بمناسبة التقرير الذي بثته قناة (ار تي (شاهده اسفلاً)) والذي يظهر فيه شخصان يشهدان أن حادثة الكيماوي في دوما كانت مفبركة رح عيد نشر هي القصة .
أبو حلب .
في الطابق الثالث من سجن صيدنايا التقيت ب “أبو حلب”، وأبو حلب تسمية استحقها أبو حلب؛ لأنه من حلب أولاً، ولأنه كثيراً ماكان ينادي في نومه: ” حلب ع الشام، حلااااب ، حلب”.
عندما التقيت به، كان قد أمضى مايزيد عن عشر سنوات في السجن، ولأنه كان يعمل “معاوناً” على باص “هوب هوب” بين دمشق وحلب؛ فهو دائم التحدث عن مهنته، وعن دوره بالغ الأهمية في عملية نقل الركاب من دمشق إلى حلب وبالعكس. وهو أيضاً يحلم دائماً بأنه على صهوة باصه صائحاً: “حلب ع الشام …حلاااب …حلاااب”.
قصة اعتقال أبي حلب تدفعك إلى البكاء وإلى الضحك في الوقت نفسه: في أحد الأيام، وبصفته معاوناً، اقترب منه شخصان، وبعد السلام طلبا منه نقل “نملية” ( النملية عبارة عن خزانة صغيرة) من حلب إلى دمشق، ومن ثَمَّ إيصالها إلى أحد البيوت في دمشق، ولكي لايتردد أبو حلب؛ فقد عرضا عليه مبلغاً مغرياً لقاء نقل هذه النملية.
فكر أبو حلب، أنه يستطيع أن يوصل النملية إلى العنوان خلال الوقت، الذي يفصل بين وصول الباص ورحلة العودة إلى حلب، فوافق.
أحضر الرجلان “النملية”، كانت صغيرة وفارغة، رفعها أبو حلب إلى سطح الباص، وربطها جيداً، وقبض أجرة نقلها، ووضع العنوان في جيبه.
كان الأمر بسيطا وسهلا، سيوقف سيارة نقل صغيرة وسيعطي السائق العنوان الذي كتبه له الرجلان وسيوصل النملية ويعود بنفس السيارة الى حيث الباص، شرح له الرجلان كل شيء بالتفصيل، وأعطياه مفتاح الشقة؛ لكي يضع النملية فيها، لأن الشقة غير مسكونة.
عندما وصل الباص إلى الشام، وغادره كل الركاب، أسرع أبو حلب إلى النملية، وأنزلها عن سطح الباص، وأوقف سيارة شحن صغيرة ” سوزوكي”، ووضعها فيها، ثم أعطى إلى سائقها العنوان.
وعند وصوله إلى المكان المقصود، حمل النملية على كتفه، وصعد الدرج إلى الطابق الثالث، حيث الشقة المطلوبة، ووضع النملية جانباً، ثم استلّ المفتاح، وما إن فتح الباب حتى سحبته يد ما إلى الداخل، فوجد نفسه بين عدة رجال مسلحين، يصوّبون أسلحتهم إليه.
فيما بعد، سيكتشف أبو حلب: أن الشقة تعود إلى مجموعة من تنظيم “بعث العراق”، التي عندما اكتشفها الأمن، هربت المجموعة، لكن الأمن ظل كامناً فيها متوقعاً: أن أحداً ما من التنظيم لابدّ سيعود إلى الشقة.
وباختصار: لم تكن النملية إلا طعماً، استعمله الرجلان من أجل التأكد من، إذا كان عناصر المخابرات قد تركوا الشقة أم لايزالون فيها.
وهكذا، فقد وجد أبو حلب نفسه معتقلاً، وعضواً في خلية متهمة بمحاولة اغتيال “عبد الحليم خدام”، الذي كان حينها وزيراً للخارجية السورية.
ومادام أفراد الخلية قد تمكّنوا من الهرب، ومادام على أجهزة المخابرات أن تثبت كفاءاتها وقدراتها؛ فلقد اقترح أحد جهابذة ضباط المخابرات: أن يلقّن أبو حلب رواية متقنة عن مجريات عملية الاغتيال، وأن يتم تصويره تلفزيونياً مع اعترافاته التي أتقنها.
وافق أبو حلب، بعد أن أقنعوه، أنه ما إن ينهي تصوير المقابلة حتى يوصله رئيس الفرع بنفسه إلى الكراجات، ليلتقي هناك بالباص الذي يعمل عليه. لكنّ أبا حلب لم يتمكّن من إتقان الدور جيداً، وذاكرته لم تسعفه في حفظ ركام الأكاذيب؛ فعندما يسأله المذيع- المكلف بإجراء المقابلة- عن نوع السلاح الذي كان بحوزة مجموعة الاغتيال، كان يجيب بكل بساطة:
( ياسيدي كنا نريد استخدام النملية ).
فيوقف التسجيل، وتبدأ حفلة الركل والشتم والضرب، ثم يعود الملقن ليشرح لأبي حلب ما يتوجب عليه قوله، وتعود محاولة التسجيل مرة أخرى، وتعود النملية أداة الاغتيال المفضلة عند أبي حلب.
ثم ألغيت الفكرة بعد عدة محاولات، لم تستطع دفع أبي حلب إلى شطب النملية من ذاكرته، فأعيد إلى زنزانته، ليظهر- بعد فترة- شخص آخر على التلفزيون بصفته عضواً في خلية اغتيال خدام، لكن بلا نملية هذه المرة …
لم يطلق سراح أبو حلب، فلا أحد يدخل السجن ويخرج، ولم يكن هناك أي حاجة لابقائه في فرع المخابرات، ولذلك تقرر ارساله الى المستودع، أي الى السجن، وهكذا وصل إلى سجن صيدنايا، وبعد ثلاثة عشر عاما مضت على يوم ” النملية” تقرر الافراج عنه.
غادر أبو حلب، سجن صيدنايا بشعره الشائب وجسده الذي هدَّه السجن وبثيابه المهترئة ، لم يكن يعلم إلى أين سيتوجه، الشيء الوحيد الذي كان يتكثف كل العالم فيه كان يرقد في جيب بنطاله، انها صورة مشققة بهتت ألوانها لباص كتب على واجهته ( حلب – دمشق – حلب ).