المواطن الضاغط زياد هشام الصوفي..

في اللقاء الصحفي مبارح، معالي وزير الاعلام عمران الزعبي طالب الشعب السوري بالضغط على سيادة الرئيس للترشّح للرئاسة في جولة الانتخابات المقبلة..muf83
و من موقعي كمواطن صالح من هالمواطنين، رح مارس الدور الوطني اللي انطلب منّي، و رح ابدا اضغط على سيادتو..

كلمتين ولا سيادة الرئيس ولا ..
بالصرماية العتيقة بدّك تترشح، شو مفكّر الحكاية سايبة؟؟؟ من وين بدنا نشوف جحش متلك يحكم هالبلد !! بدك تقطع عشرين مليون سوري من الضحك على كل كلمة بتحكيها!!
مين بدّو يضربنا بالبراميل ؟؟ ولك مين بدّو يمطنا و يشطنا على بساط الريح؟؟ بدّك هالشعب يضل قصير؟؟؟
يعني أتخيل انك تروح و يجينا رجّال حقيقي يعرف ايمات الزمان المناسب و المكان المناسب ، بدك اتعلقّنا بإسرائيل يا ابن الحرام ؟؟؟
بدك تحرمنا نشوف حفلات اللطم بالحميدية كل عاشورا، ايه ما حزرت..
بدك تمنعنا انشوف احدث السيارات مع ولاد عمومك، ايه فشرت..
بعدين تعا لهون.. شقفة ثورة صغيرة خلّتك تبول تحتك و ما بدّك تترشح؟؟؟ الله لا يرحموا لأبوك ، محى مدينة بناسها لحتى يضل، امحيلك شي سبع محافظات و ضل..
بعدين انت متخيّل اذا رحت شو رح يصير بهالشعب؟؟؟ كلّو رح يتثقّف و يدرس و يطمح يصير رئيس بالمستقبل، بدّك يا ابن الكلب تولّع الديمقراطية ببلادنا!!! طويلة عرقبتك..
عشرين مليون سوري يا ابن الكلب بدك تحرمهون من رواتب بندر؟؟؟؟ ما عكيفك و لا تحلم بهالشي..
و هالاربع نسوان اللي برقبتك، وين بدك تروح فيهون!!! ما حرام تكسر بخواطرهون؟؟؟
و لك مين بدّو يعلمنا روسي من بعدك؟؟؟
مين بدّو يخلينا نتعلم نتعايش مع الطبيعة بخيامنا غيرك؟؟
بعدين اذا انت ما خايف من بعدك عاللي مسمّين حالهون الأقليات ، و الله انا اكتري و خايف .. مين بدّو يذل اللي خلّفهون اذا فلّيت، نحنا الاكترية ما بيطلع بإيدنا نذل حدا، فما تعتمد علينا..
طيب اذا انت ما سائل عن قبر الفاطس ابوك ، بدي ياك تعرف انو عشرين مليون سوري الهون تلات سنين لهلأ حاصرين حالهون و ما عم يدخلو عالتواليت، شو بدّك اتذل ابوك بعد ما طالعك انت و عيلتك من تحت المزاريب يا ابن الحرام ؟؟ صحيح انك ولد عاق..
طيب مو حرام هالابن الحرام ابنك تحرموا من منصب رئيس بعد كم سنة؟؟؟؟ طيب بركي بيقدر بوقتها يحدد الوقت المناسب و الزمان المناسب و يقرطنا شي نصر الهي من اللي بالي بالك..

من الأخير يا سيادة ابن الكلب..
نحنا شعب مارس ضبط النفس على حيونة عيلتكون خمسين سنة ، و دفعنا تمنها من ولادنا و من أنفسنا ، و ما مستعدين نضيّع تعبنا ببلاش..
بقا من هون و من موقعي :
بدّك تترشح بالتاسومة، بدّك تترشح بالكلاش الديري، لن ننسى لن نسامح اذا عملتها و هربت متل جربوع المجارير..

ترشّح يا سيادة الرئيس ، فحياتنا من بعدكون حرية بتخوّف اعداءنا، و ديمقراطية ترعب جيراننا، و عدالة اجتماعية تعرّي اقليمنا..

اترشّح يلعن امّك اذا ما بتترشح..

المواطن الضاغط زياد هشام الصوفي..

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

ربيع الجهل العربي!

شرت صحيفة «الشرق الأوسط» قبل أيام قصة مهمة عن جريمة بشعة تمثلت في إحراق «مكتبة السائح» في طرابلس اللبنانية، وهي جريمة، بحسب القصة المنشورة، «لم تشهد لها طرابلس مثيلا حتى خلال الحرب الأهلية اللبنانية». وملخص القصة لمن لم يتابعها أن صاحب «مكتبة السائح» الكاهن الأرثوذكسي إبراهيم سروج اتهم زورا بكتابة مقال فيه إساءة للإسلام، وهو ما لم يفعله بالطبع، وعلى أثر ذلك الاتهام جرى إحراق مكتبته التي تضم 85 ألف كتاب ومخطوطة ومنشورات بعضها نادر، ومنه ما يعود إلى مائة عام مضت! هذه القصة وحدها تدفع إلى طرح عدة تساؤلات، أهمها هو: إلى متى هذه السيولة الثورية المنفلتة من عقالها في منطقتنا؟ وإلى متى مسلسل استهداف الآخرين، أقليات كانوا أو من طوائف وأديان أخرى؟ فالحمية للأديان، والرموز، لا تعني إزهاق الأرواح، وحرق الممتلكات، ومن هنا لا بد من وقفة صارمة تجاه ردود الفعل المتطرفة ردا على أي تطرف، فلمصلحة من تحرق المكتبات في عملية إحراق المعرفة، وتدمير لكل طرق المستقبل المعتمدة على جسور التاريخ الذي يراد إحراقه من خلال إحراق «مكتبة السائح»؟

والمحزن في هذه القصة هو ما تعرض له مالك المكتبة، من ضغوط، وترويع، دفعه للتواري عن الأنظار بحثا عن مأمن إلى أن جرت تبرئته من المقال المنسوب إليه زورا، حيث ظهر الأب سروج إلى جوار رئيس هيئة العلماء المسلمين في طرابلس سالم الرافعي الذي قال معلقا على ما جرى بحق الكاهن الأرثوذكسي: «تبينت لنا مظلومية الأب سروج.. والله حرم علينا اتهام الناس دون وجه حق، وهناك من يريد أن يزرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين»! وهذا هو الصحيح «حرام علينا اتهام الناس دون وجه حق»، وحرام هذا التطرف ولو كان ردا على تطرف، سواء كان حقيقة أو تزويرا مثل قصة الأب سروج الذي قال: «أسامح الذين أحرقوا المكتبة، وأصلي لكي يحمي الله طرابلس».

والقصة هذه، ورغم فداحة جريمتها الأخلاقية والقانونية، هي مؤشر خطير على استمرار سعي من يحاول تأجيج الفتنة الطائفية بالمنطقة استغلالا للظروف السياسية، خصوصا عندما نتأمل ما يحدث، مثلا، بحق المسيحيين في العراق أو لبنان أو سوريا، فمن الواضح أن هناك من يقوم بعملية تأجيج منظمة هدفها تصوير السنّة على أنهم أعداء للطوائف المخالفة لهم، والأديان الأخرى، وأن إيران، وهذا ما يجري الترويج له الآن، وخصوصا بعد الاتفاق الأميركي الإيراني حول الملف النووي، هي أكثر من يستطيع القيام بدور حماية الأقليات، وأصحاب الأديان الأخرى، سواء في العراق أو سوريا أو لبنان، وهذا هو الحلم الإيراني، ومسرح النفوذ الذي تخطط له طهران منذ زمان بعيد. وعليه فإن السؤال هنا هو: متى يقف العقلاء موقفا حازما من ربيع الجهل العربي، خصوصا أن الثمن سيكون فادحا أخلاقيا، وأمنيا، واجتماعيا، وسياسيا بالطبع؟

منقول عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

هذا ما في زين رفيكه

رغم التكتم الاعلامي الشديد ومنع الصحفيين من حضور الجلسة الطارئة التي عقدها مجلس البرلمان العراقي امس الاول ان التسريبات اشارت الى المجلس بحضور 100 عضو وغياب 135 عضو الى استكمال بيان احتجاج سيقدم اليوم الى الامانة العامة للجامعة العربية ونسخة منه الى الاتحاد الاسلامي العالمي.
وسبب الاحتجاج هو ان الانتخابات التي جرت مؤخرا في بنغلاديش اسفرت عن فوز شيخة حسينه واجد في كرسي رئيس الوزراء في هذه الدولة للمرة الثالثة.
ورغم مارافق هذه الانتخابات من اعمال عنف الا ان شيخه اشترطت في اعادة الانتخابات توقف جميع اشكال العنف خصوصا من احزاب المعارضة وابرزها تلك التي تتراسها خالدة ضياء.
واشار بيان الاحتجاج الصادر من البرلمان العراقي الى المتابعة الجادة لما يجري في بنغلاديش ولابد ان نتوقف عند النقاط المهمة التالية:
لايجوز ان تفوز شيخة في الانتخابات للمرة الثالثة او الرابعة ويجب ان ينص الدستور على تحديد الحكم بولايتين لا اكثر.
نؤيد بالكامل ماقامت به المعارضة باحراق 20 مركزا انتخابيا انطلاقا من كون ان المرأة عورة ولايجب ان تترأس دولة لها مكانتها في المجتمع الدولي.
نحن نؤيد هذا الموقف الذي يشير الى ان المرأة عورة ويجب الا تخوض بالسياسة ومكانها الطبيعي هو البيت،واذا لم تكن متزوجة فهي تساعد امها في الطبخ وغسل الصحون واذا كانت متزوجة فيجب ان تهتم بكل متطلبات زوجها والتي تشمل الانجاب بدون حدود والطبخ اليومي وغسل الملابس واذا وجدت وقتا للفراغ فعليها انتظار زوجها لتعد له الماء الساخن وتدلك رجليه حتى يزول منه التعب ويستعد للنوم ليلا!!.
وقال البيان ان التي فازت بالانتخابات امرأة مسلمة وهنا تكمن الطاقة الكبرى اذ انها بذلك هدمت احد ابرز المفاهيم الاسلامية التي اشار اليها رجال الدين الاجلاء من المرأة في الاسلام عورة.
واحتج البيان على اسم رئيسة الوزراء اذ لايجوز ان تسمى شيخه وهو اللقب المقتصر على الرجال كما لايجوز ان يقترن اسم حسينه بأي شكل من الاشكال باسمها فهذا الاسم له معاني اخرى يجلها الكثير من المسلمين ولا يجب ان يؤنث ابدا.
وقال البيان ايضا ان الحجاب الذي تستعمله شيخة “64 عاما” امام مؤيديها هو للزينة وليس حجابا اسلاميا.
وقيل ان شيخة حين عرفت بتفاصيل هذه الواقعة اجتمعت مع احزاب المعارضة وطالبت باعادة الانتخابات شرط ان يرضى الجميع بالنتائج المعلنة.
ورغم ان احزاب المعارضة قد استقبلت هذا الاقتراح براحة تامة الا ان المراقبين يشيرون الى ان شيخة ستفوز مرة اخرى وبشكل ساحق هذه المرة.

محمد الرديني (مفكر حر)؟

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

ما عاد بدهم شعب!

خلال أحداث أعوام 1979 – 1982، زار وزير الخارجية السوفياتي سوريا مرات متكررة لشد أزر حافظ الأسد ورفع معنوياته. في أحد اللقاءات، سأل الضيف الرئيس: هل المخابرات والجيش معك؟.. حين أجاب الأسد بـ«نعم»، قال ضيفه: «في هذه الحالة، لا أهمية للشعب».

في عام 1961، وكنت في طريقي إلى ألمانيا للدراسة، مرت أمامي في أحد شوارع دمشق الرئيسة مظاهرة تندد بالحكومة. بما أنني كنت مناضلا معاديا للحكومات، فقد انضممت إلى المتظاهرين وشرعت ألوح بيدي في الهواء وأطلق هتافات قوية ضد الحاكمين. بعد قرابة نصف ساعة وصلت مصفحة عسكرية إلى المكان، ما لبث أن أطل من جوفها ضابط حدق في المتظاهرين ثم سدد إصبعه نحوهم وصرخ بأعلى صوته: «رشوهم.. اقتلوهم.. ما عاد بدنا بها البلد غير الجيش.. ما عاد بدنا شعب».

«ما عاد بدنا غير الجيش.. ما عاد بدنا شعب بها البلد».. هذا الضابط الانفصالي بلور بكلمات قليلة السياسة التي اعتمدها حكم أسدي بنى زمن الأب المؤسس جيشا لم يبق أي رباط وطني بينه وبين الشعب، أعد ودرب ليطبق النصف الثاني من تلك الصرخة التي انطلقت من حنجرة ضابط حانق خلال مظاهرة عادية، فغدت بعد عقد ونيف خيار العسكر الأسدي، الذي تبنى شعار «ما عاد بدنا شعب بها البلد» وطبقه مرات متعاقبة. فلا عجب أنه يقتل منذ عامين ونيف شعب سوريا بأكثر الصور منهجية ووحشية، مطبقا خيارا لطالما حاولت الأسدية تأكيد تمسكها بعكسه، لكنها ما إن طالبها الشعب بحقوقه حتى انقض جيشها عليه وشرع يطهر مدنه وقراه وينفذ سياسة «ما عاد بدنا شعب بها البلد». واليوم، تخبرنا تقارير منظمات تابعة للأمم المتحدة بأن الجيش صار على وشك تحقيق هدفه، فالشعب السوري إما فر إلى المهاجر والمنافي، أو هو في المقابر أو قيد التصفية داخل قراه وبلداته ومدنه المحاصرة والمجوعة والمقصوفة.

والحال أن أي شخص قادم من دمشق سيخبرك بأن شوارعها تخلو أكثر فأكثر من الناس، وأنها لم تعد الفضاء الذي لطالما بهرنا، بل تحولت إلى مزق صغيرة انعدمت صلاتها أو كادت، حولتها حواجز تقطع أحياءها إلى معازل ضيقة تجعل الانتقال بينها بالغ الصعوبة، إن لم يكن مستحيلا في أحيان كثيرة. هذه الحواجز التي تعتبر شاهدا حيا على موت المدينة هي اليوم علامة وجودها الرئيسة، بعد أن هجرها سكانها أو سجنوا في منازلهم، وسقطوا في قبضة قتل قد يطاولهم في أي لحظة، بسبب القصف العشوائي ورمايات القناصة الذين يحولون المدينة الممزقة إلى مقبرة جماعية ليست الحياة فيها غير برهة تفصل بين رصاصتين.

رأى البعث في الشعب كتلة نافلة أجبرته الظروف على القبول بوجودها في المنطقة الخاضعة لحكمه، وهي في العمق كتلة أعداء من الضروري التعامل معهم بصفتهم هذه. قبل الثورة، كان قتل الشعب معنويا، يستهدف روحه الوطنية وأخلاقياته الإنسانية. أما اليوم فقتله مادي، إبادي ونهائي، يقلص عدد بناته وأبنائه، بمن في ذلك من يقتلهم بحجة حمايتهم من الانتقام والموت، الذين يرمي بهم إلى التهلكة في معركة لو كان حريصا عليهم لما رمى بهم إليها، ولأوقفها بعد أن أودت بحياة كثيرين منهم!

لم يكن شعب سوريا مهما في أي يوم في نظر نظامها. لو كان كذلك لما أعمل سيفه فيه منذ تولى السلطة، ولما جوعه وصادر حقوقه ومزق أواصره الوطنية وحوله إلى طوائف متعادية، ولأحجم عن قتل أعداد منه في سوريا ولبنان وفلسطين والعراق والأردن تعادل أضعاف من قتلهم العدو الإسرائيلي منهم، ولما خصهم بقنابله وصواريخه.

يجد ما يقوم به النظام السوري من أعمال إبادة مسوغاته في آيديولوجية تعتبره علة وجود الوطن، وتربط حق الشعب في العيش بخضوعه له من دون قيد أو شرط، فإن تمرد كان القضاء عليه واجبا وطنيا وإنسانيا، وأي جناح عليه في ذلك إذا كان يمكن دوما إعادة إنتاج الشعب إن هلك، بينما يستحيل استعادة النظام إن سقط أو زال؟!

لا أهمية للشعب: فهو حمولة زائدة يحب التخلص منها، إن تطلب بقاء النظام إزالتها من الوجود. أليس ما يحدث في سوريا من إبادة للشعب هو التطبيق العملي لشعار رئيس في هذه الآيديولوجيا، يقول: «ما عاد بدنا شعب بها البلد»!

منقول عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

لقاء هام مع الممثلة السورية الحرة مي سكاف تكشف حقائق لأول مرة 07-01-2014

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

آن للغريب ..

لاشئ كالشتاء يورط في ارتكاب الكآبة ، ولا شئ يورط في الجهاد كالإمتلاء بقناعة لا تقبل القسمة علي اثنين ، ولا تقبل الجدل ،،

أكره كلمة ” الجهاد ” هذه ، ربما لأنها كانت الممر التاريخيَّ الأوفر حظاً للفتك بأحلام ٍ وأرواح ٍ ، واستباحة سلام الآخرين وأشيائهم تحت مظلة كبيرة ومرنة من حسن النوايا ، مع ذلك فهي ممرُّ صادق أيضاً لفرز المزيف من الحقيقيِّ !!

كما أنه ليس تعبيراً محميَّاً علي دين بعينه ، فإنَّ من السهل أن نعثر في الظلِّ ، في كل عقيدة ، علي تعظيم لهذه الشريعة ، غير إن انخفاض إيقاع حراسة الإخلاص له في المسيحية مثلا والمواظبة علي حراسة الإخلاص له في الإسلام واليهودية ، ليس انعكاساً علي تسامح المسيحية في جوهرها ، أو لارتفاع مسيحيي الشرق أنفسهم عن البداوة الأولي ، وإنما انعكاس ضروري لتسامح المسيحيين المتأخرين تحت ضغط الإحساس بأقليتهم لا أكثر ، ولقلة المياة التي جرت في النهر ، ولأن لا شئ تغير ، قد يتضح الأمر حين نعرف أن ” بابا الأسكندرية ” كان قبل الغزو البدويِّ يصحب معه في كلِّ رحلة إلي ” مجمع نيقية ” مجموعات من الأقباط يسمون بـ ” الصبوات ” ، كانوا يضربون الناس علي طول طريق الموكب ليفسحوا له الطريق ، كما كانوا يضربون معارضي ” البابا ” في ذلك المجمع !!

كما أن هؤلاء هم الذين قتلوا الفيلسوفة ” هيباتيا ” بتحريض من الكنيسة القبطية لا لشئ سوي أن الكنيسة أحصتها في عداد المهرطقين !!

لكن ، للحق أقول ، أن الأمور اتخذت مع الغزو البدويِّ أبعاداً أكثر سوءاً وضحالة ، وإذا كنت أظن أن اختيار مصر أنموذجاً هو الإختيار الأكثر مكاشفة ، فلأن ذلك بالتأكيد هو الصحيح ، ولا أبتعد عن الحقيقة إذا قلت أن معاناة مصر في الوقت الراهن ، حيث لم يعد أمامنا سوي القبو ، وهذا هو مكاننا الآن ، هي تعقيبٌ علي نزوة “عمرو بن العاص” الشهيرة !!

سأنقل حكاية دالة ، ومشهورة في التراث ، ولا تقال علي منابر الكهنة في الوقت نفسه ، هذه هي بحذافيرها من ” نهاية الأرب في فنون الأدب ” ، قال :

” كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :

( انكم ستفتحون أرضاً يذكرفيها القيراط ، فاستوصوا بأهلها خيراً)

قال : وجعل عليهم لكل فدان نصف إردب قمحاً ، وويبتين من شعير إلا القرط فلم تكن عليه ضريبة ، والويبة يومئذ ستة أمداد كأنه يريد بذلك البدار ، قال : وروى عن “الليث بن سعد ” رحمه الله ، أن “عمرو بن العاص” جبى مصر أثني عشر ألف ألف دينار، وقال غير “الليث ” : جباها ” المقوقس ” قبله بسنة عشرين ألف ألف دينار ، قال ” الليث ” : وجباها “عبد الله بن سعد” حين استعمله عليها ” عثمان ” أربعة عشر ألف ألف دينار ، فقال ” عثمان ” لعمرو: يا أبا عبد الله ، درت بعدك اللقحة بأكثر من درها الأول ، فقال ” عمرو ” : أضررتم بوليدها ” !!

الحكاية بهذا الشكل تحتاج إلي إضاءة ، فهي تقول أن (الخليفة الراشد) ” عثمان بن عفان ” الذي كان يري مصر كما يراها أي محتل ، مزرعة خلفية لا أكثر ، أستقلَّ ما جباه “عمرو” من خراج مصر فعزله ، وولي ” عبدالله بن سعد ” مكانه ، فأجهد المصريين وارتكب الشنائع ، فاستطاع كالعادة ، لأنه الأقوي والمحصن خلف السلاح ، أن يجمع “14” مليون دينار ، ليس هذا هو المهم ، المهم نظرة عثمان إلي مصر ، الفاضحة لتعريف “مصر” عنده كمحتل كأي محتل ، إنها اللقحة ، أو الناقة الحلوب !!

والتراث مزدحم بمثل هذه الرواية المهينة ، وبعضها قادر علي استدعاء الضحكات ، كالرواية عن أحد الخلفاء العباسيين الذي كان له كل عام بناءاً علي طلبه حمارٌ من بلدة في مصر تسمي ” مريس ” ، لست أدري أين تقع الآن ، وموطن الطرافة في الأمر أن ذلك الحمار المريسي كان يصعد سلم القصر بأمير المؤمنين !!

كان يحدث هذا الابتزاز بالطبع تحت مظلة الخروج بالمصريين من الظلمات إلي النور ، دون أن يقول لنا أحد ، أين موطن الخروج إلي النور في استعباد السكان الأصليين وسحلهم واستباحة أشيائهم ؟

وأبشر إذا وجهت هذا السؤال لأحد الكهنة بسماع حكاية “عمر بن الخطاب ” حين اقتص للمصريِّ من ” ابن عمرو بن العاص ” ، مع ذلك ، فاحتفال الكهنة الزائد عن الحد بهذه الحكاية لا ينبه نظرية بقدر ما يقوم دليلاً علي ندرتها ، بل فرديتها !!

قد يعتقد خطأ أنني ابتعدت عن موضوع الجهاد ، فالسياق واحد ،،

قلتُ : لاشئ كالامتلاء بقناعة لا تقبل القسمة علي اثنين يورط في الجهاد ، ولأن قناعات الناس مختلفة كان لابدَّ أن تختلف ألوان الجهاد ، وما دام الأمر هكذا فإن الجهاد من هذه الناحية معيار للرقيِّ والحضارة !!

وهناك ، غرباً ، حيث يعيش المنهكون من الحرية ، ولأنهم ، ارتفعوا عن تصديق كلِّ ما قال أسلافهم ، وعن تصديق كلِّ ما قال ” أرسطو ” تحديداً ، فلقد كان الأوربيون ، حتي وقت غير بعيد جداً ، يصدقون أن أسنان المرأة أقلّ من أسنان الرجل ، كما قال ” أرسطو ” ، حتي تجرأ أحدهم علي الشك في هذا القول وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك خطأه ، وهنا ، وهنا تحديداً ، البداية الحقيقية لهزيم المركبة الفضائية التي حطت علي كوكب المريخ ، ربما لأنهم أدركوا بعد غفلة طويلة ، أن الجهاد في سبيل العلم ، والإنسان المقدس هو أنبل منطق للجهاد ، وهذا اللون من الجهاد هو جهاد في سبيل شئ قد يحدث وقد لا يحدث ، لكنه يستند إلي أدلة وتجارب ورواد ،،

وهناك لونٌ من الجهاد بهت تماماً وتجاوزته الأساليب إلا في المجتمعات القبلية التي يرتفع فيها القانون عن الأرض أميالاً ، وهو الجهاد في سبيل العرض ، وتراث العشيرة الفاشل ، وهو جهاد في سبيل شئ حدث بالفعل ، ويندرج تحت هذا اللون من الجهاد ، جهاد ” شارون ” ضد الفلسطينيين ، إذ يقال أن فلسطينياً هتك ذات يوم عرضه !!

ويتخذ المسلمون من الفوز بالجنة والحور العين ذريعة للجهاد ، وهو جهاد في سبيل ما لا يستند إلا علي القناعة الشخصية وحدها ، هذا جعله يجاور الخطر علي محيطه بارتياح تام ، وجعله أيضاً بحكم شهرة القناعة الشخصية علي سلوك الفرد محكاً لفرز المزيف من الحقيقيِّ !!

ومن الجيد أن المزيفين الأغلبية ، وإلا ، فمما يثير الدهشة أن يبخل مسلم عاقلٌ بروحه وهو يؤمن تماماً أن الجود بها في سبيل الله هو الممر الأمين نحو الجنة والحور العين !!

هناك لونٌ آخر من الجهاد ، وهو جهاد الخوف ، كجهاد ” أقباط مصر ” الناعم للتخلص من الإخوان بدافع الخوف منهم ، وهو خوف مبرر ، مع ذلك ، فإن الذي يجاهد وهو خائف سيجد نفسه دون أن يدري يجاهد في سبيل الآخرين لا في سبيل استقرار خوفه ، إذا اعتبرنا الاستقرار في حد ذاته قيمة تستحق الجهاد من أجلها علي حساب قيم أرقي ، وهذا ما حدث ، فإن خوف الأقباط من الإخوان المسلمين ، بل من المسلمين عامة ، جعلهم يرون مجرد التخلص من سلطة إسلامية الطابع ، مبرراً للإذعان لأيِّ سلطة أخري ،،

مما لا شك فيه أن النعرة الدينية في مصر كانت ، حتي في أكثر العهود ظلاماً ، منخفضة ، ومما لاشك فيه أن حدة النعرة الدينية ، والتوجس بين الطرفين في السنين الأخيرة هي من صناعة السلطة ، وتردد المصريين علي الخليج في العقود الأخيرة من القرن الماضي !!

ولعلَّ الشعر هو ديوان الأمم ، والمراثي تحديداً ، لبرائتها من استنطاق المشاعر ، فهي تولد في لحظة مجردة ، وحارة ، لذلك فهي بريئة من الرجم بالكذب أو الالتفات إلي فائدة مرجوة من ورائها ، لذلك سوف أستعين هنا بالمراثي الشعبية “العديد” كدليل علي ما ذهبت إليه !!

في الصعيد ، حيث ولدتُ ، أبداً ، لم أر أحداً من قريتي ينظر إلي قبطيٍّ من قريتي أو من القري المجاورة نظرته إلي الآخر ، بل كنت ، لانخراطهم الشديد في أدق تفاصيل المسلمين ، لا أستطيع استيعاب الفارق بين ديانة أهلي وديانة أهلي ، وكنت ، وكان الجميع ، يحرصون علي خطابهم بيا “عم” ، ويا “جد” ، ويا “خال” ، كما يخاطب الواحد منا أهله ، وحدث كثيراً أن سرد لنا الكبار تفاصيل معارك ، وكانوا يحرصون دائماً علي تضخيم أدوارهم فيها ، دارت رحاها بين قريتي وقري مجاورة زوداً عن أقباط !!

أجدادنا أيضاً ، تركوا لنا في ” العديد ” دليلاً مضحكاً علي براءتهم من هذه التهمة ، كأنهم أدركوا أن خصمهم الأبديَّ هو السلطة ، فهم لا يتذكرون الفارق بين الديانتين ودواعي الكراهية إلا حين تتعلق المسيحية بالسلطة !!

من الجدير بالذكر أن وظيفة ” الصراف ” ، أو الجابي للضريبة قديماً ، كانت حكراً علي الأقباط أو تكاد ، ولما لهذا الجابي من تراكمات سيئة في الذاكرة الجمعية للمصريين عبر العصور كان لابد أن يتذكروا أنه ذميٌّ ، وكان لابد أن يتسرب كرهه من الأعماق البائسة إلي ندب الكبار في المآتم :

قال للنصاري يا كلب يا ديري / هات الورق لا يحاسبك غيري

قال للنصاري يا كلب يا ملعون / هات الورق ها نحاسبك ونقوم ..

أيضاً :

قالوا النصاري خليه يلاقينا / ياخد اللي ليه وناخد اللي لينا

قالوا النصاري خليه يصادفنا / ياخد خلاصه من دفاترنا ..

أيضاً :

هات الورق يا كلب يا دمِّي / دير الحساب لا يحاسبك ولدي

هات الورق يا كلب يا ديري / دير الحساب لا يحاسبك غيري ..

تأمل عبقرية القاع في ” قال للنصاري يا كلب ” ، خطاب مفرد بصيغة الجمع ، بدلاً من “قال للنصرانيِّ” ، كأنهم يرون “الصراف” هو النصاري ، لا النصاري كسكان عقيدة !!

لا تستهن بهؤلاء البسطاء ، فهم أكثر خبثاً بالتأكيد الزائد عن الحد ، وكأنهم اكتشفوا المكيدة قبلنا ، فهم يندبون علي لسان الميت كبار موتاهم أيضاً بـــ :

أولاد الحكومة يا غز يا عسكر / ولا تمسحوا اسمي من الدفتر

أولاد الحكومة يا غز يا حكام / ولا تمسحوا اسمي من الدوار ..

المضحك في الأمر أن هذه العديد كان يستخدمه الأقباط ، كما هو ، لندب موتاهم ، وكان من غير المستغرب أن تسمع في مأتم قبطي امرأة تندب قبطياً :

هات الورق يا كلب يا دمِّي !!

لون أخر من ألوان الجهاد ، وهو محبب إلي النفوس ، وهو جهاد الشاعر “جميل بن معمر ” المعروف بـ ” جميل بثينة ” ، فلقد أراح واستراح وكرس حياته للجهاد في سبيل النساء ، بثينة تحديداً ، لذلك لم يسلم من ملامة أهله الذين أشاروا عليه بالذهاب للجهاد لعله ينساها ، فقال :

يقولون جاهدْ يا جميلُ بغزوة ٍ / وأيُّ جهاد ٍ غيرهنَّ أريدُ ؟!!

أكتب هذا في وقت مزدحم بالنذر السوداء ، حيث فقد الجميع أعصابه ، وحيث تزداد ضيقاً كل صباح رقعة المرحبين بما يحدث في مصر الآن ، ولقد اجترحت من قبل استبصاراتي حول انضمام ” تونس ” للمحكمة الجنائية الدولية ، وها هي المتاعب قد بدأت فعلاً ، وكرة الثلج قد انطلقت ، وهي – إذا لم يعمل من يهمه الأمر علي إيقافها – سوف تدهم قبل كل شئ المطحونين ، لا الكبار الذين يعيشون دائماً علي الحافة ، وفي حقائب السفر !!

ما أشبه مصر الآن بفيلم ” رابعة العدوية ” ، وما أشبه المشهد بمشهد احتضار “رابعة العدوية” ، وهي تقول للذين يحاصرون موتها المرتقب :

” أفسحوا الطريق لرسل الله “

وكأنَّ شبحاً من داخل المشهد السياسيِّ يعمل عن عمد ٍ علي تحريفه ليفسح الطريق فعلاً ، لوجه مصر القادم ، ولا نملك إلا أن نقول :

آن للغريب أن يري جماه ..

محمد رفعت الدومي

Posted in فكر حر | Leave a comment

DNA 07/01/2014 !! “لاحكومة “الامر الواقع

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

داعش تكفر الجيش السوري الحر على اللاسلكي

داعش تكفر الجيش السوري الحر على اللاسلكي وتتهمه بانه علماني

 FSA, ISIS Fighters Exchange Insults over the Two-Way Radio in the Wake of Aleppo Rebel Infighting

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

عشتار

 لماذا الحزن في عينيكي

Sleeping beauty by Jolien Rosanne

Sleeping beauty by Jolien Rosanne


وفي وجنتيكي
مافيها من أزهار
يوقفني الحزن
وتأسرني عينيكي
يرتشف أفكاري
على مهل
ذاك الصمت المطبق
على شفتيكي
يقتلني الناس إذا رأوك
في الليل والنهار
لا تتكبري وتكبري
لا تحبي لتكرهي
لا تبعدي يديكي
و أقبلي مني
أن أغار
جميلة جميعها الأشياء
التي بمجموعها أنتي
بريئة كطفل مدلل
وحقيقية
كالصيف والشتاء
2013-01-21

Posted in الأدب والفن | Leave a comment

واقعية الكم .. عود على بدء

 عبدالله حبه – موسكو

الفنان محمود صبري وعبدالله حبه في "ميدين هيد"

الفنان محمود صبري وعبدالله حبه في “ميدين هيد”

  أجد نفسي مضطراً للعودة الى الحديث عن نظرية “واقعية الكم” للفنان الراحل محمود صبري، بعد ان قال لي احدهم تلميحاً بأنني لا اتفق مع الفنان في طروحاته بصدد هذه النظرية . إنني اعتبر ان القائل قد ظلمني حين أطلق هذا الحكم لأنني كنت ولا أزال اقف في صف الفنان محمود في ولوجه الدرب الوعر لـ” واقعية الكم”. والحق انني منذ ان تسلمت في عام 1971 مظروفاً من براغ تضمن “البيان” الذي اطلقه الفنان من منفاه هناك بشأن الدخول في متاهات فيزياء الكم وربطها بالابداع الفني، كنت اضرب اخماسا باسداس في دوافع انقلابه المفاجئ من الواقعية الرومانسية الثورية، التي ميزت لوحاته حتى ذلك الحين، الى اسلوب لم يطرقه احد غيره من قبل. ولكن الامور اتضحت لي لاحقا حين اشار محمود في احدى رسائله لي الى ان “الفنان يموت اذا كرر نفسه”؛ أي يبقى يراوح في مكانه في العمل الفني. فقد رسم الفنان محمود لوحاته في بغداد ومن ثم في موسكو وبعد ذلك في براغ تحت تأثير اوضاع المجتمع العراقي الذي بدأ لتوه ينتقل من العلاقات العشائرية الى علاقات مدنية أكثر تطوراً. وكانت الطليعة الثورية من ابناء الشعب تتطلع الى بناء ” وطن حر وشعب سعيد”. وناضلت وقدمت التضحيات الجسيمة في سبيل ذلك. وقطعت القوى التقدمية شوطاً طيباً في هذا المنحى حتى وقوع انتكاسة انقلاب 8 شباط المشؤوم عام 1963. واضطر الفنان بعدها الى البقاء في المنفى في اوروبا حيث عاش في اوضاع مختلفة تماماً سياسياً واجتماعياً وثقافياً بالرغم من الاحتفاظ بجذوره القوية مع الوطن.
وكان لابد من حدوث هذا التحول المفاجئ في ابداعه الفني ، واذا لم تكن “واقعية الكم ” فلربما ابتكر الفنان واقعية أخرى واسلوباً آخر له مفاهيم أخرى وتسمية مغايرة. لكن تطوره الفكري كان يملي عليه ايجاد شئ جديد في الفن. لاسيما انه كان يتمتع ليس كغيره من الفنانين بالحرية الكاملة في اختيار الاساليب والنظريات لأنه لم يكن من المنتفعين ولم يكسب رزقه من بيع اللوحات مما يضطره الى مسايرة حاجات سوق اللوحات الفنية كما هي حال كثير من الفنانين الآخرين. وحسب علمي ان اللوحات التي باعها في حياته الفنية كلها ربما تعد على الاصابع ، وقد اهدى الكثير من اللوحات الى الاصدقاء.
وعندما بدأ محمود صبري يعيش في ظروف المجتمع الاوروبي، تغيرت نظرته الى كثير من الامور بالرغم من تمسكه بالفكر الماركسي كالسابق . علما ان الفكر الماركسي تعرض نفسه الى الكثير من التعديلات تحت تأثير التغيرات في العلاقات الاجتماعية في المجتمع الرأسمالي ، حيث لم يعد للصراع الطبقي ونضال البروليتاريا ذلك الدور في الحياة السياسية. ودخل المجتمع البشري مرحلة جديدة في تطوره. وبدأت بوادر افكار “المجتمع الاستهلاكي” بالنمو في البلدان الصناعية المتقدمة وبممارسة تأثيرها في تشكيل اتجاهات الثقافة. واصبح الفن في اواخر القرن العشرين ومطلع القرن الواحد والعشرين خاضعاً لمتطلبات المجتمع الاستهلاكي، ويقدم الخدمات اليه وتغيرت القيم الجمالية نفسها. ولم يعد وجود للبرولتياريا الثورية التي تحدث عنها الماركسيون وأمنوا بأن توليها السلطة سيحل جميع مشاكل المجتمع البشري وفي مقدمتها ازالة الطبقة البرجوازية الاستغلالية من الوجود واحلال المساواة بين البشر ووضع حد لغريزة التملك والاثراء على حساب الآخرين. وصار الحديث يتركز في العالم المعاصر على حرية الفرد وحقوق الانسان والديمقراطية على الطراز الغربي، وغير ذلك من القيم التي يحاول الغرب ” المتحضر ” فرضها قسراً في عصر ” العولمة” على جميع شعوب العالم دون مراعاة مراحل تطورها التأريخية. اما مكافحة مشكلة الفقر والجهل والمرض فلا تحتل المرتبة الاولى من اهتمام الغرب الرأسمالي خشية الاضرار بمصالح اساطين المال الذين يسيطرون على مقدرات الشعوب ويكسبون المليارات على حسابها. علما ان الماركسية لم تكن ابداً عقيدة جامدة وطبقت في البداية في ظروف المجتمع الصناعي وعندما انتصرت الثورة في روسيا البلد المتخلف صناعياً نسبياً في مطلع القرن العشرين تحولت عن مسارها الاصلي وتراجعت عن قيمها الاصلية، وأصيبت بانتكاسة. والآن بعد ان اصبحت روسيا دولة رأسمالية نجدها تمضي في مسار تلبية متطلبات المجتمع الاستهلاكي . ويؤثر ذلك كثيرا في ميدان الثقافة، وتزحف ثقافة الكسب في جميع المجالات بعد ان لم يعد الكاتب والفنان حراً بل يخضع لمتطلبات السوق. ويلاحظ ذلك في السينما والمسرح والموسيقى والفنون التشكيلية وكذلك في الادب. ونجد الفنان المعاصر يبتعد لحد ما عن الاحتجاج على الظلم الاجتماعي . وتغيرت القيم الجمالية أيضاً.
من المعلوم ان المجتمع العراقي في فترة الخمسين عاماً الاخيرة لم يكن المجتمع ذاته الذي عرفه محمود صبري حين غادر العراق في مطلع الستينيات. ولم يشهد الفنان عن قرب ماحدث للعراق في فترة الحكم الدكتاتوري وما بعد الاحتلال الاجنبي. وتابع من منفاه القسري تراجع المجتمع العراقي بخطوات حثيثة صوب القهقرى إلى تقاليد البداوة واحتقار المرأة وانتشار الامية وسيادة الفئات المنحطة فكرياً في اجهزة السلطة سواء قبل الاحتلال او بعده. وترك ذلك تأثيره في الثقافة التي لم يعد لها اية قيمة في بلاد كانت مهد الحضارات. والغريب ان الفنان العراقي اليوم لا يجسد في اعماله مأساة سجن ابو غريب ومظاهر الاحتلال التي نقلتها وسائل الاعلام، ولا مظاهر تسلط الطائفية في العلاقات الاجتماعية ناهيك عن الفقر والجهل والخراب في المدن والقرى. ويتراءى لي من متابعة ما ينشر حول غالبية الفنانين التشكيليين العراقيين المعاصرين واعمالهم ان دور الفنان الاجتماعي قد تراجع، ولم يعد الفنان شاهداً على العصر مثل الفناين الكبار الذين دخلوا حومة النضال من اجل العدالة الاجتماعية مثل دوميير الفرنسي وغويا الاسباني وبيكاسو والفنانين المكسيكيين وغيرهم، كما كان حال العديد من الفنانين العراقيين في الخمسينيات ومنهم محمود صبري . ويبدو ان المفاهيم الجمالية الجديدة في الفن اصبحت خاضعة للاقتصاد اللبرالي وتداخل عنصري الفن والنقود. وفي هذه الحالة تصبح حرية الفنان في التعبير معدومة تقريباً، ولا يمارس الفنان أي دور في سيادة الديمقراطية الحقيقية والتنوير الاجتماعي.
ان دور الحكومات في مختلف البلدان المتقدمة اصبح مرتبطا بمصالح النخبة المالية التي هدفها كسب المال من اقامة الفعاليات الفنية وتنظيم المعارض بدعم اعلامي قوي عبر الاذاعة والتلفزيون والانترنت. كما أن هدفها يتحدد في استغلال التراث الفني من أجل كسب المزيد من الربح. وتحول الفن الى سلعة مثل السلع الاخرى من ملابس واحذية ومواد تجميل ومواد غذائية. فالنخبة المالية ذات المستوى الثقافي المنحط تقدم على شراء اللوحات من اجل بيعها لاحقا بمبلغ اكبر وتحقيق الكسب المادي. ان الملياردير الروسي رومان ابراموفيتش القاطن في لندن يشتري لوحات الانطباعيين وفناني الافانغارد الروس دون ان يفقه شيئاً في الفن، فهو لم ينه الدراسة حتى في المدرسة الثانوية. ووجد نفسه فجأة من الاثرياء في عهد سيطرة اللبراليين الروس في عهد يلتسين على جميع المرافق الاقتصادية الكبرى للبلاد. واعتقد ان ” هواة الفن” من شيوخ الخليج ينظرون أيضاً الى سيزان ومانيه وفان كوخ النظرة نفسها.
ووجد محمود الفنان والمفكر نفسه حتى في صومعته وحياة النساك التي فرضها على نفسه في براغ غارقا عن بعد في خضم كل هذه التغيرات سواء في بلده او منفاه. وشاهد ما احدثته “العولمة” من تشويه للتراث الفكري الانساني وسيطرة الرأسمال على سوق الفن. وبدأت الضغوط التجارية على الفانين والمؤسسات الثقافية عموماً. وظهرت فئة “السماسرة” التي تقرر أي فنان يبرز واي فنان يطويه النسيان ، باستخدام وسائل الاعلام وحتى المطاعم والمقاهي في الترويج للاعمال التي تجلب الربح. وتغيرت حتى المفاهيم الجمالية (الاستيتيكية) . لكن محمود رفض السير في هذا الدرب البعيد عن مفاهيمه الفلسفية التي ترسخت لديه منذ شبابه وفي أثناء الدراسة في بريطانيا. وجدّ محمود صبري في البحث للخروج من مأزق ” التكرار” الذي بات يهدده. وهدته مطالعاته الكثيرة الى فكرة وجوب تصوير الطبيعة الأخرى غير المرئية؛ أي عالم الذرات والجسيمات والكواركات والنيوترونات والبوزونات وغيرها التي لا يراها الانسان بالعين المجردة. علماً انها تمارس تأثيرها في حياة الانسان والكون عموما في كل لحظة. وعندئذ لم يعد محمود صبري فناناً عراقياً يصور حياة الانسان العراقي البائس وتطلعه الى مستقبل أفضل، بل دخل في طور العالمية في ابداعه لكن خارج نطاق ” العولمة”. فقد بقي فناناً حراً في التعبير وطرح المفاهيم الجمالية التي يؤمن بها. انها ظاهرة نادرة في أيامنا وتذكرنا بإصرار جوجان وفان كوخ على السير في طريق ابداعي مخالف للمنحى السائد في سوق الفن الباريسية، ورفض النحات رودان الانصياع الى ارادة معهد الفنون حين رفض قبوله فيه للمرة الثالثة.
ان غالبية الباحثين في أيامنا يتطرقون الى مصطلحات مثل التحديث والحداثة وما بعد الحداثة في وصف اعمال هذا الفنان او ذاك. علما ان الاصلاح الاستيتيكي في الفن التشيكلي قد بدأ في باريس منذ ايام اقامة ” معرض المرفوضين” في عام 1863، الذي اعتبر بداية عصر الحداثة. واليوم يدور الحديث عن عصر ما بعد الحداثة الذي يرمز الى مرحلة جديدة في التطور التأريخي. ان الزائر الى المعارض الدولية والمتاحف الكبرى مثل بينالي البندقية وبينالي موسكو وكاليري ” تيت مودرن” ومتحف الفن الحديث في نيويورك وغيرها يصدم عند مشاهدة تراكيب عجيبة من حطام الاثاث او مجموعة من الاحذية العتيقة واواني الخزف المحطمة ومقاعد المرحاض التي تقدم للمشاهد على انها ابداع فني. ولا يجد المشاهد أثراً لتذوق عنصر الجمال الذي ولد لدى الانسان منذ ان غادر الكهوف وشاهد فجأة جمال الطبيعة والزهور والطيور والحيوانات وخلدها لاحقاً في أعماله. ربما ان تذوق الجمال صفة تميز الانسان عن الحيوان. وهنا يطرح موضوع العلاقة بين الفن والجمال ، بالرغم من ان تذوق الجمال شئ نسبي يختلف بإختلاف الخلفية الثقافية للانسان ونضوجه الفكري. ان فن ما بعد الحداثة يثير الكثير من التساؤلات لدى الانسان العادي الذي اعتاد على رؤية الاشياء الجميلة في زهور حديقة المدينة او الزخارف في اثاث بيته ومحتويات المطبخ وملابس زوجته. ان الانسان حين يذهب للمتجر لشراء حاجة ما يعتمد على ما يتمتع به من احاسيس تذوق فني.
وعندما اردت دراسة نظرية واقعية الكم التي اوجدها الفنان محمود صبري وجدت صعوبة في نسبها الى مصطلح ما بعد الحداثة . فقد ظهر هذا المصطلح في اعوام السبعينيات ( أي في الفترة التي اعلن فيها محمود “بيانه ” الشهير في عام 1971) ، وكان الهدف منه كما يبدو رفض ” الثقافة الجماعية ” ونبذ المفاهيم الميتافيزيقية في الفن. علما إن غالبية الاعمال الفنية التي ظهرت في الغرب وفي الشرق ايضا في هذه الفترة لا تعكس حرية التعبير الفني التي يصبو اليها الفنان في كل زمان ومكان. ان علاقة الفنان محمود صبري بالطبيعة المرئية او غير المرئية انما تجسد علاقة جميع الفنانين بها على مر العصور. فالانسان قد تميز عن الحيوان عندما لم تعد اهتماماته تقتصر على البحث عن الطعام سواء بالصيد او الزراعة والامر الاهم الحفاظ على نوعه حين بدأ بتذوق الجمال. ان انسان الكهوف كان اول من مارس مهنة الرسم للتعبير عن موقفه من الطبيعة لاغراض نفعية معيشية او دينية كما في الحضارات القديمة. واستغل الانسان العلم وكذلك الفن في جعل حياته المعيشية أفضل سواء بالاختراعات ام في العمارة والزخرفة، كما نلاحظ ذلك فيما خلّفه الفراعنة والاشوريون والبابليون والاغريق وغيرهم من ممثلي الحضارات القديمة. وكانت جميع اعمالهم تمثل محاولة لفهم الطبيعة سواء في التصوير او النحت او الموسيقى والعمارة. واقتبس الانسان الكثير من الطبيعة لدى ممارسته الابداع الفني. وفي الواقع اصبح الفنان وسيطا بين الطبيعة والبشر. واحتاج لتحقيق هذه الوظيفة الى المهارة والمعرفة والخيال التي تعتبر من العناصر الاساسية في العمل الفني. وركز محمود صبري على عنصر الخيال في الابداع، حيث تتراكم في ذاكرة الانسان الصور لكنه لا يراها بصورة كاملة ويتولى الخيال مهمة استكمالها. وكما قال “كانط” فان الجميل في الطبيعة هو غير الشئ الجميل من صنع الانسان.
وعندما اعلن محمود صبري بيانه حول “واقعية الكم” تخلى في الواقع عن الكثير من مفاهيمه الجمالية السابقة كمفكر وفنان ماركسي النزعة، ولاسيما في تعريف الجمال نفسه. واعتمد تفسير هيجل له بأنه يمثل المطلق في الوجود الحسي وبأن جمال الطبيعة يختلف عنه في الفن. ان هيجل اكد على انه ينبغي على الفن ان يتخذ مهمة اخرى غير المحاكات الشكلية للطبيعة. كما ان الوظيفة الاجتماعية للفن قد تغيرت لديه في كونه لم يعد وسيلة دعائية بهدف ايقاظ المشاعر واتخاذ موقف من البؤس والظلم وكافة شرور المجتمع. وحسب رأي محمود صبري فأن ظروف المجتمع قد تغيرت وادخلت العولمة تعديلات على المفاهيم الايديولوجية السابقة ولاسيما زوال الصفة القومية في الابداع الفني. ان الفنان الاوروبي والصيني والهندي والامريكي يستخدم اليوم الوسائل ذاتها تقريبا في التعبير عن الذات. ولذا لا يمكن نسب لوحات محمود صبري التى انجزها بعد اعلانه واقعية الكم الى الفن العراقي الخالص مثلاً. كما ان غالبية الفنانين العراقيين البارزين يلجأون الآن إلى التجريد أكثر من تجسيد واقع المجتمع العراقي او الطبيعة العراقية، ويستخدمون في ذلك بعض الرموز المميزة لبلادهم من زخارف وحروف وهلمجرا.

الطين

الطين

 ولابد من الاشارة ايضا الى ان واقعية الكم لم تصبح مدرسة فنية جديدة، لأن الفن في أيامنا يتسم بصفة فردية بحتة ويعتبر كل فنان بارز مدرسة قائمة بذاتها يمثلها وحده. وكان الفنان ضياء العزاوي على حق حين قال لي مرة ان من الصعب اليوم ايجاد مدرسة فنية ما تنسب الى شخص معين. وقد ولى ذلك الزمن حين استحدث بيكاسو وبراك التكعيبية وتبعهما العديد من الفنانين في تقليدهما. لكن نُسيت اسماء اكثرهم وبقي اسم بيكاسو وحده لأنه عبقري عبر مختلف المراحل في مشواره الفني . وعبثا ان يحاول بعض الفنانين تقليد نهج “واقعية الكم”، لأنها من ابتداع فنان كبير ينتمي الى قاعدة فكرية معينة في فترة زمنية معينة. والشئ الاهم انه فنان حر غير مقيد بمتطلبات السوق وضغوط العولمة. حقا ان الفنان في العالم سيتحول ان عاجلا او آجلا الى تصوير الواقع “الآخر” الذي لا تراه العين المجردة. ولو انه سيستخدم الوسائل الحسية التقليدية. لكن يبقى “البحث” ديدنه في الابداع. وهذا ما كان يردده محمود صبري دائما لدى تقييمه اعمال الفنانين الآخرين. فكل فنان أصيل يتبع مجاله في البحث الذي يقوده إلى ابتكار شئ جديد.
وقد راجعت لدى تقييمي لواقعية الفن ليس ما كتبه المؤلفون الآخرون وحتى ليس ما ورد في بيان الفنان نفسه، لأن الامور واضحة تماما هناك . وطالعت مرة آخرى الملاحظات التي سجلتها في دفتري في ليلة أمضيتها مع الفنان في شقته بضواحي لندن. فقد تحدثنا آنذاك عن أمور كثيرة، عن معارض الخمسينيات ولوحته في ” الانتظار ” التي قال إن جواد سليم قد سبقه في تناول هذا الموضوع، وكذلك الحديث عن الاصدقاء من اعضاء جماعة الرواد وكذلك عن المشاركة في تحرير الصفحة الثقافية في جريدة ” اتحاد الشعب”. كما استرجعنا الذكريات عن موسكو ومتاحفها ومسارحها والقسم الداخلي لطلاب المعاهد الفنية وساكنيه من فنانين روس واجانب.
وقال محمود ان الفن كالعلم يجسد حقيقة موضوعية، ولابد من ان يدعم الفن بالعلم. وإن الفنان وسيط بين الطبيعة والبشر نتيجة تراكم الصور وهو يشكلها في خياله. ويعتمد الفن على ثلاثة عناصر هي المهارة والعلم(المعرفة) والخيال. وكان ليوناردو دافنشي من اكثر الفنانين اهتماماً بربط العلم والثقافة عموما بالفن. وفي اليونان القديمة كان سقراط نحاتاً وافلاطون شاعراً وارسطو ناثراً لا يشق له غبار. وكانت التربية الفنية ضرورية في المجتمع اليوناني، وقد أعطى ذلك ثماره في روائع الحضارة اليونانية القديمة من آثار معمارية ومنحوتات ونقوش جدارية. وحسب قوله فانه يأمل ان يأتي اليوم الذي يتعاون فيه الفنان والعالم في صنع لوحة جدارية ما. فالانسان لا يرى الاشياء بصورة كاملة ويتولى الخيال مهمة استمكالها. ان غويا لم يعرف الذرة واكتفى بتصوير الواقع الموجود امامه، ولكن من وجهة نظره في النقد الاجتماعي. وأراد الفنانون الانطباعيون ابراز اشياء لا يهتم بها الانسان العادي لأول وهلة. فأظهروا الطبيعة من وجهة نظر الفنان. طبعا ان الفن يتسم دائما وفي مختلف العصور بصفة دعائية سواء في ابراز القيم الجمالية (الانطباعية) ام لدعم وجهة نظر دينية ( الايقونات) أو سياسية (صور دومييه الكاريكاتيرية ولوحة بيكاسو”غورنيكا”)مثلا.
ويؤكد محمود صبري ان واقعية الكم تحاول اعطاء صورة للطبيعة كما يفهمها الفنان خلال دراسته للتفاصيل التي يعطيها العلم عن الطبيعة. وقال لي لدى محاولتي الاشارة الى ان العمل الفني يجب ان يكون قريباً من فهم المشاهد العادي: “ان العملية الابداعية في جوهرها محاولة محاكاة الطبيعة، إنها الانتقال من المحاكاة الظاهرية الى خلق طبيعة ثانية، وهذا ما نسميه وحدة العلم والفن. والفن المعاصر يرمي الى انجاز مهام آنية تتبعها مهام اخرى ترتبط بها. وفي القرن العشرين امكن اختراق المستوى الذري والتحول الى العمليات نفسها وليست مظاهر الطبيعة فقط. ومنذ ان ظهر الانسان الى الوجود قبل حوالي المليوني سنة كان يحاكي مظاهر الطبيعة. والآن اخترق العملية وبلغ تركيب المادة نفسه، ومضى ابعد من ذلك في التوغل الى أعماق جوهر الطبيعة. هذه العملية لن تنتهي ما دام يوجد بشر. وانا، والحديث لمحمود صبري، لا اتفق مع من يقول ان الفن في مأزق. فجميع الفنون تقوم دوما بمحاولات متجددة لاظهار جوهر الطبيعة في العمل الفني. ولم يعد وجود للقول ان الشكل تعبير عن المضمون. ودخل الانسان عوالم عميقة للمادة . والفن يتحرى المادة بوجودها كأجسام . اما العلم فيتحرى المادة بشكل اكثر عمومية – اي في العلاقات الكونية. لقد اراد ليوناردو دافنشي معرفة المادة عن طريق تشريح الاجسام . بينما بحث نيوتن علاقات المواد ببعضها البعض. ووصل التحري الآن الى درجة لم يعد فيها هناك فصل بين تحري المادة وتحري الجسم. المادة عبارة عن اطياف متداخلة. وبدأ البحث عن الطاقة وليس عن كتلة المادة. العلم والفن يسيران في اتجاه ترابط العلم والفن في العمل المشترك لتحري الطبيعة. والعلم يتحرك في اتجاه تحري القوانين العلمية للطبيعة والفن يتحرك بإتجاه كشف القوانين الجمالية”.
وأضاف محمود صبري قائلاً :” أنا آخذ الكون كظاهرة واحاول تفسيرها وفق معادلة اينشتين حول العلاقة بين الكتلة والطاقة. ولهذا درست الطيف الشمسي وخصائصه. هناك طاقة تمثل الكون وتتجسد في الطيف وهي تعادل الكتلة حسب اينشتين. صورة ذرة الهيدروجين توجد بشكل اطياف وكذا جسيمات دقيقة. وحين رسمتها خلقت هذا الانسجام . بهذا استطيع تبرير موقفي من وجود انسجام في الطبيعة. علما ان العلم توصل الى معرفة هذه العلاقات بين الكتلة والطاقة قبل الفن بوقت طويل”.
وعندما قلت له ان لوحاته تبدو لغير العارف بوجود نظرية الكم وكأنها مجرد لوحات تجريدية قال:
“أنا افهم التجريد بشكل آخر. فالطبيعة تقرن تشكيلاتها دائماً بوظائف معينة وليست بشكل زخرفة لا معنى لها. كان الفن التجريدي كما ابدعه بول كلي وكاندينسكي في مطلع القرن العشرين يحاول تقليد الجوانب الشكلية للطبيعة وكانت له قيم وظيفية وليست جمالية. هذا بالرغم من ادعاء كاندينسكي انه يرفض الطبيعة كلياً، لأن الاشكال التي يرسمها والالوان التي يستخدمها مستوحاة من الطبيعة اراد الفنان ذلك أم أبى . وانا اعتقد ان للفن قيمه الوظيفية دائماً. وستتحدد هذه القيم في مرحلة تالية بالنسبة للفن التجريدي. ولا يوجد فرق بين فن الجداريات وفن الصالونات من حيث القيمة الجمالية.
وبصدد الهوية القومية للفن في واقعية الكم قال الفنان:” لاتوجد فروق في فنون الشعوب الآن. في بلدان الشرق ومنها العراق تأثر الفنانون بالتيارات الفنية الاوروبية. وتتجه الحركة الفنية كلها في العالم الآن نحو التجريد، مما يدل على ان الظروف القومية المحلية لم يعد لها تأثير بحكم وجود التلفزيون والانترنت. لم تعد هناك فوارق محسوسة بين مناطق سكنى الانسان. وصار هناك تقارب بين الحضارات. ان المعارف التي تظهرفي امريكا يعرفها العالم كله … في اليابان والهند…..في اليوم التالي. اليابان اخذت الكثير من التكنولوجيات الحديثة، لكنها تخلفت عن الغرب اجتماعياً، وبرز ذلك في تطور الفنون لديها. الفوارق القومية في الفن ستزول … ولا توجد سيطرة طبقية، والمستقبل للمجتمع اللاطبقي الذي تتوجه اليه البشرية. وستظهر في المستقبل تراكيب اجتماعية متماثلة في كل مكان بشكل مباشر وفعال. ان البشرية تمضي نحو تجاوز المجتمعات الطبقية”.
وعندما سأته عن تطبيق واقعية الكم في النحت قال:” انه لم يفكر في ذلك اصلا. والنحت له خصائصه الهندسية. وواقعية الكم تنطلق في الاساس من ان الاجسام ذات كتلة لها سماتها الشكلية واللونية. وفي الواقع الذري يتم الانتقال من الكتلة الى الطاقة. وكل مادة تعطي كمية من الطاقة بقدر نسبة كتلتها. وانا في لوحاتي انتقل من رسم الكتلة الى رسم الطاقة. ووجب علي اختيار الشكل الذي سأستخدمه في ذلك. وعندما اختار اي موضوع للتعبير استخدم الوحدات المسماة ( الكمات) أي وحدات الطاقة التي يمكن قياسها والتعبير عنها ظاهرياً بما يعادلها من وحدات الطاقة التي لا تفنى ولا تستحدث. وكل ذرة تنطلق منها ابان تفاعلاتها وحدات معينة .. كأن تشع وحدات حرارية مثلا. ولكل واحدة منها طول موجة معينة. ويوجد لدينا جدول العناصر الذي يضم كافة حجوم الطاقة المنطلقة من الذرات. وبعضها يكون بشكل ألوان (طيف) وبعضها بدون الوان ولا ترى بالعين المجردة. بينما يمتد الطيف لمساحة واسعة من المناطق المرئية الى المناطق غير المرئية. ولكل وحدة طيف موجة معينة، وترى فقط في المنطقة التي تقترب فيها. اذن فالنحات لن يستطيع التعبير عن فكرته بواسطة واقعية الكم اللهم الا اذا استخدم مواد معينة كالاسلاك او قطع الخشب او الحبال الملونة. وهذا لا يعتبر نحتاً عندئذ بل هو تركيب. في النحت لا يوجد تكامل مع الضوء”.

ذرة الهيدروجين

ذرة الهيدروجين

ومضى محمود قائلا في تفسيره لعمله الفني:” انا شخصياً اردت التعبير عن الذرة . الكتب العلمية تتضمن الاشارة الى نقطة هي النواة وحولها دوائر، وفي كل دائرة توجد نقاط اخرى هي الالكترونات ولها مدارات معينة حول النواة. انا خذت الضوء الذي تشعه الذرات. وكل اشعاع من الذرة يختلف عن اشعاعات الذرات الاخرى. وفي كل ذرة مجموعة اطياف مميزة لها وتحسب مختبرياً. وواجبي كرسام هو تصوير التفاعالات الجارية في الطبيعة، والتي كان الرسام حتى الآن يأخذها جاهزة ظاهرياً من الطبيعة. وكان الرسام يرسم التفاعلات اعتماداً على الضوء في الاساس. اما الآن فانه يتجاوز الكتلة إلى العمليات الذرية التي لا ترى بالعين المجردة. ان فن المستقبل هو فن مرتبط بالنشاطات العلمية المختبرية التي تمدنا بالمعلومات لفهم العالم الذري، وعلى سبيل كيفية رسم ما يدعى اللف (spin ) في ميكانيكا الكم. وانا لم اتناول بعد هذه الاشياء التي لا يوجد لها طيف ملون. انا استخدم اللون الاسود احيانا لرسم الاشياء غير الطيفية. وكل فنان له رؤيته حيال تركيب الذرة . ولا يمكن ان يرسم كل فنان الذرة بشكل مماثل لفنان آخر”.
وعندما سألته حول موقفه من لوحاته التي ابدعها في مرحلة سابقة قال:” انني كنت ارسم الانسان. وكنت آخذ لحظة ثابتة في نشاط الانسان. والفنان حين يرسم الطبيعة يجسد

فلاحة

فلاحة

لحظة معينة منها. وكنا مجموعة من الفنانين من جماعة الرواد نذهب كل يوم جمعة ومعنا مواد الرسم والطعام الى جزيرة أم الخنازير حيث توجد بساتين نخيل كثيرة. وكنا نمارس الرسم هناك ورسمت انا الفلاحين. وكان الانسان في لوحاتي هو الاساس، لهذا قلما رسمت المناظر الطبيعية او الطبيعة الجامدة

(still life )،

لأنني كنت اعتبرها اضافة للانسان. الانسان في لوحاتي هو الاساس. وكانت التطورات الفنية في النصف الثاني من القرن العشرين مرتبطة بالاحداث السياسية والاوضاع الاجتماعية. ولهذا انجزت الكثير من الاعمال التي تعكسها لكوني فنانا ملتزما. علما انني ما زلت حتى الآن اعتبر الفن ذا وظيفية اجتماعية يخدم عامة الناس. اما الآن فالوضع يتغير ..ان الفن في مفترق طرق .. ان رسم المنظور على مستوى الحياة أدى دوره .. الفن في مرحلة بحث .. وقد انتهت مرحلة الصراعات الطبقية وبدأ الدخول الى اعمال جديدة للمادة. والسياسة تريد ايجاد حل جديد لمشاكل البشرية لمصلحة الانسان وليس ان يذبح شعب ما شعباً آخر. لقد بدأ التوجه نحو الذرة والتفتيش عن طاقات جديدة لم يعرفها البشر سابقا. وهي ستحل مشاكل المجتمع السابق. اننا خرجنا من القرن العشرين ودخلنا القرن الحادي والعشرين .. وانتهت التجارب الاشتراكية بما رافقها من اخطاء .. وكانت فترة قلقة انعكست على مستوى الفن. إن تفسيري الشخصي للاحداث اقترن بالتحولات الاجتماعية في الاتحاد السوفيتي والصين… وهي تتركز على علاقة الانسان بالمجتمع والسلطة. واليوم اصبحت الايديولوجية غير محددة ويمكن القول ان جميع مشاكلنا لها عمق ذري ان جاز التعبير.. وماركس تحدث في حينه عن الديمقراطية الانكليزية التي اعطت في حينه الحق للعمال للمساهمة في الحياة السياسية عبر الانتخابات. وحصل الانسان الاوروبي على حرية التعبير والديمقراطية. اما ستالين فقد أجرم عندما حاول فرض (الواقعية الاشتراكية) في ميدان الفن والثقافة. وهذا أدى الى تأخر التقدم في المجتمع الاشتراكي. والبشرية تتجاوز مثل هذه الاخطاء الآن “.
وقد شكوت لمحمود صبري عندئذ من ضعف النقد الفني في العراق حيث لا يوجد نقاد محترفون في الواقع فقال:” ان النقد الفني في أزمة حقاً. فهو اخفق في توجيه العملية الفنية نحو الاهداف الخلاقة. فالنقاد لم يدركوا ان الفنان يبحث عما يجب فعله لاحقاً. والبشرية عموما تريد التعمق اكثر في الواقع… وتفاعل البشر مع الواقع وتطويره لاحقا. ان جميع انجازات الفراعنة والبابليين هي محاولات لفهم الطبيعة بشكل اعمق من المراحل السابقة. وفي القرن العشرين حدثت قفزة في علاقة الانسان بالطبيعة. وكان لابد ان ينعكس ذلك في الفن ايضا. ان البشرية مرت بمراحل كثيرة من مرحلة الكهوف والصيد ثم اكتشاف الزراعة وظهور المعتقدات بوجود قوى روحية خارقة والاديان. فالالهة ظهرت في مرحلة الاستقرار الزراعي. وتفاوتت مستويات تطور المجتمعات في العالم من منطقة الى أخرى. واختلفت مستويات تطور الثقافة ومنها الفنون. لكن الآن بدأت البشرية بالتقارب وتصبح الثقافة والفنون عالمية تدريجيا وليست لها صفات قومية”.
لقد اعلن أحد العراقيين في حفل تأبيني اقيم بموسكو بعد وفاة الفنان ان محمود صبري وضع نفسه في مأزق حين طرح نظريته وتطبيقاتها بشكل لوحات، لأنها لا تجد صدى لدى المشاهد العراقي بشكل خاص. وفي الواقع ان النوابغ من الرجال ومحمود أحدهم يتجاوزون عادة المرحلة الزمنية لمجتمعاتهم. وقال الفنان فائق حسن مرة لطلابه في معهد الفنون الجميلة في تعليقه على اعمال الفنانين في الخمسينيات :” احنا ما زلنا نخيط لحف!”، في اشارة الى ان الفن في العراق ما زال في المرحلة الجنينية. ان محمود صبري قد تجاوز المرحلة الاقليمية المحلية الى المرحلة العالمية لأنه كان مفكرا وفيلسوفا قبل ان يكون فنانا. ومن الصعب الآن اعطاء حكم قاطع حول مكانة ابداعه الفني في مسيرة الثقافة العراقية. ان مشكلة محمود صبري (الباحث الاجتماعي في الاصل) انه كان ينظر الى مسيرة التطور الاجتماعي نظرة ابعد مدى من نظرة الآخرين لها. وعندما كان يجلس في صومعته ومكتبته في براغ ويتأمل في احداث المنطقة العربية ووطنه يستخلص استنتاجات حول مستقبل الثقافة فيها تختلف عما يصل اليها الآخر. انه يذكرني بنابغة عراقي آخر هو علي الوردي الذي كان يتنبأ مسبقاً بما سيجري للمجتمع العراقي، وشخص جميع امراضه وطرح الدواء الشافي منها. وتبقى مؤلفاته شاهدة على تنبؤاته. ان واقعية الكم قد دخلت المعاجم الفنية باعتبارها مرحلة متقدمة في تطور الفن التشكيلي.
6/1/2014

Posted in فكر حر | Leave a comment