بقلم د. توفيق حميد/
ربما سمع الكثير عما يسمى الأحرف النورانية في القرآن وهي تلك الأحرف التى تبدأ بها بعض السور مثل “الم” و”ص” و”ق” و”كهيعص” واختلف المفسرون فى تأويلها.
وأنا فى هذه المقالة لا أتطرق إلى هذه الحروف وإنما أناقش ما أسميها “الأحرف المنسية في القرآن” وهي تلك الأحرف التي لو لم تُنسَ وأُخذَتْ فى الاعتبار فى فهم القرآن لكنا شهدنا إسلاماً آخر رافضاً للعنف، غير المفهوم العنيف للدين والذي نراه اليوم مهيمناً على ساحته الفكرية.
والحق يقال أنه لا يختلف الكثير من الباحثين على أن استخدام العنف كان جزءاً رئيسياً فى الفكر الإسلامى منذ بدأت الفتوحات الإسلامية لنشر الدين في شمال أفريقيا وأجزاء من آسيا وأوروبا. وقد تم تبرير هذه “الفتوحات” بمبدأ قتال الكافرين أوغير المسلمين أوما يطلق عليه فى الكتب الإسلامية بالجهاد الإسلامي لكي يكون العالم تحت “راية الإسلام”.
ويستخدم الجهاديون والمتطرفون فى عصرنا هذا نفس المنطق القتالي أو الجهادي ولكن يطبقونه بصورة فردية أومن خلال مجموعات صغيرة.
ولاعجب حينما نستمع إلى الأسس الأيديولوجية والفكرية لجماعات مثل داعش والقاعدة وغيرهما وهي تستند إلى آيات قرآنية لتبرير اعتدائهم على الآخرين. ففى أروقة هذه الجماعات المتطرفة – والتي كنت عضواً في واحدةٍ منها فى مرحلةٍ مبكرة من حياتي – يتم تداول آيات عديدة لحث أعضاء هذه الجماعات على جهاد وقتال “الكافرين أو المشركين”. ومن ضمن هذه الآيات على سبيل المثال ” فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ” و “وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ”، و”َيا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ” و”قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ”.
وللأسف الشديد فإن معظم – إن لم يكن جميع – التفسيرات المعتمدة للدين الإسلامي تركت هذه الآيات دون تحديد أو تعريف أو تخصيص واضح. فأطلقت العنان لقتال “كل” غير المسلمين على اعتبار أنهم كافرون أو مشركون ينبغي قتالهم لنشر الدين أو لإخضاعهم لحكم الإسلام.
وهنا تكمن الكارثة فى هذه التفسيرات المعتمدة وهي أنها أغفلت أدوات التعريف في اللغة العربية، والتي تُغير تماماً مفهوم آيات القتال فى القرآن وبصورة مطلقة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، إن قلتُ لك اعطني “كتاباً” فأنا لا أعني كتاباً بعينه، وفى هذه الحالة يمكنك أن تنفذ هذا الطلب بإعطائي “أي كتاب” أو بمعنى آخر يمكنك أن تعمم المعنى على أي كتاب. أما إذا قلت لك أعطني “الكتاب” – أى عرفتُه بالألف واللام ففي هذه الحالة أنا أتكلم عن كتاب بعينه وليس عن كل أو أي كتاب. والأمر في شأن الكتب يسير أما في أمور تتعلق بقتل البشر وإعلان الحرب عليهم فليس بالشيء اليسير أبداً.
فإن قال القرآن قاتلوا “من كفر” فالمعنى قد يتم تعميمه على جميعِ غير المسلمين، أما إذا قال القرآن قاتلوا “الكافرين أو المشركين” أو”الذين كفروا” أو”قاتلوهم” فإن الحديث هنا يتكلم فقط عن طائفة معرفة بعينها وهي التى عرفَّها القرآن باستخدام “الألف واللام” و”الذين” و”هم”.
والمتأمل فى آيات القرآن التي تم استخدامها لتبرير قتال غيرالمسلمين في التاريخ الإسلامي والتي لا يزال الجهاديون يستخدمونها حتى يومنا هذا لتبرير العنف ضد غير المسلمين، يجد أن هذه الآيات – وبدون أي استثناء – تستخدم “أدوات التعريف” فى اللغة العربية والتي تحدد المعنى فى مجموعة بعينها وقت نزول الآيات القرآنية أي لا يجوز تعميمها على الجميع.
وأحرف أدوات التعريف هذه هي ما أطلقتُ عليها فى هذا المقال “أحرف القرآن المنسية”. فهذه الأحرف – والتي نسيَها الناسُ- إن تمَ أخذها في الاعتبار لفهم آيات القرآن فإن مسار التاريخ كان سيتغير تماما، إذ سيكون فهم الآيات الداعية للعنف والقتال فى سياقها الزمني والمكاني فقط، وكان في هذه الحالة سيتم تفعيل المبادئ القرآنية العامة مثل ” وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ” و” لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ” و” فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ” و” لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ”.
ولنضرب مثالا على أرض الواقع بسرد بعض من أكثر الآيات القرآنية التي تم استخدامها لتبرير قتال غير المسلمين: ” وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً” و” قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ” و” وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ” و”جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ “.
وكما نستطيع أن نلاحظ فإن جميع هذه الآيات وبدون استثناء استخدمت أدوات أو وسائل للتعريف لكي تحدد المعنى زمانياً ومكانياً. ومن ضمن هذه الأدوات المستخدمة “ال” و”الذين” و”هم”. ولو كان القرآن يريد تعميم المعنى لاستخدم تعبيرات أخرى مثل ” قاتلوا من كفر” و”قاتلوا من أشرك” بدلاً من تعريفها بهذه الأحرف كما تم ذكره.
ويا ترى كيف كان التاريخ والواقع الإسلامي سيتغيرا لو تم قراءة هذه الآيات من خلال نظارة أدوات التعريف المذكورة والتي كانت ستمنع الكثير من الحروب والويلات التى اعتمدت بشكل كبيرعلى استخدام هذه الآيات بصورة تعميمية بدلاً من تخصيصها.
والسؤال الذى يطرح نفسه هو هل تم إهمال أو “نسيان” أدوات التعريف وأحرفها عمداً لتبريرالعنف والفتوحات والغزوات باسم الدين أم أن الأمر كان جهلاً مطبقاً.
ومن العسير افتراض أن هذا الإهمال التاريخي لشيء فى هذه الخطورة كان نتاج جهل بل كان بالأحرى متعمداً لتبرير الكثير من الحروب وللسيطرة على الناس باسم الدين.
والآن، هل يا ترى يستطيع المسلمون قراءة القرآن بصورة جديدة تضع هذه الأحرف في الاعتبار؟ وذلك – إن تم – فسيكون له أعظم الأثر في صناعة مستقبل أفضل للعالم وفى منع احتمالية صراع الحضارات.
بحث موقع مفكر حر
أحدث المقالات
بايدن أمام ثلاث سياسات تجاه الشرق الأوسط
Published by:مفكر حر#اميركا نفذت مشروع إنارة الشوارع بطول ٧٫٨٤ كم #سوريا #من_أمريكا_إلى_سوريا
Published by:مفكر حرقانون الأحوال الشخصية في الجزيرة السورية .
Published by:عبدالله حسينفيلم ضحك ولعب وجد وحب
Published by:أسامة حبيبهل كان جمال كليوپاترا سبباً في شهرتها ؟
Published by:عضيد جواد الخميسيابن خلدون وساسة العراق
Published by:مفكر حرألنزاهة ليست نزيهة لذا ألعراق في مهبّ ألرّيح:
Published by:عزيز الخزرجيأوراق شتاء
Published by:عصمت شاهين دو سكيثلاث سيناريوهات ليوم "تتويج" #بايدن في #واشنطن .
Published by:مفكر حردراسة شرعية للشيخ علي محمد شوقي في آداب وأحكام استخدام #الفيسبوك
Published by:مفكر حردراسة امريكية حول سياسة #بايدن الجديدة في #سوريا: دعم #الاكراد ضد اعتداءات #تركيا
Published by:أديب الأديبعلم الجهل
Published by:ميسون البياتيغزل سوري بامتياز ...
Published by:مفكر حرفيلم فوتوكوبي
Published by:أسامة حبيبكيفيّة ألتّخلص من آلكارثة ألعراقيّة؟ ألقسم ألأوّل
Published by:عزيز الخزرجيمراجعة نقدية لرواية "حازم يعود هذا المساء" لنبيل عودة
Published by:نبيل عودةعن اي ديكتاتورية وأي ديمقراطية تتكلمون ؟
Published by:مفكر حر#أم_سيف...يوتيوبر عندها خمسة مليون متابع. وضعت الشارع العربي بحيرة ب30 ثانية
Published by:مفكر حركنيسة المورمون جمّعَت 100 مليار دولار أمريكي استعداداً لظهور السيد المسيح القادم
Published by:مازن البلداوياللواء عدنان الأسد: يفضح فساد الوزراء واعضاء مجلس الشعب ولكنه يستثني عائلة الاسد
Published by:مفكر حرقصة المنتخب العراقي والعلم المقلوب
Published by:اسعد عبد الله عبد عليكل السوريين بانتظار و ترقّب النبأ المفاجأة بترشّح بشار الاسد لولاية أسدية عاشرة.
Published by:زياد الصوفيابرز التعديلات على قانون الاحوال الشخصية السوري
Published by:مفكر حراوصف المسيح ومحمد في القرآن والسنة
Published by:صباح ابراهيمهل يجوز ان ( تفسي ) جنب مراتك ؟
Published by:مفكر حربدون بروتوكولات ...،
Published by:ميخائيل حدادفيلم هيبتا
Published by:أسامة حبيب#شاهد #الأسد يعلن عن دين جديد في #سوريا و #ماغي_خزام تصفه بالشيطاني
Published by:ماغي خزامقراءة في العلم والعلماء والأسلام
Published by:يوسف يوسفالانتخابات الديمقراطية في نظام #الاسد والبرامج الانتخابية
Published by:زياد الصوفيتدعم الولايات المتحدة الحوار الكردي-الكردي وتتطلع إلى استمرار تقدمه
Published by:مفكر حرلماذا تعيد المؤسسات التفكير بموضوع تبرعاتها المالية
Published by:مازن البلداويتحالف خامنئي وكورونا لارتكاب جريمة إبادة جماعية لأبناء الوطن
Published by:حسن محموديمـــرة ملكـــة .. دائمــا ملكـــة!!
Published by:نبيل عودةانتهاكات حقوق الإنسان في إيران عام 2020
Published by:حسن محمودياثار بابل وغياب المنظومة السياحية
Published by:اسعد عبد الله عبد عليحفنة من الثلج الساخن
Published by:حمدي تمّوزأَ لا من مسؤول شريف يعتبر مِن مواقف عليّ(ع)!؟
Published by:عزيز الخزرجي#سوريا: اعتماد تحليل ال "دي ان ايه" لاثبات النسب #سلوى_زكزك
Published by:مفكر حرمحدش قدر يتخلص من #صفوت_الشريف في #مصر
Published by:مفكر حردكتور عنوسة
Published by:مفكر حر#شاهد #ربيع_الخولي يقرأ الفاتحة و #ماغي_خزام ترد
Published by:ماغي خزاماعتراف صادم لقائد قوى الأمن #ايران .. هناك 400 ألف مدمن في #طهران وحدها
Published by:مفكر حرشبكات معقدة خططت ونفذت لصفقة نترات الأمونيوم حتى وصولها لمرفأ #بيروت يقف #الاسد
Published by:أديب الأديب#شاهد امارة #غزة شمال #سوريا #فرقة_الحمزة - تفقد جاهزية مقاتلو قاطع غصن الزيتون
Published by:مفكر حرحكاية أم كلثوم مع أهل الشام
Published by:مفكر حر#شاهد #محمد_المسيح #التاريخ_المبكر_للإسلام 84 ما هو الذكر وصحف إبراهيم وموسى؟
Published by:مفكر حرحين أتيت موؤودة من بطن أمي
Published by:مفكر حرحوار مع الشاعر عصمت شاهين دوسكي
Published by:عصمت شاهين دو سكيتغريدات القرضاوي
Published by:مفكر حرسننتقم وننتقم .. ولم نرى غير الوعيد والكلام
Published by:سرسبيندار السنديأحدث التعليقات
- س . السندي on #شاهد #الأسد يعلن عن دين جديد في #سوريا و #ماغي_خزام تصفه بالشيطاني
- ابو حيان الماوردي on هل يجوز ان ( تفسي ) جنب مراتك ؟
- John mahfoud on شاهد تطاول على العقيدة المسيحية بأنها هشة و محرفة فأتاه الرد الساحق من الاعلامية ماغي خزام
- Abdulnasser alnabulsi on شذوذ ام كلثوم
- سيباويه العراقي on تغريدات القرضاوي
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Ben cheikh jamila on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- س . السندي on ومضة للتعبئة القسرية للعقلية الأسلامية
- Imad on قراءة الفاتحة بالسريانية: قبل الاسلام
- aram on #شاهد #كمال_اللبواني يرد على #أنس_العبدة فاضحاً فساد #الإئتلاف_السوري_المعارض.. هههه لم نرهم عندم سرقوا ولكن رأيناهم حين اختلفوا
- talal al khoury on اساطين القانون: يعرضون كيف يستطيع ترامب ان يفوز بقضية تزوير الانتخابات امام المحكمة العيا
- talal al khoury on نهاية التاريخ والانتخابات الامريكية
- دحيه الكلبي القرشي on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مفكر حر on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- س . السندي on فيلم الكنز :الحقيقة والخيال
- جابر on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مسعود الاذقاني on #شاهد الشيخ العراف #رامي_مخلوف وتنبوءات 2021
- فاضل البراك on الجماهير البعثية والصنمية تتناكح من جديد
- س . السندي on #شاهد نصب تذكاري لقاسم #سليماني في #بيروت يثير غضب اللبنانيين
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- Taha on ايات المتعة واغتصاب النساء شريعة في الاسلام
- مفكر حر on فيما يخص الشأن السوري بيان #قمة_العلا على البنود التالية
- فراس on فيما يخص الشأن السوري بيان #قمة_العلا على البنود التالية
- مفكر حر on “مُحمَّد” في “الشهادتين” هل هو المسيح ؟؟؟ّ !!!
- نافع شابو on “مُحمَّد” في “الشهادتين” هل هو المسيح ؟؟؟ّ !!!
- سليم on عائلة الأشقاء محمد, كاميليا, ووجدى العربى الإرهابية من الوسط الفني المصري
- Zidan Dallah on أنجس شعب على أطهر أرض: الجملة الشهيرة المتداولة بالأوساط الفلسطينية
- أسامة حبيب on حمار راهن على حمار
- س . السندي on حمار راهن على حمار