لاشك أن المستقبل بالنسبة لنا يمثل السؤال ألاهم وألاخطربل انه يمثل محور واتجاه النشاط الانسانى بمجمله ذلك لان الحضارة الانسانية تبدأ من الغد أى تبدأ فى المستقبل وتبدوا علاقتهما بلغة رياضية أن الحضارة دالة فى الزمن أى تتغير بتغيره وتدور مع دورته. وهذه المقدمة ليس لها تفسير الا أن اهمال المستقبل هو انحراف عن المسار الحضارى للجنس البشرى وأن معاداة الغد ستفرض علينا معاداة التاريخ الذى يمثل الطرف الاخر لمعادلة الزمن المعقدة . وهذا ما يمكن ان نشبهه بحالة السائل بين الانسياب والتجمد أو الانطلاق والتموضع وما بين هذا وذاك علينا أن نرصد موقفنا من المستقبل والماضى أو بمعنى أدق موقفنا من الحضارة والتخلف. هل معنى ذلك أن الاهتمام بالماضى هو ردة حضارية ورجوع الى الخلف ؟؟ بالقطع لا ليس الاهتمام بالماضى هو الذى يصنع التخلف بل السبب هو اعتبار أن الماضى هو نقطة انطلاق الحضارة وسفينة لغزو المستقبل وهذا ما يجب ان نتلمسه ونفهمه اذ كيف ننظر الى الماضى و التاريخ وعلاقتهما بالمستقبل؟! والى هنا سننزلق الى سؤال عن الفرق بين مفهوم الماضى ومفهوم التاريخ . فالتاريخ ليس الا مجموعة الاحداث التى حدثت بالامس وليس بالضرورة أن تتكرر اليوم او الغد أما الماضى هو مجموعة الافكار التى عاشت بالامس وستنتقل بالضرورة الى الحاضر ثم الى المستقبل فضلا عن أن التاريخ قابل للتحليل والنقد وامتصاص الخبرات المفيدة لتنتقل للمستقبل حتى لا تتكرر أخطاء السابقين أما الماضى غير قابل للتحليل ولا التنقية اذ ينتقل الى المستقبل بعيوبه وقصوره فالماضى هنا يفرض نفسه على المستقبل بشكل قصرى يؤدى الى قوبلة الفكر والعقل بشكل يجعلك تقدم نفس الاجابة بطرق مختلفة لجميع الاشكاليات المختلفة فى الازمنة المختلفة وهذا بالتحديد هو التخلف. وتقريبا هذه هى اشكاليتنا كمجتمعات عربية مع الماضى ومع المستقبل هى أننا نريد المستقبل كالماضى أى نريد اعادة انتاج الماضى فى المستقبل. والسؤال الان هو لماذا نريد ذلك؟؟ الاجابة على هذا السؤال تكمن فى فهم أن حلقة الوصل بين المستقبل والماضى هى العقل وهو الاداة المعطلة المغيبة بسبب سيطرة الفكر الاسطورى والغيبى واحتضان الخرافة أو اعتناق الثوابت الجامدة وهذا هو السبب الرئيسى للتخلف. وبالتالى فنحن أمام نتيجة مهمة أن العقل المعطل الاسطورى الجامد غير قادر على استشراف المستقبل وليس لديه أى اجابات على اسئلة الغد سوى ثقافة الماضى البالية . فالحل اذن للحاق بقطار الحضارة هو تحرير العقل وجعله حيادى وفرض حرية العقل حتى يكون له السلطة لنقد وتشريح وتحليل كل الافكار والثقافات لننفض منها ما يقيد تقدم الانسان من جهة ونتمكن من الاستعداد لحل مشاكل المستقبل من جهة أخرى. ولكن اذا كان هذا حل مناسب فلماذا لم تتبناه المجتمعات العربية التى تعانى من التخلف؟ الاجابة تكمن فى أن ذلك سيتعارض حتما مع الثوابت والتى تتفرع الى ثوابت ايمانية وثوابت سياسية وثوابت ثقافية وفكرية. غير أن أخطر ثوابت تتصادم معها حرية العقل هى الثوابت الايمانية بما معناه أن المجتمع سيتخوف من أن العقل الحر يمكن أن ينكر وجود الله أما العقل المغيب سيقبل الايمان بكل أريحية بدون نقد أو تحليل!! وطبقا لهذا المنطق فالمغيبون فقط وبسيطى التفكير ومحدودى العقل هم اللذين يؤمنون وهذه حجة ضد المجتمع ليست معه غير أن ايمان العقل الحر هو أقوى وأفعل من ايمان قهرى مفروض على الانسان بقوة المجتمع لان الحكماء والعلماء أيضا يؤيدون وجود الله ويقدمون الادلة القوية من منطلق العقل الحر. غير أن ركود الفكرة والتسليم بها بشكل تلقائى يضعف تأثيرها ويبهت مفعولها وينقلنا ذلك الى الايمان الظاهرى المظهرى الذى يتجلى فى الاقوال ويختفى فى الافعال وما يترتب عليه من ازدواجية ونفاق ورياء وشكلية وهو ما تعانى منه مجتمعاتنا بالفعل. بالاضافة الى مايعكسه ذلك من ضعف الايمان أصلا فوجود الله قطعا لايهزه فكرة ولا ينقده رأى فهذا فقط منطق العقول الكسولة ضعيفة الفكر التى تجد الاجابات السهلة فى المسلمات والثوابت وقمع حرية العقل. غير أن الايمان الحقيقى الواعى يقدم نفسه كمنظومة أخلاقيات وقيم روحية وعقائدية ثابتة ولكنه فى نفس الوقت يعترف بنسبية الحياة وتغيرها وقابليتها للتطور ويعترف للعقل بحقه فى الحرية والتفكير بشكل نسبى فى المجالات الغير قابلة للثبات وبذلك فالايمان لايقف عقبة فى طريق التطور المادى والحضارى غير أن الانسان هو الذى يفعل ذلك بفرضه معنى معين للايمان يناسب عقله المغيب المقيد. بيد أن أخطر الثوابت التى تنادى بثبات العقل هى المسلمات السياسية ومصلحتها فى ذلك هو احتكار السلطة من جهة والاستبداد فى ممارستها من جهة أخرى وهنا ستلوح السياسة للعقل باستخدام القوة بمسوغ من سلطتها الشرعية. فمواجهة الفكر بالقوة هى أهم سبب لازالة شرعية هذه السلطة وهذا قطعا ما يجب أن تتبناه وتحترمه الدساتير المتحضرة التى تؤمن أن سلطة العقل فوق سلطة السياسة وسلطة المجتمع ولا تواجه الا بالعقل المضاد. بئيسة وتعيسة تلك المجتمعات التى تقع فريسة للاستبداد السياسى الذى يحرمها من الاختيار ومن الحرية وخاصة حرية العقل لانه بذلك يضمن لنفسه عقود من الاستمرار والظلم والتجهيل والغاء الفكر. أما قوالبنا وموروثاتنا الثقافية فتساهم أيضا بقدر وفير فى تخلفنا ويتجلى ذلك فى اضطهاد الانوثة وقمع حرية المرأة والتمييز ضد الاقليات العرقية والدينية وتمجيد الذات والشوفينية البغيضة ونظرية المؤامرة والانغلاق والعداء مع الاخر والحياة داخل أمجاد التاريخ والتحسر على الماضى وغيرها الكثير. والان علينا كمجتمعات عربية أن نقاوم كا ما يعوق أو يحجب رؤيتنا للمستقبل وعلينا ان نتخلى عن أفكار الماضى ونستعد لاستقبال المستقبل بفكر جديد نابع من عقل حر حتى نتفاعل مع الحضارة ونسير فى طريقها لان البديل هو لعنة التاريخ.
-
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
الحزب الشيوعي لايختلف عن الاحزاب الدينية الفاشية .. الداخل مفقود والخارج مولود
Published by:مفكر حر** كيف بلع نظام الملالي ... الطعم ألإسرائيلي **
Published by:سرسبيندار السندي** كيف يسخر ويضحك صبيان محمد الجدد ... على عقول ألمسلمين **
Published by:سرسبيندار السنديالمسيح في فكر الإسلام والعقيدة المسيحية
Published by:صباح ابراهيممن يوميات إمرأة حلبجية
Published by:مفكر حراسطورة الإسراء والمعراج
Published by:صباح ابراهيمالفيلم الألماني " حمى الأسرة"
Published by:طلال عبدالله الخوري** جدلية وجود ألله … في ضوء علم الرياضيات **
Published by:سرسبيندار السنديفيلم ايطالي عام 1959 عن تدمر والملكة العربية زنوبيا … علامة المصارع
Published by:مفكر حر** أمة الكُورد بين ألإسلام … والتخلف والتعصب والاوهام **
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/10
Published by:علي الكاشأفكار شاردة من هنا وهناك/51
Published by:مفكر حرقراءة متأنية في ديوان (قصائد منزوعة السلاح) للشاعر نينوس نيراري
Published by:آدم دانيال هومه** كيف رتبت أل سي اي ايه … لقاء الصحفي تايكر ببوتين ولماذا ألان **
Published by:سرسبيندار السندي** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
Published by:سرسبيندار السنديالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/8
Published by:علي الكاشأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح( 18-19 )
Published by:حسن محموديأفكار شاردة من هنا وهناك/49
Published by:مفكر حرالانتخاب
Published by:مفكر حر" الاشياء البائسة" Poor Things
Published by:طلال عبدالله الخوريالأدب النسوي ما بين الإبداع والاستغلال
Published by:اسعد عبد الله عبد عليأفكار شاردة من هنا وهناك/48
Published by:مفكر حرالرب يفضح الأنبياء الكذبة
Published by:صباح ابراهيمأخطار تهدد الحياة على الأرض
Published by:صباح ابراهيمكأس عسل
Published by:عصمت شاهين دو سكيسليلة الآلهة
Published by:آدم دانيال هومهأفاعي السوء وباعة الكذب في مهب الريح ( 16, 17)
Published by:حسن محمودي** محنة العقل في الاديان ومعضلة كتبها … بالدليل والبرهان **
Published by:سرسبيندار السندي** لماذا قصف نظام الملالي الارعن … مدينة أربيل ألان **
Published by:سرسبيندار السندياوبنهايمر
Published by:طلال عبدالله الخوري** مَن سيُحاسب قادة حماس … على جرائمهم بحق غزة وأهلها **
Published by:سرسبيندار السندياسرار #الموساد عن #العراق - ج 1
Published by:صباح ابراهيمالمرأة بين الماضي والحاضر مسيرة كفاح وتنمية ونماذج معاصرة
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/4
Published by:علي الكاشالقاسم الأيمانيّ المشترك :
Published by:مفكر حرعام جديد..
Published by:مفكر حر** قصة مِيلادِ السيّد المَسِيحْ … العجيبة والفريدة **
Published by:سرسبيندار السندي#محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
Published by:محمد الماغوطأفكار شاردة من هنا وهناك/43
Published by:مفكر حرمن هو يسوع المسيح ؟ - يسوع المسيح يكشف لنا حقيقة الله-
Published by:مفكر حرالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
Published by:علي الكاشفاطمة الزهراء و غموض تاريخها
Published by:صباح ابراهيم#نزار_قباني: أيها المسيح العظيم هل تقبل دعوتي إلى العشاء .
Published by:نزار قباني** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
Published by:سرسبيندار السنديهل روح الله هو الله ام جبريل ؟
Published by:صباح ابراهيمأُمة فيها العجب
Published by:عصمت شاهين دو سكيتجاعيد وايجار واتهام
Published by:اسعد عبد الله عبد عليتقاسيم على أوتار الريح
Published by:آدم دانيال هومهالنظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/1
Published by:علي الكاشالدعاء على المسيحيّين
Published by:مفكر حرمباحث في الأدب واللغة/63 الطعام والمطبخ العربي
Published by:مفكر حرأفكار شاردة من هنا وهناك/41
Published by:مفكر حر#مسيحيو_المشرق و(الخيارات المرة )!!!:
Published by:مفكر حرهادي العامري واوهام المدمنين
Published by:علي الكاشالكفاءة
Published by:عصمت شاهين دو سكيأفكار شاردة من هنا وهناك/40
Published by:مفكر حرالعهد الجديد و سفر التكوين والخليقة
Published by:صباح ابراهيمأحدث التعليقات
- س . السندي on الفيلم الألماني ” حمى الأسرة”
- Sene on اختلاف القرآن مع التوراة والإنجيل
- شراحبيل الكرتوس on اسطورة الإسراء والمعراج
- Ali on قرارات سياسية تاريخية خاطئة اتخذها #المسلمون اثرت على ما يجري اليوم في #سوريا و #العالم_العربي
- ابو ازهر الشامي on الرد على مقال شامل عبد العزيز هل هناك دين مسالم ؟
- س . السندي on ** هل سينجو ملالي إيران بفروة رؤوس … بعد مجزرة طوفان الاقصى وغزة والمنطقة**
- مسلم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- الحكيم العليم الفهيم on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- المهدي القادم on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- Joseph Sopholaus (Bou Charaa) on تقاسيم على أوتار الريح
- س . السندي on النظرة الفارسية الدونية للعرب المسلمين أصولها، أسبابها ونتائجها/3
- س . السندي on اوبنهايمر
- محمد on مطالعة الرجل لمؤخرة النساء الجميلات
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- س . السندي on علماء النصارى كانوا يتسمون اسماء اسلامية
- س . السندي on فاطمة الزهراء و غموض تاريخها
- س . السندي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- س . السندي on سورة مريم اقتبست من شعر امية بن ابي الصلت
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- لينا on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- س . السندي on #محمد_الماغوط من الغباء ان ادافع عن وطن لا املك فية بيتنا
- Mohammad Al Kassab on ضحايا صدام حسين 7
- ابن الرافدين on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- قثيم بن سنحريب الفيروزي on ** أيا عُبَّاد الهلال … لنا لكم سؤال **
- مسلم on القرآن زور التوراة والإنجيل
- ألعارف الحكيم : عزيز الخزرجي on أفضلية الإمام عليّ (ع) على آلرُّسل :
- قثم بن عبد الات القرشي on هدف حماس من (طوفان الأقصى) وهدف إسرائيل من اعلان حالة الحرب
- طوفان البدروسي on ** لماذا ورطت إيران قادة حماس … بطوفان الاقصى ألان **
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية
- مفكر حر on القول ما قاله سماحة #الكاردينالساكو بشأن فاجعة #عرسالحمدانية