ترامب و «المناطق الآمنة» في سورية

رضوان زيادة

عاد الرئيس ترامب دونالد إلى التأكيد أمام تجمع مؤيد له في فلوريدا الشهر الماضي، أنه يرغب في إنشاء مناطق آمنة في سورية، تكون ملاذاً للاجئين الذين لا يرغب باستضافتهم في الولايات المتحدة، وقال في الوقت ذاته إن على دول الخليج تحمل تكاليف إنشاء هذه المناطق. هذه ربما المرة الثالثة التي يثير فيها الرئيس ترامب قضية المناطق الآمنة في سورية منذ انتخابه، لكن إلى الآن ليس هناك وضوح سياسي وقانوني وعسكري لما يعنيه بهذه المناطق الآمنة.
هل سيلجأ ترامب إلى مجلس الأمن لإصدار قرار دولي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق؟ وعليه ماذا سيكون موقف روسيا التي مارست حق النقض (الفيتو) ست مرات ضد قرارات أخف لهجة بكثير وأقل تأثيراً في مجرى تطورات الحرب السورية، إذ وقفت في البداية ضد إصدار أي قرار من مجلس الأمن يدين نظام الأسد على انتهاكات حقوق الإنسان وارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق المدنيين السوريين، كما رفضت إحالة التحقيق في مثل هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، فهل ستسمح روسيا الآن باستصدار قرار أممي يسمح بإنشاء مثل هذه المناطق داخل الأراضي السورية، لا سيما أنها عارضت هكذا فكرة على مدى السنوات الأربع الماضية خلال ولاية أوباما؟ ربما يتوقع الرئيس ترامب أن ينجح بإقناع الروس بالقيام بذلك في صورة صفقة كبرى تقوم على رفع العقوبات عن روسيا والتي أثرت على اقتصادها المتهالك، مقابل أن تقدم روسيا شيئاً بالمقابل في أوكرانيا وسورية.
هذا على المستوى القانوني، أما على المستوى العسكري فيبدو الأمر أكثر تعقيداً، فإنشاء مثل هذه المناطق الآمنة داخل الأراضي السورية يحتاج إلى فرض حظر طيران جزئي على الأقل فوق هذه المناطق من أجل حماية المدنيين واللاجئين الذين سيلجأون إليها، وهذا يفترض منع طيران الأسد والطيران الروسي من التحليق فوق هذه المناطق، وبالتالي تدمير أو على الأقل تحييد كل مضادات الدفاع الجوية والصاروخية لنظام الأسد التي يمكنها أن تهدد هذه المناطق، وهو ما يعني بالتأكيد تدخلاً عسكريا أميركياً أو دولياً محدوداً في الأراضي السورية. وكل القادة العسكريين الأميركيين يعون ذلك، لكن هذا الالتزام الأميركي وحدوده ليست واضحة من قبل الرئيس ترامب في تأكيده على إنشاء هذه المناطق من دون التزام عسكري كبير.
في الوقت ذاته، تبدو تركيا حليفة الولايات المتحدة في حلف الأطلسي المتحمس الأكبر لهذه الفكرة ، فقد زار الرئيس أردوغان دول الخليج من أجل البحث في تمويل هكذا مشروع، كما أن رئيس هيئة الأركان الأميركية بحث مع رئيس هيئة الأركان التركية ليس الحرب ضد «داعش» وإخراجه من الرقة فقط، وإنما أيضاً إمكان إنشاء مثل هذه المناطق عسكرياً في وقت قريب.
لقد كان إنشاء المناطق الآمنة مطلباً للمعارضة السورية منذ عام 2012 عندما ازداد القصف العشوائي ضد المدنيين السوريين من قبل نظام الأسد، وأثيرت قضية التدخل الإنساني في سورية على مدى السنوات الست الماضية بسبب ازدياد أعداد الضحايا المدنيين في شكل كبير وتضاعف أعداد اللاجئين، وترسخ مبدأ حماية المدنيين في ضوء مبادئ القانون الدولي المطبق في مسؤولية الحماية والتي يطلق عليها اختصاراً
(R2P).

منذ بداية الثورة السورية في آذار (مارس) 2011 قتلت القوات النظامية السورية ما لا يقل عن 600 ألف شخص، ووفقاً لتقرير أصدرته الأمم المتحدة فإن هذه القوات هاجمت المدنيين باستمرار، وقصفت المناطق السكنية الكثيفة بالمدفعية، ونشرت القناصة والطائرات المروحية الحربية في المدن السكنية، واستخدمت الصواريخ الباليستية ضد المناطق السكنية، وقامت بتعذيب المحتجين الذين تم اعتقالهم، كما تم استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المدنيين أكثر من مرة، كل هذه الأفعال تقع تحت مسمى جرائم ضد الإنسانية كما عرفها نظام روما الذي أقامته المحكمة الجنائية الدولية
(ICC).

وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية، فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة، وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنها من الإبادات الجماعية، أو التطهير العرقي، أو جرائم الحرب، أو الجرائم ضد الإنسانية.
يبدو الرئيس ترامب بعيداً تماماً من استخدام هذه اللغة، فهو يريد إنشاء المناطق الآمنة من أجل حماية اللاجئين كما كرر ذلك أكثر من مرة ومنعهم من الذهاب إلى أوروبا أو القدوم إلى الولايات المتحدة، لا سيما مع قراره بوقف برنامج استقبال اللاجئين السوريين في شكل كامل في الولايات المتحدة.
لكن لا بد من التأكيد هنا أن ما حصل في سورية على مدى السنوات الست الماضية يحقق معايير التدخل الإنساني لحماية المدنيين سواء عبر المناطق الآمنة أو غيرها، فالحاجة الآن لتطبيق مبدأ حماية المدنيين تعد رئيسية من أجل وقف الحرب في سورية وضمان انتقال سياسي، وفي الوقت نفسه القضاء على «داعش»، فهذه الأمور الثلاثة مرتبطة في شكل كبير، إذ لا يمكن القضاء على المنظمات الإرهابية في سورية من دون وجود حكومة شرعية تمثل السوريين وتعكس مصالحهم في إنهاء الحرب وضمان الاستقرار السياسي والاقتصادي وهو ما فشلت حكومة الأسد في تحقيقه.
إن مسؤولية الحماية مبدأ من مبادئ القانون الدولي أقره مجلس الأمن، ويمثل تطوراً عميقاً في الوسائل التي يتخذها القانون الدولي لمعالجة الأزمات الإنسانية. وبموجب مبدأ مسؤولية الحماية فإن الدولة لا تملك السيادة المطلقة. وتعتبر متخلية عن سيادتها عندما تفشل في حماية مواطنيها، ففي تقرير للأمم المتحدة نشر عام 2009 قام الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون بتوصيف الأركان الثلاثة التي يقوم عليها هذا المبدأ، أولاً: تقع على عاتق كل دولة مسؤولية دائمة لحماية السكان المقيمين على أرضها، بصرف النظر عما إذا كانوا يحملون جنسيتها أم لا، من الإبادات الجماعية، وجرائم الحرب، والتطهير العرقي، والجرائم ضد الإنسانية، وكل ما يحرض على تلك الجرائم السابقة. ثانياً: تقع على عاتق المجتمع الدولي مسؤولية تقديم المساعدة للدول على الامتثال لواجباتها الواردة في الركن الأول. ثالثاً: إذا ظهر في شكل واضح فشل دولة في حماية شعبها، على المجتمع الدولي أن يستجيب لذلك في شكل حاسم وفي الوقت المناسب، بالاستناد إلى الفصل السادس والسابع والثامن من ميثاق الأمم المتحدة، وباتخاذ التدابير المناسبة سلمية كانت أم غير ذلك. إضافة إلى ذلك، يمكن في حالات الطوارئ عقد تحالفات دولية مشروعة لوقف الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، حتى من دون موافقة مسبقة من مجلس الأمن.
فهل سينجح الرئيس ترامب فيما فشل الرئيس أوباما في حماية المدنيين السوريين؟ يبدو ترامب أكثر حماسة للتحرك في الملف السوري من أوباما لكنه في الوقت ذاته يظهر كثيراً من الغموض الذي تحتاج السياسات القادمة لإدارته إلى توضيحه.

*نقلا عن صحيفة “الحياة”.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

في العالم إسلامان

ليس ممكناً إلغاء المسلمين ولا تجاهل أهمية الإسلام بوصفه عقيدة منتشرة ومؤثرة. هناك مليار ونصف مليار مسلم في أنحاء العالم، و57 بلداً ذات أغلبية مسلمة. والإسلام، مثل غيره من الأديان الرئيسيّة، كاليهودية والمسيحية، منقسم على نفسه إلى طوائف ومدارس ويختلف مع بقية الأديان. ورغم هذه الاختلافات لم يواجه المسلمون في تاريخهم الحديث أزمات مثل التي يواجهونها اليوم. أخطر ما أصابهم في سمعتهم… هناك نسبة كبيرة في كل مكان صارت تعتبر المسلمين مشكلة كبيرة أمنياً وسياسياً وثقافياً، وبناء على هذه القناعة الجديدة تحولت المطالبات المتزايدة من الهمس إلى التصريح بالتضييق على المسلمين واعتبارهم فئة غير مرغوب فيها. هذا التململ يتبناه السياسيون والعنصريون، ولو سارت الأمور وفق هواهم فإننا مقبلون على أزمة أكبر مما نشهده ونتعاطاه.
وفي رأيي، من الخطأ تجاهل الصورة التي تكونت عن الإسلام والمسلمين، وما تسببه من غضب شعبي ورسمي ضدهم واعتبارها حالة عداء عنصرية، بل لا بد من فهمها والتعامل معها. وقبل ذلك لا بد من التوقف عن إنكار المشكلة داخل المجتمعات الإسلامية، واعتبار ردود الفعل محض عنصرية ضد الإسلام والمسلمين، وهذا بالطبع لا ينفي دور العنصريين والانتهازيين في تغذية الصورة السيئة والحث على كراهيتهم.
مشكلة المسلمين خارجياً فعلياً بدأت مع الثورة الإيرانية، التي ادعت أن مشروعها الدفاع عن الإسلام والمسلمين في أنحاء الدنيا، مستخدمة العنف والحشد والتنظيم والعمل الحركي. قبل ذلك كان المسلمون منشغلين في شؤونهم ومندمجين مع المجتمعات الأخرى في سلام، كل يحافظ على عقيدته ويمارس شعائره. لكن نظام طهران أراد تحويل الإسلام والمسلمين مطية يركبها في العالم، فأصبحت صرخات أتباعه «الله أكبر» ورؤوسهم الملفوفة بعصابات كتب عليها دعوات دينية وسياسية «لبيك خميني»، واجهة بشعة تعبر عن إسلام جديد لا يمت بصلة للمسلمين الذين عرفهم العالم. هذه الوجوه المرعبة الملطخة كانت تقف ممسكة بدبلوماسيين رهائن، ضد كل الأعراف والأخلاق، وبالطبع الأديان، كان ذلك المشهد عنواناً جديداً لإسلام مختلف ومسلمين جدد. صاروا يفتعلون قضايا تخدم صراعاتهم السياسية، مثل تحويل رواية مجهولة صدرت في بريطانيا إلى سبب لتغذية كراهية المسلمين نحو بريطانيا على الرغم أن في إيران نفسها تطبع كتب وروايات أعظم تجديفاً ضد معتقدات بقية المسلمين وأتباع الأديان الأخرى. كان التحريض، ووضع جوائز مالية لقتل المؤلف سلمان رشدي، عملاً سياسياً لنظام إيران. وتوالت الأحداث المفتعلة من ملاحقات ضد مثقفين ورسامي كاريكاتير وزعامات أديان أخرى، ومرت سنين قادت فيها طهران المسلمين مثل النعاج رغماً عن أنفهم، تدعي الدفاع عن دينهم، وقضاياهم، وجالياتهم، وثقافاتهم، ثم ولد تنظيم القاعدة الذي سار على النهج نفسه. هكذا شوه الإسلام، وهكذا ولد الإسلام السيئ الذي يكرهه العالم اليوم.
لقد أوقع بنَا في حفرة كبيرة حفرها مجموعة من المتطرفين في إيران وغيرها، لكن هذا ليس إسلامنا ولا يفترض أن ندافع عن إسلامهم ولا أفكارهم ولا قضاياهم. في العالم إسلامان؛ إسلام إيران والمتطرفين الآخرين، وإسلام المعتدلين، والمسلمون ليسوا مثل بعضهم. من يشاء أن يعادي الإسلام المشوه والمسلمين المتطرفين يجب أن نقف معه لا أن نقف معهم، بل نحن ضدهم، فنحن المتضررون بالدرجة الأولى من هذا «الإسلام» ومن هذه «الأنظمة الإسلامية» والجماعات التي تواليها.
هذا وقت البراءة من «إسلام إيران» و«القاعدة» و«داعش»، والتنظيمات التي تسيس الدين، وتلبس السياسة بالدِين. وهي تصّب في صالح الإسلام، عقيدة الفرد، وفي صالح المسلمين الذين هم مواطنو بلدان مختلفة. وخلافات دول العالم وحكوماته معظمها سياسية ليس للدين بها صلة، ولا يفترض أن تترك لحكومات تريد أن تجند المسلمين فكرياً حتى تكسب معاركها مع خصومها، التي لا يهمها مدى الأضرار بعلاقات الأمم ببعضها، ولا يهمها ما يحدث للغالبية والأقلية من المسلمين المسالمين في بلدانهم، فهي تريد أن تربح من وراء الصدام والفوضى وتعرف أنها تخسر عندما يعم السلم والاعتدال.
وللحديث صلة…

* نقلا عن “الشرق الأوسط”

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | 1 Comment

شقيق هدار غولدين يخطئ الهدف ويضل الطريق

نقلت وسائل الإعلام الإسرائيلية التصريحات الغاضبة والمواقف المتشنجة التي أدلى بها شقيق الضابط الإسرائيلي الأسير هدار غولدين، الذي تم أسره أثناء العمليات العسكرية التي كان ينفذها جيش الكيان خلال عدوانه الأخير على قطاع غزة صيف العام 2014، وقد بدا شقيق هدار غاضباً ومستفزاً، وحانقاً وساخطاً على حركة المقاومة الإسلامية “حماس”، التي يعتقد أن ذراعها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام، هي التي تمكنت من أسر شقيقه، ونجحت في إخفائه، وما زالت تحتفظ به وضباطٍ وجنودٍ آخرين كانوا يشاركون معه في العدوان، ويطلقون النار على المواطنين الفلسطينيين، ويدمرون بيوتهم ومساكنهم، وغيرهم من المستوطنين الإسرائيليين الذين تسللوا إلى أرض القطاع في مهام خاصة، إلا أن عناصر أمنية فلسطينية تعنى بأمن الحدود اشتبهت بهم واكتشفتهم، فقامت بتوقيفهم واعتقالهم.

إلا أن شقيق هدار قد طرق الباب الخطأ، وسلك الطريق المسدود، وبدلاً من أن يوجه خطابه إلى رئيس حكومة كيانه المتشبث بالسلطة والحريص على المنصب، وإلى وزير الحرب الحالي والسابق وقادة أركان جيشه، الذي أثبت تقرير مراقب الدولة أنهم جميعاً يتحملون كامل المسؤولية عن مجريات ونتائج الحرب، قام بصب جام غضبه على حركة حماس، وأطلق ضدها سيلاً من التهديدات والوعود العنيفة، متوعداً إياها بأشد العواقب، ومحذراً إياها بالأسوأ في حال لم تقم بإطلاق سراح شقيقه، أو الكشف عن مصيره وبيان حاله، وطالب حكومة كيانه بالضغط على حركة حماس وتهديد قيادتها واستهداف رموزها وعناصرها، والتشديد على أسراها معاقبتهم، وتشديد الحصار على قطاع غزة، والتوقف عن تزويدهم بالمحروقات على أنواعها، والامتناع عن إمدادهم بالكهرباء أو بالوقود المستخدم في تشغيل محطة توليد الكهرباء، والتوقف عن إدخال قوافل المؤن والبضائع والإسمنت ومواد البناء وغيرها.

كما طالب المجتمع الإسرائيلي بالتعاطف مع عائلته وعوائل بقية الجنود الأسرى، والعمل على إغراق صفحات التواصل الاجتماعي المختلفة بدعوات الإفراج عن شقيقه، وخلق أجواء ضاغطة على آسريه، واعتبر أن الجميع قادرٌ على المساهمة والمشاركة، لدفع المجتمع الدولي للتعاون والتعاطف معهم، والعمل إلى جانبهم لممارسة أقصى الضغوط على حركة حماس، التي يجب أن تستجيب إنسانياً للدعوات الدولية، وتفرج عمن تتحفظ عليهم من الجنود الأحياء أو رفاتهم إن كانوا قتلى.

كان ينبغي على شقيق هدار أن يتوجه إلى حكومة كيانه ورئيسها، ويطالبهم بالاستجابة إلى شروط المقاومة، وتلبية طلباتهم، والموافقة على عقد صفقة تبادل للأسرى مع كتائب القسام، تماماً كما وافقت على عقد صفقاتٍ مشابهةٍ في السابق، وعليهم الاستفادة من تجربتهم مع جلعاد شاليط والتعلم منها، بدلاً من إضاعة الوقت، وتعطيل إجراءات الصفقة، والمماطلة في الموافقة عليها أو تمريرها، أملاً في الحصول على معلوماتٍ مجانية، أو النجاح في تحرير أسراهم بالقوة، دون أن يتكبدوا معرة دفع أثمانٍ باهظة لاستعادتهم، ومهانة الخضوع لشروط المقاومة الفلسطينية، بما يشجعها على القيام بالمزيد من محاولات أسر جنودٍ وضباطٍ آخرين.

عجيبٌ أمر هؤلاء الإسرائيليين وغريبٌ سلوكهم، يقيمون الدنيا ولا يقعدونها، ويشغلون العالم كله معهم، يشتكون إليه ويبكون عنده، ويتوسلون إليه ويلحون عليه، ويحملونه المسؤولية عن جرائمهم، ويطالبونه بموقفٍ جادٍ من أجل بضعة أسرى لهم، ممن أسروا وهم على أرض المعركة وأثناء الحرب والعدوان، وهم في بزاتهم العسكرية، يحملون بنادقهم أو يقودون عرباتهم العسكرية ودباباتهم الهمجية، ممن أجرموا في حق شعبنا وقتلوا منه المئات.

بينما يقومون باعتقال الآلاف من أبناء شعبنا، ويزجون بهم في السجون والمعتقلات المهينة، في ظروفٍ صعبةٍ وأوضاعٍ قاسيةٍ، يعزلونهم ويعاقبونهم ويسومونهم سوء العذاب، ويعذبون أسرهم ويحرمونهم من رؤية أبنائهم وزيارتهم، وفي حال موافقتهم على زيارتهم فإنها تتفنن في تعذيبهم والإساءة إليهم، ثم يأتون أمام المجتمع الدولي ليتشدقوا بالمفاهيم الإنسانية، ويطالبون العالم بأن يتفهم حاجة أمهات الجنود الأسرى، الذين يبكون أبناءهم، ولا يعرفون عنهم شيئاً، ويبحثون عمن يطمئنهم ويسري عنهم، ويقف إلى جانبهم ويخفف عنهم.

الفلسطينيون في قطاع غزة والمقاومة إلى جانبهم ومعهم، ينصحون عوائل الأسرى والمجتمع الإسرائيلي، بأن يطرقوا الأبواب الصحيحة، وأن يلجأوا إلى الخيارات الممكنة والحلول العقلانية، فالطريق الأقصر والأسلم لاستعادة جنودهم وأبنائهم، هي في الضغط على حكومة كيانهم ورئيسها ووزير حربهم، ليباشروا في عقد صفقةٍ مع المقاومة الفلسطينية، والاستجابة إلى شروطها والقبول بها والتعجيل في تنفيذها، ذلك أن المقاومة الفلسطينية ومعها شعبها لن تفرط بمن عندها من الجنود الأسرى، ولن تطلق سراحهم، ولن تفرج عن أي معلوماتٍ عنهم، ولو شن عليهم العدو حرباً جديدة، حتى يقبل بالإفراج عن أسرى الشعب الفلسطيني، وأن يكف عن اعتقال المزيد منهم، وأن يعجل بالوفاء ببنود صفقة وفاء الأحرار، ويفرج عمن اعتقلهم من الأسرى المحررين، وأن يعلن التزامه من جديد بشروط الصفقة الأولى، ويتعهد بعدم خرق شروطها مرةً أخرى، ولا يحلم أبداً بأن يحرر جنوده بدون ثمن، أو أن يقهر المقاومة بالقوة ويحررهم من بين أيديها عنوةً.

إن من حق كلِ أمٍ أن تحزن على ولدها وأن تشفق عليه من الغياب والأسر، وأن تتمنى عودته واحتضانه، ومعانقته وشم رائحته، وأن تراه بعيونها وتحيطه بذراعيها، وأن يكون معها وبالقرب منها، تفرح به وبأولاده، وتسعد معه وبجواره، وإن هذا حلم كل أمٍ فلسطينيةٍ حرمت ولدها، وأمل كل زوجةٍ فقدت زوجها وأب أطفالها، ورجاء كل أبٍ ابيضت عيناه من الحزن شوقاً لولده وحزناً عليه، لهذا الهدف المشروع نحن نسعى لتحرير أبنائنا، واستعادة فلذات أكبادنا، والوفاء لهم بالعهد، والالتزام تجاههم بالوعد، ولن يهنأ لنا عيش ولن تقر لنا عين، حتى نراهم جميعاً أحراراً معنا وطلقاء بيننا.

بيروت في 10/3/2017

Posted in فكر حر | Leave a comment

أصل مقولة ” الشرق شرق والغرب غرب لن يلتقيا “

غالبا ما يستخدم بعض الكتاب العرب عبارات وحكم وأمثال منسوبة لأدباء ومفكرين أجانب وهم لا يعرفون أن لها اصول بعيدة في أدبنا العربي، ولأن الحضارة العربية الإسلامية لها أصول راسخة وجذور أعمق من بين بقية الحضارات لذا فأنها غالبا ما تكون مصدرا ملهما ومهما لبقية الحضارات تنهل منه العلوم والفنون والمعارف. بلا أدنى شك الحضارة العربية شأنها شأن غيرها تداخلت مع بقية الحضارات مما جعل النسيج الحضاري العالمي متشابه لحد ما، ويكمل بعضه البعض بطريقة منسقة وجمالية مكتملة الصورة. وتبقى عملية التواصل والتداخل الحضاري على أهمية كبيرة، لكنها نحتاج الى من يطورها فكريا ويرفدها معلوماتيا كي تستفيد منها بقية الأمم.
الحضارة العربية الإسلامية لها فضل كبير على بقية الحضارات، والعكس صحيح، وقد إعترف المؤرخون الأجانب بجميلها حيث إستقوا الكثير من العلوم والمعارف والفنون والتي تطورت بقفزات حضارية متواصلة، لكن من المؤسف ان عجلة الحضارة العربية الإسلامية أفلت في نهاية العصر العباسي الأول، وأزدادت إضمحلالا وضعفا مع الغزوات الخارجية التي إستهدفتها من قبل البويهيين والسلاجقة والمغول والأتراك والصفويين، وصارت ساحة لمعارك الدول الكبرى وقدمت الكثير من التضحيات دون ان يكون لها ناقة او جمل في تلك الحروب، كالحروب العثمانية الصفوية، والحربين العالميتين الأولى والثانية. حتى عندما أزدهرت دولة الخلافة العثمانية توسعت ووصلت الى اوربا، فأن التطور الحضاري لم يرتقِ بشكل متوازي مع التمدد الجغرافي للدولة العثمانية، ولو تحققنا من أحوال الأمة العربية مثلا في العهد العثماني سنجد أن أوضاعها كانت متخلفة الى حد بعيد بإستثناء عاصمة دولة الخلافة والقاهرة وأقاليم متباعدة هنا وهناك.
ولأن الموضوع متشعب سنحاول إلقاء الضوء على بعض الأمثلة التي تؤكد مصداقية حديثنا، وسنتناول لا حقا بعض العلوم والمعارف العربية والإسلامية التي تجاهلها الخلف وإستفادت منها بقية الشعوب. وسنحصر كلامنا غي هذا المبحث على مقولة شهيرة منسوبة للشاعر الإنجليزي (روديارد كبلنغ 1865- 1930) المولود بالهند، والحائز على جائزة نوبل للآداب عام 1907 والمقولة هي ” الشرق شرق والغرب غرب‏..‏ ولن يلتقيا أبدا”.
بلا أدنى شك أن المقولة الشهيرة تحمل مصداقية كبيرة في مضمونها الفلسفي بسبب التباين الثقافي والعلمي والإجتماعي بين العالمين، مع ان هذا الإختلاف الحضاري لم يشهد قوته وعنفوانه صاحب الجملة نفسه. هناك من يتفق مع المقولة كليا او جزئيا، وهناك من يرفضها رفضها قاطعا، على إعتبار ان الشرق يضم الصين واليابان وروسيا (الجزء الشرقي) ودول أخرى متقدمة حضاريا. لذا فإن تقسيم العالم شرق وغرب فيه نوع من التشابك والخلط، سيما عندما يتعلق الأمر بالحضارة وأسسها ومقوماتها. كما ان الغرب مسوؤل لحد ما عن التخلف في الشرق بسبب السياسة الإستعمارية التي إعتمدها تجاهها. وهناك من ينتقد صاحب المقولة لأنه تجاهل مصطلح الشمال والجنوب الذي غالبا ما يسخدمه علماء الإقتصاد، حيث يرمز الشمال الى الدول المتقدمة، والجنوب الى الدولة المتخلفة على مستوى العالم، وأحيانا على مستوى الدولة الواحدة، فهناك تباين واضح ما بين الشمال المتحضر والجنوب المتخلف في معظم الدول.
لكن مقولة الشاعر البريطاني
(Rudyard Kipling)
التي اشتهر بها اكثر مما اشتهرت به كتاباته الشعرية الأخرى، لها أصول في الأدب العربي القديم، وربما إستقاها من خلال اطلاعه على الأدب العربي المترجم للإنكليزية، سيما ان الشاعر قضى معظم عمره في الهند التي تضم الملايين من المسلمين، وعاش في الهند قبل ان تستقل عنها باكستان. وهذا الأمر ليس فريدا من نوعه، فالكوميديا الالهية لدانتي (1265-1321)، استقى أفكارها من كتاب المعري (رسالة الغفران) مع انه خص المسلمين بالجحيم دون بقية خلق الله! وتعرف جوته (1749-1832) على ألف ليلة وليلة وكتابات حافظ الشيرازي، فأنتج رائعته (الديوان الشرقي للمؤلف الغربي). وهذا ما يقال عن البير كامو وغيره، مما سنتناوله في مباحث لاحقة.

حول مقولة” الشرق شرق، والغرب غرب ولن يلتقيا أبدا” المنسوبة للشاعر البريطاني، التي اصبحت اشهر من نار على علم، يستشهد بها العديد من مفكري الشرق والغرب في كتاباتهم، وكتبوا عنها المئات من المقالات والبحوث والكتب. وكانت محورا لكثير من المؤتمرات والندوات الدولية، فقد ألقى البروفيسور(توماس شيفر) محاضرة بعنوان” لا شرق ولا غرب، التواصُلُ الديني والحوار والسياسات المحلية في عصر العولمة” في جامعة كوبنهايكن، وقد تناول الموضوع من رؤية دينية بحتة، معتمدا على ما ورد من نصوص في الإنجيل والقرآن. وكذلك البروفيسور الألماني (جان أسمان) الذي ألقى محاضرة بعنوان (ترجمة الثقافة)، والدكتور غسّان سلامة وغيرهم.
يعتبر ادورد سعيد أفضل من كتب عن الشاعر ومقولته في كتابه المعروف (الثقافة الإمبريالية)، حيث خصص له فصلا كاملا بعنوان (ملذات الإمبريالية)، مبينا ان الإستعمار الإنكليزي للهند او ما يسمى بدرة التاج البريطاني، قد ولد الشعور والإنطباع عند الشاعر حول الفارق الشاسع ما بين الغرب المستعمر، والشرق الواقع تحت سيطرته، لذا من المستحيل ان يتلاقيا، انها أشبه بالعلاقة بين السيد والعبد، علاوة على تأثر الشاعر بجده القس الأنكليزي.
لنعود الى أصل المقولة التي سبق فيها العرب الشاعر البريطاني بعدة قرون، فقد ذكر الأصمعي من قول الشاعر:
أذكرك مجالس بني أسد … بعدوان فنحن إليهم القلب
الشرق منزلهم ومنزلنا … غرب: وأين الشرق والغرب؟ (زهر الأكم في الأمثال والحكم1/222)
كما قال شاعر آخر:
سارت مشرقة وسرت مغربا … شتان بين مشرق ومغرب (ديوان الصبابة/93)
وقال ابو القاسم القالي: أنشدنا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: أنشدنا عبد الرحمن، عَنْ عمه:
أذكر مجالس من بنى أسدٍ … بعدوا فحن إليهم القلب
الشرق منزلهم ومنزلنا … غرب وأنى الشرق والغرب (الأمالي/69).
لذا فأصل المقولة كما يلاحظ عربيا وليس أجنبيا. لربما هذه المقولة المتواضعة لا تقارن بأعمال أدبية أخرى إستقاها مفكرو الغرب عن مفكري الشرق دون الإشارة الى أصلها العربي، وهذا لا يقتصر على الأشعار والكتب الأدبية للكبار وانما بأدب الأطفال أيضا، فهناك الكثير من المغامرات العربية مثل علي بابا والسندباد البحري ومصباح علاء الدين وقصص ألف ليلة وليلة تجد لها أصول في الأدب العالمي، وغالبا ما يطمس أصلها العربي او تغير بعض الأحداث لتظهر القصة كأنها مغامر محلية، وانماما سنبينه في مباحث لاحقة.

علي الكاش

Posted in فكر حر | 1 Comment

DNA – 09/03/2017 بشار الأسد..المنسق الأعلى للجمهورية السورية

DNA – 09/03/2017 بشار الأسد..المنسق الأعلى للجمهورية السورية

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد أمل كلوني ” ما تعرض له الأيزيديون في العراق إبادة جماعية”

طالبت المحامية المختصة في حقوق الإنسان أمل كلوني، الأمم المتحدة بالتحقيق في ارتكاب جرائم بحق الايزيديين. ووصفت أمل في حوار لها مع بي بي سي ما تعرض له الأيزيديون على أيدي عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق بأنه إبادة جماعية. والأيزيديون هم طائفة دينية تنتشر في العراق وسوريا، ويعيش أغلبهم قرب الموصل ومنطقة جبال سنجار في العراق.

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد نتنياهو في موسكو لمنع وجود إيران العسكري في سوريا مستقبلا

يلتقي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليوم الخميس في العاصمة الروسية موسكو، وكان نتنياهو قد عبر لأعضاء حكومته في معرض حديثه عن هذه الزيارة عن قلقه من التواجد الإيراني المستقبلي في سوريا أو الجولان. وقال نتنياهو إنه سيناقش مع بوتين سبل استمرار التفاهمات العسكرية القائمة بين إسرائيل ولبنان. ويذكر أن إسرائيل لا تنفي ولا تؤكد قصفها للعديد من المواقع في سوريا ولبنان إلا أنها تكتفي بالتعبير عن حقها في القيام باعمال عسكرية في هذين البلدين لمنع وصول أسلحة إلى حزب الله . تقرير نوال أسعد.

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد نايكي أيضاً تريد أموال المسلمين وليس فقط زعمائهم ورجال دينهم وما حدا أحسن من حدا

بعد إعلانها المثير للجدل الموجّه للمرأة العربية.. ستبدأ نايكي ببيع أغطية الرأس “الأدائية” للرياضيات المسلمات المحجبات، تحت اسم “نايكي برو حجاب.”  هههه  ..  نايكي أيضاً تريد أموال المسلمين وليس فقط زعمائهم ورجال دينهم وما حدا أحسن من حدا

Posted in الأدب والفن, يوتيوب | Leave a comment

جود عقاد في بث حي: مقارنة بين المرأة العربية والاوربية من حيث الاحصائيات

جود عقاد في بث حي: مقارنة بين المرأة العربية والاوربية من حيث الاحصائيات

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

شاهد الآلة الإعلامية الضخمة لدى داعش بميزانية 2.5 مليون دولار شهرياً

تم بث الوثائقي” في العمق” على قناة العربية في فبراير 9, بعنوان “ستوديو الرعب،” , يلقي نظرة فاحصة على الآلة الإعلامية في الدولة الإسلامية “داعش”، وكيفية إجراء المقابلات للموظفين الذين يعملون في صناعة الإعلام لديهم، ومناقشة أساليب التصوير والتأثيرات الخلفية المستخدمة في الفيديوهات. ووفقا لأحد الذين تمت مقابلتهم، قال “عندما خطوت اول مرة في المكتب الإعلامي ل “داعش” ، كنت أشعر كما لو اني دخلت الى شركة دولية ضخمة للإنتاج”، بميزانية قد تصل الى 2.5 مليون دولار شهرياً.

Posted in English, ربيع سوريا, يوتيوب | 1 Comment