بصورة شاملة خلال العام المقبل 2015.
خلاصة القول في الدعم الدولي للسوريين، إنه في الجانب السياسي قصر في إنهاء الأزمة وأخذها إلى حل يتوافق مع مصلحة الشعب السوري مما أطال زمن المعاناة السورية وأضاف إليها مشاكل لم تكن قائمة في الأصل، فيما أدى الدعم العسكري إلى شرذمة التشكيلات العسكرية وإضعاف قدراتها في مواجهة النظام خاصة لجهة تشكيل قوة ضاغطة تجبره على الذهاب إلى حل سياسي للقضية السورية، فيما عجز الدعم الإنساني والإغاثي عن توفير الحد الأدنى لغالبية المحتاجين السوريين، وهو مرشح للتوقف، ويطرح واقع الدعم الدولي للسوريين، أنه دعم لا يفي بالاحتياجات المطلوبة في أي مجال كان، ولأن الأمر على هذا النحو فإنه من المهم تكثيف الجهود الدولية لمعالجة القضية السورية ووضع حد لتداعياتها.
نقلا عن الشرق الاوسط

This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.