تأويل القرآن من أجل احتكار العلم 1-2

japanislamبعد موضة الإعجاز اللغوي في القرآن بدأت موضة الإعجاز العلمي والآن ظهر لنا الشيخ أحمد صبحي منصور ليتزعم تأويل القرآن من أجل أن يحتكر العلم ويجعل نفسه مرجعاً لأهل الذكر والذين أوتوا العلم. يقول القرآن (كتابٌ فُصلت آياته قرآناً عربياً لقومٍ يعلمون) ( فُصلت 3). ويعني بهذا القول أن القرآن فُصّل بلغة عربية لقوم يعلمون اللغة وأسرارها. ثم يقول كذلك (ولو نزلناه على بعض الأعجمين وقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين) ( الشعراء 193). فالأعجمون الذين لا يفهمون اللغة العربية لن يؤمنوا بالقرآن لأنه لا يعني لهم شيئاً. فإذاً القرآن نزل بلغة العرب الذين يفهمون لغتهم وأسرارها ويفهمون شعر المعلقات الذي هو أصعب من لغة القرآن، فهل يحتاج القرآن إلى من يشرحه ويؤوله للعرب؟ فإذا كان الجواب بالإيجاب، يصبح الشارحون هم أهل القرآن وبقية المسلمين يصبحون كالمستأجر الذي استأجر من أهل القرآن إيمانه لأنه لايمكن أن يؤمن الشخص بشيء لا يفهمه، تماماً كما قال القرآن عن الأعجمين. فهل يُعقل أن يُنزل إله السماء قرآنه على أقلية تفهمه ويطلب من الجميع الإيمان به؟ فإن أبسط قواعد البلاغة تحتم على المتكلم أن يخاطب مستمعيه بلغة يفهمونها وعلى قدر مستوى عقولهم.
يقول الفقية الحنبلي ابن القيم (لما كان المقصود بالخطاب دلالة السامع وإفهامه مراد المتكلم بكلامه وتبيينه له ما في نفسه من المعاني ودلالته عليها بأقرب الطرق كان ذلك موقوفا على أمرين: الأول بيان المتكلم، والثاني تمكن السامع من الفهم. فإن لم يحصل البيان من المتكلم أو حصل له ولم يتمكن السامع من الفهم، لم يحصل مراد المتكلم، فإذا بين المتكلم مراده بالألفاظ الدالة على مراده ولم يعلم السامع معنى تلك الألفاظ لم يحصل له البيان. فلا بد من تمكن السامع من الفهم وحصول الإفهام من المتكلم فحينئذ لو أراد الله ورسوله من كلامه خلاف حقيقته وظاهره الذي يفهمه المخاطب لكان قد كلفه {يقصد المخاطب} أن يفهم مراده بما لا يدل عليه) (الصواعق المرسلة، ص 46) انتهى. فإذاً لابد أن تكون الرسالة من الله كلاماً بيناً يفهمه السامع على ظاهر اللفظ، وإلا يكون المتكلم قد فشل في إيصال رسالته للسامع، وهذا يُزيل بلاغة القرآن التي يزعمونها.
ويقول الإمام الغزالي عن الحكمة (وأمر آخر يخصها وهو صرف ألفاظ الشرع عن ظواهرها المفهومة إلى أمور باطنة لا يسبق منها إلى الأفهام فائدة كدأب الباطنية في التأويلات فهذا أيضا حرام وضرره عظيم فإن الألفاظ إذا صرفت عن مقتضى ظواهرها بغير اعتصام فيه بنقل عن صاحب الشرع ومن غير ضرورة تدعو إليه من دليل العقل اقتضى ذلك بطلان الثقة بالألفاظ وسقط به منفعة كلام الله تعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم فإن ما يسبق منه إلى الفهم لا يوثق به والباطن لا ضبط له بل تتعارض فيه الخواطر ويمكن تنزيله على وجوه شتى وهذا أيضا من البدع الشائعة العظيمة الضرر) (الغزالي، إحياء علوم الدين، ربع العبادات، كتاب العلم، الباب الأول في فضل العلم، ص 24) انتهى. فصرف ألفاظ القرآن عن ظاهر معانيها إلى معاني يريدها المؤول، أمر يقود إلى الضرر في رأي الغزالي. وقال ابن مسعود (ما من رجل يحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلا كان فتنة لبعضهم) (ابن القيم، هداية الحيارى، ص 59). فإذاً مخاطبة الناس بحسب ما تستوعبه عقولهم هو من أبجديات المنطق والبلاغة. فهل يمكن أن يفعل الإله غير ذلك؟
وقال قوم منهم البغوي والكواشي‏:‏ (التأويل‏:‏ صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها تحتمله الآية غير مخالف للكتاب والسنة من طريق الاستنباط‏.)‏ (جلال الدين السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، النوع السابع والسبعون في معرفة تفسيره وتأويله) انتهى. وحتى لو قلنا إن القرآن يحتاج إلى تأويل، فيجب أن يكون التأويل بجعل المعنى يتفق مع الآية التي تسبق، والآية التي تلحق بالآية المراد تأويلها.
ولكن عندما نقرأ مقال الشيخ أحمد صبحي منصور المنشور بموقع “الحوار المتمدن” بتاريخ 7/3/2008 والموسوم “لماذا يختلف القرآنيون” نجد أن الشيخ لا يلتزم هذه القاعدة ويؤول القرآن تأويلاً يختلف عن تأويل كل الذين سبقوه في هذا المجال، و يحاول الشيخ حصر صفة “الراسخون في العلم” وصفة “الذين أوتوا العلم” في فئة قليلة من الناس، هو واحد منها.
يقول الشيخ إنه فرض على الذين يكتبون في موقعه أن يلتزموا بالقرآن وحده دون الحديث، وقال (خلال هذا الإطار تأتى أجتهادات من داخل القرآن بعضها غاية فى الغرابة ، تضعنا فى حيرة الجمع بين حرية الرأى والفكر وإعطاء القرآن حقه المفروض من التقديس والتقدير، لأن بعض الإجتهادات الخاطئة تأتى فى النهاية بما يمس جلال القرآن وقدسيته .) انتهى. فحرية الفكر والنقد ليس لها حدود ولا مقدس في النقد. فإذا طرح موقع أهل القرآن قرآنهم للنقاش فيجب أن يتقبلوا كل الأراء ويردوا عليها ولا يتترسوا خلف المقدس. ولا أدري من الذي أعطاه الحق في أن يصف بعض اجتهادات المشاركين بأنها خاطئة.
وأقر الشيخ أن القرأنيين مختلفون بينهم في الاجتهادات وفي التأويل، وسأل: لماذا يختلف القرآنيون؟ وكان جوابه (فى إعتقادى أن السبب هو الخلط بين الهداية العلمية والهداية الإيمانية ) انتهى. فالهداية الإيمانية، أي هداية الرجرجة والدهماء، هي (متاحة لكل إنسان يقرأ القرآن الكريم ويصدق أنه الحديث الوحيد الذى يجب الإيمان به) انتهى. أما الهداية المعرفية فخاصة بعدد قليل من الذين أوتوا العلم (الهداية العلمية لا تتاح إلا لأصحاب القدرة عليها من المتخصصين فى العلم الذين وهبوا حياتهم لهذه المهمة فاستحقوا أن يقال عنهم ” أهل الذكر) انتهى. فأهل الذكر، كما يعتقد الشيخ، هم حسب قول الإنكليز، The cream of the cream. وهم طبقة خاصة من أهل القرآن. ولكن ما هو دليل الشيخ على هذا القول؟ يأتي الشيخ بآيات من القرآن منزوعة من سياقها، ليبرهن بها على ما يقول. وقد قرأنا أن البغوي قال عن التأويل إنه (صرف الآية إلى معنى موافق لما قبلها وما بعدها). فدعونا نتفحص الآيات التي أتى بها الشيخ.
يقول الشيخ عن الذكر:((يقول جل وعلا (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) (النحل 43 ) ، و(الذكر ) من أسماء وأوصاف القرآن الكريم) انتهى. وزعم الشيخ أن أهل الذكر هم أهل القرآن.
فالشيخ، هنا لم يذكر الآية التالية لآية النحل 43، والتي تقول (بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (النحل 44). فإذا أخذنا الآيتين مع بعض، نجد أنهما يقولان (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم – فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون- بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون). ويظهر جلياً هنا أن جملة “فاسألوا أهل الذكر” هي جملة اعتراضية، وسياق الآيتين يقول (وما أرسلنا من قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم بالبينات والزبر). وأهل البينات والزبر هم اليهود، ولهذا يقول القرطبي في تفسيره لأهل الذكر (قال سفيان: يعني مؤمني أهل لكتاب، وقيل المعنى اسألوا أهل الكتاب، فإن لم يؤمنوا فهم معترفون بأن الرسل كانوا من البشر). فإذاً أهل الذكر ليسوا أهل القرآن كما يقول الشيخ، بل هم أهل الكتاب. وهذا يصدق قول الغزالي من أن تأويل القرآن فيه ضرر على الناس.
ثم أن كلمة “الذكر” ليست محصورة على القرآن حتى يقول الشيخ إن أهل الذكر هم أهل القرآن. فالقرآن يقول عن قوم نوح (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا لعلكم ترحمون. فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك) (الأعراف 63-64). فكتاب نوح كان ذكراً. ويقول لقوم عاد (أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بصطة فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون) (الأعراف 69). ويقول كذلك (ولقد كتبنا في الزبور بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون) ( الأنبياء 105). فالذكر هنا لابد أن يكون كتاب موسى لأنه سبق الزبور، كتاب داود). فكلمة “الذكر” قد تعني التوراة أو كتاب نوح، أو القرآن. ويظهر جلياً أن الذين ينتقون بعض الآيات بعيداً عن سياقها لا يشرحون القرآن وإنما يؤولون آياته لتعكس وجهة نظرهم.
والشيخ أحمد منصور يعتقد أن رأيه هو الرأي الوحيد الصحيح وتفسير غيره من المفسرين لا يستحق حتى الذكر، فمثلاً نجده يقول (( ولأنهم يرون أن القرآن الكريم هو الحق من عند الله:(وَيَرَى الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ الَّذِي أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ هُوَ الْحَقَّ : سبأ 6 ) فلا بد أن يترتب على هذا الإيمان أن يخشى العالم ربه جل وعلا)) انتهى. ففي رأي الشيخ أن الذين أوتوا العلم هم أقلية من أهل القرآن، بينما نجد مفسراً كالإمام القرطبي يقول (قال مقاتل: الذين أوتوا العلم هم مؤمنو أهل الكتاب. وقال ابن عباس هم أصحاب محمد وقيل جميع المسلمين، وهو أصح لعمومه) انتهى. فالذين أوتوا العلم ليسوا فقط أهل القرآن، كما يجزم الشيخ منصور.
وكعادة أغلب المسلمين الذين يقولون ما لا يفعلون، يقول الشيخ منصور (ومن هنا فإن منهج أولى العلم أو الراسخين فى العلم أنهم يقرأون القرآن الكريم ويفهمون مصطلحاته وفق معانيها القرآنية ، ثم يستحضرون كل الآيات المتعلقة بالموضوع الواحد ، ما كان منها محدد الدلالة بأسلوب علمى تقريرى ” أى الآيات المحكمات ” وما كان منها مفصلا وموضحا ومتشابها ، ويفهمون القرآن بالقرآن ، أى يبحثون كل الآيات معا على أنها جميعا من عند الله عز وجل ، وهذا ما يفعله الراسخون فى العلم مناقضا للآخرين الذين فى قلوبهم زيغ ) انتهى. ولكنا قد رأينا في الفقرات السابقة أن الشيخ اقتطف بعض الآيات خارج سياقها وفسرها أو أولها بما يتناسب مع أفكاره، دون ذكر الآيات الأخرى التي تتحدث عن نفس الموضوع ولكنها لا تؤيد ما يذهب إليه الكاتب، مثل الآيات التي أوردناها عن كلمة “الذكر”.
ويختتم الشيخ منصور مقاله باتهام جزء من الذين يكتبون في موقعه “أهل القرآن” بالجهل، حينما يقول (ما صلة هذا كله بالخلاف بين أهل القرآن ؟ الجواب : السبب كما قلت أنه يخلطون بين الهداية الإيمانية والهداية العلمية . بمجرد أن يهتدى بعضهم إلى الإكتفاء بالقرآن وحده كتابا وحديثا ” أى الهداية الإيمانية ” يظن نفسه أنه قد حاز أيضا الهداية العلمية ، فيكتب قبل أن يدرس ، ويجتهد قبل أن يحوز أدوات الإجتهاد ، ويفتى مع أنه المفروض أن يسأل ، فيقع فى أخطاء مهلكة ، ثم تكون الفاجعة حين يصرّ على رأيه ، ويصمم عليه ، عندها يكون قد تمكن منه الشيطان ) انتهى.
ورغم إصرار الشيخ بأنه من الذين أوتوا العلم، ولا يحق لغيره إبداء الرأي في القرآن، فإني أكرر أن القرآن لا يحتاج إلى من يشرحه أو يؤوله لأنه كتاب رسالة دينية إلى مجموعة كبيرة من العرب تعرف لغتها والقرآن خاطبهم بها. وكل من يعرف اللغة العربية وقواعدها يستطيع فهم وشرح القرآن. فمحاولة تجميل صورة القرآن أوالخروج من مأزق التناقضات عن طريق التأويل وتحميل الآيات فوق طاقتها لن يفيد القرآنيين ولا العامة من أهل السنة والشيعة الذين يقدسون الأحاديث أكثر من تقديسهم القرآن نفسه.
وفي الحلقة الثانية التي سوف أرد عليها، يركب الشيخ أحمد صبحي منصور قطار “الإعجاز العلمي في القرآن” مع الدكتور زغلول النجار، وينطلق بنا في متاهات علمية في علم دراسة الحشرات، الذي لا يمت للقرآن بأي صلة، فيرتكب أخطاءً علمية يحاول الالتفاف حولها باغتصاب اللغة العربية.
فإلى اللقاء في الحلقة الثانية.

Posted in دراسات علمية, فلسفية, تاريخية, ربيع سوريا | Leave a comment

أحمد رجب .. أوراق الغرفة 53

ahmadrajabأحمد رجب .. أوراق الغرفة (53)

كتبت قبل أسبوع كلاماً عن الفنان ” سعيد صالح ” ، كنت أنوي أثناء كتابته أن أروي خبراً تراثياً يتعلق بالشاعرين ” جرير ” و ” الفرزدق “، ابني العم اللذين ملأ العراك اللفظي بينهما الدنيا و شغل الناس في زمانهما، كنبوءة لا يليق التصريح بها باقتراب أجل الممثل ” عادل إمام “، و لسبب ما نسيت ، و كان ذلك أفضل، و لحسن الحظ، لم يمرَّ شئ بعد، لذلك، سأروي هذا الخبر، أوالنبوءة التي الآن انطفأت بعد أن سافر فجر الجمعة في مساحات الغياب الكاتب الكبير ” أحمد رجب ” ليلحق، بعد أقل من شهر واحد، بشريكه في حرفة الصحافة و أوراق الغرفة ” 53 ” بمبني دار ” أخبار اليوم ” رسام الكاريكاتير” مصطفي حسين “!

قبل أن أقول ذلك الخبر، و قبل أن أنسي، يجب أن أقول : فوق أسطح أوراق الغرفة ” 53 ” ولد ” فلاح كفر الهنادوه ” و ” مطرب الأخبار ” و ” عبده مشتاق ” و ” عبده الروتين ” و ” الكحيت ” و ” عزيز بيه الأليط ” و ” كمبوره ” و غيرها الكثير من الشخصيات التي الآن حية، و سوف تظل، يقيناً، لقد أرسلها ” أحمد رجب ” عن عمدٍ للخلود!

و الآن، هذا هو الخبر ..

قال ” أبو عبيدة ” : حدثني ” أيوب بن كسيب “، من ” آل الخطفى ” ، و أمه ابنة ” جرير بن عطية “، قال : بينا ” جرير ” في مجلس بفناء داره بحجر إذا راكب قد أقبل فقال له ” جرير ” من أين وضح الراكب ؟ قال : من العراق، فسأله عن الخبر فأخبره بموت ” الفرزدق ” فقال ” جرير ” :

مات الفرزدقُ بعدما جدَّعته / ليت الفرزدقَ كان عاش قليلا

ثم أسكت ساعة فظننا أنه يقول شعراً، فدمعت عيناه، فقال القوم : يا سبحان الله أتبكي على ” الفرزدق “؟!

فقال : و الله ما أبكي إلا على نفسي، أما و الله إن بقائي خلافه لقليل، إنه قلما كان مثلنا زوجان يجتمعان على خير أو شر و يتهاديانه إلا كان أمد ما بينهما قريباً، ثم أنشأ يقول :

فجمعنا بحمال الديات ابن غالب / و حامي تميم ٍكلِّها و المراجم

بكيناك حدثان الفراق و إنما / بكيناك شجواً للأمور العظائم

فلا حملت بعد ابن ليلى مهيرةٌ / و لا مدَّ أنساع المطي الرواسم

قال ” أبو عبيدة ” : فما بقي ” جرير ” بعد ” الفرزدق ” إلا قليلاً حتى مات!

قالوا، لحق به بعد أربعين يوماً فقط!

غريب هذا الأمر، و يكاد لفرط حدوثه أن يصبح عرفاً دارجاً، قلما كان زوجان يجتمعان علي خير أو شر و يتهاديانه إلا كان أمد ما بينهما قريباً!

و ” أحمد رجب ” باختصار أعظم كتاب السخرية السوداء في ” مصر ” علي الإطلاق ثم يتخثر بعد ذلك كل تعريف آخر له إلي مجرد تعليق أو إضافة، بدأ مساره في عالم الصحافة و هو في مرحلة الجامعة، و لقد فضحت لنا زميلته الأقل منه عمراً بعامين ” حُسْن شاه ” بعضاً من أبعاد شخصيته في ذلك الوقت في حزمة كلمات كاشفة، قالت :

( قابلت ” أحمد رجب “، لأول مرة، عندما كان مسؤولاً عن الصحافة بالكلية، و كانت علامات النبوغ واضحة عليه، فكان يعرف من أول يوم فى كلية الحقوق أنه سيصبح صحفيا، فكان يردد : ” إن ما يجرى فى عروقى ليس دماءً و إنما حبر المطابع “، و استمرت علاقتى به و كان السبب فى اتجاهى إلى العمل فى الصحافة رغم أننى كنت أتمنى أن أصبح محامية !

كان قد أحب الموسيقي في مرحلة سابقة و أراد أن يصبح عازف كمان، لذلك، التحق بمعهد ” جيوفاني “، لكنه أخفق في ترويض الكمان، حتي أن أستاذه نصحه بالتوقف عن دراسة هذه الآلة لأنها لم تصنع من أجله، كانت أصابعه مطبوعة علي عزف من نوع آخر، و هو العزف بالحروف، غير أنه واظب فيما بعد، حسب روايته هو، علي تحديق النظر بعيون الحسد في كل عازف كمان، لقد باشرت هذه الحادثة تربية ” عقدة ” علي ما يبدو احتفظت بها أعماقه حتي النهاية، جنباً إلي جنب مع ” عقدة ” أخري، ولدت تعقيباً علي حادثة أخري طبعاً، و هي ” عقدة ” أطلق عليها هو ” فوبيا الحلاقة “!

نعم، ” فوبيا الحلاقة “!

و هو يروي تفاصيل تلك الحادثة فيقول :

( ذهبت أحلق شعرى و أنا فى المدرسة الابتدائية فدخل رجلٌ صالون الحلاقة وفى يده ابنه فى مثل عمرى، فقص الرجل شعره و حلق ذقنه، و جاء الدور على الولد الصغير فأجلسه الحلاق على منضدة ليقص شعره بينما ذهب الأب إلى الحانوت المجاور بعد أن نفدت سجائره، و جن جنون الأسطى ” رشوان ” عندما اكتشف أن الرجل ليس أبا الولد الصغير، و أنه اصطحبه من الطريق ليتركه رهينة عند الحلاق باعتباره ابنه ويفر دون أن يدفع الأجرة!

و لم يكتفِ الحلاق بضرب الولد المسكين الذى لا ذنب له، بل أمسك بى أنا أيضا و هو يصيح :

– و أنت كمان أبوك فين يا ولاد النصابين؟

و لم أدرِ فى مقاومتى أننى كسرت ” قصرية ” زرع فتحول الحلاق إلى ” القصرية ” المكسورة و تحولت أنا إلى الشارع أسابق الريح، و من يومها أُصبت بما يمكن أن يسمى بـ ” الحلاقة فوبيا “! )

يتضح من هاتين الحادثتين أن أعماق فقيدنا الكبير أعماق غير طاردة كأعماق ذوي الأعماق الهشة، فهي تمتص و تمضغ و تخبئ في جيوبها أدق التفاصيل و تعيشها ثم هي تستخدم، في الوقت المناسب، تلك الأصداء الناجمة عن تداعياتها للسخرية من الحياة ، و من كل شئ ..

بعد تخرجه من الجامعة، بدأ مساره الحقيقي في رحاب الكلمة محرراً بدار أخبار اليوم بـ ” الإسكندرية ” مع صديقه ” محسن محمد ” رئيس تحرير الجمهورية فيما بعد، و هو أيضاً، في واحد من أوضح أمثلة ” الجينات السياسية ” في ” مصر” التي في خاطر و فم ” أم كلثوم ” و المختطفين ذهنياً فقط، زوج الإعلامية ” هند أبو السعود ” و والد الإعلامية ” ميرفت محسن “!

من الجدير بالذكر أن الشيخ ” عبد الباسط عبد الصمد “، المقرئ الشهير، كان هو السبب المباشر في شهرة ” أحمد رجب “، كما كان ” أحمد رجب ” السبب في شهرته بقدر مضاعف مئات المرات، و هنا، حدثٌ من الحوادث القليلة التي تجعل المرء يشعر عند الوقوف فوقه بأنه يفتقد الدهشة أحياناً!

بدأت الحكاية عندما سأل أحد العاملين بالإعلانات في ذلك الوقت ” أحمد رجب ” :

– عندى قصة حلوة، ينفع تنشرها ؟

و أخرج صورة أحد أقاربه، و استأنف كلامه :

– هذا الرجل يعمل مقرئاً، و هناك امرأةٌ سورية تحبه و تطارده!

و تركت الحكاية صدي طيباً في نفس الصحفي الشاب، و لاحظ، في نفس الوقت، ذلك الشبه الكبير بين ملامح الشيخ ” عبد الباسط عبد الصمد ” و بين ملامح الممثل العالمي ” مارلون براندو “، و كتب أول مقالاته الرئيسية في ” الجيل ” بعنوان ” عبد الباسط براندو “، فأثار بذاك المقال غباراً وصل إلي عقر دار ” مارلون براندو ” في غضون ساعات قلائل، إذ أعادت مجلة ” نيوزويك الأمريكية ” نشر المقال!

و علي السواحل المحلية، ارتفع، تعقيباً علي المقال أجر الشيخ ” عبدالباسط عبد الصمد ” من ” 30 ” إلي ” 300 ” جنيه، ليس هذا كل شئ، إنما، كعادة المصريين، بمجرد أن نمت الأحاديث حول المقال في المقاهي و المساجد و النوادي و الحارات، قام بعض الذين ينشطون أو يتظاهرون بالنشاط في مثل هذه الظروف بصنع تماثيل من الجبس الرخيص للشيخ ” عبد الباسط عبد الصمد ” أغرقت أسواق المدن الرئيسية في ” مصر “، كان الباعة ينادون عليها :

” الشيخ ” عبد الباسط براندو ” بقرش، معبود الستات بقرش “!

تجاوزت شهرة الشيخ ” عبد الباسط براندو ” في أسابيع قليلة حدود ” مصر “، و صار صوته طَبَقاً لا يليق إلا بموائد الملوك و الحكام، و دعي إلي ” سوريا “، و هناك، في المطار، حوصر بالنساء و عدسات المصورين كما يليق بنجوم السينما العالمية، و قلد عدداً من الأوسمة!

أكثر من كل هذا، لقد صار وجه المقرئ الشاب، بين يوم وليلة، يلتحق بأحلام يقظة كل النساء الناطقات بالعربية من المحيط إلي الخليج في ذلك الوقت برهافة بالغة، نساء ” سوريا ” علي وجه الخصوص ..

باختصار، استفحل أمر ” مارلون براندو الشرق ” منذ ذلك اليوم حتي عكف بعض الحاذقين في تربية النقود، تماماً، مثلما حدث في مصر، علي صناعة تماثيل له كانت تباع بكل عملات عواصم الشرق!

ضجة كبري، لم تسكت، في ” مصر” علي الأقل، إلا بأمر من ” جمال عبد الناصر ” شخصياً بعد أن طلب منه ” عبد الباسط عبد الصمد “، الخجول، إسكاتها!

لاحظ أن كل هذا الضوء العارم ولد في اسم ذلك المقرئ المغمور بداية من سؤال أحد العاملين بالإعلانات لـ ” أحمد رجب “، ما أغرب الدنيا!

حكاية أخري أشد طرافة، رواها ” أنيس منصور ” في بعض من ذهب الكلام الخاص به، و كانا صديقين، و هذا معروف، و كان ” أحمد رجب ” يحرر باب ” حظك هذا الأسبوع ” في ” الجيل “، و لأنهما كانا علي وعي تام ببساطة أذهان أغلب المتلقين من الجمهور، جعلا من هذا الباب ساحة مشروعة للمكائد بينهما!

ذات يوم، لاحظ ” أنيس ” أن صديقه يوجه من خلال أحد الأبراج رسائل شخصية لأنثي ما يريد الإيقاع بها، و لسبب ما سكت في انتظار فرصة مناسبة، و تغيب ” أحمد رجب ” يوماً، فطلب من ” أنيس منصور ” تحرير الباب، و طبعاً، وافق من كل قلبه، ربما، وافق فقط ليوجه رسالة إلي صاحبة ذاك البرج، التي لابد أنها شعرت بالصدمة و اهتزت بداخلها خيوط كثيرة عندما قرأت في برجها لذلك الأسبوع :

– احذري من شخص اسمه ” أحمد “، يرتدي قميص أحمر!

سخرية أنيقة، و مثقفون حقيقيون ظرفاء، يكفي لإدراك لزوجة الحضيض الذي وصل إليه الإعلام الآن أن، لا أقول تقارن، استغفر العطر، بل أن يمس ذاكرتك كـ ” جعضيضة ” عفنة اسم أحد الذين يتسلقون حنجرة المشهد الإعلامي الآن كالغربان الدميمة!

” أحمد رجب ” مثقف كبير، و لعل من المحرض علي الدهشة أن نعرف أن السخرية كانت أقل أدواته، هو أيضاً كان شديد الوعي بهذه الحقيقة، و ربما كان وعيه بهذه الحقيقة هو وقود غروره، أو علي وجه الدقة، وقود نزوعه إلي العزلة، و عزوفه الصحِّيِّ عن أن يكون شخصية مفتوحة علي مصراعيها لتجوال كل من يريد التجوال في شوارعها كالكثيرين ..

و ثمة حكاية رائجة تؤكد أن السخرية كانت أقل أدوات ” أحمد رجب “، لكنها خرزته التي اختارها من العقد و اشتهر بها، و لها، أحرج بهذه الحكاية كل النقاد المتحذلقين في ذلك الوقت..

و في ذلك الوقت، كان مسرح ” اللا معقول ” يهيمن علي المشهد الثقافي، وكان باقة من كبار النقاد، و باقة من أعلي أصوات الساحة الأدبية الموازية يرون في مسرح ” اللا معقول ” النموذج الأكثر صلاحية للمسرح ..

قرر ” أحمد رجب ” أن يثبت عملياً، و بطريقة اشتعلت عندما نضجت كفضيحة مدوية، بطلان هذه النظرية، وأن يثبت أن ” اللا معقول ” الوحيد هو أن يكون هؤلاء الأدعياء نقاداً أو كتاباً، من أجل أن يفعل ذلك نشر في مجلة الكواكب مسرحية بعنوان ” الهواء الأسود “، ادعي أنها مسرحية لم تنشر من قبل للكاتب المسرحي السويسري ” دورنيمات “، و دعا كبار النقاد المروجين لمسرح ” اللا معقول ” للتعقيب علي المسرحية باعتبارها واحدة من روائع هذا اللون من المسرح، و لقد حدث، و كانت الإشادة من جانب هؤلاء بالمسرحية و بامتداداتها الذهنية الكامنة و بإبداع ” دورنيمات ” عظيمة و ثرية فاقت كل توقعاته هو شخصياً!

عندما رأي أن دوائر مكيدته قد اكتملت، أخبرهم في لهجة لا تنم عن احترام كبير أنه هو مؤلف هذه المسرحية العبثية، هذا كل شئ، و منذ تلك اللحظة و حتي هذه اللحظة، سكتت أصوات هؤلاء، و انخفضت تصرفاتهم، أو اعتمدوا أساليب أخري لحشو فراغات نفوسهم علي وجه الدقة!

أنا، بصفة شخصية، لا أحب التعاطي مع الأمور، ولا مع الآخرين بهذه الطريقة الرديئة، لكنها تنجح، لا تلمسوا شيئاً ..

الطريف أن تعليقات الكتاب علي هذه الحادثة تشابهت مع شخصياتهم إلي حد مروع ، العقاد قال :

– هؤلاء النقاد المحترمون يجب أن يُساقوا إلى محكمة التزييف لحماية هذه الأمة من وبال دعواهم!

و قال ” طه حسين ” :

– إنها عقدة الخواجة فعلاً!

أما ” توفيق الحكيم “، رائد المسرح الذهني، و أول من اتخذ الغرفة ” 53 “، غرفة ” أحمد رجب “، مكتباً له، فقال في لهجة كأنما تنم عن غيظ شديد :

– هذا مقلب ظريف و لطيف!

بينما قال ” إحسان عبد القدوس ” :

– كل ما نرجوه من السادة النقاد أن يصروا على رأيهم الخطأ، و أن يرفعوا ” أحمد رجب ” إلى مرتبة الكتاب العالميين!

المحير أن ” صلاح عبد الصبور “، و هو الذي أسال في شعره الكثير من أساطير الإغريق، قال :

– إن هذا أعظم عمل نقدى للنقاد قامت به الصحافة طوال السنوات الأخيرة!

أياً يكن ..

لا يخفي علي أحد المصريين أن ” أحمد رجب ” كان معارضاً حقيقياً لنظام ” مبارك “، و لم يكن كالكثيرين معارضاً من داخل النظام بالأمر المباشر لتجميل الصورة و إضفاء لون غير اللون الأسود من ألوان قوس قزح علي المشهد السياسي، لذلك، كان عدم ظهوره علي شاشة التليفزيون المصري بأمر سيادي، هكذا سمعت، و لعل طرده و محاولة الاعتداء عليه، و الاعتداء التام علي الرسام ” مصطفي حسين ” أثناء محاولة الزميلين حضور حفل تنصيب ” صاحب مصر “، هو ذكري لهذه المرحلة!

مع ذلك، واظب ” أحمد رجب ” علي حراسة تأييده لـ ” نظام يونيو “، أو هكذا يبدو، فلعل وراء الظلال مشاعر أخري محتجزة، و كان هذا سبباً لاعتباره هدفاً مشروعاً للرمي بالنفاق من قبل بعض المحسوبين علي ” الإخوان المسلمين “، و هذا لا يجوز، و هذا فقير جداً، و لا أري تعريفاً للديمقراطية أكثر عدالة من ” مجتمع يحق لكل فرد فيه أن يختار خرزته من العقد بكل حرية، و دون رقابة الآخرين ” ..

ثم، يجب، عند التعامل مع كلمات ” أحمد رجب ” أن ندرك قبلياً أننا في رحاب ساخر يخبئ في جيوب الكلمات كلمات أخري، مثلاً، حين يقول مخاطباً السيسي :

” عزيزي الرئيس ( السيسي ) نحن لا نهنئك بنا و لكننا نهنئ أنفسنا بك، نحن نعرف أننا سوف نتعبك، و نعذبك، و نسبب لك كثيرا من الحيرة، فنحن نبدو كأسئلة بلا أجوبة، و قد نكف بجوارك عن الأنين، عن أصوات الاستغاثة، و قد يكون عزاؤنا أن أخيرا أصبح لنا ابتسامة، فأنت ابتسامتنا “! ..

و مثلاً :

“ا لآن يا ” مصر ” أموت مطمئنا عليك، و على أهلي المصريين، إني لا أوصي حاكماً صالحاً بأهلي، و لكن أوصيكم بحاكم ندر وجوده على الزمان، و قال ” ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين “!

إنه ” أحمد رجب ” و الله، صاحب الأصابع التي تقف وراء ” فلاح كفر الهنادوه “، هو هو، أو، ربما كان الارتباك قد امتد لذهني فأصبحت لا أستطيع أن أري كالآخرين وراء هذه الكلمات وجهاً آخر لكاتب ساخر آخر، ربما!

و الشئ بالشئ يذكر ..

أتذكر أنني في رمضان العام ” 2012 “، في ” معرض فيصل للكتاب “، سمعت الإعلامي الأستاذ ” حازم غراب “، رئيس قناة ” مصر (25) ” في ذلك الوقت، يوجه نفس التهمة، تهمة النفاق، للأستاذ ” أنيس منصور “، و حكي حكاية سخيفة لا علاقة لها بالسياق أصلاً، لا أتذكرها الآن، و لا أريد هذا بطبيعة الحال، و بعض مما أندم عليه في هذه اللحظة هو التزامي الصمت في تلك الليلة..

أيها السادة ..

يجب، لنصمم معاً جسوراً صحيحة لعبور هذا المنحني الخطير أن ندرك حقيقة مهمة، و هي أن لـ ” قوس قزح ” ألواناً كثيرة، و أن ندرك، قبل كل شئ، أن ليس كلُّ من اختار أن يقف ضدنا عدواً، و ليس كلُّ من يقف معنا، لكن بطريقته الخاصة، عدواً محتملاً!

يجب أن ندرك أيضاً حقيقة قد تكون باهتة حول أغلب المثقفين!

المثقفون بشر قبل كل شئ، و كما أن هناك بشر حولنا يفضلون الحياة علي هامش الصراع، أي صراع بين طرفين، و في ظلال الجدران، لحراسة حياتهم و حياة عائلاتهم، أو هكذا يظنون، تآمر الإعلام علي تسمية هؤلاء ” حزب الكنبة “، هناك أيضاً من يمكن أن نتآمر علي تسميتهم بـ ” أدباء الكنبة “، الأستاذ ” نجيب محفوظ ” يأتي في مقدمة هؤلاء، مغ ذلك، هو، كان في كل ما كتب مزدحماً بالثورة، لكنه اختار فقط أن يكون كاتباً عظيماً، علي الجانب الآخر، الشاعر ” أحمد فؤاد نجم ” اختار جدران الزنازين موقداً يغذي الشاعر الذي يسكن جسده علي حافة الثائر الكبير ” أحمد فؤاد نجم “، أعظم أعماله استحقاقاً لفخره علي الإطلاق، و كلا المبدعين، في النهاية، قدم مشروعه و اجترح استبصاراته بالطريقة التي رأي أنها تناسبه ..

تخيل، لو كان ” أنيس منصور ” اختار أسلوب ” نجم ” مثلاً، و اصطدم بالنظام، من أين كان لنا كتاب جميل مثل ” حول العالم في 200 يوم “، تخيل!

ثم، ما هي سعة الموجة التي قد يثيرها قلم كاتب يبرر الديكتاتورية، و هو مرغم بالمناسبة، في وسط سياسي مؤاتٍ فقط لأقلية مشهورة بالميل إلي تبجيل الديكتاتورية و الإشادة بالفساد، لا شئ، ربما يثير القلم أمواجاً من الصخب تثور لها سواحل بعيدة في وسط آخر، كالوسط الفني أو الرياضي أو الثقافي مثلاً!

و مثلاً، قال ” أحمد رجب ” ذات يوم :

( إنني أعيش التاريخ وأصنعه، فإنني أحيا في عصر ” عبدالناصر”، أنتمي إلي هذا الجيل الذي يشكل معالم التاريخ، و لسوف ينتصر ” عبدالناصر “، و لسوف تقرأ الأجيال القادمة للأمة العربية ذات يوم كتاباً واحداً للتاريخ يحكي قصة الدولة العربية الموحدة العظمي، يحكي قصة هذا الرجل الذي قاد الطليعة إلي الأمل!)

من العاري جداً، بطبيعة الحال، أنها كلمات معلبة و مجانية داسها التاريخ بالحذاء، خطابية، أشبه بأشعار الحماسة في أكثر عصور الشعر انحطاطاً، و كرجز الأعراب قبل النزال في الغارات في سالف الأزمان، و هي، قبل كل شئ، كلمات مريضة بالبرودة المجردة، تفضح، بكل بساطة، المشاعر الحقيقية لقائلها، لا شك أننا كنا سوف نسقط من فرط الضحك بالتأكيد إذا أعاد كتابتها قبل أسبوع في ” نص كلمة “، و كنا سنصدق أنه يريد السخرية من بشاعة الشرخ الذي تدحرجت فيه مصر من جراء نزوة ” عبد الناصر ” الشهيرة في يوليو ” 52 “، حبيب الملاليم!

لكن، ما دمنا واثقين أن هذه العبارة، ربما، أقدم عمراً من ” نص كلمة “، لا يليق بنا الحكم علي قائلها قبل أن نتذكر أنه، مثل كل الناس، كان يريد أن يعيش ..

علي كل حال ..

وداعاً ” أحمد رجب “، عابرنا الممتاز، وداعاً ..

محمد رفعت الدومي

Posted in الأدب والفن, فكر حر | Leave a comment

هل حقاً اليهود أحفاد القردة و الخنازير؟

” 1 “Gorillagirl-showing-mid

تعرض اليهود خلال تاريخهم الخالد الى تشويهات في النسب و الاصل لم يتعرض لها اي شعب اخر على وجه هذه البسيطة، مرد هذه التشويهات التي وصلت الى حد السب و الشتم و القذف يرجع الى حسد و بغض الشعوب العربية الاسلامية و عدم قدرتهم مواجهة اليهود و التفوق عليهم، فاختاروا وسيلة العاجز الكلام الملفق و اختراع قصص.

يستند العرب المسلمون الى قصة لا يعرف مدى صحتها من عدمها موجودة في تراثهم حيث يحكى ان بعض الاشخاص من بني اسرائيل عصوا الله فمسخهم الى قردة و خنازير لمدة ثلاث ايام و من بعدها ابادهم و لم ينشأ او يولد اي ذرية من هؤلاء الممسوخين، و حسب كلام العرب ان الله لا يفعل شيء الا و من وراءه حكمة، و قد نبشت كثيرا و لم أفهم حكمة الله من وراء مسخه لليهود و من ثم ابادتهم، لماذا لم يفنهم و يبيدهم مباشرة بدون إهانة أو خدش لكرامتهم؟

” 2 “

افتراضا أن هذه القصة حقيقية، فهي تمشي على بعض من اليهود و هي خاصة بحدث و وقت معين و محدود فلماذا ننزلها على اليهود كلهم و في كل الاوقات، الى جانب ذلك نستطيع القول ان عين العرب المسلمين عوراء تغطيها غشاوة العنصرية و الاحتقار للاخر لانهم يرون هذه القصة فقط في تاريخهم و تراثهم، و لا يرون عشرات القصص الاخرى في القران و احاديث النبي محمد حيث يوصف اليهود بانهم احفاد و ابناء النبيين يعقوب المسمى باسرائيل، و يوسف الصديق و غيرهما من الانبياء المبجلين الذين يدعوا الاسلام الى احترامهم و يعتبر عدم الايمان بهم او سبهم كفر و فسوق.

ثم لماذا المسخ اقتصر على اليهود فقط؟ و هل من المعقول ان يمسخ الله عباده لانهم عصوه فقط، اذا كان الامر كذلك فليمسخ بني البشر كلهم لانهم ارتكبوا جرائم و لا يزالون هي ابشع و افظع مئات المرات مما عمله اليهود.

حسب القصة المزعومة في التراث الاسلامي مسخ اليهود كان بسبب حادثة الصيد في يوم السبت، و هو ذنب بسيط مقارنة مع ذنب اللواط و زنى المحارم و قطع الرؤوس و جزها مثل رؤوس الانعام و سبي النساء و بيعهن في سوق النخاس و ممارسة الجنس قسرا مع البنات القاصرات اللواتي لم تتجاوز اعمارهن 14 ربيعا… و هلم جرا.

” 3 “

الاشخاص الذين يعملون بمبدا انزال الماضي على الحاضر و المستقبل و عليه يصفون اليهود انهم احفاد القردة و الخنازير يجب ان يصفوا انفسهم ايضا انهم احفاد اللواطيين و أحفاد ذوات الرايات الحمر (نساء عاهرات في الجزيرة العربية قبل الاسلام كن يرفعن رايات حمر للدلالة على انهن يعرضن اجسادهن للمتعة الجنسية) و ذلك طبقا لمبداهم الذين يتعاملون من خلاله مع الاخرين.

الطامة الكبرى عندما ينزعج اليهود و لا يحادثون او يختلطون بمن يصفهم بهكذا اوصاف يتهمون بانهم عنصريون و متكبرين ينظرون بازدراء و احتقار الى الاخرين، عليه يجب على اليهود ان يقبلوا ان يكونوا قردة و خنازير و يضحكوا بوجه من يقول لهم هكذا و ياخذونه بالاحضان و القبلات.

خلاصة الامر حان وقت ان يغير العرب المسلمون وصف اليهود بانهم احفاد القردة و الخنازير الى وصف احفاد النبي يعقوب و النبي يوسف و النبي موسى… هذا اجدى للاحترام و للسلام و لحفظ الكرامة الانسانية.

هل من اذان صاغية؟

Mahdi.m.abdulla@gmail.com

المصدر ايلاف

Posted in ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

كائن لبنانيّ حيوانيّ ناطق

savesyriachildإسماعيل الكردي

محمّد فحص كائن لبنانيّ حيوانيّ ناطق، يهدّد أطفالاً سوريّين لاجئين إلى لبنان، بذبحهم وقطع رؤوسهم وأياديهم وأصابعهم، وأكبر الأطفال – ربّما – في الخامسة من عمره!! محمّد فحص وزميله المصوّر حين تمّت مجابهتهما بالفيديو، قال المصوّر، وكان يبتسم، وهو يتحدّث: إنّهما كانا يمازحان الأطفال!!! لاحظوا الرّعب القاتل على وجوه الأطفال!! وبعد افتضاح أمر الفيديو، أتت دوريّة من فرع المعلومات، في الأمن اللّبنانيّ، وتمّ إلقاء القبض على الوحش النّاطق!! الفيديو والمقابلة بثّتهما قناة الجديد اللّبنانيّة منذ قليل. السّاعة الثّامنة من مساء اليوم الجمعة 12/9/2014. بعد مؤتمر مكافحة الإرهاب الذي عُقد في جدّة، بيوم واحد، والذي قال فيه سفير لبنان في الأمم المتّحدة: إنّ لبنان سيكون في مقدّمة الدّول التي ستحارب الإرهاب!!! قناة الجديد اللّبنانيّة أوردت الاسم كما يلي: (محمّد فحص، مواليد 1984، من بلدة عبّا، في النّبطيّة، في الجنوب اللّبنانيّ).

Posted in ربيع سوريا, يوتيوب | Leave a comment

سنة تفاوض مع إيران وشراكة مع السعودية أميركا توازن مشهد الصراع المذهبي في المنطقة

النهار اللبنانية: روزانا بومنصفrb

انتقل المشهد السياسي في المنطقة خلال سنة واحدة، من انفتاح بين الولايات المتحدة وايران على خلفية لقاءات بعيدة من الاضواء توّجت في لقاء على هامش أعمال الجمعية العمومية للامم المتحدة في نيويورك في ايلول الماضي بين الرئيس باراك اوباما وحسن روحاني، وسط غضب عربي لتغييب الحلفاء الخليجيين لاميركا عن اجواء هذا الانفتاح ومخاوف من اتفاق اميركي – ايراني يطلق يد طهران في منطقة الشرق الاوسط، الى تحالف دولي مع الدول العربية من اجل دحر تنظيم “الدولة الاسلامية” عشية انعقاد الجمعية العمومية في نيويورك خلال اسبوعين. هذا المشهد على جانب كبير من الأهمية، من زاوية ان التعويل الاميركي على التحالف مع الشيعة في المنطقة نتيجة لرغبة الرئيس الاميركي في انهاء الملف النووي الايراني خلال ما تبقى من ولايته الثانية والمخاوف التي اثارها على هذا الصعيد، تتم موازنته في هذه المرحلة بتحالف مع الدول العربية السنّية التي تحتاج اليها الادارة الاميركية من اجل الحرب التي تشنها على “داعش”. والتعاون مع ايران غير متاح في هذا الاطار، خشية الا تكون الطرف المناسب لذلك في ظل احتدام الصراع الشيعي السني في المنطقة على ما حصل، بتراجع ايران نسبيا عن الواجهة في التصدي لـ”داعش” في العراق وترك المجال لعودة الولايات المتحدة الى الساحة العراقية، وخشية ألا تتعاون دول الخليج السنّية في حال التعاون مع ايران، علما ان الاخيرة هي على نقيض كلي في استراتيجية مواجهة داعش في سوريا التي ترغب الولايات المتحدة مع الدول العربية في ان تعول على المعارضة كبديل ميداني يشغل الفراغ نتيجة ضرب “داعش”، في حين ان ايران لا تزال تدعم بشار الاسد من اجل استرجاع ما خسره في حربه الاهلية.

وكان لافتا في سياق التطورات الاخيرة، وتزامنا معها، استئناف المفاوضات على الملف النووي الايراني بين الولايات المتحدة وايران الاسبوع الماضي، ثم بين ايران والدول الغربية الاخرى هذا الاسبوع، بحيث يفترض ان تؤدي الى نتائج قبل نهاية تشرين الثاني المقبل. وتقول مصادر سياسية ان الدول الخليجية استردت الولايات المتحدة الى خانتها في شكل ما، في ضوء النقزة المستمرة مما يمكن ان يؤدي اليه تطبيع العلاقات الاميركية الايرانية واحتمال تسليم اميركا لايران بنفوذها الواسع في المنطقة بعد الاتفاق على الملف النووي او ثمنا له. وقد كانت بداية هذا المسار من اعلان اوباما مرارا في الآونة الاخيرة فشل الحكم الشيعي في العراق الذي يتحرك برعاية ايران لاهماله السنة وعدم امكان المحافظة على وحدة العراق من دون المكوّن السني، وكذلك الامر بالنسبة الى استحالة حكم بشار الاسد اكثرية سنية في سوريا ايضا. وجاء استكماله من خلال انخراط اميركي عملاني وشراكة مع المملكة العربية السعودية على تدريب المعارضة السورية المعتدلة لكي تكون جاهزة للمرحلة المقبلة.
هذا الجانب من المشهد، وفق مصادر سياسية، مهم من جوانب عدة، ولو ان الاحداث او التطورات التي أدت اليه لم تكن مرسومة من اجل ان تؤدي الى هذه النتيجة نظرا الى ان توسع تنظيم “الدولة الاسلامية” ساهمت فيه عوامل عدة لا عاملاً واحداً محدداً، وتم توظيفه من جهات عدة لمصالح وأهداف مختلفة. لكن كان من شأن التحدي الذي اثاره ان يساهم في اعادة ارساء التوازن نوعا ما من ضمن مظاهر صراع مذهبي حاد في المنطقة، أشعل دولا عدة فيها ولا يزال يهدد دولا اخرى. فقد أعاد الولايات المتحدة قسرا الى العراق مجدداً، وبطلب عربي ودولي وغطاء شعبي ورسمي اميركي ايضا وانتقاد واسع لانسحابها المبكر منه كما لعدم انخراطها مجددا في المنطقة من اجل انقاذ العراق والمنطقة من تنظيم “الدولة الاسلامية” والمخاطر التي يرتبها على المنطقة ككل. هذا الأمر يساهم وفقا للمصادر في ان تكون الولايات المتحدة لاعبا ميدانيا لا يمكن تجاهله، ويمكن ان يؤدي دورها الى تغيير المعادلات والتوزانات في المنطقة، وخصوصا اذا كان لهذا الدور ان يمتد سنوات وفقا لتحديد الرئيس الاميركي لمفهوم الحرب الطويلة الامد على “داعش”، مما يرجح توريث اوباما خلفه استكمال هذا الدور بعد انتهاء ولايته، إذا نجح في تنفيذ الخطوات الاولى من الاستراتيجية التي اعلنها للتخلص من “داعش”، علما ان حسابات الحقل قد لا تنطبق ضرورة وحكما مع حسابات البيدر بالاستناد الى تجارب اميركية، خصوصا في الحرب ضد الارهاب. كما ان الحسابات الايرانية او العربية قد لا تستمر متلاقية حول هدف استئصال “داعش”، كما هي الحال في العراق على الاقل وفي سوريا أيضاً، لكن من دون التوافق على الحل في هذه الاخيرة.
وما يعني المصادر السياسية من هذا المشهد الاقليمي، ان لبنان قد يشكل نموذجا مصغرا في شكل من الاشكال لاوجه الصراع والتوازنات. وهذا النموذج يبرز عبر التحرك الاميركي في اتجاه دعم الجيش اللبناني المتحرر من الضغوط السياسية المعتادة التي كانت تترجمها مواقف افرقاء كثر من المحور الايراني السوري كانوا يرفعون اعتراضاتهم بقوة، في حين انهم باتوا لا يعترضون على مد اميركا الجيش اللبناني بالعون وتسليحه، وخصوصا في مواجهته الارهاب، في حين يتم الاعتراض على هبات سعودية مليونية لمساعدة الجيش في اطار رفض ترجيح كفة توازنات اقليمية في لبنان او موازنتها.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

هل تتفاوض أمريكا مع «داعش»؟

القدس العربي اللندنيةalbghdaywatch

هل تتفاوض أمريكا مع «داعش» بعد خمس سنوات؟

متى أعلنت أمريكا عن تحالف دولي ضد هذه الجهة أو تلك، ونجح التحالف في تحقيق أهدافه؟ هل تذكرون التحالف الدولي ضد العراق، وقبله ضد أفغانستان والصومال وما نتج عنه؟ ألم تحشد أمريكا بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر عام 2001 قوات من الشرق والغرب لغزو أفغانستان كي تعاقب تنظيم القاعدة ورديفه المحلي حركة «طالبان» على تفجير برجي التجارة في نيويورك.

لا شك أن الأمريكيين تمكنوا من إلقاء القبض على عدد من عناصر القاعدة، وشحنوهم إلى معسكر غوانتنامو. وصحيح أيضاً أنهم بعد سنوات طوال استطاعوا القبض على رئيس التنظيم أسامة بن لادن، ثم رموا جثته في البحر. لكن هل تمكنوا من القضاء على التنظيم أو على طالبان؟ بالطبع لا. فبعد أكثر من ثلاثة عشر عاماً على الغزو ها هي دول الناتو تنسحب من أفغانستان الواحدة تلو الأخرى.

والأنكى من ذلك أن أمريكا زعيمة الحلف لم تجد أمامها بعد كل هذه الفترة إلا الجلوس إلى طاولة المفاوضات مع حركة طالبان. والمضحك في الأمر أن أمريكا متحمسة جداً للتوصل إلى اتفاق مع الحركة، بينما طالبان ليست متحمسة، لا بل إنها تماطل، وتلعب بأعصاب الأمريكيين. ويقال إنه في أحد الاجتماعات خرج ممثل طالبان غاضباً من غرفة التفاوض مع الأمريكيين، مما جعلهم يلاطفونه كي يعود إلى الطاولة. وفي الوقت الذي تحضّر فيه أمريكا لمواجهة داعش في سوريا والعراق، فهي تفاوض طالبان. يا للمفارقة.

وبعد أفغانستان دخلت أمريكا في صراع مع تنظيم القاعدة فرع العراق الذي سبب صداعاً شديداً للأمريكيين هناك. ولا ننسى أن القوات الأمريكية لم تنجح في التصدي لجماعة الزرقاوي على مدى خمس سنوات، فما كان منها إلا حشد مجموعات كبيرة من العراقيين السُنة، وأطلقت عليهم لقب «الصحوات» كي تتصدى للزرقاوي وجماعته، لكن مع ذلك لم تنجح، وخرجت أمريكا من هناك، بينما بقي التنظيم ليزداد قوة، ويمتد إلى سوريا تحت مسمى «الدولة الإسلامية في العراق والشام» أولاً ومن ثم إلى مسمى «الدولة الإسلامية».

وحدث ولا حرج عن الفشل الأمريكي في الصومال واليمن. منذ متى والطائرات الأمريكية تقصف مواقع القاعدة في اليمن والصومال؟ منذ سنوات وسنوات. مع ذلك يزداد التنظيم هناك تمدداً وقوة. لقد فشلت أمريكا في اجتثاث «الجهاديين» في العراق بوجود أكثر من مائة وأربعين ألف جندي لها على الأرض العراقية، فكيف لها أن تجتث داعش في سوريا والعراق عن طريق الجو؟ ألم يحتج الأمريكان لشهور وشهور لتحرير مدينة الفلوجة في العراق؟ ألم يلجأ «المارينز» الأمريكي إلى استخدام الأسلحة المحرمة دولياً مع غطاء جوي لا مثيل له حتى تمكن بالكاد من السيطرة على الفلوجة الصغيرة؟ فكيف تريد أمريكا الآن القضاء على تنظيم داعش بضربات جوية، علماً أن الأخير يسيطر على ربع العراق وثلث سوريا؟ وفي العلم العسكري لا يمكن للضربات الجوية أن تحسم حرباً. أضف إلى ذلك أن التنظيم يمتلك عُدة وعتاداً واكتفاء مالياً ذاتياً. والأهم من هذا وذاك أن عقيدة المقاتلين ومعنوياتهم داخل التنظيم مرتفعة. فهم يطلقون على أنفسهم لقب «رجال موت» كما فعل من قبلهم جماعة طالبان.

لا شك أن لدى البعض تصوراً أو اعتقاداً أن كل هذه الجماعات في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن والصومال وغيرها هي مجرد فزّاعات أو مسمار جحا أمريكي لتحقيق مشاريع واستراتيجيات أمريكية. وقد رسم الفنان السوري هاني عباس كاريكاتيراً من ثلاثة مشاهد. المشهد الاول يصور أمريكا وهي تحمل بعبعاً مخيفاً ثم تضعه في منطقة ما. وفي المشهد الثاني تبدأ أمريكا بإطلاق النار على البعبع المخيف في المنطقة التي وضعته فيها. وفي المشهد الثالث والأخير نجد المنطقة مدمرة تماماً، فتدخل أمريكا المنطقة، وتأخذ البعبع إلى مكان آخر. وهناك فيلم كرتون قصير رائع يصور سيدة تصرخ بأعلى صوتها أن في بيتها فأراً، فيأتي شخص ليساعدها في إخراج الفأر من البيت، فيقوم بإدخال قط إلى البيت، على اعتبار أن الفئران تهرب من القطط، وبعد قليل يسأل السيدة إذا خرج الفأر، فتجيب:» نعم، لكن القط كّسر الصحون»، فيقوم بإدخال كلب إلى البيت، على اعتبار أن القطط تهرب من الكلاب، وبعد قليل يسأل السيدة: «هل هرب القط»، فتجيب: «نعم، لكن الكلب مزق الأثاث»، فيقوم بإدخال فيل إلى البيت، على اعتبار أن الكلاب تهرب من الفيلة. وبعد قليل يسأل السيدة: «هل هرب الكلب»، فتقول: «نعم»، فيقوم بإدخال فأر إلى البيت، على اعتبار أن الفيلة تخاف من الفئران. وفي نهاية الفيلم نجد البيت وقد تحول إلى أنقاض، فيقول الشخص الذي أدخل الحيوانات إلى البيت: «في المرة القادمة ربما نستخدم مصيدة الفئران». فإذا كان الأمر مجرد لعبة أمريكية لتدمير المنطقة تحت ذرائع واهية لتحقيق أهداف أمريكيةً، فلا قيمة لكل ما قلناه أعلاها. أما إذا كان العكس صحيحاً، وأن التجربة الأمريكية الفاشلة في أفغانستان والعراق ستتكرر مع داعش في المنطقة، يجب ألا نتفاجأ عندئذ إذا وجدنا أمريكا تفاوض داعش بعد خمس سنوات أو أكثر، لكن هذه المرة على أنقاض سوريا والعراق وربما دول أخرى.

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

مفاوضة إسرائيل ليست محرمة شرعا!

afikhdayadriiبعد عقود من الحرب والدمار، وكل هذه الدماء والخراب، ناهيك عن ضياع الفرص، وحفلات التخوين في الصراع العربي الإسرائيلي، يخرج عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق ليقول إن التفاوض مع إسرائيل «ليس محرما شرعا»!
تصريحات أبو مرزوق هذه لم تنسبها له صحيفة ليتهرب منها لاحقا، ويقول إنها أخرجت من سياقها، بل إنها جاءت في مقابلة تلفزيونية أجرتها معه فضائية «القدس» المقربة لحماس حيث قال فيها أبو مرزوق: «كما نفاوض بالسلاح يمكن أن نفاوض بالكلام»، مضيفا: «سياستنا في حركة حماس ألا نفاوض الاحتلال لكن على الآخرين أن يدركوا أن هذه المسألة ليست محرمة». مع قوله «أعتقد أنه إذا بقي الحال على ما هو عليه في الوضع الحالي قد تجد حركة حماس نفسها مضطرة إلى هذا السلوك، فهذا أصبح مطلبا شعبيا في كل قطاع غزة»!
حسنا، هل هذا اعتذار ضمني من قبل قيادي حماس أبو مرزوق عن كل ما قيل بحق مصر، والراحل أنور السادات؟ أو ما قيل بحق ياسر عرفات؟ وعن كل ما قيل بحق العرب الداعين للتفاوض؟ وهل هذا اعتذار أيضا عن كل ما قيل بحق المبادرة العربية؟ وهل هو اعتذار لكل الدماء الفلسطينية التي سالت بلا مبرر، واعتذار عن الدمار الذي تسببت به «المقاومة» المزعومة؟ هناك أسئلة كثيرة، وأهمها: من أين أتت هذه الحكمة المفاجئة لقيادي حماس؟ هل هي محاولة للحاق بالركب بعد انتهاء الأسد، وهرولة إيران للتفاوض مع أميركا، وعودة مصر؟ أم هي محاولة لامتصاص غضب أهل غزة؟
ولذا فإن الأسئلة كثيرة جدا حول تصريحات أبو مرزوق التي حاولت حماس التنصل منها بالقول إن موقفها ثابت، وهذه لعبة تعودناها من حماس، وكل من هم محسوبون على الإخوان المسلمين في المنطقة، حيث يقولون أمرا ويفعلون عكسه، وتجد لهم أكثر من تصريح في نفس الموقف، وكلها محاولات لتهدئة الأتباع، وإرباك الخصوم، وفي النهاية التنصل مما لا يريدونه، وهذا ما فعلته حماس مطولا في علاقتها مع فتح، ومصر، وكذلك إيران، والأسد، وهذا ما فعله الإخوان المسلمون في مصر، وخصوصا عندما تعهدوا بأنهم لن يقدموا مرشحا للرئاسة ثم انقضوا على كل شيء، وقبل أن يجري إسقاط مرسي.
وعليه فإن الأهم الآن هو أن تصريحات أبو مرزوق هذه لا تقدم ولا تؤخر، بل إنها تدين الحركة الإخوانية، وهو ما يجب أن يتنبه له الأتباع، فالتفاوض مع إسرائيل ليس بالمحرم، ولم يكن يوما من الأيام، بل إن التحريم كان لعبة استخدمت تارة باسم العروبة لتحقيق أهداف، كما استخدمت مرة أخرى باسم الدين لتحقيق أهداف، وها هي حماس الآن تقول إن التفاوض ليس محرما شرعا، وبالتأكيد أن لهذا التصريح أهدافا أيضا، ومن هنا فإن السؤال الحيوي هو: إلى متى تترك دولنا، ومصائرنا، لعبة بأيدي أحزاب وتنظيمات أهدافها خارجية، ومصالحها ضيقة؟
tariq@asharqalawsat.com
نقلا عن الشرق الاوسط

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية, ربيع سوريا | Leave a comment

بثينة شعبان الممانعة تتسول اميركا الامبريالية

بثينة شعبان والمهاترات السياسية ونكران الشمس

بثينة شعبان والمهاترات السياسية ونكران الشمس

لقد ادمى مسامعنا نظام الأسد (الممانع ) على مدى اربعة عقود وهو يغسل دماغنا بمعاداة الامبريالية الاميركية, وبعد ان تم كشف زيف مقولة ” الممانعة ” عند محور نظام الاسد وكل اتباع الولي الفقيه الايراني, والتي هي عبارة عن كليشة لتغطية سرقة الاقتصاد السوري واستعباد شعبه بالحديد والنار, ها هي بثينة شعبان مستشارة بشار الاسد (الممانع), تتسول اميركا لكي تشركها وتتعاون معها في حربها على داعش داخل سوريا!! ففي مقابلة لها على شبكة “سي ان ان” الاميركية, قالت شعبان “ إن إدارة أوباما ستستفيد من الحكومة السورية، إذا ما تعاونت معها في مجال مكافحة الإرهاب”،؟؟

طبعا كان الرد الاميركي حاسما:” نحن لا نتعامل مع نظام فاقد للشرعية منذ اللحظة الاولى التي اطلق النار فيها على الشعب السوري,” نقطة على السطر انتهى.

Posted in ربيع سوريا, فكر حر | Leave a comment

لكم الله ايها المتقاعدون

ترى كم عدد النواب السابقين الذين لم يتم ترشيحهم لهذه الدورة؟god1
كم عدد الوزراء الذين احيلوا على التقاعد من الحكومة السابقة وهم في واقع الحال لم يعملوا الا عدة ايام في السنة؟
كم عدد وكلاء الوزارات والمدراء العامين الذين سيرحلون مع قدوم الحكومة الجديدة؟
لا احد بالضبط يعرف الرقم الحقيقي ولكن اصحاب الخيال والذين متواضعين بطبعهم يعتقدون انهم لا يقلوا عن الف شخص وهو رقم بسيط قياسا بالذي سيبان بعد فترة.
ومع هذا لناخذ العيار لباب الدار ونتمعن بهذا الرقم لنرى ان ميزانية الدولة ستخسر مليارات الدولارات كل شهر حيث تذهب الى جيوب هوءلاء الالف الذين خدموا الوطن باخلاص منقطع النظير تحت بند التقاعد في الوقت الذي يعاني منه التقاعدون الحقيقيون من الفقر والحاجة.
في كل شهر سيتم تحويل اكثر من مليار دولار كرواتب تقاعدية لهولاء الذين لايستحقون سوى ان يرجعوا الى اعمالهم السابقة في بيع الفلافل وتوزيع الخبز اللبناني و…..الخ.
المطلوب وبشكل لايقبل التاويل والمراوغة من السيد الجبوري ريس البرلمان الجديد ان يصدرتعليمات او قرارات او “فرمانات”لترقين هذه الرواتب التقاعدية ومن ثم الغاوها وبشكل قانوني.
قد يقود مثل هذا الاجراء الى خلق عداوات جديدة للسيد الجبوري ولكنها تظل اقل بكثير من سرقة مليار دولار شهريا من خزينة الدولة وبشكل قانوني.
كم شخصا من هولاء الذين يعودون الى بلاد المهجر ليصبحوا رجال اعمال مرموقين بفضل دولارات العراقيين الغلابة
وكم شخصا سيجلس مع اصحابه في احد النوادي الليلية وما ان يلحس كاسه الثالث حتى يضحك امام القوم ويقول لهم:
شفتو شباب شلون ضحكنا عليهم ، انا بصراحة وفرت اكثر من 10 ملايين دولار بدون تعب سوى جلوسي عاقلا تحت قبة البرلمان ، اسمع بالاذن اليمنى واخرجه بالاذن اليسرى، نصحت بعض الاصدقاء الذين يطلون يوميا من القنوات الفضاىءة بان يكونوا اكثر حكمة بسكوتهم فرواتبهم تصرف لهم ان لطموا في هذه القناة ام لا ولكنهم كانوا مغفلين فقد حسبوا ان هناك مخصصات “لطم”ستصرف لهم مع الراتب، احدهم قال لي كنت فعلا مغفلا ولم اسمع كلامك ولكن لاباس فلدي ثروة تكفيني ماتبقى من العمر.

Posted in الأدب والفن, كاريكاتور | Leave a comment

عولمة داعش….1

baghdadyhamercarتحت هذا العنوان أقام مركز الدراسات العربية و الافريقية في القاهرة سيمينارا كنت المتحدث الوحيد فيه يوم الأحد الماضي… حضر السيمينار مجموعة من مثقفي مصر و قد دارت نقاشات عديدة و طرحت أسئلة و تساؤلات كثيرة وعدت بتناولها في مقالات لأهميتها القصوى و أيضاً لان الوقت لم يسعفنا لمناقشتها في السيمينار بشكل تفصيلي…

في هذه السلسلة من المقالات سأحاول ان أناقش العديد من تلك التساؤلات و الأطروحات و لكن قبل ان أبدا اجد من الضروري ان أشير الى ملاحظتين مهمتين:

اولا… كنت قد كتبت قبل فترة مقالة عن داعش بعنوان ” داعش…و متاهة الفكر…1″ على أمل ان الحق بها مقالات اخرى تحت نفس العنوان…. اود هنا ان اعتذر لآني اخترت العنوان الحالي و هو عنوان السيمينار… لكن من الضروري ان نفهم ان الموضوع متصل بغض النظر عن الاختلاف في العنوانين… بل اعتقد من الضروري قراءة تلك المقالة لانها تشكل مدخلا مهما لهذه السلسلة..

ثانيا … ان اعلان الرئيس أوباما بالأمس عن استراتيجيته للقضاء على القضاء على داعش و بناء تحالف دولي و عربي من اجل ذلك … إنما هو دليل اخر على عولمة داعش … بل محاولة سياسية و أيديولوجية لمنح الشرعية لوجود داعش الذي قد يصل في مرحلة ما الى القبول و الاعتراف الدولي….( هذه جزئية مهمة سنناقشها فيما بعد)…

و لكن طالما ان عنوان السيمينار و بالتالي سلسلة المقالات أيضاً يبدأ بمفهوم العولمة فلابد ان نبدأ بملاحظات الدكتور سمير أمين … المفكر العالمي و صاحب مصطلح “العولمة” ترجمة عن اللغة الانكليزية

Globalisation..
الدكتور سمير أمين كان احد المشاركين في السيمينار و كان كالعادة نشطا و غزيرا بالأفكار و الأطروحات التي كان احدها هو : عدم وجود استراتيجيات لدى اي من القوى المحلية و الدولية في مسار العولمة الان… بل كما قال… ان الجميع بما فيها الولايات المتحدة و روسيا و غيرها و كذلك القوى المحلية في العراق و سوريا و دول الشرق الأوسط إنما يغلب على تحركاتها طابع رد الفعل ليس الا…

اتفق جداً مع الدكتور سمير في قضية طغيان رد الفعل على تحركات الجميع و التخبط الكبير في السياسات لكني اختلف معه على مبدأ عدم وجود استراتيجيات… أنا اعتقد بان هناك فوضى و صراع بين استراتيجيات مختلفة و ذلك بسبب وجود عاملين مهمين و هما:

اولا…لان عدد اللاعبين على المستوى الدولي قد كثر… و هؤلاء لا يقتصرون على وجود دول بل تجاوز ذلك الى منظمات و مؤسسات عابرة للحدود الدولة التقليدية سياسيا و اقتصادية و تنظيميا و أمنيا…الخ..

ثانيا… ان الجميع يشتركون في الإمكانيات الاستخباراتية و الاقتصادية و العسكرية و التكنولوجية بشكل او باخر و لذلك فان استراتيجياتهم تتشابه من جهة و من جهة أخرة تحتاج الى تعديلات و تغييرات مستمرة بسبب الصراع اليومي و تقارب و تداخلات جبهات الاشتباك الحقيقية و الفرضية…

في المحصلة فان العولمة قد قربت اجزاء العالم و جعلته قرية صغيرة كما يقال…. و في هذه القرية فان الجميع يعرف بعضهم البعض و بالاعتماد على القدرات التكنولوجية الهائلة و المتوفرة للجميع فان باستطاعة كل طرف التجسس على الاطراف الاخرى و معرفة نواياه و أهدافه و بذلك التمكن من بناء خطط جديدة او تعديل خطط موضوعة لمواجهة الخصم… هذا يؤدي الى تشابك خطوط الاستراتيجيات بشكل دائمي و الذي يستدعي تحويرات و تغييرات دائمية… و بالتالي أيضاً إخفاقات دائمية و صعوبة تحقيق الأهداف و التخبط… او كما يتراءى لنا..

بعد هذا… لابد ان نتذكر اننا نتحدث عن نوع من الصراع و التشابك يحدث على قمة العالم و يهدف الى الهيمنة و السيطرة على العالم من خلال مبادئ و سياسات اختصرت الرؤية الكونية الى زاوية احادية ترى العالم بكل اختلافاته من خلال اليات السوق…

و هنا….اعتقد ان هناك صراعا شديدا بين محور روسيا و الصين و ايران و محور أمريكا و الغرب التقليدي و اليابان و كوريا الجنوبية حول التطور الرأسمالي و محاولة السيطرة على آليات العولمة و الاسواق… ربما ليس هناك في هذا في هذا الكلام خاصة مع بروز مجموعة البريكس

BRICS …

كما ان هناك كلام عن حرب باردة جديدة و شخصيا كتبت سلسلة من خمسة مقالات عن الثورات العربية و حرب باردة جدية في الربع الاول من 2012…. لكن رغم انتقادنا الدائمي و الشديد للغرب اجد انه من الضرورة الموضوعية ان نفترض ان لا روسيا و لا الصين او الهند او غيرها تحمل اي منهجية سياسية او أخلاقية تجاه العالم بل أن هذه البلدان تحاول ازاحة أمريكا و القوى الرأسمالية التقليدية من قيادة التطور الرأسمالي العالمي مستخدمة مناهج لا تختلف في جوهرها عن المناهج التقليدية في استغلال الشعوب الفقيرة و غير القادرة على إدارة ثرواتها… هناك اختلاف في بعض الآليات و أيديولوجيات التأويل و التبشير و الإقناع … لكن المحصلة النهائية لا تختلف كثيرا… لابد ان لا ننسى ان التمدد الرهيب في الصناعات الصينية الرخيصة قضت على اية محاولة تنموية وطنية في اغلب بلدان العالم الثالث… بل ان هذا التهديد يمتد الان الى أوروبا بعد ان امتدت فعلا الى أسواق الولايات المتحدة و كندا و استراليا و نيوزيلندا … و هي بلدان تقع في بؤرة الغرب الصناعي التقليدي…

اود هنا ان أشير الى مثال مهم لإحدى آليات العولمة و هو ان المافيا الروسية قد إزاحت المافيا الإيطالية التقليدية و المافيات الامريكية من السيطرة على أسواق ما يعرف بالتجارة “غير القانونية” في العالم و خاصة في الغرب و هي تجارة الرقيق الأبيض و المخدرات و العمالة الرخيصة و السلاح و غيرها… و اذا عرفنا انه في عالم الرأسمالية فان الخيط الأبيض بين ” القانوني” و ” اللا قانوني” هو غير واضح أبدا مثل الخيط الأبيض بين الليل و النهار في شمال الكرة الأرضية حيث روسيا تمثل أوسع مدى جغرافي فيه… هنا في الشمال فان ليالي الصيف كلها بيضاء لان هناك ضوء رغم غياب الشمس… اما في الشتاء فان النهار يغوص أيضاً في ظلام رغم شروق الشمس لبضع ساعات لان تراكم الغيوم الكثيفة و بعد مدار حركة الكرة الأرضية عن الشمس يشكلان غطاء طبيعيا يمنع وصول الضوء و لذلك فهناك ظلام دائمي و ان كان بدرجات متفاوتة بعض الشيء بين ليل طويل جداً نهار قصير جداً…

رغم وجود الكثير و الكثير جداً من القوانين المحلية و الدولية التي تمنع الاستغلال و تفضيل المصلحة الشخصية و الحزبية الا ان المافيا الإيطالية و الامريكية و المحلية في البلدان الغربية استطاعت دائماً اختراق المناعة القانونية و الوصول الى السياسيين و كبار البيروقراطيين و عقد صفقات على حساب مبادئ الشفافية و المصلحة العامة و الحرية الشخصية للأفراد و الجماعات … هذه المبادئ التي تؤسس مع مبادئ اخرى ارضية النظام الديمقراطي في البلدان الغربية…

لكن الان و مع سيطرة المافيا الروسية فان هناك أهدافا اخرى تتجاوز الأهداف التقليدية في الثراء و جمع الأموال و ممارسة السياسة من خلف الأبواب…ما تقوم به المافيا الروسية الان تقترب كثيرا من عمل تنظيمي لخلق تغير فوضوي في المجتمعات الغربية… او بكلام اخر… تغير البنية الاجتماعية و السياسية الاقتصادية في الدول الغربية… فهناك إغراق واضح لهذه المجتمعات بالرقيق الأبيض و المخدرات و السلع الرخيصة و الأسلحة و سرقة الأموال من البنوك و المحال التجارية و المؤسسات الخاصة و الحكومية في وضح النهار و دون اي خوف من ملاحقة الشرطة… بل تمتد هذه السرقات الى السيارات و الأجهزة الكهربائية و الكومبيوترات و أسلاك الاتصالات المصنوعة من النحاس… و كذلك الدخول الى بيوت كبار السن و هم كثيرون جداً في الغرب و سرقة ممتلكاتهم الشخصية مع إلحاق الأذى الجسدي بهم و اغتصاب النساء رغم ان إعمار بعضهن يقترب من او حتى يتجاور التسعين سنة…

كل هذه العمليات احدثت خللا في عمل الكثير من المؤسسات و خاصة حركة القطارات التي تعتمد على أسلاك النحاس في خطوط توصيلاتها الكهربائية… و احدثت هزة شدية في الثقة بالبنوك و كلفتها مليارات الاموال في محاولة لتحسين كفاءتها و قدرتها على الحفاظ على أموال المودعين… و كذلك احدثت بلبلة اجتماعية و شرخا واضحا في العلاقة بين الشرطة و المواطنين و كذلك هبوطا حادا في مستوى الثقة بالسياسيين لان الكثير منهم مرتبط بشكل او باخر بعمل هذه المافيات…

الان السؤال الهام هو: ماذا يميز المافيا الروسية عن المافيا التقليدية اي الإيطالية و الغربية المحلية منها و الدولية…؟؟.. ما يميز المافيا الروسية …. و هي بالمناسبة ليست روسية فقط و إنما تنتمي الى بعض دول أوربا الشرقية…هو ان هذه المافيا هي بقايا الاستخبارات الروسية كي جي بي

KGB

التي تمتلك كل اسرار الصناعات و الأساليب السرية لاختراق الأنظمة الالكترونية و أنظمة الشرطة و المخابرات و لذلك فإنها تملك قدرات خارقة تعجز أمامها القدرات المحلية لأي من البلدان الأوروبية…

هنا… لابد ان نتذكر ان الرئيس فلاديمير بوتين و كذلك المحيطين هم أيضاً خريجين ذات المدرسة اي

KGB

و يحملون قدرا كبيرا من العصبية القومية الروسية و أهدافا في تغير البنية الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية في المجتمعات طريقا لبناء هيمنة روسية بديلة عن الهيمنة الغربية..

الان …. هل ان المافيا الروسية هي جزء من استراتيجية للدولة الروسية و ما علاقة ذلك بالعولمة عموما و بظاهرة داعش خصوصا…؟؟؟… هذه الأسئلة سنناقشها في المقالة التالية…. حبي للجميع…

Posted in دراسات سياسية وإقتصادية | Leave a comment