أتوسل إليك أيتها الشمس أن تعودي غدا فجرا

wafasultannewyorkلا مخرج لنا من هذه الورطة إلا عندما يصبح أهل الفن بيننا رجال ديننا… وأهل الفن هم كل من يستطيع أن ينفخ فينا روح الله إلى الحد الذي لم نعد عنده نميّز بين أنفسنا وبين الله…
…..
الله ليس تلك القوة الخارقة التي تتربع في الأعالي وتحكمنا بقبضة من حديد، بل هو الروح التي ينفخها الكون فينا، والتي تسربلنا بإحساس غارق في لغزيته، إحساس بأنك جزء من الكون والكون جزء منك. لو حاولت أن تفسّر هذا الإحساس أو تشرحه ستقتل الله فيك…
….
ذلك الإحساس يعتريك عندما تسترقّ السمع لمقطع موسيقي تحبه… أو عندما تقرأ مقطوعة شعرية أو نثرية يعبر فيها الآخر عن ذاتك… أو عندما تمعن النظر في لوحة فنية تراها أكبر من قدرتك على استيعاب حدود الإبداع فيها.. أو عندما تشم عبير زهرة لامست وريقاتها أنفك… أو ربما ذلك الإحساس الذي تشعر به وانت تقرأ هذا البوست…
…..
لا أستطيع أن أميّز بين أنامل فريد الأطرش عندما يلاعب أوتار عوده وبين جناحي عصفور يطفقان كي ينفضا عنهما الماء بعد مغطس في مياه البركة الممتدة أمامي. الطاقة التي تصدرها أنغام فريد هي نفسها الطاقة التي يصدرها جناحا العصفور عندما يطفقان.. هي تلك الطاقة التي تبثها روح الكون فيك.. لا فرق بين النغم والماء…. كلاهما من نفس المنشأ، ولهما نفس الخصائص الروحانية، تلك الخصائص التي تمكنهما من أن يعبرا الحاجز الذي يفصلك عن كونك ليحلقا بك…

الـ “أنا” هي الحاجز الذي يفصلك عن كونك فيفقدك روحانيتك.. كلما ألقيت سيوفك التي تزعم أنك ترفعها لتحمي بها “أناك”، كلما تسمح للدفق الكوني أن يعبرك سواء من خلال الاستمتاع بأنغام فريد أو ماشابه ذلك…
….
في أواخر التسعينات عندما كنت أتحدث مع جدتي (والدة أمي)، كان صوتها التسعيني الواهن ينخز كل خلية من خلاياي وينقر على أعصابي.. ماتت جدتي فارتاحت خلاياي وأعصابي.. لم يعد صوتها الواهن يؤلمني، بل صارت روحها امتدادا لروحي…
وبدأت استحضر تلك الروح كلما وقعت في مأزق كي تنقذني منه… كان البعد المادي الذي يفصلني عن جدتي يؤلمني.. أما اليوم وبعد موتها تلاشي ذلك البعد لتصبح روح جدتي اقرب إليّ من قلبي إلى شغافه… في كثير من الأحيان لا نتوحد بالآخر حتى نفقده!
…..
أيتها الشمس التي تشرف على المغيب… أتوسل إليك أن تعودي غدا فجرا… فشروقك رغم أنه لم يتخلف عن ميعاده منذ ملايين السنين، لكنه ليس روتينا بل هو كل يوم معجزة تستحق شهقتنا! أنت لا تسطعين إلاّ على الذين يتوسلون إليك أن تعودي،
وعلى الذين يشهقون من هول المعجزة!

يقول انشتاين: الناس نوعان: نوع لا يؤمن بوجود أي معجزة، ونوع يؤمن أن كل شيء في الكون معجزة، وأنا من هذا النوع الأخير! لذلك، أتوسل إليك أيتها الشمس أن تعودي غدا فجرا… كي تفاجئيني فأشهق من هول المعجزة!!!

About وفاء سلطان

طبيبة نفس وكاتبة سورية
This entry was posted in الأدب والفن. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.