حرب ظفار‎

يقال : ( العبرة بالخواتيم ) وهي مقولة صحيحة تماماً يمكن تطبيقها في دراسة تواريخ العالم , فالخطط التي تضعها القوى العظمى للسيطرة على العالم , تكون غير واضحة ولا معلنة في بدايتها , لكن صورة تلك الخطط تصبح واضحة ومتكاملة فيما بعد , ولهذا فنحن أبناء العالم المغلوب على أمره , يكون من واجبنا إعادة فتح ملفات تواريخنا , وتقييم مفاهيم سابقة كنا نتداولها .. ليس بناءاً على ما كنا نعرفه عنها سابقاً .. ولكن بناءاً على الواقع الذي يتكشف اليوم , وربما غداً أو بعد غد .

أكذوبة ( الحرب الباردة ) بين المعسكر الغربي والشيوعية العالمية .. نسخة طبق الأصل عن أكذوبة ( الحرب على الإرهاب ) لا توجد حرب ولا هم يحزنون .. وكل ما هنالك بعض الفعاليات العسكرية التي يتخادم فيها الطرفان بغية تحقيق مصالحهما . ومن الجدير بالملاحظة أن وكالة المخابرات المركزية كانت قد صنعت الكثير من الزعماء الإشتراكيين أو الشيوعيين حول العالم من أمثال سوكارنو وعبد الناصر وكاسترو , كما أن أهم التجارب الشيوعية التي أسستها وكالة المخابرات المركزية في العالم هي تجربة تيتو في يوغسلافيا , وتجربة ماو في الصين , وتجربة هوشي منه في فيتنام . ومثلما تصادم تيتو مع الإتحاد السوفييتي وأعلن يوغسلافيا دولة لا شرقية ولا غربية .. كذلك فعل ماو بعد وفاة ستالين بتصادمه مع نكيتا خروشوف , وحصول الإنشقاق الشيوعي الصيني السوفييتي , الذي أتاح للولايات المتحدة أن تقاتل الأحزاب الشيوعية الماوية مع اللنينية من أجل تحقيق غايات أمريكية لا علاقة لها لا بمصلحة تلك الأحزاب .. ولا بمصلحة الدول التي يتقاتلون على أراضيها .. فكان لذلك نتائج كارثية شهدناها في أفغانستان وايران والصومال .

تم تجنيد ماوتسي تونغ , وهوشي منه في باريس , حيث كان هوشي منه يعمل كناس شوارع وينتمي الى الحزب الشيوعي الفرنسي وقد تم تنظيمه لمقاتلة الفرنسيين وإخراجهم من فيتنام , بينما كان ماوتسي تونغ يعمل غسال صحون في مطعم صغير في الحي الصيني بباريس هارباً من أب متسلط وزواج أول فاشل .

حين إندلعت الثورة الشيوعية في الصين , كانت متزامنة تقريباً مع ثورة المسلمين في الهند التي أججها الأمريكان لتقاسم الهند مع البريطانيين بحجة الخلاف الديني الهندوسي الإسلامي , وكان من نتيجة ذلك تقسيم الهند الى ( بنغلاديش + هند + باكستان ) . أما الثورة الشيوعية في الصين فقد أفلحت في طرد البريطانيين من الصين لعيون الأمريكان , فيما هرب ( شان كاي شيك ) زعيم حزب القومندان الى فرموزا وأعلن فيها دولة مستقلة , لو كان الأمر بيد ماو تسي تونغ لعبر الشيوعيون الصينيون الى فرموزا سباحة من أجل إسقاطها .. لكن الموازنات الأمريكية رأت غير ذلك , فقد تم الإعتراف بنظام فرموزا من قبل الأمم المتحدة التي أسسها الأمريكان والبريطانيون وتعمل بقانونهم هم …. فيما أجبر الأمريكان البريطانيين لاحقاً على الإعتراف بجمهورية الصين الشيوعية , وضمها الى الأمم المتحدة .. مقايضة .. في مقابل دخول بريطانيا الى الإتحاد الأوربي .

وفيما يخص موضوعنا عن سلطنة عمان , فمثلما كانت اليمن ضحية الصراعات الشيوعية بتفاعلها مع أنظمة ربيبة للأمريكان في المنطقة كالسعودية وجمهورية مصر والباكستان , وكانت الثمرة التي حصلت عليها الشيوعية هي إعلان اليمن الجنوبي دولة شيوعية عند نهاية الحرب , فكذلك سيحصل شيء شبيه في العالم بعد حوالي ربع قرن من نهاية حرب ظفار التي وقعت في سلطنة عمان وهي حرب غير معلنة لكنها حرب ضروس بين الأمريكان والشيوعية الماوية واللينينية من جهة _ والعمانيين ومعهم بريطانيا من جهة أخرى .. نتج عنها تقطيع أوصال السلطنة .

كانت سلطنة عمان تتكون من 3 أجزاء :

# ( مسقط وعمان ) في الجزء الجنوبي الشرقي من شبه الجزيرة العربية .

# ( گوادَر ) الواقعة اليوم جنوب باكستان والمطلة على بحر العرب وخليج عمان .

# ( زنجبار ) وتضم جزيرة زنجبار وجزيرة ﭘيمبا والساحل الأفريقي المحاذي لهاتين الجزيرتين .

تعتبر منطقة الوطيّة في حاكمية مسقط من أقدم المستوطنات البشرية في منطقة جنوب شرق الجزيرة

العربية ويعود تاريخها الى 5 آلاف سنة في القدم حيث عثر الآثاريون على مخلفات تعود الى العصر الحجري .

وموخراً تم العثور على لقى تشير الى وجود الحياة في المنطقة منذ 7615 قبل الميلاد , كما عثر على إسم عمان في الأختام السومرية وكانت تدعى وقتها ( مجان ) ومن أسماء عمان ( مزون ) المأخوذ من المزنة وهي المطر المفاجيء الكثيف .

منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى مجيء الإسلام في القرن السابع الميلادي كانت عمان تحت السيطرة المباشرة أو غير المباشرة للسلالات الفارسية الحاكمة من أخمينيين وبارثيين وساسانيين .

الأخمينيون ومنذ القرن السادس قبل الميلاد سيطروا على عمان من الساحل وحتى مدينة صحار , وفي حدود 250 ق. م قام البارثيون بوضع الخليج العربي كله تحت سيطرتهم ومدوا نفوذهم الى عمان , ولأنهم كانوا يريدون السيطرة على الخليج بالكامل فقد قاموا بوضع حامية عسكرية لهم في عمان . أما في القرن الثالث بعد الميلاد فإن الساسانيين كانوا هم من سيطر على المنطقة حتى ظهور الإسلام بعد ذلك بأربعة قرون .

حين ظهر الإسلام فإنه وصل الى عمان في حياة النبي محمد نفسه , عمرو بن العاص كان قد زار عمان وإلتقى ب ( جيفر ) و ( عبد ) حاكمي عمان ذلك الوقت لدعوتهما الى الدين الجديد , فدخل العمانيون منذ ذلك الوقت في الإسلام بشكل طوعي .

أغلب مسلمي عمان هم من الأباظية , والأباظية فرقة من الخوارج , والخوارج يختلفون عن الشيعة في عدة نقاط لعل من أهمها هي موقفهم المتباين من مسألة الخروج على حاكم ظالم . ففي حين يرى الشيعة أن ليس من المستحب الخروج على حاكم ظالم حين يكون الشيعي عارفاً بأن عدته أو عدده غير كافيين , وعليه المسايرة وإظهار الطاعة باللسان , والعصيان في القلب الذي نشأ عنه مبدأ التقية عند الشيعة والذي تسبب في كثير من العقائد الباطنية , الخوارج لهم موقف مغاير تماما ً لأنهم يحبذون الخروج على الحاكم الظالم حتى لو كان الخارج شخصاً بمفرده . وخلال السنوات الأولى من عمر الدولة الإسلامية لعب العمانيون أدوارأ مهمة في حروب الردة , وحرب فتح العراق , وفتح بلاد فارس أما في القرون المتأخرة فقد كان للعمانيين دور مهم في نشر الإسلام في شرق أفريقيا ووسطها .

ولأن العمانيين بحارة مهرة , فقد ساهم وصولهم الى الصين واليابان وجنوب شرق آسيا في نشر الإسلام في أغلب تلك الأصقاع .

وقعت عمان تحت حكم دول متعددة وكالتالي :

# حكمها الأمويون بين عامي 661 حتى 750 .

# حكمها العباسيون بين عامي 750 حتى 931 .

# حكمها القرامطة بين عامي 931 حتى أسقطهم العباسيون في 934 وعادوا لحكم عمان حتى 967 .

# حكمها البويهيون بين عامي 967 حتى عام 1053 .

# حكمها السلاجقة بين عامي 1053 وحتى 1154 .

إحتل البرتغاليون مسقط مدة 140 عام من تاريخ 1508 والى 1648 , وصلوا إليها بعد عقد واحد من إكتشاف ﭭاسكو دي گاما للطريق البحري الذي يربط أوربا بالهند عن طريق رأس الرجاء الصالح . ومن أجل حماية هذا الطريق بنوا القلاع العالية في مسقط التي تطل على البحر والتي ما زال بعضها شاخصاً حتى اليوم . قامت القبائل العمانية وبمساعدة بريطانيا بقتال البرتغاليين وطردتهم خارج البلاد في حدود عام 1741 , أعقب ذلك غزو عمان من قبل الفرس , حين دحر العمانيون الغزو , وقَّعت عمان مع البريطانيين معاهدة صداقة عام 1798 ثم تحولت هذه المعاهدة للصداقة الى معاهدة وصاية في العام1891 .

في حدود عام 1690 قام إمام عمان ( سيف بن سلطان ) بالهجوم على الحصن الذي يتخذ منه البرتغاليون مقراً لحاميتهم في ( مومباسا ) وبعد حصارها لمدة عامين سقطت بيد العمانيين في حدود عام 1698 حين سيطر العمانيون على مقر الحامية تمكنوا من طرد البرتغاليين من ( زنجبار ) وجميع المناطق الساحلية من موزمبيق , طبعا ً بمعاونة البريطانيين .

كانت زنجبار سوق نخاسة يباع فيها العبيد من شرق أفريقيا , وقد إتخذ منها السلطان ( سعيد بن سلطان ) مقراً له ولقصره السلطاني منذ العام 1837 . ومن أجل حل النزاع بين ولدي هذا السلطان أشار عليه البريطانيون بفصلهما عن بعضهما , فقام بتوليه إبنه ( ماجد ) على زنجبار , فيما عين إبنه ( ثويني ) حاكماً على مسقط وعمان .

في أيام الفتوحات الإسلامية وصلت قوات محمد القاسم الى مدينة گوادَر الواقعة على الساحل الثاني من خليج عمان وإحتلتها عام 711 هجري , لكن المدينة وهي عبارة عن لسان بري يندفع عميقا في عرض البحر لتصبح ميناءاً طبيعيا ً مهماً , كانت عرضه لأطماع قوى عديدة كانت حاكمة في السابق , فقد تنازع عليها المغول والصفويون , الى أن وضع البرتغاليون يدهم عليها عام 1581 ميلادي فقاموا بتسليب أهلها ثم أحرقوها بالكامل .

كتب عنها الأدميرال العثماني ( سيدي علي ريس ) في كتابه ( مرآة الممالك ) أن أهل مدينة گوادَر هم من البلوش , وأن حاكمهم كان ( مالك جلال الدين ) إبن ( مالك دينار ) .

عام 1783 قام الخان الذي يحكم في إمارة ( قلات ) الهندية والتي تقع اليوم في الباكستان , بمنح السلطة على گوادَر الى السلطان العماني تيمور بمشورة بريطانية . عين عليها السلطان الولاة , ثم إمتدت سيطرة سلطان عمان من مدينة گوادَر الى مدينة چابهار حيث وقعت كل هذه المساحة تحت حكمه بعد أن وقّع مع البريطانيين معاهدة صداقة عام 1798 .

حين تم إجبار سلطان عمان على التنازل عن حكم هذه المنطقة , تم تقسيمها بين الأمريكان والبريطانيين فضمت گوادَر الى الباكستان الأمريكية , فيما وقعت چابهار تحت حكم ايران الشاهنشاهية التي يتقاسم النفوذ فيها البريطانيون مع الأمريكان .. وحين فض الأمريكان الشراكة مع البريطانيين في ايران فأطاحوا بالشاه وحولوا ايران الى دولة إسلامية , تحول إسم چابهار الى .. بندر بهشتي .

يتحدث الدكتور رغيد الصلح في كتابه ( عمان والساحل الجنوبي الشرقي لشبه الجزيرة العربية ) فيذكر لنا بأن أغلب الدول العربية بعد الحرب العالمية الأولى كانت تبدو دولا ً مستقلة في حين هي كانت خاضعة للنفوذ البريطاني , وضعت بريطانيا وصايتها على هذه الدول , وراقبت تسيير أمورها الداخلية , وكتبت عن ذلك الكثير من التقارير رفعت الى وزارة الخارجية أو غيرها من الإدارات البريطانية , فيما يتعلق بسلطنة عمان فأن الوصاية البريطانية عليها كانت تسجل تقارير عن كل شيء بما في ذلك معاملات التمويل وميزانية الدولة ووثائق الملكية .. كل ذلك من أجل السيطرة على إمدادات النفط القادمة الى الغرب من آبار الأرض العربية . 

حين أنظر الى التاريخ القريب , تستوقفني بالدهشة والحيرة والألم شخصيات مثل شخصية الإمبراطور الصيني الأخير ( ﭘويه ) أو شخصية الشاه الإيراني الأخير ( محمد رضا بهلوي ) أو شخصية السلطان العماني السابق ( سعيد بن تيمور ) فهؤلاء جميعاً رجال حكام مثل غيرهم من حكام العالم , ليس أقل ولا أكثر .. الشيء الوحيد الذي أطاح بهم .. هو تغير الوضع الدولي الذي لم يعد لهم مكان فيه .

ولد السلطان سعيد بن تيمور في 13 آب 1910 وعاش حتى 19 تشرين الثاني 1972 . أما فترة حكمه فإمتدت من 10 شباط 1932 وإستمرت حتى الإطاحة به في 23 تموز 1970 .

ورث عن والده السلطان ( تيمور بن فيصل ) ما تبقى من السلطنة العمانية التي كانت تتضمن : مسقط وعمان وظفار , گوادَر على الساحل الآخر من خليج عمان في بحر العرب , وزنجبار على الساحل الأفريقي من المحيط الهندي .

_ _ _ فاصل ثم نعود _ _ _

الخطة الأمريكية الطموحة والتي لم نكن نعرف عنها شيئا الى ان تكشفت مؤخرأ .. كانت أن تتم السيطرة بالثورة الشيوعية الماوية على المليار إنسان الذين يعيشون في الصين كأيدي عاملة رخيصة تقوم بإنتاج أغلب ما يحتاجه العالم من سلع وبضائع , بعد ذلك يتم تسويق الناتج الى العالم .. وإستيراد مواد أولية للصناعة وإستيراد محروقات تحتاجها المعامل الصينية .. لكي تُصَنع وتُسوق للعالم . لكن الصين بعيدة والطريق البحري الذي يربطها بالعالم وأوربا طويل جدا ً. لذلك فبدلاً عن طريق ( الصين _ ماليزيا _ سيريلانكا _ يمن _ بحر أحمر _ قناة السويس ) سيتم إختصار الطريق بعد تقاسم الهند مع البريطانيين وإستقطاع الباكستان كمستعمرة أمريكية منهم الى طريق ( الصين _ باكستان _ الخليج العربي _ بصرة _ تركيا _ أو ميناء حيفا في إسرائيل ) .

طول هذا الطريق الجديد يبلغ ربع طول الطريق القديم وهو واحد من أهم أسباب إحتلال الأمريكان للعراق . أما زمن الرحلة البحرية من الصين الى الخليج العربي والتي كانت تستغرق ما يزيد على الشهر فقد أصبحت الآن سبع ساعات فقط لقطع مسافة 650 كيلومتر فقط , بسيارة شاحنة أو قطار نقل

– – – – إنتهى الفاصل وعدنا – – –

ما هي علاقة سلطنة عمان بكل هذه الحكاية ؟ الجواب هو أن سلطنة عمان تسيطر على ميناء مدينة گوادَر وهو ميناء طبيعي عميق يمتد في عمق مياه خليج عمان وبحر العرب .

لتتبع تنفيذ جانب من الخطة الأمريكية في الشرق الأوسط دعونا نتأمل النقاط التالية :

# 14 تموز 1958 قام الأمريكان بإنقلابهم الجمهوري في العراق فأطاحوا بالبريطانيين والملكية في ضربة واحدة وأصبحوا موجودين في شمال الخليج العربي أي في البصرة بالتحديد .

# 8 أيلول 1958 تم إجبار السلطان سعيد بن تيمور على التنازل عن گوادَر الى الباكستان الأمريكية , فيما وقعت چابهار من حصة إيران الشاهنشاهية .

# 2 كانون الأول 1971 فصل الإمارات العربية عن السيطرة البريطانية وإعلانها دولة مستقلة تحمل إسم الإمارات العربية المتحدة والبدء بالعمل على تحويلها بأموال النفط الى منتجعات تستقبل العابرين على طريق النقل العالمي الجديد الذي سيباشر العمل به لاحقاً .

# 1979 إسقاط شرطي الخليج شاه ايران القوي حتى لا يشكل عقبة بوجه تنفيذ هذا المشروع الطموح بالمطالبة بالمزيد من الصلاحيات والإعتبارات لإيران على حساب جيرانهم العرب الضعفاء الذين أنهكتهم الحروب والخلافات .

# 1980 _ 1988 وقوع الحرب العراقية الإيرانية التي هدمت أكبر دولتين في محيط هذا المعبر الجديد وهما ايران والعراق .

# 1989 بداية إنهيار الإتحاد السوفييتي لتحرير جمهوريات وسط آسيا من القبضة الشيوعية , إستعداداً لجعلها شريكاً طيباً في عمليات الإنتاج والنقل في هذا المشروع العملاق .

# 1990 دخول صدام الى الكويت الذي أتاح للأمريكان إيجاد حجة معقولة دولياً لنقل أسطولهم البحري كاملاً الى الخليج العربي لحماية هذا المشروع .

# 2002 الشروع فعلاً في بناء ميناء گوادَر .. ليس النقطة البحرية منه فقط , وإنما الطريق البري الذي يربط الصين بالميناء حيث توجد الطرق السريعة المحمية بالأقمار الصناعية , وأنابيب النفط التي تستلم النفط من الحاويات العملاقة وتنقله الى الصين عبر أنابيب شيدت لهذا الغرض .

# في زحمة إنشغال المهندسين بإعمار هذا الميناء ( البري _ البحري ) كان السياسيون الأمريكيون يفكرون في تهيئة الأجواء للخطوة التالية من المشروع , ولهذا ففي العام 2003 .. تذكروا أن صدام وكما قال محمد البرادعي .. كان يخفي أسلحة دمار شامل , فإستعملوا هذه الذريعة وجاؤا وإحتلوا العراق .

# عام 2004 كان ميناء گوادَر قد تم بناؤه .. ولم يبق لهذا المشروع غير تعمير خطين سريعين الأول يبرط البصرة بميناء حيفا في إسرائيل , والثاني بتركيا ليكتمل المشروع تماما ً .

نعود الآن الى موضوعنا الأصلي وهو .. كيف تم إقناع السلطان سعيد بن تيمور ( بيع ) سواحله على الضفة الثانية من خليج عمان الى الباكستان وإيران ؟

والجواب هو أن الرجل لم يبع .. لكن الأمر فرض عليه فرضاً . قلنا ان السلطان كان قد تسلم الحكم عام 1932 وهي فترة مضطربة عالمياً .. الحرب العالمية الثانية كانت على الأبواب , وأزمة الكساد العالمي كانت تضرب أطنابها كل أرجاء الأرض . بحلول نهاية الحرب العالمية الثانية وعقد مؤتمر يالطا .. تم تقاسم النفوذ بين الأمريكان والبريطانيين في المستعمرات حول العالم , وبدأ الأمريكان يضغطون على البريطانيين لجعلهم يغادرون اليمن وعدن وعمان .

إضطرت بريطانيا الى منح سلطنة عمان إستقلالا ً شكليا من معاهدة الوصايه الموقعة بينهما عام 1891 وكان ذلك في 20 كانون أول 1951 لهذا كان على الأمريكان إيجاد وسيلة لإخراج البريطانيين من عمان ولم تكن تلك الوسيلة إلا بدفع إمام عمان الأباظي ( غالب بن علي الهنائي ) الى التمرد على السلطان , وقد تحدثت لكم قبلاً عن طريقة الأباظية في الخروج على السلطان . إستمر تمرده مابين الأعوام 1954 حتى 1958 وكانت ربائب الأمريكان كل من السعودية وجمهورية مصر يمدونه بالدعم والسلاح , ليس حبا ً فيه , ولا كرهاً في سلطان عمان .. ولكن لتحقيق أمل أمريكا بإخراج البريطانيين من كل الجنوب العربي .

لم يكن هناك أي أمل في إخماد هذا التمرد بل كان من المتوقع أن يتحول الى صورة مشابهة لما حصل في اليمن بعد ذلك بين الجمهوريين والملكيين بمساعدة مصر والسعودية أيضا , ولهذا كان لا بد من أن تعقد القوى العظمى حواراتها السرية فيما بينها , وتتفق على أن تمرد غالب بن علي الهنائي لن يتوقف مالم توافق سلطنة عمان على التنازل عن گوادَر وچابهار وتنسحب منها كلياً .

بعد أن تم الإنسحاب من گوادَر وچابهار ( تمكن ) البريطانيون هذه المرة من تقديم الدعم الى السلطان سعيد بن تيمور فأخمد التمرد , فلجأ الإمام غالب بن علي الهنائي الى السعودية وبقي فيها حتى وفاته عام 2009 .

بقيت الأمور في هدوء نسبي داخل السلطنة حتى عام 1962 ولكن حين أسس الأمريكان الخلايا الشيوعية في محمية عدن وتوابعها , ثم قلبوا بمساعدة المصريين نظام الحكم في المملكة المتوكلية وحولوها الى جمهورية برئاسة عبد الله السلال الناصري الإشتراكي المدعوم من قبل مصر الأمريكية , في هذه الفترة إمتدت عدوى الشيوعية الى إقليم ظفار العماني , فبدأت ما عرفت بإسم ( حرب ظفار ) والتي إمتدت بين عامي 1962 وحتى عام 1975 وكانت الحرب بإشراف مصر والسعودية والصين الشيوعية والإتحاد السوفييتي .

للحديث عن هذه الحرب وكيف تم أثناءها إقتطاع ( زنجبار ) من جسم سلطنة عمان سأستعين بكتاب مغامر بريطاني هو السير ( رانولف فينس ) الذي خدم مع القوات البريطانية مدة 8 سنوات في عمان ثم كتب هذا الكتاب يتحدث فيه عن تلك الحرب , وهو من القطع المتوسط يحوي 255 صفحة طبع في مطابع ( هودر وستوغتون) عام 1975 . عنوانه ( رانولف فينيس حيث يخشى الجنود المضي ) .

تعتبر مدينة صلالة العمانية عاصمة للمدن الصغيرة المحيطة بجبل ظفارمثل مدينة المغيسل ومدينة طاقة ومدينة المرباط . في العام 1962 تمرد زعيم إحدى القبائل ويدعى ( مسلم بن نفل ) على السلطان , وبدأ يتسلم الدعم من الحكومة السعودية التي لها مشاكل مع حكومة عمان حول عائدية واحة البريمي الى كل منهما , وكانت السعودية قد أمدت تمردين آخرين وقعا في الجبل الأخضر في الأعوام 1957 و 1959 .

شكّل مسلم بن نفل ما كان يدعى ب ( جبهة تحرير ظفار ) وتسلم السلاح والعجلات من السعودية , كما أن أمام عمان السابق ( غالب بن علي الهنائي ) الذي كان منفيا في السعودية , كان يمده بالدعم أيضاً وفي شهر كانون الأول 1962 قام بن نفل ورجاله بمهاجمة القاعدة البريطانية في صلالة . عند إنسحابهم من الهجوم قامت السعودية بإرسالهم الى العراق للمزيد من التدريب على حرب العصابات

بعد تدريبهم تعلموا كيفية تنظيم الهجوم بطريقة ( هاجم وإهرب ) ضد المنشآت النفطية والمؤسسات الحكومية .

في العام 1964 كان أعضاء ( جبهة تحرير ظفار ) ينسقون عملهم مع التنظيمات الماوية الموجودة في اليمن ( الجنوبي ) ولهذا كانوا يرسلون الى بكين في الصين ليتلقوا الخبرات القتالية والتدريب على السلاح .

تسليح المتمردين كان بالسلاح السوفييتي الذي يتسلمونه عن طريق التنظيمات الشيوعية في اليمن الجنوبي التي تنسق أعمالها مع حكومة عبد الناصر التي كانت تمتلك تلك الفترة ترسانة من السلاح السوفييتي . تخيلوا أي مضحكة !! فقد كانت مصر والسعودية تحاربان بعضهما في اليمن , لكنهما كلتاهما تمدان الظفاريين بالدعم والمعونة .. تحيا شعارات العروبة والإسلام .

القوات السلطانية كانت تحارب المتمردين بخبرة ومشورة ومعية القوات البريطانية , ولذلك أبدى الأمريكان للبريطانيين في تلك الفترة كراهية شديدة جعلتهم يطاردون النفوذ البريطاني في ( شرق أفريقيا البريطانية ) ولهذا قامت حكومة تنجانيقا المدعومة أمريكيا بملاحقة النفوذ البريطاني في موزمبيق وإحتلال الأجزاء الساحلية التي كان يسيطر عليها العمانيون من أفريقيا بمساعدة بريطانية وإخراجهم منها . وحين إشتد قتال ظفار في العام 1964 قامت حكومة تنجانيقا بمساعدة متمردين أفارقة من أصل أفريقي يدعمهم متمردون زنجباريون من أصول فارسية يدعون ( الشيرازيين ) بالهجوم على جزيرة زنجبار لإنهاء النفوذ العربي فيها وتطهيرها عرقياً من الجالية العربية فتم خلال يومين قتل ما لا يقل عن عشرين ألف عربي من سكان الجزيرة أغلبهم من العمانيين واليمنيين في مجازر يندى لها جبين حتى من لا شرف له .. أضع لكم هذا الرابط لمتابعة جانب من المجزرة , ولكن أرجو إهمال الإستماع الى كلام المعلق لأنه يجافي الصواب في عدة مواقع , لأن طرد العرب من زنجبار لم يكن لمصلحة المسيحية ضد الإسلام ولكن لمصلحة الولايات المتحدة الأمريكية ضد بريطانيا . بعد هذه المجزرة سيطرت تنجانيقا على زنجبار وأعلنت الوحدة معها وصار إسم البلد هو ( جمورية تنزانيا المتحدة ) المشتق من إسمي : تنزانيا و زنجبار , وإنتهى بذلك الوجود البريطاني في أفريقيا . 

عام 1966 تعرض السلطان سعيد بن تيمور الى محاولة إغتيال أثرت عليه بشدة , إذ لم يشاهد بعدها في العلن مرة أخرى , بل بقي في قصره في صلالة وشن هجوماً كبيرا ضد جبهة تحرير ظفار وعلى العكس من النصيحة البريطانية تم تدمير القرى وصب الكونكريت في آبار وأفلاج الماء .

التنظيمات الشيوعية في اليمن الجنوبي المدعومة من قبل عبد الناصر أخذت دورها في دعم جبهة تحرير ظفار مما صعد المواقف بشدة وحدة .

حين نصل الى العام 1967 نجد أن حدثين مهمين قد وقعا ذلك العام أسبغا تعقيداً أكبر على الأوضاع في عمان .. الأول هو نكسة العرب في حرب حزيران , والثاني هو إضطرار البريطانيين الى الإنسحاب من عدن وتأسيس دولة اليمن الجنوبية الشيوعية التي بدأت تمد الظفاريين بالسلاح والتجهيزات ومعسكرات التدريب والدعم اللوجستي .. الذي كان ينضم كله في مدينة ( الحوف ) اليمنية القريبة من الحدود مع عمان .

في مايس 1968 تمكن الظفاريون من دحر هجوم للقوات السلطانية في ( جبل قمر ) إعتماداً على تدريبهم وتسليحهم الجيدين .

عام 1968 صارت جبهة تحرير ظفار أقوى عوداً تفرعت عنها : الجبهة الشعبية لتحرير الخليج العربي المحتل . وكانت مدعومة من الماويين والماركسيين اللينينيين في اليمن . ودخلت الصين نكاية بالإتحاد السوفييتي في هذه الفترة على خط الدعم المباشر لهذا التنظيم بعد الإنشقاق الصيني السوفييتي عقب المماحكات التي حصلت بين ماوتسي تونغ ونكيتا خروشوف , رغم ذلك فالإتحاد السوفييتي لم يتخل عن جانبه في الدعم .

عام 1969 تمكن هذان التنظيمان الشيوعيان من السيطرة على مساحة اكبر من جبل ظفار فوصلوا الى ( ثمريت ) وذلك بإستعمال السلاح الآلي المتطور .

عام 170 تم تشكيل منظمة شيوعية جديدة هي : الجبهة الوطنية الديمقراطية لتحرير عمان والخليج العربي . وفي حزيران من نفس العام قامت الجبهة بشن هجومين في مدينتي ( نزوى ) و ( إزكي ) ورغم أن الهجوم قد تم صده إلا أن قناعة قد تولدت بأن يأس الناس من الأوضاع هو الذي كان يدفعهم الى هذه التنظيمات وليس قناعتهم بالشيوعية .. ولهذا كان التغيير الجذري هو المطلوب .

يوم 23 تموز 1970 تم خلع السلطان سعيد بن تيمور في إنقلاب أبيض , فذهب للعيش في لندن ومات بعد ذلك بسنتين .

إبنه السلطان قابوس بن سعيد الذي تسلم الحكم بعده قام بخطوات سريعة وحاسمة لتغيير كل شيء وذلك من خلال خطة تحديث شاملة للبلد , وإصدار عفو عام عن كل الذين يلقون سلاحهم , ومحاصرة الجيوب المتبقية حتى إنهاء مقاومتها . بالوصول الى عام 1975 كانت الحرب قد وضعت أوزارها وأصبحت جزءاً من الماضي , لكن التي دعتني للكتابة عن هذا الموضوع هي رغبتي إلقاء الضوء على هذا الطريق العالمي الجديد الذي يربط العالم من الصين الى أوربا .. مروراً بالعراق .. لأني مقتنعة الآن بأن هذا هو السبب الأهم للإحتلال الأمريكي للعراق .  ميسون البياتي – مفكر حر؟

About ميسون البياتي

الدكتورة ميسون البياتي إعلامية عراقية معروفة عملت في تلفزيون العراق من بغداد 1973 _ 1997 شاركت في إعداد وتقديم العشرات من البرامج الثقافية الأدبية والفنية عملت في إذاعة صوت الجماهير عملت في إذاعة بغداد نشرت بعض المواضيع المكتوبة في الصحافة العراقية ساهمت في الكتابة في مطبوعات الأطفال مجلتي والمزمار التي تصدر عن دار ثقافة الأطفال بعد الحصول على الدكتوراه عملت تدريسية في جامعة بغداد شاركت في بطولة الفلم السينمائي ( الملك غازي ) إخراج محمد شكري جميل بتمثيل دور الملكة عالية آخر ملكات العراق حضرت المئات من المؤتمرات والندوات والمهرجانات , بصفتها الشخصية , أو صفتها الوظيفية كإعلامية أو تدريسة في الجامعة غادرت العراق عام 1997 عملت في عدد من الجامعات العربية كتدريسية , كما حصلت على عدة عقود كأستاذ زائر ساهمت بإعداد العديد من البرامج الإذاعية والتلفزيونية في الدول العربية التي أقامت فيها لها العديد من البحوث والدراسات المكتوبة والمطبوعة والمنشورة تعمل حالياً : نائب الرئيس - مدير عام المركز العربي للعلاقات الدوليه
This entry was posted in دراسات سياسية وإقتصادية, دراسات علمية, فلسفية, تاريخية. Bookmark the permalink.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

This site uses Akismet to reduce spam. Learn how your comment data is processed.